كارثة تجاهل السودان.. إدارة بايدن تقدم إيماءات وتتغاضى عن دور الإمارات
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
بينما تقترب حرب السودان، التي اندلعت في نيسان / أبريل 2023، من دخول عامها الثاني، لا يزال السودانيون يعيشون صدمة ما يحدث في بلدهم، وسط معاناة إنسانية متفاقمة وأزمات متشابكة.
ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك قالت فيه إنه بعد مرور ما يقرب من عامين على الحرب، يواجه السودان الفوضى والمجاعة والإبادة الجماعية - والتردد من بقية العالم.
وأشارت إلى أن لا أحد يتوقع الحرب أو يعتاد عليها، ولكن من المدهش أن الشعور الأكثر شيوعا الذي تسمعه بين السودانيين - وحتى بعض المراقبين الخارجيين - هو أنهم ما زالوا لا يصدقون أن هذا يحدث.
وبينت أنه منذ الخلاف الكارثي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي ميليشيا كانت في السابق شريكة الجيش في السلطة، كان من الصعب فهم السرعة التي تفككت بها البلاد، والأزمات المتداخلة التي تسببت فيها الحرب. لقد نزح الملايين، سواء داخل البلاد أو خارجها. المجاعة تبتلي مئات الآلاف والعنف الجنسي يحدث على نطاق "مذهل"، وفقا للأمم المتحدة.
وفي المناطق التي يُقال إن جنود قوات الدعم السريع يغتصبون فيها النساء والفتيات، أقدم بعض الضحايا على الانتحار، ويفكر الضحايا المحتملون في الانتحار مسبقا. في جزء من ولاية الجزيرة، أخبرت شابة كاتبة المقال أنها عندما سمعت أن قوات الدعم السريع تقترب، عقدت هي وقريباتها الإناث ميثاق انتحار.
وأوضحت أن قوات الدعم السريع نشأت في غرب البلاد، بين بقايا رسمية من الميليشيات العربية التي قمعت بوحشية تمرد القبائل الأفريقية المهمشة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بالشراكة مع الحكومة.
وتكرر المجموعة الآن الحرب العرقية التي قررت المحكمة الجنائية الدولية أنها تشكل إبادة جماعية في ذلك الوقت: استهداف الضحايا على أساس العرق، وقتل الآلاف من المجتمعات غير العربية، وحرق بنيتها التحتية، ودفع مئات الآلاف من الناجين إلى تشاد من أجل الاستيلاء على أرضهم ومنع عودتهم.
وقالت إنه نظرا لجرائمها على مدى الأشهر الماضية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على زعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات مملوكة لقوات الدعم السريع في الإمارات العربية المتحدة لتزويدها بالأسلحة، وأعلنت رسميا عن إبادة جماعية.
وتعد هذه تدابير مرحب بها، وذات مغزى واسع النطاق في الاعتراف بالجرائم المرتكبة والحد من قدرة قوات الدعم السريع على تبييض سجلها وتصوير نفسها كلاعب سياسي موثوق. ولكن كما هو الحال، فإن مثل هذه التدابير هي أعراض لنهج عمره عقود من الزمان تجاه السودان من قبل القوى الأجنبية، وهو نهج يتسم بالإيماءات بدلا من المشاركة بشكل هادف بطريقة يمكن أن تنقذ الأرواح.
ويشير التوقيت، من جانب الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها التي كان لديها أشهر لاتخاذ هذه القرارات الواضحة، مرة أخرى إلى تمرير المسؤولية إلى إدارة ترامب القادمة بدلا من وضع خطط عملية وضغوط على الأطراف المتحاربة.
وجاء في المقال إنه " لا يمكن للحرب في دولة فقيرة مثل السودان أن تستمر بهذه الكثافة بناء على أسلحة ومال اللاعبين المحليين فقط. تستمر الحروب في مثل هذه البلدان لأن الغرباء يمولونها، بينما يغض الآخرون الطرف، والإمارات هي اللاعب الأكبر في حرب السودان، ولديها نمط من لعب دور صانع الملوك في حروب أفريقيا، حيث تراهن على أنه إذا ساد شريكها المختار، فسوف يتم منح الإمارات العربية المتحدة القدرة على الوصول إلى موارد هائلة وقوة جيوسياسية".
وأضاف المقال أنه "تحقيقا لهذه الغاية، تزود الإمارات قوات الدعم السريع بأسلحة قوية ومسيرات، وحتى المساعدة الطبية لمقاتليها، كما أصبحت البلاد المتلقي الرئيسي لـ "الذهب المغموس بالدماء"، الذي يتم تهريبه من قبل الجيش وقوات الدعم السريع مقابل الأسلحة والنقد".
وأكد أن "الإمارات تضمن فعليا الأموال اللازمة لاستمرار الصراع بينما تستفيد من معدلات التخفيض التي تدفعها مقابل سلعة يصل سعرها إلى مستويات قياسية. وفي الوقت نفسه، يتم استخراج الأصول الأكثر ربحية للشعب السوداني من تحت أقدامهم ونقلها جوا فوق رؤوسهم إلى الشرق الأوسط، ثم يتم مقايضتها بالأسلحة لتمطرهم وهم يتضورون جوعا".
وعلى الرغم من دورها الكبير في الحرب، فقد احتضنت الإدارة الأمريكية الحالية الإمارات علنا، ولم تصدر بيانا يفيد بأنها لم تعد تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة إلا بعد اهتمام إعلامي متواصل، وضغوط من الناشطين السودانيين، واهتمام في مجلس الشيوخ.
وجاء ذلك ملفوفا ببيان أمريكي مفاده أن الإمارات "كانت مساهما إنسانيا طوال الحرب". ومن المرجح أن يكون فرض عقوبات على زعيم المجموعة، وليس راعيه، ذا تأثير ضئيل في إجبار الإمارات العربية المتحدة على قطع علاقتها بقوات الدعم السريع، وهي العلاقة التي استثمرت فيها بالفعل بكثافة، والتي لم تسفر حتى الآن عن أي عواقب أو استنكار.
وأضاف المقال "مع استمرار هذه الطقوس الضعيفة للإنكار المعقول، انقسمت عاصمة السودان إلى قسمين، مع وجود مناطق مختلفة تحت سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع. وأصبحت بورتسودان، وهي مدينة على البحر الأحمر، قاعدة للسلطة العسكرية المتبقية التي لا تزال تتمتع بسلطة إصدار التأشيرات، واستضافة البعثات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية، وإدارة الرحلات الجوية والبضائع إلى البلاد... إن السودان، في اتساع رقعة البلاد الكبيرة، انهار فعليا في حالة من الفوضى والإقطاعيات المجزأة. وسوف يزداد الأمر سوءا، حيث لا يمتلك أي من الطرفين القوة اللازمة لإغراق الطرف الآخر، بدعم من رعاة خارجيين، بما في ذلك في حالة الجيش مصر وتركيا".
وأوضح أن "هذا الصراع، الذي يشكل تحديا بالفعل بخصوصيته، يتطور على خلفية عالمية من الأزمات المتداخلة. إن التعب من إراقة الدماء، والجمود، والحروب الطويلة الطاحنة من أوروبا إلى الشرق الأوسط تجعل صراع السودان مجرد كارثة أخرى تتضاءل حوافها الحادة بسبب حقيقة أن الموت والجوع والإفلات من العقاب أصبحت قاعدة".
وذكر أن "الصور والحكايات تبدأ عن أكثر الانتهاكات تطرفا في فقدان قوتها مع وصولنا إلى نقطة تشبُّع المعاناة. يستعد العالم لإدارة ترامب أخرى، في حين يعمل أباطرة التكنولوجيا على تشويه شبكات المعلومات العالمية، مما يجعل من الصعب على روايات أسوأ أزمة إنسانية في العالم أن تظهر وتخترق فوضى نظريات المؤامرة والدعاية غير المتوازنة. إن الخريطة السياسية للعالم العربي يُعاد رسمها الآن، حيث يخضع السودان للتطلعات المتنافسة لأكثر اللاعبين طموحا في المنطقة".
وبين أنه على الرغم من أن انهيار السودان قد يبدو بعيدا عن بعض الأزمات الدائمة التي تستنزف الانتباه العالمي، فإنه لا يمكن عزله عن بقية العالم. فهو واحد من أكبر البلدان في أفريقيا، ويحد بلدانا أخرى اضطرت، مثل مصر، إلى استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، أو تعرضت، مثل تشاد، لمخاطر تدفقات كبيرة من الأسلحة والمرتزقة على حدودها. وهناك بالفعل نوع من الاستسلام لأن السودان في طريقه إلى أن يصبح "صومالا آخر" أو "ليبيا أخرى".
وقال إن "هذا لا يعني أن الأطراف المتحاربة سوف تستنزف بعضها البعض في صراع مكتف ذاتيا خلال العقد المقبل أو أكثر ــ بل يعني أن البلاد سوف تصبح تربة خصبة للجماعات المسلحة والساعين إلى الثروة، مما يزيد من المخاطر الجيوسياسية ويضخ الأسلحة في أرض خارجة عن القانون تقع عند تقاطع العالم العربي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".
وختم أنه "مع مرور الأشهر واستمرار الحرب، يخشى البعض أن يتم شطب السودان ببساطة، وأن يتم تقليص الجرائم الهائلة التي ارتكبت ضد شعبه إلى ما لا يزيد عن كونها مجرد ضجيج في الخلفية، مع مجرد نوبات تبرئة عرضية من الإدانة أو التوبيخ للقوات المقاتلة نيابة عن القوى العالمية. لكن الثمن سيكون باهظا للغاية؛ باهظا للغاية، ليس فقط بالنسبة للسودانيين، بل وأيضا بالنسبة للعالم الذي لا يستطيع تحمل استمرار صراع آخر، واستقطاب المزيد من الوكلاء، والنزيف في بركة متزايدة من الموت والنزوح والدمار الذي سيكون من المستحيل احتواؤه".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السودان الجيش السوداني الدعم السريع الإمارات السودان الإمارات الجيش السوداني الدعم السريع صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
مثلث العوينات في السودان... ما أهمية سيطرة الدعم السريع على المنطقة؟
في عمق الصحراء الغربية الشمالية للسودان، حيث تلتقي الحدود مع مصر وليبيا، اندلع صراع جديد في منطقة نائية تُعرف بـ"مثلث جبل العوينات"، هذه البقعة القاحلة، التي طالما بدت منسية، تحولت فجأة إلى ساحة مواجهة مفتوحة، مع اشتداد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي انفجرت في أبريل 2023. اعلان
في الأسابيع الأخيرة، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على هذا "المثلث الاستراتيجي"، ونشرت مقاطع مصورة توثّق انتشار مقاتليها في المنطقة الحدودية، ووصفت في بيان رسمي هذا التقدم بأنه "نصر نوعي"، يمهّد لفتح جبهات جديدة في قلب الصحراء، التي ظلت حتى وقت قريب خارج نطاق المعارك.
الجيش السوداني من جهته لم يتأخر في الرد، إذ أوضح أن انسحابه من الموقع جاء في إطار "ترتيبات دفاعية" لصدّ الهجمات، مشيراً إلى أن هذا التراجع لا يعني نهاية الوجود العسكري في المنطقة. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل اتهم صراحةً قوات خليفة حفتر، قائد "الجيش الوطني الليبي"، بدعم خصومه، في أول إشارة مباشرة لتورط قوى إقليمية براً في النزاع.
Relatedالسودان: الدعم السريع تقصف مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان ومليون طفل معرض للكوليراالعنف الجنسي في السودان.. خطر دائم على المواطنين في ظل الحربإشتباكات متصاعدة وكوليرا منتشرة.. الأزمات تخنق السودانيين منطقة منسية تعود إلى الواجهةمثلث جبل العوينات، الواقع عند تقاطع الحدود بين السودان ومصر وليبيا، لطالما اعتُبر من أكثر المناطق عزلة في قلب الصحراء الكبرى. وقد بدأ اسمه يظهر في السجلات الجغرافية بعد زيارة الرحالة المصري أحمد حسنين باشا مطلع القرن العشرين، عندما وثّق نقوشاً صخرية تعود لما قبل التاريخ.
ورغم ما تنطوي عليه من تاريخ وجيولوجيا مثيرة، ظلّت المنطقة مهمَلة لسنوات طويلة، نتيجة التضاريس الوعرة وغياب التجمعات السكانية. بل إن تبعيتها الجغرافية ظلت موضع غموض، خصوصاً بعد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسودان عام 1925، التي لم تفصل بشكل نهائي في مصير هذا المثلث الصحراوي.
غير أن عقود الإهمال لم تحجب أعين الطامعين، فمع مرور الزمن، تكشفت مؤشرات على وجود ذهب ومعادن ثمينة، كما تحوّل الموقع إلى معبر رئيسي لتهريب البشر والسلاح والوقود، في مسارات تمتد من القرن الإفريقي إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا.
ثقل جيوسياسي جديد في قلب الرماليرى عبدالله آدم خاطر، الخبير في شؤون دارفور، أن مثلث العوينات يحمل رمزية تاريخية لا تقل عن قيمته الجيوسياسية، ويقول لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "المنطقة كانت ذات يوم تنبض بالحياة، وتضم موارد مائية وامتداداً قبلياً مشتركاً بين السودان وليبيا". ويضيف: "ما نشهده اليوم هو تحول تدريجي لهذه البقعة إلى ساحة صراع إقليمي بسبب غناها بالثروات".
حتى وقت قريب، كانت العوينات تحت سيطرة جزئية للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، مع وجود محدود للجيش نفسه. كما أنها تضم عشرات الآلاف من المُعدنين الأهليين، ما يعكس حجم النشاط غير الرسمي المرتبط بالذهب في المنطقة.
لكن التصعيد الأخير أخرج النزاع من إطاره المحلي. فوزارة الخارجية السودانية أصدرت بياناً شديد اللهجة، اتهمت فيه "كتيبة سلفية" تابعة لقوات حفتر بالمشاركة في المعارك، كما وجهت أصابع الاتهام إلى دولة الإمارات، معتبرة أنها تقدم دعماً لوجستياً وعسكرياً لقوات الدعم السريع، في "تعدٍ مباشر على سيادة السودان"، على حد تعبير البيان.
الإمارات، من جانبها، تنفي بشكل متكرر أي تدخل في النزاع السوداني.
قلق إقليمي متصاعدفي الشمال، تتابع القاهرة تطورات المثلث الحدودي عن كثب، إذ لا يخفى أن تحوّل المنطقة إلى معقل للتهريب قد يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فخطر انتقال الأسلحة والمهاجرين غير النظاميين من السودان عبر ليبيا إلى الأراضي المصرية أو إلى الضفة الشمالية من المتوسط، أصبح احتمالاً حقيقياً، يضع المنطقة كلها على حافة اضطراب واسع.
يقول الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، إن للمثلث أهمية أمنية واقتصادية بالغة. ويشرح: "إلى جانب وجود مناجم ذهب نشطة، تُعد المنطقة ممراً حيوياً لتجارة غير رسمية تشمل الوقود والذهب، تمد ولايات مثل كردفان ودارفور بالإمدادات الأساسية".
ويضيف أن "الموقع الجغرافي للمنطقة، وتضاريسها الوعرة، يجعلان منها ممر تهريب رئيسي لعصابات البشر والسلاح، خاصة باتجاه الجماعات المسلحة في عمق الصحراء الكبرى".
نقطة تحوّل... أم بداية حرب جديدة؟المخاوف لا تتعلق فقط بما يجري اليوم، بل بما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً. فالمثلث الحدودي لم يعد مجرد موقع جغرافي متنازع عليه، بل أصبح رمزاً لصراع يتجاوز الداخل السوداني، ليطاول أمن واستقرار شمال إفريقيا بأكمله.
المراقبون يحذرون من أن استمرار الانفجار في هذه البقعة قد يُحدث تغييرات في موازين القوى، ويخلط أوراق التحالفات الإقليمية، وربما يُنتج أزمة جديدة تضاف إلى سجل الأزمات التي تشهدها القارة منذ سنوات.
ومع كل شريط فيديو يُنشر من رمال العوينات، ومع كل تصريح جديد من أطراف النزاع، يزداد الإحساس بأن هذه الرمال، التي كانت ساكنة لعقود، بدأت تتحرك، ليس فقط تحت أقدام المقاتلين، بل أيضاً في خرائط السياسة والجغرافيا والاستراتيجيات.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة