كتب الدكتور عزيز سليمان – أستاذ مادة السياسة والسياسات العامة
في حكايةٍ تنبع من رماد التاريخ وتمضي كالشظية في خاصرة التراب، يقف السودان شاهداً على تراجيديا وطنٍ باع بعض أبنائه ترابه مقابل حفنةٍ من الدولارات، ومصالح ضيقة ألبسوها ثياب الوطنية حيناً ووقف الحرب احايين اخر..
هذا السودان الذي رسمه أجدادنا بدمائهم على خارطة الكفاح، لم يسلم من أطماع الساسة وخياناتهم المتكررة.
الشيوعيون والإسلاميون: وجهان لعملةٍ واحدة
حينما تنظر إلى الشيوعيين، تجد شعارات الثورة والعدالة الاجتماعية تملأ الحناجر، لكن الواقع يحمل خيانة دفينة. كانوا واخرون في التجمع الوطني الديمقراطي يفاوضون على سيادة السودان مع قوى أجنبية، يقايضون استقلال الوطن بورقة "دعمٍ خارجي" تُنسج منها خيوط الخيانة نتج عنها ذهاب الجنوب تحت مسمي "تقرير المصير".
أما الإسلاميون، فقد اتخذوا من الدين قناعاً، ومن الترابي وتلاميذه ونميري مثالاً للانتهازية. كيف لإنسانٍ أن يمحو علم استقلالٍ رسمه الشهداء ويستبدله برايةٍ عربية تُفقد البلاد خصوصيتها وهويتها؟ كيف نغفر لمن جعل السودان تابعاً بدلاً من أن يكون متبوعاً، طمعاً في رضا زعماء الخليج ومصر وبقية المستعربين؟
الأحزاب التقليدية: رموز التخلف والتواطؤ والتمسح بالتراب
الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة، تلك الأحزاب التي تزعم أنها حارسة لتاريخ السودان، كانت تُدير البلاد بعقلية الإقطاعي الذي يملك الأرض ومن عليها. في خضم الصراعات السياسية، لم تكن مصلحة الوطن سوى ورقةٍ تُستخدم على طاولة المقايضات الدولية.
حين اجتمع قادة الأحزاب التقليدية مع قوى الاستعمار الجديد في عواصم الغرب، باعوا مبادئهم كما باعوا مستقبل شعبهم. لم تكن مفاوضاتهم مع القوى الأجنبية في إطار الحفاظ على الوطن، بل في إطار الحفاظ على كراسيهم المهترئة
ماذا جني السودان الوطن من الحزب الاتحادي وحزب الامة:
ترك لنا حزب الامة اسرة يعيش ابناءها وبناتها على تراث مزيف علي قيادة الحزب و دكتاتورية اسرية من والدهم الامام الصادق المهدي الذي جمع بين رئاسة الحزب و امامة الأنصار الي ان لقي ربه.
اما الحزب الاتحادي الذي فقد بريق ليبراليته بعد ان سلم حريته للختمية التي لم يجن السودان منها الا مزيد من الفرقة والجهل والتخلف ومازال أبناء الميرغني يتقسمون التركة التي تركها الوالد. بينما محاولة الشباب الاخيرة للانعتاق من ربقة الميرغني ظهر بينهم ميرغني حديث حطم امالهم في رمال التسلط وشرفات السيلكون.
خمج العسكريين: حين يصبح السلاح أداةً للبيع
لم يكن قادة العسكر أقل خيانة، فقد شهد السودان على مدار تاريخه ديكتاتورياتٍ لطخت ترابه بالخزي اخرها البشير و نميري، الذي تواطأ مع الترابي لإلباس السودان ثوباً لا يشبهه، كان رمزاً للديكتاتور الذي يبيع وطنه دون تردد. كيف لرجلٍ أن يقايض سيادة بلاده بصفقاتٍ تُدار في العتمة؟
واليوم، حين تستخف إثيوبيا وكينيا ويوغندا بحكومة السودان، وحين تطالب بوقف الطيران السوداني، نجد أن سياسة الحكام هي التي أوصلت البلاد إلى هذه المهزلة. كيف نسينا تصريحاتهم المهينة عن السودان؟ واخرها تصريحات وزير الخارجية " الباردة" وكيف تغاضينا عن دورهم في إفقاد البلاد سيادتها؟ صمت الشعب هو الذي ترك الحبل على الجرار.
قوى الحرية والتغيير: الحرية المزعومة والتغيير الموهوم
لم تسلم قوى الحرية والتغيير من لعنة الخيانة. تلك القوى التي جاءت بشعارات الثورة، تحولت إلى أدواتٍ في يد الدول الأجنبية. مفاوضاتهم مع القوى الغربية لم تكن إلا سلسلةً من التنازلات، جعلت السودان مسرحاً للصراعات الدولية.
كيف نغفر لمن جلس مع رؤساء الدول الأجنبية ليناقش مستقبل بلادنا وكأن السودان قطعة أرض معروضة للبيع في مزادٍ علني؟ كيف نصمت على من جعل السودان مرتهناً لقرارات الدول التي لا ترى فيه سوى أرضٍ غنية تُنهب وثرواتٍ تُسرق؟
خيانة الوطن: الوشم الذي لا يُمحى
حين تتحدث إثيوبيا عن السودان بازدراء، وتعلن كينيا عن رفضها لحكومة السودان، وتصرح يوغندا باجتياح الخرطوم، ندرك أن الخيانة لم تكن إلا من أبنائه. تلك الدول لم تكن لتتجرأ لولا أن من بيننا من باع الكرامة ونسى معاني الوطنية.
السودان اليوم جريحٌ، ينزف من جراح خيانة أبنائه. أولئك الذين استبدلوا علم الاستقلال براياتٍ لا تشبهنا، وباعوا سيادة الوطن مقابل حفنة دولارات، ظنوا أن التاريخ سينسى. لكننا نقول لهم: التاريخ لا ينسى، والشعوب لا تغفر.
إلى أين نذهب؟
هل نعيد بناء وطنٍ على أنقاض الخيانة؟ أم نسمح لها بأن تبتلع ما تبقى من تراب؟ الإجابة ليست عند السياسيين ولا العسكريين، بل عند شعبٍ قرر أن يقول كفى. السودان لن يموت، لكن على أبنائه أن يستعيدوا روحه، ويغسلوا عاره الذي لطخوه بأيديهم.
صوت الشعب – الديمقراطية المجتمعية
هو النداء الأخير لإجبار السلطة لسماع صوت الشعب و صوت الشعب هذا يتطلب الاتفاق حول ما هو مطروح من منظومة صوت الشعب – الديمقراطية المجتمعية و الا سيرحل الوطن من التاريخ.
quincysjones@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: صوت الشعب لم تکن
إقرأ أيضاً:
حين أنصف الإمام عليّ(عليه السلام) النساء… وخذلهن الزمان
بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..
في زمنٍ تتسابق فيه الأصوات لتأويل النصوص وتقييد المرأة باسم الدين، تتوقف الكثير من النساء العراقيات اليوم أمام سيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لا بوصفه إماماً مفترض الطاعة فحسب، بل باعتباره أنموذجًا نادرًا للحاكم العادل، والرجل المنصف، والإنسان الذي أنصف المرأة في وقتٍ كان الظلم تجاهها مألوفًا ومقبولًا اجتماعيًا.
حين ننظر اليوم إلى المرأة العراقية ، في النجف وكربلاء، في بغداد والبصرة، وفي المهجر، نراها تحمل في قلبها تقديرًا خاصًا لنهج الإمام علي، لأنها تشعر أن كلماته وسيرته حملت قيمة إنسانها وكشفت عن فهم عميق لكرامة المرأة ودورها ومكانتها.
ففي زمنٍ كان يُنظر فيه للمرأة على أنها متاع، جاء الإمام علي ليقول،
“المرأة ريحانة وليست بقهرمانة” ، أي أنها مخلوق رقيق لطيف لا تصلح لأن تُستغل أو تُستعبد، بل تُصان وتُكرم وتُعامل بما يليق بها.
الإمام علي (عليه السلام) ، في خلافته، لم يفرّق بين رجل وامرأة في الكرامة، ولا في الحقوق، ولا في العدالة. حتى في توزيع بيت المال، لم يُميز بين ذكر وأنثى.
وكان يقول بكل وضوح:
“المرأة أمانة الله عندكم، لا تؤذوها، ولا تقهروها”.
وفي مواقف القضاء، أنصف النساء حتى ضد أقرب المقربين. لم تكن مكانته كحاكم تمنعه من إحقاق الحق، وكان إذا اشتكت إليه امرأة، أصغى بكامل قلبه، وردّ لها حقها دون تحيّز. هذا السلوك لم يكن مجرد عدالة، بل كان ثورة أخلاقية في بيئة اعتادت على ظلم المرأة.
أما في إرثه الفكري، فقد ترك لنا الإمام علي (عليه السلام) تراثًا من الكلمات والمواقف التي تصلح لأن تُبنى عليها فلسفة كاملة لتمكين المرأة في المجتمعات المسلمة، لو أُحسن فهمها دون تحريف أو اجتزاء.
لكن المؤلم أن كثيرًا من هذا الإرث، إما تم تغييبه عمدًا، أو قُدّم بانتقائية تخدم أنظمة تقليدية تعيش على تهميش المرأة.
المرأة العراقية اليوم، وهي تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، تعود إلى نهج الإمام علي لا بحثًا عن العزاء فقط، بل بحثًا عن القوة والمعنى والموقف. هي تعلم أنه قال،
“المرأة شقيقة الرجل”، وأنه كان يرى فيها نصف المجتمع الذي إن صلح، صلح الباقي.
ولذلك، فإن ما تحتاجه المرأة اليوم ليس خطابًا دينيًا مشوّهًا يفرّغ الدين من إنسانيته، بل قراءةً نزيهة وعقلانية لسيرة الإمام علي، تُعيد للمرأة قيمتها التي دافع عنها الإمام، وتفضح من سلبوها هذه المكانة باسم الإمام.
إنصاف المرأة لم يكن شعارًا عند الإمام علي(عليه السلام) ، بل ممارسة حقيقية. واليوم، صار لزامًا على من يدّعون الانتماء لمدرسته، أن يعيدوا لهذا النهج روحه، وأن يُنصفوا المرأة كما أنصفها الإمام علي(عليه السلام).
ختاما يا بنات علي وانا اول وحدة منهن كوني مثله :
قوية ،عادلة ،مضحية ،مثقفة ،شريفة ،رافعة راسج