عربي21:
2025-08-13@05:03:32 GMT

خرائط وخرائط ولا شيء سوى الخرائط

تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT

يكاد الفكر السياسي الفلسطيني يفشل في قراءة مرحلة الخرائط الإسرائيلية الجديدة، وذلك لأنّ مثل هذه الخرائط، مثلها، أو أقلّ منها، أو أكثر قد نُشر على مدى أكثر من قرن من الزمن.

الخرائط الصهيونية، والتي تتحوّل في السنوات الأخيرة، أو تحوّلت فعلاً إلى «مرحلة بحدّ ذاتها» كانت قد خضعت وأُخضعت لدراسات فلسطينية وعربية جادّة، وفي قسمٍ لا يُستهان به منها كانت هذه الدراسات عميقة في محتواها، وفي قراءة ما ينطوي عليه الفكر الصهيوني، وخصوصاً في بعض جوانبه الفكرية والأيديولوجية.



هذا الأمر يمكن أن يتمّ التعرّض له لاحقاً في إطار معالجات خاصة، والمفترض أن تكون متخصصة، أيضاً.

والواقع أنّ أيّ دراساتٍ جادّة ومتخصصة حيال معالجة المرحلة الجديدة من «مرحلة الخرائط» يحتاج إلى نوع من «حوصلة وترصيد وتصفية» المراحل السابقة على هذه المرحلة، لكي يصار إلى رؤية الخرائط الجديدة، في مرحلتها الجديدة في السياقات الضرورية المطلوبة.

أين يكمن خطر فشل، أو الفشل في قراءة المرحلة الجديدة من الخرائط؟ وهل نحن أمام انتقالٍ من مرحلة إلى مرحلة جديدة؟ ليس فقط في إطار المرحلة «الخرائطية» أم ان الأمر يتعلّق أساساً، بالجانب الآخر، والأهم في المسألة كلّها، والذي يتمثل بقراءة الانتقال من الجوانب الفكرية والأيديولوجية للخرائط إلى مرحلة القيام بها، أي التحوّل إلى مشروع سياسي مباشر، وإلى جزء مباشر من جدول الأعمال؟

وهل [إذا كنّا فعلاً جادّين في هذه القراءة] يأتي هذا الفشل لأسباب من قبيل القصور وشحّ الإمكانيات، أم نحن أمام دوافع أخرى تتصل أساساً بالخواء الذي باتت عليه «البرامج» السياسية للقوى السياسية الرئيسية الفلسطينية، وتحوّل هذا الخواء إلى قاسم مشترك أعظم من بين كل القواسم الأخرى؟

وليس المقصود هنا أن هذه البرامج صحيحة أم لا، مُحقّة أم لا، عميقة أم لا، المقصود هنا هو فيما إذا كانت هذه البرامج مقنعة أم لا، عملية أم لا، تستجيب للتحديات أم لا، قادرة على الفعل التعبوي أم لا، تكتّل وتؤطّر أم لا، تعكس المصالح الحيوية للفئات الاجتماعية أم لا، ترتقي بالوعي الوطني أم تشوّهه، لديها وسائل فاعلة ومؤثّرة في المواجهة أم ان وسائلها، أيضاً، وأدواتها تعتاش على ما تجاوزه الزمن.

هذا فقط على مستوى «الدوافع» التي تتصل بالخواء أو التقادم، أو البرامج التي تراوح في زمن هو قد مضى بالفعل، وفي مكان لم نعد نقيم عليه كما كنّا.

الخوف ليس من هذا الجانب من «الدوافع» فقط، وإنما من الجانب الآخر والذي يعرف بأن برامجه لم تعد تقدّم الإجابات، ولم تعد تطرح الأسئلة، ولم تعد معنية بأيّة تراجعات أو مراجعات، وما زالت توهم نفسها أنّ لا علّة في البرامج، وإنّما العلّة في صعوبة الظروف المحيطة، أو أنّها تفضّل الاختفاء خلف التدخلات الخارجية، أو صعوبة الظروف لتبرر لنفسها الاستنكاف عن التراجع والمراجعة.

لهذا كلّه فإنّ «التصدي» للمرحلة الجديدة من الخرائط لا يمكن أن تعتبر جدّية طالما أنّها تأتي على هيئة تصريح سياسي بدلاً من أن تأتي في سياق مراجعات للبرامج والأساليب والأدوات على المستوى الوطني الكلّي الشامل في ضوء ما تمثّله من تحدّيات، وفي ضوء ما تفرضه من أخطار.
عندما يتم مواجهة «خرائط» المرحلة الجديدة بتغريدات سياسية علينا أن نعرف بأننا نقف في منتصف دائرة الفشل.
انتظار هذا التراجع، وهذه المراجعة هو سبب إضافي في هذا الفشل
علينا أن نعترف بأن المنظومات السياسية، والمنظمات السياسية في بلادنا، في كلّ بلادنا، لأنّ بلادنا كلّها بلاد واحدة، مهما اختلفت هنا أو هناك درجة الخطر.. علينا أن نعترف أن انتظار هذا التراجع، وهذه المراجعة هو سبب إضافي في هذا الفشل، وهو الأمر الذي يحتّم ــ كما أرى ــ على نُخب معيّنة أن ترتقي بأدائها ودورها لكي ترتقي مكانتها من جهة، ولكي تقوم بواجبها حيال مجتمعها وشعبها، كل شعبها من جهة أخرى.

ليس في نيّتي في هذا المقال أن أبدأ بمثل هذا التوجّه، لأنّ الأمر أكبر من أن يبدأ به كاتب أو مثقّف أو ناشط سياسي، أكبر بكثير من أيّ جهدٍ فردي، ومن أيّ مبادرة متحمّسة.

وما سأقترحه هنا ليس شيئاً من هذا القبيل مطلقاً، وإنّما أقترح أن يتمّ الدعوة إلى حوارٍ هادئ ــ بقدر ما هو ممكن ــ يأخذ بعين الاعتبار المثل اليوناني القديم الذي يقول؛ لنسرع ببطء، وإلى لقاءات منظّمة، دورية ومتواصلة لمناقشة أزمة، أو أزمات العمل الوطني الفلسطيني، بعيداً ــ بقدر ما هو ممكن ــ عن الآراء المسبقة، والانتماءات المسبقة، وعن الأطر المسبقة نحو بلورة ما يمكن اعتباره نتاجات مجموعات تفكير فلسطينية، لكي ننفتح فيما بعد، وبعد أن يتمّ بلورة الآليات المناسبة على نخبٍ عربية نعرف ومنذ الآن أنها تشتغل في هذا الهمّ، ونتمنّى أن تبادر النخب الفلسطينية إلى لملمة وضعها، والبدء بمبادرات جدّية على هذا الصعيد.

واضح أنّ خرائط «العهد الإسرائيلي الجديد» أو ما أطلقنا عليه مجازاً بالمرحلة الخرائطية هي سياق لمراحل سابقة، وهذا الأمر يحتاج إلى أن يتحوّل كمنطلقٍ لفهم الخرائط الجديدة، وواضح أنّ المسألة لا بدّ وأن ترتبط بالرصد المكثّف للتحوّلات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي إلى يومنا هذا، والسياق الذي أدّى وأنتج مرحلة الخرائط الجديدة، كما أنّه من الواضح أن الانتقال الذي تمّ من مرحلة إدارة الصراع إلى حسم الصراع هو عنوان كبير في قراءة هذا السياق المتصل.

الأهم ربّما، أو هو على نفس درجة الأهمية هو رؤية مجيء «الترامبية» وعلاقتها المباشرة بالمرحلة الخرائطية، النتائج التي تتوهّهمها دولة الاحتلال للحرب الكارثية التي ما زالت تدور في الإقليم، وللحرب التي ستدور حتماً، وبصورة أشد وأقسى في حالة إن بدأت مجموعات «اليمين» الفاشي بوضع «خرائطها» على جدول الأعمال.

في الآونة الأخيرة بدأت بعض الكتابات الفلسطينية بالتعبير عن نفسها بصورة أكثر دقّة وجلاءً نحو هذه المراجعة، وقد لمست شخصياً أن عمقاً أكبر بات يحاول جاهداً، وبإخلاصٍ كبير تناول الحالة الوطنية من باب إعادة النظر، من باب التراجع، ومن باب المراجعات الرصينة.

وقد لفت انتباهي ما كتبه الصديق العزيز، الدكتور إياد البرغوثي، وما كتبته الصديقة العزيزة الدكتورة غانية ملحيس في هذا الإطار، وفي هذا الاتجاه، كما أنني وبصرف النظر عن أيّ اختلافات أو تعارضات مع كتّاب أصدقاء أعزّاء مثل الأستاذ هاني المصري، والأستاذ عريب الرنتاوي والاستاذ مهند عبد الحميد والاستاذ اكرم عطا الله والاستاذ عبد الغني سلامة، إضافة إلى من يتواجدون في الخارج منهم.
إنني لمست نفساً عالياً نحو تحقيق هذا التوجّه، وأرى أنّ إسهامهم جميعاً سيكون فارقاً ونوعياً إذا تمّت الأمور وفق هدف محدود بهذا الاتجاه، وهناك الصديق جمال زقوت ومروان الطوباسي على نفس النهج والطريق.

كما أنّ المساهمات القيّمة التي لمسناها جميعاً في كتابات الأستاذ عماد شقّور، وأمير مخّول، ومساهمات الأستاذ عصام مخّول تشكّل برأيي مجهودات نوعية في هذا السياق.

أقصد أنّه آن الأوان (بعد الاعتذار من العشرات من الكتّاب والمثقّفين الذين ربّما أنّ دورهم أكبر من أيّ دور) لكي يتمّ المبادرة إلى رصد كلّ ذلك والعمل الجاد نحو استنهاض وشحذ الهمم الفكرية نحو هذا الهدف.

الأيام الفلسطينية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني الخرائط الاحتلال فلسطين غزة نتنياهو الاحتلال خرائط مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی قراءة ة أم لا فی هذا

إقرأ أيضاً:

السودان الذي يسكننا… وما يخسره العالم إن غاب

السودان الذي يسكننا… وما يخسره العالم إن غاب
بقلم: عبدالعزيز يعقوب – فلادلفيا
[email protected]
٩ اغسطس ٢٠٢٥
(١)
في إحدى الأمسيات البعيدة، قلت لأصدقاء من زملاء الدراسة ونحن نتداول الأفكار ونرسم خرائط السياسة والتاريخ: “تخيلوا… ماذا لو اختفى السودان من الخريطة السياسية؟ لا اسم، لا لون، لا خط حدود… فقط فراغ صامت.”
ابتلعنا الفكرة بصمت ثقيل، ليس لأنها مستحيلة، بل لأنها باتت ممكنة في عالمٍ لا يُحسن الإصغاء إلى من يتألم في صمت.
لكن حين أغلقت الخرائط وعدت إلى نفسي، أدركت الحقيقة؛ حتى لو غاب السودان عن الورق، فلن يغيب عن الذين أحبوه. لأن السودان لم يكن يومًا مجرد وطن نعيش فيه، بل وطن يسكننا.
ليس مجرد مساحة بين نهرين، بل ذاكرة طينية لازبة هي أصل الخلق. ليس علمًا يُرفع، بل حكاية تُروى من جيل إلى جيل.
ليس نشرة جوية عابرة، بل دفء شمس على ظهر قفة، ورائحة بنّ على نار هادئة. ليس دولة فقط… بل وجدان عميق يشبه الحنين الذي لا يُفسَّر.
(٢)
السودان الذي فينا لا تمحوه الحروب، ولا تفككه النزاعات، ولا تطفئه نيران الأطماع. هو صورة الجدة حين تروي عن سيف أبيها الذي قاتل “الفرنجة”، وعن الكرامات لدرويش في القرية.
هو صوت الكاشف ووردي والعطبراوي حين يغنون للمستقبل.
هو لهجة أم تدعو في الفجر لأولادها الغائبين، ودمعة مغترب تتسلل خفية حين يشاهد “توتي” وجروف النيل عند الشروق في صورة عابرة.
وإن كانت ثمة خريطة تُمحى وتزول، فهي خريطة العقل السياسي والنخب الفاشلة، لا خريطة القلب.
(٣)
لكن… ماذا عن العالم؟
ماذا يخسر العالم لو غاب السودان، أو نُفي من الذاكرة الجغرافية الكبرى؟
سيخسر أكثر مما يظن.
سيخسر سلة غذائية لم تُستثمر، ونيلًا عذبًا فراتًا كان يمكن أن يكون شريانًا للحياة لا ساحةً للخصام.
سيخسر مخزونًا نادرًا من الذهب، والنحاس، واليورانيوم، والمعادن النادرة التي تبني المستقبل.
وسيفقد معبرًا لا بديل له بين البحر الأحمر وعمق إفريقيا.
لكن الخسارة الأكبر ليست في الأرض… بل في الإنسان.
سيخسر العالم إنسانًا سودانيًا فريدًا، بطاقته التي تمشي بين البساطة والنباهة، بروحه التي تصبر وتغفر وتقاوم، بكرمه الذي لا يُنسى، وبأدبه الذي يجاور الكبرياء دون أن يعلو عليه.
سيخسر العالم ثقافةً لم تُكتشف،
وأغانٍ لم تُترجم،
وأشعارًا لم تُنشر،
وحكاياتٍ ما زالت تُروى في قرى لا تعرف الكهرباء، لكنها تعرف الله، واللوح، والدواية، والإنسان.
السودان هو النموذج الذي فشل العالم في أن يراه، وفشل أبناؤه في أن يُعرّفوا العالم به.
شعبٌ جريح لم يتحول إلى قاتل، ووطنٌ مُنهك لم يفقد الأمل، وصوتٌ خافت لو أُصغي إليه، لعلّم البشرية كيف يُبنى الحُلم وسط الركام والألم.
(٤)
أخيرًا… نحن الشعب السوداني نراهن على الأمل والإنسان لا الجغرافيا.
في خضمّ هذا الألم الذي يكاد يطغى على كل شيء، يبقى السودان ليس كمساحة متنازع عليها، بل كإمكان هائل لم يُفعّل بعد.
بلدٌ لم يعجزه الفقر، بل أعاقه سوء التدبير وسوء الفهم. وما يزال، رغم العثرات، يحتفظ بمخزون بشري فريد، وبثروات طبيعية قلّ نظيرها.
الرهان الحقيقي اليوم ليس على استقرار زائف تفرِضه معادلات الخارج، بل على نهضة داخلية قوامها الإنسان، لا سيما الشباب، أولئك الذين خبروا الألم فلم يتعلموا منه اليأس، بل الصبر والإبداع.
وعلى الأطفال الذين ينبغي ألا نُسلّمهم أمة ممزقة، بل فرصة ليكونوا صُنّاعًا للمستقبل وعالمًا جديدًا.
إن السودان – بمن فيه وما فيه – قادر أن يتحول من ضحية الأجندة والأطماع إلى محرّك للإنتاج الكثيف في الغذاء، والمعادن، والطاقات النظيفة، إذا ما أُعيد تصميم العقد الاجتماعي والسياسي على أساس العدالة، والكفاءة، والكرامة الإنسانية.
ولن يكون هذا ممكنًا دون إعادة الاعتبار للقيم التي شكّلت جوهر هذا البلد؛ المروءة، والكرم، والتسامح، والتعاضد، والتكافل، والحكمة العميقة من بسطائه.
العالم لا يخسر السودان لأنه فقير أو هش، بل لأنه لم يمنحه حقه في أن يكون كما يريد،
والسودان لا ينهار لأنه ضعيف، بل لأن أبنائه الأقوياء لم يؤمنوا بعد بقوّته ولم يتوافقوا ليعملوا معًا للسودان والسودانيين.
إن كان للسودان أن يُولد من جديد، فسيولد من قلب شعبه، من جذور أرضه، ومن الأمل والحلم الصامد في عيون شبابه.
(٥)
أيها العالم، إن خسارتكم للسودان ليست مجرد فقدان مساحة جغرافية على الخريطة، بل خسارة إنسان بكيانه وروحه. إنها فقدان ثقافة فريدة من نوعها، تراث متراكم عبر آلاف السنين، يحكي قصة الإنسان في أعماق إفريقيا، في تمازج بين البساطة والعبقرية، بين الصبر والإبداع.
إنكم تخسرون إنسانًا قادرًا على الصمود في وجه المحن، ومثالًا للكرم والتسامح رغم كل الألم. تخسرون ثروة طبيعية هائلة من معادن ثمينة ونهر خالد، طاقة كامنة كانت يمكن أن تشكل رافدًا للتنمية الإقليمية والدولية.
إن غياب السودان يعني غياب جسر يربط بين ضفتي إفريقيا، ويقطع الطريق على مستقبل مزدهر قائم على التعاون والتنمية. وخسارتكم للسودان تعني تخليكم عن فرصة عظيمة لصناعة السلام والنهضة في قلب القارة.
لا تدعوا السودان يختفي… فبغيابه، يختفي جزء لا يُعوّض من الإنسانية نفسها.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • البحر الأحمر يعيد رسم خرائط القوة البحرية.. اليمن يفرض معادلات جديدة على واشنطن ولندن
  • البيض: إعادة رسم خرائط المصالح والتحالفات تقود مستقبل اليمن والمنطقة
  • السودان الذي يسكننا… وما يخسره العالم إن غاب
  • نتنياهو لن يرسم الخرائط
  • من بغداد إلى بيروت.. لاريجاني و خرائط جديدة لمحور الممانعة
  • تغيرات مرحلة النفاس «٢»
  • فاو تطلق مرحلة جديدة لدعم الزراعة في سوريا
  • الزراعة: العراق تحول من مرحلة شحة المياه الى ندرتها
  • أنس الشريف .. صوت غزة الذي فضح جرائم الاحتلال
  • بدقة تصل إلى 90%.. أبوظبي توظّف تقنيات متقدمة لرسم خرائط مواطن الموائل البيئية