بوابة الفجر:
2025-08-02@20:42:37 GMT

كريم وزيري يكتب: الأسد الصاعد وضربة الراهب

تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT

في ساعة مبكرة من فجر الثالث عشر من يونيو 2025، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية معقدة وعالية الدقة ضد منشآت عسكرية ونووية إيرانية في قلب العمق الإيراني، عملية حملت الاسم الرمزي "الأسد الصاعد"، لتشكل أخطر مواجهة مباشرة بين تل أبيب وطهران منذ ثلاثة عقود، وربما منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية ذاتها، ولم تكن الضربة مجرد غارات جوية تقليدية، بل عملية مركبة جمعت بين اختراق استخباراتي غير مسبوق، وعمليات إلكترونية معقدة، وضربات جوية وصاروخية دقيقة، واغتيالات مركزة لقيادات عليا، مما يجعلها تمثل نقطة تحول في مفهوم الحرب الوقائية والاستباقية في الشرق الأوسط.

اعتمدت العملية على تحضير استخباراتي دام أكثر من ثمانية أشهر، جرى خلاله زرع وحدات استخبارات بشرية وتقنية متقدمة في محيط المواقع الإيرانية الحساسة، بما في ذلك منشأتي نطنز وفوردو النوويتين، إضافة إلى مراكز تطوير الصواريخ الباليستية ومنشآت الحرس الثوري تحت الأرض في كرمان وخُرَّم آباد بالتوازي، وتمكنت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تعطيل منظومات الدفاع الجوي الإيرانية عبر عمليات قرصنة إلكترونية دقيقة سبقت تنفيذ الضربة بساعات قليلة، مما شل شبكة الرادارات الإيرانية بالكامل وفتح ممرات جوية واسعة أمام الأسراب الجوية الإسرائيلية العابرة لأكثر من ألف كيلومتر نحو عمق الأراضي الإيرانية.

كانت المفاجأة الإيرانية مزدوجة، أولها أن مستوى الخرق الأمني وصل إلى مراكز القيادة العليا في الحرس الثوري حيث تم اغتيال العميد حسين سلامي قائد الحرس الثوري ونائبه محمد باقري أثناء اجتماع أمني مغلق في منشأة تحت الأرض في طهران، وثانيها أن القبة الصاروخية الإيرانية فشلت في اعتراض الصواريخ الذكية التي استهدفت مواقع التخصيب والتجميع النووي بدقة جراحية، ما أدى إلى تعطيل أكثر من 60% من قدرات إيران النووية التشغيلية خلال ساعات معدودة، وفق تقديرات أولية من مراكز بحثية محايدة في أوروبا.

أرادت إسرائيل من هذه العملية أن توصل رسالة مركبة متعددة الطبقات، الرسالة الأولى موجهة إلى إيران، بأن مشروعها النووي لن يكتمل تحت أي ظرف، وأن أي تقدم تقني ستبلغه طهران سيواجه بردع عسكري استباقي مهما بلغت درجة الحماية الجغرافية أو التحصينات التحتية، أما الرسالة الثانية، فهي موجهة للولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل في الغرب، ومضمونها أن تل أبيب تحتفظ لنفسها بالقدرة الكاملة على التحرك منفردة في حماية أمنها القومي دون الحاجة لضوء أخضر أميركي أو دعم لوجستي دولي معلن، بينما حملت الرسالة الثالثة شيفرة ردعية موجهة لوكلاء إيران الإقليميين كحزب الله في لبنان، وأذرعها في العراق واليمن، مضمونها أن يد إسرائيل قد تطال الجميع في التوقيت الذي تختاره.

من الجانب الإيراني، فإن الصدمة الأولية لم تمنع النظام من التحرك السريع لإظهار تماسكه العسكري والسياسي، حيث أطلقت طهران خلال 24 ساعة أكثر من 100 طائرة مسيرة وهجمات صاروخية محدودة نحو أهداف إسرائيلية، تم اعتراض معظمها عبر منظومات الدفاع الجوي المتطورة، ومع ذلك فإن الرد الإيراني المباشر كان محكومًا باعتبارات أعمق فالتصعيد الكبير قد يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة شاملة، بينما يفضل النظام الإيراني إدارة المواجهة عبر استراتيجية "الرد بالتنقيط" وتفعيل الجبهات غير النظامية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

في العمق الاستخباراتي لهذه المواجهة، ظهر بوضوح حجم التطور التقني الكبير في أداء الموساد الإسرائيلي، الذي تمكن من توجيه ضربات دقيقة داخل غرف العمليات الإيرانية المحصنة، وهو ما يعكس اختراقًا مزدوجًا بشريًا وتقنيًا لأجهزة الأمن الإيرانية، لا سيما في فيلق القدس والحرس الثوري، وتعد هذه الضربة من الناحية الاستخباراتية تتويجًا لعقدين من بناء شبكة عملاء متغلغلة في البنية التحتية الإيرانية، مستفيدة من نقاط ضعف داخلية تتعلق بالصراعات بين أجنحة النظام ذاته.

في خلفية هذا المشهد العسكري الصاخب، برز التباين الأميركي الإسرائيلي في إدارة الصراع مع طهران، فبينما اكتفت واشنطن بإصدار بيانات تدعو لضبط النفس، مع إشارات خافتة إلى معرفتها المسبقة بالعملية، فإن إدارة البيت الأبيض لم تكن راغبة في تحمل كلفة مواجهة إقليمية مفتوحة مع إيران، خصوصًا في ظل أجواء الانتخابات الرئاسية الأميركية الوشيكة والضغوط الاقتصادية الداخلية المتزايدة، وهو ما منح إسرائيل هامش حركة شبه منفرد لتنفيذ عمليتها وفق جدولها الخاص وتقديراتها الاستخباراتية الحصرية.

واقتصاديًا أثرت الضربة فوريًا على أسواق الطاقة، حيث سجلت أسعار النفط ارتفاعًا بنسبة 9% خلال الساعات الأولى، وسط مخاوف من تعطل إمدادات الطاقة في مضيق هرمز وخليج عمان، وهو ما يضيف عنصرًا اقتصاديًا حساسًا في حسابات القوى الكبرى الساعية لاحتواء التصعيد، لا سيما الصين والاتحاد الأوروبي اللذان يعتمدان جزئيًا على استقرار النفط الإيراني والخليجي معًا.

وعلى الأرض يعرف الإسرائيليون أن الضربة، رغم نجاحها العملياتي، لم تنه المشروع الإيراني بالكامل، لكنها وجهت له ضربة قاصمة قد تحتاج طهران لسنوات لتعويضها، غير أن الأخطر يكمن في أن إيران قد تنقل المواجهة من الحرب الصريحة إلى حروب الظل، عبر تنفيذ عمليات إرهابية خارج حدود الشرق الأوسط أو استهداف شخصيات إسرائيلية ورموز دبلوماسية في الخارج، مستفيدة من شبكات فيلق القدس المنتشرة في إفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.

في المستقبل القريب ستدور المواجهة بين تل أبيب وطهران في أربعة محاور متزامنة، استمرار الهجمات السيبرانية المتبادلة، معارك الوكلاء في العراق وسوريا ولبنان، تصاعد حرب الطائرات المسيرة الدقيقة، ومحاولة كل طرف استنزاف الآخر اقتصاديًا ودبلوماسيًا على الساحة الدولية، أما على المدى المتوسط، فستكون قدرة إيران على إعادة بناء بنيتها النووية تحت المراقبة المشددة إسرائيليًا وغربيًا، مع إدراك الطرفين أن أية محاولة تسريع من طهران ستعني جولة ثانية أكثر عنفًا وشمولية من المواجهة العسكرية.

إن عملية "الأسد الصاعد" لم تكن عملية عسكرية اعتيادية، بل كانت إعلانًا واضحًا عن دخول الصراع بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة بالكامل، يتراجع فيها وزن الدبلوماسية التقليدية أمام صعود منطق القوة الاستخباراتية والضربات الوقائية المركزة، والنتيجة أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة طويلة من إدارة حافة الهاوية بين قوتين تملكان من أدوات الردع ما يكفي لإشعال حريق إقليمي واسع، أو الإبقاء على نار تحت الرماد قابلة للاشتعال في أية لحظة.

 

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الشرق الأوسط الدفاع الجوي الموساد الطائرات الاستخبارات الحرس الثوري الصواريخ الباليستية كريم وزيري عملية عسكرية أکثر من

إقرأ أيضاً:

إيران تطالب ترامب بتعويضات عن خسائر حرب الـ 12 يوما قبل استئناف مفاوضات النووي

في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن على الولايات المتحدة الموافقة على تعويض إيران عن الخسائر التي تكبدتها خلال حرب الشهر الماضي، ضمن تمسك طهران بموقفها وفرضها لشروط جديدة من اجل استئناف المحادثات النووية مع إدارة الرئيس الأمريكي.

وقال عباس خلال المقابلة التي أجريت في طهران إن بلاده لن توافق على العمل كالمعتاد بعد حرب الـ 12 يوم مع إسرائيل وامريكا التي انضمنت الى القتال لفترة وجيزة، وأضاف في إشارة الى ترامب: «عليهم أن يشرحوا لماذا هاجمونا في منتصف المفاوضات.. وعليهم ضمان عدم تكرار ذلك خلال المحادثات المستقبلية.. وعليهم أن يعوضوا إيران عن الضرر الذي تسببوا فيه».

وأشار عراقجي، وهو كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين في المحادثات مع واشنطن، إلى أنه تبادل الرسائل مع المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف، خلال الحرب وبعد انتهائها، وأنه أبلغه بأنه من الضروري التوصل إلى حل يرضي الطرفين لإنهاء المواجهة المستمرة منذ سنوات بشأن برنامج إيران النووي، وتابع: "الطريق المؤدي إلى التفاوض ضيق لكنه ليس مستحيلاً.. أنا بحاجة إلى إقناع رؤسائي بأننا إذا ذهبنا للتفاوض.. فإن الطرف الآخر سيأتي بعزم حقيقي للتوصل إلى اتفاق مربح للجانبين".

وقال إن ويتكوف حاول إقناعه بأن ذلك ممكن واقترح استئناف المحادثات، وأضاف: «نحن بحاجة إلى إجراءات حقيقية لبناء الثقة من جانبهم».

وقال عراقجي للصحيفة البريطانية إن التعويضات يجب ان تشمل تعويض مالي دون تقديم تفاصيل، وضمانات بعدم تعرض إيران للهجوم في أثناء المفاوضات مرة أخرى.

شنت الولايات المتحدة هجمات الشهر الماضي على المنشآت النووية الإيرانية التي تقول واشنطن إنها جزء من برنامج موجه لتطوير أسلحة نووية وتؤكد طهران أن برنامجها النووي مخصص لأغراض مدنية بحتة ولم يرد البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية بعد على طلب التعليق.

اقرأ أيضاً«تبعد مسئوليتها عن الإبادة».. إيران ترفض مزاعم أمريكا حول التدخل في مفاوضات غزة

إيران: المحادثات النووية مع الترويكا الأوروبية منفصلة عن الحوار غير المباشر مع واشنطن

إعلام إيراني ينشر لحظة محاولة اغتيال الرئيس بزشكيان بصاروخ إسرائيلي (فيديو)

مقالات مشابهة

  • الخارجية الإيرانية: الاتهامات الغربية ضد طهران هدفها تشتيت الانتباه عن "جرائم غزة"
  • ترامب: على إيران تغيير نبرة تصريحاتها بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران
  • كارثة تلوح في الأفق.. الرئيس الإيراني يحذر من جفاف سدود تزوّد طهران بالمياه
  • الرئيس الإيراني يحذر من جفاف سدود تزوّد طهران بالمياه
  • الرئيس الإيراني عن أزمة المياه: السدود قد تجف بحلول سبتمبر
  • إيران تطالب ترامب بتعويضات عن خسائر حرب الـ 12 يوما قبل استئناف مفاوضات النووي
  • عراقجي: إيران لن تقبل بأن تمضي الأمور كما كانت عليه قبل حرب الـ12 يوم مع “إسرائيل”
  • حرب الاستخبارات السرية بين إيران وإسرائيل بدأت
  • استهدفت أسطول شمخاني.. عقوبات أميركية على إيران هي الأوسع منذ عام 2018