تشو شيوان **

شهد شهر ديسمبر من عام 2022، انعقاد الدورة الأولى من القِمَّة الصينية العربية في العاصمة السعودية الرياض؛ لتكون علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية، وهذا الحدث لم يكن مجرد اجتماع دبلوماسي عابر؛ بل انطلاقة لعصر جديد من التعاون والتكامل بين الجانبين، في إطار رؤية مشتركة لبناء مجتمع مستقبل مشترك في العصر الجديد، وهذه الانطلاقة تؤتي ثمارها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى على المستوى الشعبي.


وخلال العامين الماضيين، تعمَّقت الثقة الإستراتيجية المتبادلة بين الصين والدول العربية، وأسفرت هذه الثقة عن نتائج ملموسة في شتى المجالات، من التعاون الاقتصادي والتكنولوجي إلى التبادل الثقافي والشعبي. وقد تم ترقية العلاقات الثنائية بين الصين وعدد من الدول العربية؛ بما في ذلك البحرين وتونس وفلسطين، لتصل إلى مستويات شراكة استراتيجية مُتقدمة. واليوم، يُعد العالم العربي من أكثر المناطق كثافةً بشركاء الصين الإستراتيجيين؛ حيث أقامت الصين شراكات شاملة مع 20 دولة عربية إضافة لجامعة الدول العربية.
هذه الشراكة لا تقتصر على التبادلات الاقتصادية أو العلاقات الدبلوماسية؛ بل تتجاوز ذلك إلى دعم المصالح الجوهرية والشواغل الرئيسية لكل طرف. وبينما يواجه العالم تحديات مضطربة، وحروبًا مستمرة في الشرق الأوسط، أثبتت الصين أنها شريك موثوق يحمل رؤية موضوعية وعادلة، ويسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بدون شروط إضافية أو تدخلات مفرطة، وهذا ما تحتاجه الدول العربية؛ شريك استراتيجي يتبنى قضاياها ويساندها في التنمية المستدامة مع الاحترام لمبادئ السيادة والوحدة الوطنية.
أبرز الأمثلة على هذا الدور الفاعل كان في مارس الماضي، عندما لعبت الصين دور الوسيط في المصالحة التاريخية بين السعودية وإيران؛ ما أدى إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة دامت سبع سنوات. كما واصلت الصين دورها البناء بعد اندلاع الصراعات الفلسطينية الإسرائيلية في أكتوبر الماضي؛ حيث حافظت على التنسيق الوثيق مع الدول العربية للعمل على وقف إطلاق النار وإيجاد حلول دائمة للصراع. وفي يوليو، دعمت الصين جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، في خطوة تؤكد التزامها بحماية القضية الفلسطينية والعمل على إنهاء النزاعات في قطاع غزة. هذه المواقف تأتي ضمن إطار رؤية الصين لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بعيدًا عن المصالح الضيقة أو الحسابات السياسية.
الصين اليوم ليست فقط شريكًا اقتصاديًا قويًا للعالم العربي، بل أيضًا شريكٌ سياسي يسهم في حماية القيم الإنسانية وتحقيق العدالة. وهذا التعاون بين الجانبين يعكس إمكانيات هائلة لبناء مستقبل مشترك يحقق مصالح الطرفين ويعزز من مكانتهما في النظام العالمي.
الشراكة الصينية العربية ليست مجرد اتفاقيات أو بيانات مشتركة؛ بل هي نموذج جديد للتعاون الدولي يقوم على الثقة والاحترام المتبادل. ومع التحديات التي تواجه العالم، تبقى هذه الشراكة بارقة أمل لتحقيق السلام والتنمية في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا.
‏ومع التطوير علاقات الصداقة التقليدية الصينية العربية وتعميق الثقة السياسية المتبادلة، شهد التعاون العملي الصيني العربي في مختلف المجالات نتائج مثمرة وجوهرية. ووقعت الصين مع جميع الدول العربية وجامعة الدول العربية اتفاقيات بشأن البناء المشترك لمشروع "الحزام والطريق"، ونجحت الصين في تحقيق تكامل إستراتيجيات التنمية مع العديد من الدول العربية. ونفذت الصين والدول العربية أكثر من 200 مشروع تعاون، وتعد الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة متتالية؛ حيث ارتفع حجم التجارة الصينية العربية من 36.7 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023. وعلاوة على ذلك، زادت صناديق الثروة السيادية للسعودية والإمارات والكويت وبعض الدول العربية الأخرى من استثماراتها للصين.
‏وخلال العامين الماضيين، استمرت أعمال الترجمة والنشر المتبادل للكتب الصينية والعربية في التقدم، وشاركت الكتب الصينية معارض الكتب في الإمارات والمغرب والدول العربية الأخرى؛ مما أثار اهتمام السكان المحليين بالكتب الصينية. كما أُقيم العديد من معارض الآثار الثقافية للدول العربية في بكين ونانجينغ وشانغهاي وغيرها من المدن الصينية الأخرى؛ مما يسمح للصينيين بالتمتع بالسحرية الفريد للحضارة العربية. وبات تعلُّم اللغة الصينية أمرًا مشهورًا في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة؛ حيث قامت 4 دول عربية بما فيها الإمارات والسعودية ومصر وتونس بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، وأنشأت 15 دولة عربية أقسامًا للغة الصينية في الكليات والجامعات، وأنشأت 13 دولة عربية 20 معهدًا كونفوشيوسًا، و2 من الفصول الدراسية الكونفوشيوسية المُستقلة. وفي العام الجاري، ارتفع عدد السياح الصينيين المسافرين إلى الدول العربية بشكل ملحوظ، وتضاعف عدد الرحلات الجوية من مصر والسعودية إلى الصين بالمقارنة مع عام 2019.
‏وختامًا.. يُمكننا القول إنَّ العلاقات بين الصين والدول العربية قد شهدت تطورًا ملحوظًا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الأخرى، ونحن على ثقة تامّة بأن التعاون العملي بين الجانبين الصيني والعربي سيُحقق مزيد من النتائج المثمرة، والصين دائمًا مُستعدة للعمل مع الدول العربية لضخ قوة إيجابية لحفظ السلام والتنمية والاستقرار والازدهار في العالم.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الصینیة العربیة والدول العربیة الدول العربیة بین الصین

إقرأ أيضاً:

وفد جامعة yangzhou الصينية يزور مركز البحوث الزراعية لدراسة التعاون

استقبل الدكتور عادل عبد العظيم رئيس مركز البحوث الزراعية وفد رفيع المستوي من جامعة يانجو الصينية بجمهورية الصين الشعبية برئاسة jianning Ding رئيس جامعة يانجو الصينية والوفد المرافق لبحث سبل التعاون بين الجانبين في المجالات الزراعية.

زيارات مكثفة لقيادات مركز البحوث الزراعية لمحطات البحث خلال إجازة عيد الأضحىوفد البحوث الزراعية يتابع البرامج البحثية المختلفة بمحطة سخا بكفر الشيخ

 ومن جانبه قال رئيس المركز ان هذة الزيارة تعد خطوة هامة في مجال التعاون بين مصر والصين في مجال البحوث الزراعية والتمهيد.لتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين وقال عبد العظيم ان هدف تلك الزيارة التعرف علي إمكانيات البحثية لمركز البحوث الزراعية وفتح افاق جديدة للتعاون المستقبلي في مجال البحوث التطبيقية وتعزيز سبل  التعاون المشترك بين الجانب المصري والصيني  في مختلف المجالات الزراعية.

 وفي بداية اللقاء قدم الدكتور عادل عبد العظيم رئيس مركز البحوث الزراعية عرض تقديمي عن دور مركز البحوث الزراعية في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة لمصر وتحقيق الأمن الغذائي المصري والصادرات الزراعية.

 واضاف رئيس المركز انه خلال اللقاء تم مناقشة آفاق التعاون والتعريف بالبرامج البحثية التطبيقية والتقنيات الحديثة المستخدمة في الزراعة بمصر وبحث سبل الاستفادة من التجارب الصينية في هذا المجال.

 كما ناقش اللقاء أيضا انشاء معمل مشترك بين البلدين  سيكون منصة للباحثين من الجانبين والعمل علي تنفيذ  مشاريع بحثية مبتكرة مما يساهم في تطوير تقنيات جديدة تعزز من التنمية الزراعية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي المصري كما يساهم ذلك في تعزيز الشراكات الدولية.

وتعد هذة الزيارة استمرارا للتعاون بين مصر والصين في مجال البحوث الزراعية وبحث آفاق التعاون المستقبلي في مجال البحوث التطبيقية وفي ختام الزيارة اشاد الوفد بالزيارة وامكانات مركز البحوث الزراعية العلمية والبشرية.

 ويأتي ذلك في إطار توجيهات وزير الزراعة واستصلاح الأراضي علاء فاروق بتعزيز ونقل المعرفة وتبادل الخبرات بين مصر والدول  واشار عبد العظيم الي دور المركز في استنباط أصناف وهجن جديدة من التقاوي والبذور عالية الجودة والانتاجية للمحاصيل الاستراتيجية المختلفة وقادرة علي التكيف مع التغيرات المناخية وتحمل الملوحة وارتفاع درجات الحرارة.

 معهد بحوث  المحاصيل الحقلية


حضر اللقاء الدكتور ماهر المغربي نائب رئيس مركز البحوث الزراعية للانتاج والدكتور علاء خليل مدير معهد بحوث  المحاصيل الحقلية

طباعة شارك الدكتور عادل عبد العظيم مركز البحوث الزراعية جامعة يانجو الصينية الصين المجالات الزراعية

مقالات مشابهة

  • الصين تؤكد التزامها تجاه أفريقيا وتعرض إلغاء الرسوم الجمركية
  • وفد جامعة yangzhou الصينية يزور مركز البحوث الزراعية لدراسة التعاون
  • الصين ترفض دعوة البوليساريو إلى منتدى التعاون الصيني الأفريقي
  • مستقبل وطن: المجلس التنسيقي المصري السعودي يدعم الاستثمار والتنمية
  • ليبيا وجيبوتي تبحثان تعزيز التعاون السياسي والتنمية المشتركة
  • وزير الخارجية يستعرض رؤية مصر لتحقيق السلام والتنمية المستدامة بإفريقيا خلال منتدى أوسلو
  • متحدثة الخارجية الأمريكية السابقة: الناس في غزة والعالم العربي يروننا شركاء في جرائم الاحتلال
  • إيزي ليس توقع شراكة استراتيجية لتعزيز حلول الذكاء الاصطناعي
  • العراق:ندعم الحوار والتنسيق المشترك لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة
  • شراكة استراتيجية بين بروج وأدنوك للإمداد والخدمات