الشهادة السودانية كرقصة التانغو (1-2)
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
تفجر حول انعقاد هذه الامتحانات الجزئية نقاش شخصه خصوم الحكومة حتى بين التربويين باستخدام الحكومة لها كـ"سلاح التعليم" لتعزيز سلطانها في البلاد. فقالت قمرية عمر، من نقابة المعلمين، إن هذا قرار حكومة الأمر الواقع، حكومة بورتسودان، وهو سياسي ومرتجل وهدفه الادعاء في مواجهة الطرف الآخر بأن السودان آمن، وأن الحياة تسير بصورة طبيعية.
شغلت منصات التواصل رحلة الـ2000 كيلومتر للطالبة شمس الحافظ عبدالله من بلدة أبشي في تشاد إلى عطبرة بولاية النيل بالسودان، للجلوس لاختبار الشهادة السودانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وهو الامتحان الذي تأجل بسبب الحرب وكان مقرراً له يونيو (حزيران) 2023.
وبدا أن قصة عبور شمس فوق الهول لمجرد الجلوس لاختبار، الملحمة في حد ذاتها، ليست نسيج وحدها. ففي بلد القطينة في ولاية النيل الأبيض، التي تحتلها قوات "الدعم السريع"، كان هناك من تحدى الطبيعة والحرب للامتحان. فركبت جماعة من الطلاب القوارب ليعبروا لمدينة الدويم ليجلسوا للامتحان.
وليست هذه أول مرة تكون فيها الامتحانات في عين عاصفة حروب السودان الأهلية. فسبق لطالبة من دارفور نفسها أن غادرت منطقة احتلتها حركة مسلحة حظرت الامتحان لتركب هولاً أصغر إلى مدينة الضعين لتجلس للامتحان.
جلس طلاب الشهادة الثانوية لعام 2023 لاختباراتها المؤجلة لظرف الحرب في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) 2024. واقتضى ظرف الحرب أن تجرى الامتحانات بصورة أساس في ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر والشمالية والنيل الأزرق، بينما تقام في ولايات نهر النيل والنيل الأبيض وكردفان بصورة جزئية علاوة على 15 دولة أجنبية نزح إليها الطلاب. واضطرت وزارة التربية والتعليم في هذا العام إلى تعديل توقيت الامتحانات ليبدأ عند الساعة الثانية والنصف ظهراً بدلاً من الثامنة صباحاً تقديراً لظروف الطلاب الذين جلسوا للاختبار في مصر. وعددهم أكثر من 27 ألف طالب وطالبة من جملة 49 ألف طالب وطالبة يجلسون للاختبارات من خارج السودان، لاعتذار وزارة التربية في مصر بأنها لا تستطيع عقد الامتحانات في الفترة الصباحية.
وجلس للاختبار 120724 طالباً وطالبة من الولايات تحت قوات "الدعم السريع" في مراكز الولايات التي تحت سلطة القوات المسلحة. وتكفلت حكومات الولايات باستضافتهم وإعاشتهم. وكان من المفترض، بحسب وزارة التربية والتعليم، أن يجلس للامتحانات المؤجلة أكثر من 343 ألف طالب وطالبة يمثلون 70 في المئة من إجمال الطلاب المسجلين البالغ عددهم نحو 500 ألف، إلا أن العدد تقلص بسبب سقوط آلاف أرقام الجلوس، وتأجيل الامتحانات في ولايتي جنوب وغرب كردفان. وكانت لجنة المعلمين السودانيين، وهي غير التي في داخل السودان، قد قالت إن إجراء الامتحانات في شرط الحرب كما سيحدث سيؤدي إلى حرمان 60 في المئة من إجمال الطلاب الذين استوفوا شروط الجلوس للاختبارات قبل الحرب. وتخلف، وفق تقارير سودانية، عن الجلوس قسراً نحو 157 ألف طالب وطالبة في ولايات تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع".
تفجر حول انعقاد هذه الامتحانات الجزئية نقاش شخَّصه خصوم الحكومة حتى بين التربويين باستخدام الحكومة لها كـ"سلاح التعليم" لتعزيز سلطانها في البلاد. فقالت قمرية عمر، من نقابة المعلمين، إن هذا قرار حكومة الأمر الواقع، حكومة بورتسودان، وهو سياسي ومرتجل وهدفه الادعاء في مواجهة الطرف الآخر بأن السودان آمن، وأن الحياة تسير بصورة طبيعية. وساقت جزئية الامتحان معارضة الحكومة وغيرها للقول بأنها مما سيغبن الجماعات التي انحرم طلابها من الامتحان ويمهد "لتفتيت البلاد وتهتك نسيجها الاجتماعي".
وذهب آخر إلى أن هذا التفكيك للبلاد هو الهدف من إجراء هذا الامتحان الناقص. فالقرار، في قوله، ليس قراراً إدارياً بريئاً، بل يعكس إستراتيجية تتبناها هذه السلطة، التي تسيطر عليها عناصر من النظام المباد، لاستغلال التعليم كأداة لتعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي في مناطقهم المعروفة بـ"دولة النهر والبحر"، وهي تقريباً الولايات التي جرى فيها الامتحان. فتفاوت الفرص فريضة في صفوة هذه الدولة بعواقبه الوخيمة على وحدة السودان.
واتفق مع هذا التطيُّر من الامتحانات رئيس الحزب الاتحادي الموحد، محمد عصمت يحيى، الذي قال إن انعقاد اختبارات الشهادة السودانية في هذا التوقيت هو بداية لانفصال البلاد وخطوة من "خطوات المشروع الانفصالي لسلطة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وواجهاتهما تمضي بإجراء امتحانات الشهادة السودانية قدماً في الشهر الذي شهد اندلاع ثورة ديسمبر (2018)"، كأنه لا تثريب على انعقادها في غير هذا الشهر.
قالت النقابية قمرية في نقد الامتحانات الجزئية إن الشهادة السودانية حدث قومي له وزنه وهيبته. ولا غرو أن جاء هذا القول الفصل من مثل قمرية في علو كعبها في التعليم والنقابية. لكنه مما يصدر من مثلها عن "عادة المعارضة" للحكومة. فلم ير الناس من النقابة مشروعاً مستقلاً لانعقاد اختبارات الشهادة. وكان سامي الباقر من نقابة المعلمين قال إنهم ناشدوا طرفي الحرب إعلاناً بوقف إطلاق النار خلال فترة الامتحانات، وفتح طرق آمنة لتمكين الطلاب والطالبات والمعلمين من الوصول إلى مراكز الامتحانات، وأن ترعى الأمم المتحدة هذه الهدنة التربوية مع قادة الأطراف. ولم يفصل سامي في مساعيهم للغرض، واستجابة الأطراف. وخلافاً لهذا العمل البناء استغرقت النقابة في نقد غير راحم للحكومة لأنها قامت بوظيفة من وظائفها لم نر من النقابة اعتراضاً عليها، بل سعت، في قولها هي ذاتها، بطريقتها إلى تأمين انعقاد الامتحانات بسلامة ولم توفق. ونواصل
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشهادة السودانیة ألف طالب وطالبة الامتحانات فی
إقرأ أيضاً:
تناسل الحروب
تناسل الحروب
التقي البشير الماحي
قامت الإدارة الأمريكية ممثلة في وزارة الخزانة بفرض عقوبات على أفراد وشركات كولومبية لمشاركتها في القتال الدائر في السودان عن طريق مده بمرتزقة ومقاتلين، هذه الخطوة في ظني لا تأثير لها على مجريات الحرب في السودان فدوماً ما كانت هناك جهات داعمة اليوم كولمبية وأمس كوبية وغداً دولة جديدة.
السودان ظل لعقود طويلة مسرحًا للقتال بين أبناء الوطن الواحد وتناسلت فيه الحركات المسلحة بأسماء يصعب حتى حصرها. لم تشكُ حركةٌ فيه من قلة التمويل، وهذه حقيقة يعلمها قادة الحركات المصطفّون اليوم إلى جانب القوات المسلحة في قتالها ضد الدعم السريع أو تلك التي تقاتل إلى جانب الدعم السريع.
عندما تتوفر البيئة المناسبة لتوالد الناموس لا يمكنك أن تسأل عن المصادر التي يتغذى منها هذا الناموس ليعود ويمارس عليك ما برع فيه. فالشركات التي تصنع الذخيرة ووسائل القتل مستعدة دائمًا لتمويل كل من يريد استخدام منتجاتها بوسائل وطرق دفع أكثر راحة وهي فرصة للتخلص من كلفة تخزينها والعمل على تطوير منتجاتها من خلال التجربة الحقيقية على أجساد الغلابة والمستضعفين في دول العالم الثالث.
قد تصلح العقوبات وسيلة للضغط وجرّ الأطراف إلى التفاوض وتحكيم صوت العقل، ومعرفة أن هذه الحرب لا منتصر فيها على الإطلاق بعد مضي قرابة ثلاثة أعوام. الدعم السريع غير مؤهل حتى للبقاء كجسم دعك من أن يكون طرفًا في الحكم، وذلك بسبب ما حدث منه طيلة فترة الحرب وقبلها، فلم يقدم ما يشفع له صبيحة يوم إيقاف الحرب، وإلقاء اللوم دومًا على جهة أخرى حيلة لا تنطلي حتى على غافل.
قيادات الجيش السوداني غير مؤتمنة على أرواح الناس وحمايتهم وهم أكثر من فرّط في حماية الناس والأمن القومي، والجميع ينبه إلى خطورة ما يمكن أن يحدث وظلّوا هم المغذّين والقائمين على ما حدث، ورعوا ذلك حتى صبيحة الخامس عشر من أبريل محدثين أكبر شرخ مرّ على تاريخ السودان وظلّوا طيلة فترة الحرب يعيدون استخدام أسطوانة مشروخة معلومة للجميع حتى قبل قيام الحرب.
اليوم أصبح بعض قادة القوات المسلحة أكثر جرأة، وهم يطلقون مصطلح “جنجويد” وهو اسم ظلّ لفظًا يطلقه الثوار في كل محطات تبديل وتغيير هذا الاسم منذ أن سُمي بحرس الحدود وغيرها من الأسماء في محاولة لتبديل جلده حتى غدا الدعم السريع ولكن ظلّوا هم الجنجويد ماركة مسجلة باسم الحركة الإسلامية التي برعت في تغيير جلدها كالحرباء.
آخر ما توصلوا إليه تصريح أحد قياداتهم أنهم ليسوا بإخوان مسلمين ولكنهم مؤتمر وطني وكأن من علمهم الأب فليو ثاوس فرج وليس حسن البنا.
الوسومالأمن القومي الإدارة الأمريكية التقي البشير الماحي الجنجويد الجيش السوداني الحركات المسلحة القوات المسلحة المرتزقة الكولومبيين ثورة ديسمبر كوبية كولومبيا مليشيا الدعم السريع وزارة الخزانة الأمريكية