الإمام أحمد بن سعيد.. لحمة وطنية وسيادة عُمانية
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
د. إسماعيل بن صالح الأغبري
المجد يدرك بالقنا الحساس // في كف مقدام شديد الباس
يرمي به نحر العدو فلا ترى // إلا الكمي يخر بين الناس
وحيث إنَّ عُمان قديمةٌ نشأةً، كبيرةٌ تاريخًا، عريقةٌ حضارةً، عَرَفت أنظمة حكم وتتابع دول؛ لاستقرار مُجتمعاتها ما أهلها لأن تكون دولة مترامية الأطراف، سيدة البحار والمحيطات، قادرة بسبب إرادة الشعب ووحدته ولحمته وروح انتمائه وقيادتها السياسية، على أن تدفع عنها كل باغٍ، وتذود عن حريتها، وتحمي جوهر سيادتها ودرة استقلالها.
اليعاربة ورتق ما انفتق، وجمع ما تفرق، وتقريب ما تباعد على يد المظفر الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ومن بعده من آل بيته لم يهنأ له عيش، ولم يستقر له قرار وهو يرى أنواعاً من الليل الحالك يخيم على عُمان مهوى الأفئدة ومرتع الصبا ومحل النشأة الأولى.
إنَّ أسوأ أنواع الليل الحالك والظلام الدامس ما يكون من فرقة بين أبناء البلد الواحد؛ خصام وشقاق، وتدابر وتناحر بين الشعب ثم زعامات مُتعددة، ورئاسات ورؤوس كثيرة، كل منها يسابق غيره على السيادة، وحيث إنَّ الأرض لا تصلح سكناً ولها أكثر من قيادة كان لزامًا أن تكون القيادة بالعدل واحدة فاختار العُمانيون مخلصًا لهم من ليل الاحتراب الداخلي وهو الإمام ناصر بن مرشد اليعربي.
أدبر ليل الافتراق الداخلي والتحزب المقيت القبلي وولى تنازع السلطة وتعدد رؤوس إدارة الدولة إلا أنه بقي ليل حالك آخر، وهو المستعمر البرتغالي، فقد خيَّم على عُمان ما يقرب من مئة وخمسين عاماً، مستثمرا فرقة العُمانيين وتخالفهم فلما توحدوا توجس منهم خيفة، فكان ما منه المستعمر قد توجس؛ إذ شرع اليعربي وآل بيته من بعده في تخليص عُمان من تلك القوة الباغية عليهم. وحرب التحرير حق مكفول بالشريعة الإسلامية وبالمواثيق والقوانين الدولية، فتحقق للعُمانيين مطلب الحرية ورفع يد الأجنبي عن ديارهم، إلّا أنه بعد ذلك الوجه المُشرق من الانتصار على العدوين اللدودين العدو الداخلي؛ وهو الفرقة والانقسام، والعدو الخارجي؛ وهو الاستعمار، عاد العُمانيون القهقري، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، فأورثتهم تلك الفُرقة وتعدد الزعامات فيهم، أن جاءهم دخيل عليهم آخر، وطأ ديارهم وأرضهم مُستعمِرًا لهم والطامة الكبرى أنه تطاول عليهم واستباح حماهم بسبب طلب سيف بن سلطان الثاني لهم، حتى صار هو نفسه لا موضع قدم له في البلاد. وفي ذلك درس آخر وهو أن اللحمة الوطنية خير حامٍ للبلاد والعباد، وأن الشقاق بين أفراد الرعية شر عليهم أجمعين، وأن التآلف بين أفراد الشعب عاصم من قاصمة التشظي. ودرس آخر أيضًا وهو أن استدعاء القوى الأجنبية أو الاستنجاد بالأغراب وتهييجهم على البلاد وتزيين الطمع بها، كالذي يتراءى له السراب ماءً؛ فالأجنبي لا يؤوي معارضًا ولا يُتيح له وسائله الإعلامية، إلّا ليجعل منه شوكة يطعن بها خاصرة دولته، ثم يلقيه غدا كما يلقي الإنسان ورق المحارم إن انتهى من استعمالها أو العبث بها.
في ظل هذه الأوضاع وعودة التشرذم بين أبناء البلد الواحد وتعدد الزعامات السياسية، وبناء على أنه لا تحكم دولة إلّا برأس واحدة فقط، وحيث إن المستعمر بسط نفوذه على عُمان كان لزامًا على العُمانيين اختيار قيادة جامعة، وتخير فارس له مؤهلات إدارية وعسكرية، عرفه العُمانيون تاجرًا، له الأمانة سمة، والوفاء صفة كما عرفوه سياسيا ذا رأي وحنكة وتجربة وخبرة من خلال منصب (الوالي) على صحار، ومن كان واليًا في صحار أو نزوى آنذاك كان كأنه رئيس وزراء لمكانة المدينتين التاريخية والسياسية.
إنه التاجر ثم الوالي أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية جامع ما تفرق وراتق ما انفتق، مسقط رأسه أدم، ومركزه الإداري والسياسي قبل انتخابه إمام صحار.
اللحمة الوطنية ذخيرته في مواجهة عدو البلاد الخارجي آنذاك، وعدته في سبيل تحريرها، وبركانه الذي سيُعلن ثورته عليه، وزلزاله الذي سيطال الغريب الذي اجتاح البلاد بسبب سوء تدبير سيف بن سلطان الثاني.
أدرك الإمام أحمد بن سعيد أنه يستحيل التغلب على الأجنبي والصف الداخلي مبعثرًا، وكل يدعي الزعامة والرئاسة، فالدول إن أُديرت برأسين انقسم الشعب إلى فريقين.
نجح الإمام في مسعاه الداخلي، فأنهى حالة التشظي، وما خاب ظن من رشحه إمامًا على عُمان، فكان انتخابه في العشرين من نوفمبر عام 1744م، ولعله الوحيد من ولاة أمر عُمان من بويع البيعتين، فالثانية تأكيد للأولى أو أنها دليل على التسليم له والرضا به.
توجه الإمام إلى تحرير عُمان، فإن أمكن ذلك بالطرق السلمية فذلك هو المبتغى لما فيه من حقن لدماء الطرفين- وهذا الطريق قلما ينجح- لأن الغازي جاء ليستقر لا ليخرج، وعلى هذا شرع الإمام في وضع خطط التحرير، وأشهر كافة السبل المتاحة لدفع الغازي ومقاومته وهو حق تكفله شريعة الإسلام وكذلك كفلته فيما بعد مواثيق الأمم المتحدة.
لجأ إلى الحيل- وقد ورد أن الحرب خدعة- فأنشأ ميناء بركاء فأقبلت إليه السفن والبضائع والمراكب، فتسبب هذا الميناء في هجران تلك السفن موانئ مطرح ومسقط التي كانت بيد المحتل ما أضعف موارده المالية، ثم عمد إلى خدعة أخرى تمثلت في موافقته على دفع مبالغ سنوية للمحتل، إلّا أنه أخذ يُماطل في الدفع والتأخير من أجل إفقار المحتل وهو منه فعل جائز مشروع.
ثم كانت منه الوقعة الكبرى بالمحتل؛ إذ تمكن أولّا من عزل قيادات المحتل عن محيطها، ثم تمكن بعدها من الإيقاع بتلك القيادات حتى صار الجنود المحتلون بلا رأس مدبر، ولا قيادة يلجأون إليها فكان الانسحاب والفرار من عُمان والتحرير على يد الإمام البوسعيدي إمام عُمان أحمد بن سعيد.
حافظ الإمام على الهوية السياسية والأمنية لعُمان؛ لكنه أيضا لم يغفل عمّا يسمى بالأمن القومي للبلاد؛ لذلك أرسل ولده هلال في حملة بحرية لتخليص البصرة من حصار من كان مستعمرًا لعُمان.
إن ذلك لا يمثل عدوانا منه بعد تحرير عُمان، وإنما ذلك تأمين لتدفق ما تحتاجه عُمان من الواردات أو مما لها من الصادرات، فالأمن القومي لأي بلاد يقتضي منها التدخل ضد من يريد خنقها خارج حدودها، ولذلك نرى الدول تعبر المحيطات والقارات أو دولًا إقليمية تتدخل خارج جغرافيتها لحماية مصالحها الوطنية.
الهوية العُمانية في الميدان السياسي تتجلى في أن الإمام حرر بلاده من الفرس إلا أنه بعد التحرير وضمانه الأمن القومي لعُمان لم يدخل في تحالف مع العثمانيين أنداد الصفويين (الفرس) فهو حرر البلاد وكفى.
إن سياسة المحاور الكيدية ليست من سمات الهوية العُمانية في الميدان السياسي، وإنما هويتها تتمثل في إقامة أحسن العلاقات مع كافة الدول الإقليمية ما دامت رفعت يدها عُمان وجغرافيتها.
إنَّ مناسبة العشرين من نوفمبر عام 1744، والتي سوف تتكرر كل عام وقد مضى على حكم الدولة البوسعيدية 280 عامًا، تعني أنها أقدم أسرة حاكمة في الإقليم، كما تعني أقدمية عُمان في النشأة، وأسبقيتها في الوجود؛ فهي عرفت أنظمة حكم، وتعاقبت عليها إدارات سياسية، ولعل هذا يُفسِّر لنا جزءًا من المنهج السياسي الذي عليه ولاة الأمر بعُمان.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
همسة وطنية للحكومة الأردنية
صراحة نيوز -كتب ماجد القرعان
استوقفني قرار بإمضاء رئيس الحكومة الدكتور جعفر حسان يقضي بوقف تنفيذ مشاريع ممولة من موازنات مجالس المحافظات، كانت مخصصة للتدريب والتشغيل ومساعدة الأسر الفقيرة والطلبة المحتاجين والتي بلغ مجموع مخصصاتها نحو 5.247 مليون دينار رغم أهمية ذلك لتأهيل العاطلين عن العمل في مهن تُمكنهم من شق طريقهم نحو حياة فضلى والذين تزيد نسبتهم عن 21.3%
ويبدوا ان اتخاذ مثل هذا القرار جاء بناء على توصية لوزير الإدارة المحلية وفق ما جاء في الخبر الذي تناقلته وسائل اعلام محلية دون توضيح أو تفصيلات كافية ومقنعة .
كبرى المشكلات التي يعاني منها الأردن الأرتفاع المضطرد والمتنامي في حجم البطالة بكافة القطاعات والمجالات والتي وصلت على سبيل المثال الى اكثر 60 الف عاطل عن العمل بين فئة المهندسين المدنيين الذين استنزفت كلف تدريسهم وأفقرت أهاليهم جراء بيع اراضيهم أو مواشيهم أو رهن رواتبهم لمؤسسات الإقراض .
اتخاذ مثل هذا القرار له دلالات عدة قد يكون من ابرزها لتمكين الحكومة من تحقيق وفورات مالية من أجل تخفيض عجز الموازنة المتنامي في الأرتفاع منذ عدة سنوات لكن يبقى السؤال ماذا بشأن المخصصات الأخرى ومنها على سبيل المثال ايضا تلك التي تعود للمؤسسات والهيئات المستقلة التابعة للحكومية والتي تُسجل سنة بعد سنة فشلا بعد فشل وتُحقق عجوزات تستنزف الخزينة العامة ؟
اليس من الأجدى تقييم عملها ليتم شطب وتصفية غير المجدية منها والذي من شأنه توفير مخصصاتها لما هو انفع وأجدى .
الأردن قد يكون من الدول القليلة جدا في العالم التي ينطبق عليها المثل القائل ( كالعير في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول ) نظرا للثروات الطبيعية العديدة التي حباها الله بها وغائبة عن المخططين وصناع القرارت والتي في حسن استثمارها قد يضعنا في صدارة الدول الغنية لكن المؤسف والمؤلم في آن واحد ان تعامل الحكومات المتعاقبة معها كان ما بين الخجول جدا والمتردد أو عن قصر نظر وعدم وضع الشخص المناسب في المنصب المناسب أو جراء اقصاء اصحاب الكفاءات .
ومن الأمثلة على هذه الثروات ( الصخر الزيتي ) حيث تصل احتياطيات الأردن منه حسب تقديرات مجلس الطاقة العالمي إلى ما يقارب 40 مليار طن مما يضعها كثاني أغنى دولة باحتياطيات الزيت الصخري بعد كندا والأولى على مستوى العالم بالاكتشافات المؤكدة بنسبة استخراج بترول تصل ما بين 8٪ – 12٪ من المحتوى ويمكن إنتاج 4 مليارات طن بترول من الاحتياطي الحالي.
أما ( اليورانيوم ) فالإحتياطي المقدر يصل الى حوالي 65 ألف طن بحسب هيئة الطاقة الذرية الأردنية ويضع الأردن في المرتبة الحادية عشر بين دول العالم
واما خام ( السيلكا ) فيقدر احتياطي الأردن منه بنحو 13 مليار طن ويتميز بمواصفات عالمية حيث يستخدم في صناعة الزجاج وزجاج الكريستال والألياف الزجاجية وزجاج البصريات وقوالب السباكة اضافة الى انه يُستخدم كعامل مخفض لدرجة الإذابة للأكاسيد القاعدية وفي عمليات الإذابة وكمادة صقل وفي صناعة الخزف والطوب ويستخدم أيضا في فلاتر تنقية المياه ويدخل في صناعة البلاستيك والمطاط والدهانات والورق وفي الصناعات الكيماوية المختلفة.
وأما خام ( النحاس ) حلم الأردنيين الذي تشتهر بها محافظة الطفيلة والتي تعد افقر محافظات المملكة وبحاجة لمشاريع تنموية مولدة لفرص العمل فان احتياطي المنطقة منه يزيد عن 27.8 مليون طن وقدرت قيمته بنحو 11 مليار دولار أمريكي .
كذلك اشارت دراسات رسمية الى وجود العديد من العناصر النادرة غير المستغلة الموجودة في خام الفوسفات ومنها على سبيل المثال السيريوم، اللانثانيوم، والإيتريوم التي تدخل في صناعة الإلكترونيات، البطاريات، وتقنيات الدفاع .
كذلك اشارت الى وجود ( الليثيوم ) في محاليل البحر الميت الذي لم توليه أي من الحكومات المتعاقبة ادنى اهتمام لاستكشافه والذي يُعد من العناصر الأساسية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة.
كذلك كشفت العديد من الدراسات الى وجود ( الكوبالت ) وهو عنصر حيوي لصناعة البطاريات القابلة للشحن و ( النيكل والكروم ) اللذان يدخلان في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ والتقنيات النظيفة وكذلك مجموعة معادن الزيوليت والطين الصناعي اضافة الى ( المغنيسيوم ) من محاليل البحر الميت الذي يُستخدم في صناعة السبائك خفيفة الوزن والطيران والبطاريات.
والحديث يطول حيال الكثير من المعادن والثروات الطبيعية والتي يتركز اغلبها في جنوب المملكة التي تتصف بانها اشد المناطق طردا لسكانها جراء الفقر والبطالة وقلة المشاريع التنموية المستدامة وبعدها عن العاصمة.
لكن ما سر هذا التجاهل من قبل تلك الحكومات هل هو التمويل أم انعدام الإرادة أم هي تشريعات استقطاب المستثمرين ؟ .
شخصيا لا اعتقد ان التمويل هو السبب كون العالم اصبح قرية صغيرة واصحاب المال على اهبة الإستعداد للاستثمار اينما كان ذلك ناجعا ومفيدا لتحقيق الأرباح وبالتالي يبقى الخلل في أمرين ( التشريعات والأيادي المرتعشة )
وللدلالة على أهمية التشريعات في استقطاب الإستثمارات الأجنبية اتوقف هنا عند حجم الإستثمارات المتنامي في عدد من الدول منها قطر والإمارات ومصر وتركيا وغيرها من دول العالم التي باتت تستهوي اصحاب رؤوس الأموال فهل فكر صناع القرارات والمخططين في بلدي للحظة للوقوف على تشريعات تلك الدول وهل سعت حكومة ما الى التشبيك مع الدول الصناعية الكبرى كالصين على سبيل المثال للدخول معها في اتفاقيات لاستكشاف ما لدينا من ثروات واستثمار المجدي اقتصاديا بنفع عام يعود على البلدين .
أما الأيادي المرتعشة في بلدي من بين صناع القرارات والمخططين ( وما اكثرهم ) فانني لا اجامل ان قلت انهم اشد مصائبنا وبتقديري ان اجتثاثهم واقصائهم تُعد الخطوة الأولى لنمضي قدما .