البرهان والعطا..د. جيكل ومستر هايد
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
حيدر المكاشفي
أو إن شئت قل تناقضات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، أو بالأحرى تناقضات قائد الجيش البرهان ومساعده ياسر العطا، أو على الأرجح توزيع الأدوار بينهما، بأن يتحدث القائد البرهان بلسان، ويعقبه المساعد ياسر بحديث مغاير، وربما يذهب آخرون إلى تفسير ثالث لهذه الظاهرة المرضية بأن قيادات الجيش مصابة بداء الشيزوفرينيا، وتتعامل بوجهين ولسانين، أو أن (الدرب رايح عليها) فلا تدري أي طريق تسلك، وتظل تراوح مكانها، ولكن قبل أن نقف على التناقض الذي حدث بين البرهان والعطا، لا بد من وقفة على المثال الذي اخترناه من بين عديد الأمثلة كشاهد ودليل على هذه الحالة العبثية، فالمعلوم بداهة وفي كل بلاد الدنيا أنه عندما يحين موعد مناسبة وطنية ما في أي بلد، فإن أكبر رأس في هذه الدولة هو من يلقي خطاب الحكومة بهذه المناسبة وهو من يتلقى التهاني من رؤوساء الدول الأخرى والبعثات الديبلوماسية الخ، وإن كان ولا بد لسبب ما أو ظرف ما لم يتسن للرئيس إلقاء الخطاب الطبيعي أن ينوب عنه نائبه وهو في حالتنا هذه الفريق شمس الدين كباشي، وليس ياسر العطا.
ولكن الذي حدث في بلادنا هذه الموبؤة بهذه الحرب الفاجرة كان أمرا مفارقا وشاذا، حيث ألقى من يفترض أنه رأس الدولة وقائد الجيش الفريق البرهان كلمة بمناسبة ذكرى استقلال السودان، وإلى هنا الأمر عادي ومعتاد ومألوف ومتبع برتوكوليا في كل الدنيا غض النظر عما جاء في الخطاب، بيد أن الغريب وغير العادي وغير المعتاد والمألوف والخارق للبرتوكول الرسمي، أن مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا الذي يحل ثالثا حسب التراتبية العسكرية وعضو مجلس السيادة وهو بهذا التوصيف مرؤوس للبرهان رئيس المجلس، أعقب رئيسه في الجيش، وفي مجلس السيادة البرهان بإلقاء خطاب آخر بمناسبة ذكرى الاستقلال، وليته كان خطابا متسقا ومتناغما مع خطاب رئيسه البرهان، ولكن للعجب جاء خطابه مختلفا ومخالفا وكأنما أراد بخطابه هذا أن يغالط ويناقض ويدحض بعض ما ذهب إليه رئيسه البرهان في خطابه بأن يقطع عليه الطريق، وهذه والله من الناحية الإجرائية الشكلية فضيحة تكشف إلى أي مدى تعيش البلاد حالة من الفوضى والعبث وحالة اللا دولة.
أما من ناحية مضمون ومؤدى خطاب العطا، فذلك ما يكشف بلا مواربة أن من يقود البلاد، ويقرر في شؤونها ليسوا هم قيادات الجيش أو مجلس السيادة، وإنما هي جهة أخرى تدير البلاد من وراء ستار، وان مخلب قط هذه الجهة هو الفريق ياسر العطا، حتى إذا ما انحرف البرهان نوعا ما من مسار وأهداف هذه الجهة، سارع وكيلها ياسر العطا لتصحيح هذا المسار وإعادة البرهان إلى الجادة بتصريح أو خطاب مناقض وداحض لما ذهب إليه البرهان، وقد تكرر هذا الموال كثيرا، ويمكننا أن نحصي العشرات منه فالتوثيق جاهز والاراشيف حاضرة..
فماذا يا ترى قال ياسر العطا، وخالف فيه خطاب البرهان، الشاهد أن كلا الخطابين خطاب البرهان وخطاب العطا جاءا في توقيت تواترت فيه الإخبار عن وساطة مصالحة مع الإمارات تقودها تركيا طرحها على البرهان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي معه، ومبادرة أخرى تقودها مصر ذكرها وزير المالية جبريل إبراهيم، ففي الوقت الذي اتسم فيه خطاب البرهان كعادته بالمناورة والمراوغة للمجتمع الدولي والإقليمي، ولم يأت فيه على ذكر دولة الإمارات بخير أو شر وهو الموقف الذي التزمه منذ بداية الحرب وحتى الآن، مما يشي بقبوله ضمنا للوساطة التركية، والمراوغة والمناورة والمداورة وشراء الزمن والتلاعب به خسيسة، ولا نقول خصيصة موروثة من عهد الإنقاذ البائد.
من جهته شن مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا هجوما عنيفاً على الإمارات ويوغندا. وهدد العطا في كلمته رئيس الإمارات محمد بن زايد الذي وصفه بشيطان العرب بالوصول إليه في عُقر داره وقطع يده، كما أعلن العطا شروطا لإصلاح العلاقات مع الإمارات من بينها دفع التعويضات للسودان عن كل ما دمرته الحرب، ودفع الديات للقتلى والمغتصبات وغيرهم من الضحايا وإعادة أموال الدعم السريع في الخارج.
وطالب الإمارات بإعادة من وصفهم بالمرتزقة إلى بلادهم، وكان ياسر العطا قد قال هذا الذي قاله مستبقا حتى المبادرة التركية نفسها، حيث كانت حينها المبادرة التركية في طي الغيب مجرد فكرة لم يعرف كنهها ولا مضمونها، وهذا الذي درج عليه ياسر العطا هو خطاب كيزاني إنقاذي معروف يذكر بما كان عليه ديك الإنقاذ الرائد يونس محمود، حين كان يكيل السباب والشتائم للمملكة العربية السعودية، ويصف ملكها عامئذ الملك فهد ب(الفهد المروض)، ويبدو جليا مراد وهدف ياسر العطا من خطابه لقطع الطريق على المبادرة التركية، ونسفها قبل بدئها ومعرفة محتواها، وكأنما أراد من ناحية ثانية أن يفرض رؤاه على الأتراك لتتضمن مبادرتهم ما ذكره، ولكن بالطبع لا يمكن لأيما رئيس دولة راشد وعاقل أن يتبنى الهراء الذي تلفظ به ياسر العطا. إن هذا الذي درج وداوم عليه ياسر العطا لإثبات كونه أكبر (صقور) شلة بورتسودان، وتصديه لـ(شيل وش القباحة)، وحرصه على الظهور الإعلامي كلما لاحت في الأفق مبادرة أو محاولة لوقف الحرب فيهاجمها ويعلن رفضهم لها، ويضع البرهان أمام الأمر الواقع.
أو لعله يعجبه أن يكون صعلوك الجيش والحكومة على قول القيادي الإسلامي المرحوم يس عمر الإمام (لكل حزب صعلوك وأنا صعلوك الجبهة الاسلامية).. فهل تعاني حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وقيادة الجيش، داء الشيزوفرينيا وتتعامل بشخصيتين اعتباريتين في داخلها، جزء منها يمثل شخصية دكتور جيكل والجزء الآخر مستر هايد كما في الرواية العالمية للأديب الاسكتلندي روبرت لويس (دكتور جيكل ومستر هايد)، أحدهما يمثل جانب الخير، بينما يمثل الأجانب الشر، الله أعلم ولكن الثابت أن ياسر العطا وبشواهد عديدة يمثل الكيزان..
الوسومحيدر المكاشفيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: یاسر العطا
إقرأ أيضاً:
د. حسن محمد صالح يكتب: الفاشر .. يا خط دفاع ما ينكسر يا راية في جيش الفتى البرهان
كما هو معلوم فإن السيد رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان استجاب للطلب الذي تقدم به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في إتصاله الهاتفي مع البرهان في صبيحة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥م.
جاء طلب الأمين العام للأمم المتحدة متمثلًا في إعلان هدنة لمدة أسبوع في محلية الفاشر بولاية شمال دارفور لإيصال المواد الغذائية والمستلزمات الطبية لمدينة الفاشر المحاصرة لأكثر من عامين بواسطة مليشيا الدعم السريع الإرهابية .
الأمين العام للأمم المتحدة وكثير من المهتمين والمراقبين والإعلاميين أبدوا تفاؤلًا بأن الهدنة ووقف إطلاق النار في الفاشر يمكن أن تعمم علي مناطق أخرى في السودان ويتم إيقاف الحرب ويحل السلام في السودان. ولكن هيهات فالعالم والمجتمع الدولي لا يعرف أو يتعامى عن هذه المليشيا الإرهابية.
وكما هو متوقع أخرجت المليشيا وأعوانهم في تأسيس وأحزابها العميلة أضغانهم وأعلنوا رفضهم لأي هدنة أو وقف لإطلاق النار من شأنه أن يوصل الإعانات للنازحين واللاجئين والمحرومين في مدينة الفاشر بل كثفوا هجماتهم الصاروخية على المدينة بواقع صاروخ كل يوم وهذا ليس بالأمر الغريب.
فقد ظلت المليشيا المتمردة تمارس سياسة التجويع على الفاشر ومعسكر زمزم للنازحين وأحالت حياة المواطنين هناك إلى جحيم لا يطاق باستهداف القوافل التي تنقل الإغاثة وآخرها ما حدث لقافلة الإغاثة التابعة لبرنامج الغذاء العالمي التي وصلت إلي مدينة الكومة بشمال دارفور وقامت المليشيا بتغيير وجهتها من الفاشر إلى حيث قواتها التي تحاصر أكثر من اثنين مليون مواطن داخل الفاشر معظمهم من النساء والأطفال .
هذا الجرم يضاف لكثير من الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع من نهب وسلب للإغاثة وتقوم بحرقها ونقل المواد من شاحنات تتبع للمنظمات الدولية إلى سيارات تتبع للمليشيا التي تنقل الإغاثة نظير أموال تدفعها المنظمات للمليشيا وقد تواترت العديد من التقارير الصحفية والإعلامية عن هذه تجاوزات المليشيا المتمردة ولكنها لا تجد إذنًا صاغية من الأمم المتحدة والمنظمات المنضوية تحتها بل قرار مجلس الأمن القاضي بفك حصار الدعم السريع عن مدينة الفاشر لم يتم تنفيذه وقد طالب رىئس مجلس السيادة البرهان عدة مرات بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ٢٧ و٣٥ الخاصة بفك حصار الدعم السريع ولم يكن طلبه من غوتريش في الاتصال الذي جرى بينهما الأخير .
هل تصدق عزيزي القارئ أن المليشيا تمنع حتى الدواب والحمير من التحرك بين الفاشر وأريافها بحجة أنها تحمل موادًا تموينية لمواطني الفاشر .
وتستهدف المليشيا التكايا التي تقدم القوت وما يسد الرمق لأطفال الفاشر بالقصف المدفعي والصاروخي وتستهدف المستشفيات بالقصف وتقوم بقتل الكوادر الطبية العاملة في مشافي شمال دارفور حسب إفادة وزير الصحة بالولاية .
المليشيا بهذه الأفعال تريد الضغط على القوات المسلحة والمشتركة والمقاومة الشعبية التي تدافع عن الفاشر حتي تستسلم لها وهي تواصل هجومها فوق المئتين منذ اندلاع الحرب وفي كل مرة يتم دحر المليشيا على أبواب الفاشر وقتل قادتها وتدمير آلياتها وعتادها العسكري .
الفرقة السادسة والقوات المساندة لها في الفاشر صامدون ولها قيادة رشيدة مدربة فاهمة للحروب ومضاربها وهي تدري ما ترمي له المليشيا من استهداف المدنيين لأجل الضغط على القوات المسلحة .
بعد مضي يومين على اعلان الهدنة في محلية الفاشر بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة على الشعب السوداني أن يدرك أن المجتمع الدولي ليس له ما يفعله مع المتمردين وليته كف دعمهم ودعم دولة الإمارات العربية المتحدة لمليشيا آل دقلو الإرهابية لأراحنا قليلًا .
ويبقى الحل في يد القوات المسلحة بأن تسند الفرقة السادسة بجحفل جرار قوامه البراءون والمشتركة والوعد الصادق وكل رايات الجهاد يتم رفعها بقيادة القوات المسلحة وما حدث في كادوقلي والدمازين من هزيمة التمرد يبشر باقتراب النصر في فاشر السلطان وعلي الباغي تدور الدوائر .
د. حسن محمد صالح