الشاعر سلطان الصريمي.. تاريخ حافل في مجالات الأدب والسياسة
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
خليل المعلمي
غادر دنيانا الشاعر الكبير والسياسي المخضرم الدكتور سلطان الصريمي الاثنين الماضي 29 جمادى الآخرة 1446هـ الموافق 30 ديسمبر 2024م، بعد حياة حافلة بالإبداع والتميز والكفاح والعمل الوطني في مختلف المجالات السياسية والتنموية والإبداعية، عن عمر ناهز الـ76عاماً تنقل خلالها بين كثير من المناطق داخل اليمن وخارجها، وشغل العديد من المناصب السياسية والإدارية وكان أهمها فوزه بعضوية مجلس النواب خلال الدورة (93 – 1997م).
وقد نعته كل من وزارة الثقافة والسياحة وكذا اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، (الأمانة العامة وفرع صنعاء) وأشاروا في بيانات النعي إلى أن اليمن فقد برحيله واحدا من رموز المشهد الثقافي والأدبي والإبداعي.
ومما جاء في بيانات النعي: «إن فقدان الأديب والمثقف والشاعر الكبير سلطان الصريمي سيترك أثرا كبيراً في الساحة الثقافية اليمنية والعربية».. منوهة بما تميزت به تجربته وما مثلته من إضافة كبيرة للشعر اليمني إلى جانب ما تركه من بصمات وحضور فاعل في المشهد الثقافي اليمني طيلة العقود الماضية.
وأكدوا أن الشاعر الصريمي بتجربته الشعرية المتميزة وقصائده الزاخرة بالتنوع سيبقى مدرسة للأجيال اليمنية.
وتطرقا إلى خصوصية التجربة الشعرية في قصيدة سلطان الصريمي، التي ظلت على مدى أكثر من خمسة عقود تقدم إضافات نوعية لتجربة الشعر اليمني، منوهًا بعلاقة الشاعر الإبداعية بالفنان عبدالباسط عبسي اللذين مثلا معا ثنائيا إبداعيا في تجربتهما الشعرية والغنائية على مدى عقود.
ونوهوا بقرب قصيدة الصريمي من تفاصيل الحياة اليومية لليمنيين حتى برز كشاعر مختلف في علاقته بالهم العام في اليمن، مؤكدا أن الصريمي كان أحد الأسماء التي فتحت آفاقا جديدة للقصيدة الشعبية الحديثة في اليمن علاوة على تجربته ضمن مؤسسي الاتحاد الذين كان لهم الدور الفاعل والمؤثر في إرساء مداميك مؤسسة الاتحاد كمؤسسة وحدودية.
وأعربوا عن خالص العزاء وصادق المواساة لكافة أفراد أسرته.. سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
وقد حفل تاريخ الشاعر الدكتور سلطان الصريمي بالعطاءات الإبداعية الفذة، وبالمواقف المنحازة دائماً للكلمة والإبداع انحيازها للقضايا التي ترفع راية الوطن ومجده، وشعارات الذود عن الإنسان وحقوقه، فوق كل الرايات الأخرى، التي كثر ما كانت تأتي دوناً من ذلك في مسيرة الفقيد، سواء على الصعيد الثقافي والأدبي أو على صعيد العمل الوطني والسياسي..
عاش لسنوات صراعاً مريراً مع المرض، وتاركاً وراءه طيفاً واسعاً من الإنتاج الثقافي والإبداعي ورصيداً كبيراً يشار إليه من النضال في سبيل الكلمة والوطن، والدفاع عن الحريات، بالإضافة إلى كمٍ هائلٍ من الذكريات والمواقف التي تستحق التوقف عندها، وتدوينها لتكون مساراً مكتوباً وضوءاً منيراً لمن يليه من أدباء ومثقفي الساحة اليمنية على امتدادها..
ولد الدكتور سلطان في الحجرية بمحافظة تعز في العام 1948م وتلقى هنالك تعليمه الأولي، ثم انتقل مع والده إلى جيبوتي حيث واصل تعليمه هناك، وبعد عودته مباشرة إلى أرض الوطن حلق مجدداً في العام 1980م إلى روسيا لإكمال تعليمه العالي، ليحصد هناك درجة الماجستير في الأدب الشعبي، ثم الدكتوراه في فلسفة العلوم الاجتماعية.
شغل الفقيد الصريمي مكانه الدائم في عضوية وقيادات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، متنقلاً بين المجلس التنفيذي والأمانة العامة، وكان عضواً في اتحاد الأدباء والكتاب العرب.. كما كان عضواً برلمانياً وقيادياً فاعلاً في الحزب الاشتراكي اليمني، على الصعيد السياسي، وشغل مناصب حزبية وصحفية، إذ كان عضواً في المكتب السياسي للحزب وترأس تحرير صحيفة الثوري الصادرة عنه..
وقد ترك في إثر مساره الأدبي الكبير الكثير من الإنتاج والإنجاز الشعري المتميز، خصوصاً في مجال الشعر الشعبي والغنائي، ومن أبرز عناوين إصداراته الشعرية: «أبجدية البحر والثورة»، «نشوان وأحزان الشمس»، «قال الصريمي»، «هموم إيقاعية»، «أربع وردات وقصيدة»، «الهواجس»، «زهرة المرجان».
وبهذا المصاب الجلل، تكون الساحتان الثقافية والوطنية قد خسرتا علماً إبداعياً ووطنياً بارزا، وهي خسارة موجعة وباعثة على الحزن والأسى.
كان له كتابات متنوعة في الأدب وعلم الاجتماع وبحوث أدبية واجتماعية وسياسية، نشر له في معظم الصحف والمجلات العربية واليمنية الشهرية واليومية والدورية.
وغنى له عدد من الفنانين اليمنيين وفي مقدمتهم الفنان محمد مرشد ناجي، أيوب طارش عبسي، عبدالباسط عبسي، أحمد فتحي، محمد صالح شوقي، نجيب سعيد ثابت، عبدالجليل العسبي، جابر علي أحمد، عبداللطيف يعقوب، ومن العرب فرقة الطريق العراقية، حميد البصري، فرقة محمد حسين منذر السورية، شوقية العطار، قيس العراقي.
ومن أشهر قصائده المغناة «تليم الحب»، لحن وغناء الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، وكذا قصيدة «نشوان» والتي غناها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي وقد أحدثت جدلاً كبيراً ولاتزال خلال فترة حساسة من تاريخ بلدنا المعاصر.
وقد شكّل الشاعر الدكتور سلطان الصريمي مع الفنان الكبير عبدالباسط عبسي ثنائياً راقياً من خلال عشرات الأغاني التي لا يزال صداها في ذاكرة الأجيال.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
«الثّقافة والعلوم للشّعر العربيّ».. جائزة ملهمة للاحتفاء بالقصيدة
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
جاءت جائزة ندوة الثقافة والعلوم للشعر العربي في دورتها الثانية تحت عنوان «دورة حمد خليفة أبو شهاب»، وهي في اختيار عناوين دوراتها تهدف إلى تكريم الشخصيات الثقافية الرائدة والمُلهمة التي أضافت الكثير إلى المشهد الإبداعي والثقافي المحلي، كما أنها في جوهر رسالتها تسعى إلى اكتشاف والاحتفاء بالشعر العربي والمواهب الشعرية في مختلف الدول العربية.
وحسب تأكيد بلال البدور، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، فإن الجائزة التي تم استحداثها قبل عامين جاءت دعماً وتحفيزاً للشعراء، وأن جوائز الشعر على المستوى العربي كثيرة، وبعضها يكرم ديوان الشعر، ولكن جائزة «الندوة» تكرم القصيدة نفسها، وتقدم الشاعر الذي يستحق أن ينال الجائزة بما يقدمه من محتوى ومضمون متميزين.
إضافة حقيقية
من جانبه قال علي عبيد الهاملي، نائب رئيس مجلس الإدارة، الأمين العام لجائزة ندوة الثقافة والعلوم للشعر العربي، إن جائزة الشعر مهمة وملهمة في الوقت نفسه، وتعتبر إضافة حقيقية للساحة الثقافية عامة، والشعرية خاصة، لافتاً إلى أن المشاركات تضاعفت في هذه الدورة قياساً للدورة الأولى، حيث بلغ عدد المشاركين 1234 مشاركاً، توزعوا على النحو التالي: 576 مشاركاً في فئة الشعر العمودي، 304 مشاركين في فئة شعر التفعيلة، و354 مشاركاً في فئة شعر النثر.
وقد فاز في الشعر العمودي الشاعر محمد حامد عبدالله العياف، من المملكة الأردنية الهاشمية، عن قصيدته (ترنيمة أخرى لوجه الحياة).
وفي شعر التفعيلة فاز الشاعر إبراهيم عيسى محمد علي، من الجمهورية اليمنية، عن قصيدته (الأسوار). وفي شعر النثر فاز الشاعر محمد عبدالله سليمان التركي، من المملكة العربية السعودية، عن قصيدته (تعليمات الحصول على بيت شاعر).
أسس الاختيار
استندت لجنة التحكيم إلى مجموعة من الأسس في اختيارها للقصائد الفائزة، منها البنية والمعمار الشعري، حيث اختارت القصائد قالباً سردياً قائماً على الإرشاد التهكمي، وقد نجحت في استثمار هذا الشكل لبناء نص شعري يتخذ شكل «كتالوج» أو دليل مستخدم وجودي، إلى أن تمكّن الشعراء من خلق بنية شعرية تشكل محوراً بنائياً ودلالياً يحكم سير المقاطع، ويمنح النص طابعاً شعرياً موحداً رغم التعدد الظاهري.
وأما بالنسبة للصور والمفارقات، فبرزت قدرة القصائد الفائزة على توليد صور ومجازات مركبة تنزلق بين الواقعي والرمزي، وتمنح هذه الصور النص عمقاً تأويلياً وتفتح أبواباً لفهمه باعتباره تشريحاً شعرياً للبيت بوصفه كياناً نفسياً وسردياً وليس فقط مكانياً.
ومن حيث الانتقالات الزمكانية والانزيحات تنقلت النصوص الفائزة بين محطات الحياة، حيث تتحوّل الفقرات من مشاهد محسوسة إلى استعارات وجودية كبرى، وهذا التحول يظهر انسجاماً كبيراً بين النص والتجربة الإنسانية المُلهمة.
وتميّزت أساليب النصوص الفائزة بلغة شعرية مستخدمة ذات طابع مجازي، تمزج بين البساطة اليومية والمفارقة الرمزية، تجيد القصيدة اللعب على الإيقاع الداخلي للجُمل، وإدخال القارئ في حالة من التواطؤ الذهني مع ما يبدو مألوفاً، لكنه موشوم بالخطر والمجهول.
في مجمل الرؤية البانورامية للجائزة والأعمال الشعرية الفائزة، عبارة عن إضافة إبداعية وتجربة شعرية أصيلة، تتفوّق في البناء والطرح، وتقدم نموذجاً ناجحاً في استثمار البنية السردية في كتابة القصيدة التي تنبض بالقلق الوجودي، وتطرح أسئلة، والتألق الإبداعي المُلهم.