وكالة الصحافة المستقلة:
2025-07-09@01:00:23 GMT

قطار التعددية القطبية وأزمة الغرب

تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT

يناير 23, 2025آخر تحديث: يناير 23, 2025

رامي الشاعر

حينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد روسيا للحوار مع الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الجديدة والرئيس دونالد ترامب، فلم يعني ذلك أبدا حاجتها إلى وساطة للتوصل إلى اتفاق لوقف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا والتخلي عن المهمة التي يتعين إنجازها بالكامل لاستعادة أراضي روسيا وحماية المواطنين الروس واجتثاث النازية ونزع سلاح النظام الإرهابي في كييف وحماية الأمن القومي الروسي من تمدد حلف “الناتو” نحو حدود البلاد وضمان أمن وسلامة وسيادة ووحدة أراضي روسيا.

فالحقائق على الأرض، والتي يعيها ويدركها الجميع اليوم في حلف “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة، والتي يراها ترامب وفريقه هو أن روسيا تتقدم على جميع الجبهات، ولم تتمكن أحدث أسلحة الغرب سواء صواريخ “هيمارس” و”ستورم شادو” ودبابات “ليوبارد” وطائرات “إف-16” من إحداث أي تغيير في موازين القتال. فالجيش في أي دولة هو وحدة كاملة متكاملة تتناسق مع بعضها البعض من حيث السلاح والتدريب والأفراد. وقد اختارت عصابة كييف أن تقود البلاد للهاوية بانتهاج العداء لروسيا، وحشد الجنود وتدريبهم في دول مختلفة، وتسليحهم بأسلحة مختلفة، ووضعهم رهنا لقيادات ومستشارين من دول غربية بغرض استنزاف وضعضعة روسيا، وهو هدف لم ولن يتحقق، والتاريخ يشهد على ذلك، إلا أن تلاميذ وهواة السياسة في الغرب لم يقرؤوه أو يعوه.

أقول إن روسيا لا تحتاج إلى هدنة ولا إلى وقف إطلاق نار ولا إلى وساطة السيد ترامب كي “ينهي الأزمة الأوكرانية خلال 24 ساعة”. وإنهاء الأزمة بالنسبة لروسيا يعني شيئا واحدا فقط، وهو وقف المساعدات العسكرية للنظام الأوكراني، وفضحه أمام العالم، ومنح الحرية للشعب الأوكراني كي يعبر عن طبيعته السياسية الداخلية بحرية وشفافية وبضمانات ألا يتكرر السيناريو النازي الذي تقوده مجموعات نازية أوكرانية متطرفة اليوم تسعى لجر القارة الأوروبية كلها نحو الجحيم.

أتمنى أن يكون الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قد أدرك أن الشعار والمهمة التي وضعتها إدارة بايدن لـ “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا” هما وهم الأوهام، وتضليل سافر للرأي العام الأمريكي والأوروبي، وأرجو كذلك أن يدرك ما تقوله كل التقارير وما يؤكده المحللون والعلماء أن نشوب الحرب العالمية الثالثة يعني ألا يكون هناك منتصر، وان تفنى البشرية جمعاء، واعتقد وأتمنى أن يكون السيد ترامب من الحصافة بحيث يعلم تمام العلم بأن الحرب العالمية الثالثة بالفعل على الأبواب، وأنها تختلف كثيراً عما يتصوره أقزام السياسة الأوروبية من “ألعاب الفيديو” وألاعيب الذكاء الاصطناعي.

وإذا كان ترامب يراهن على زعزعة ثقة المجتمع الدولي بإمكانية انتقال العالم إلى التعددية القطبية، وقدرته على التشبث بهيمنة الولايات المتحدة والغرب على مقادير الأمور كما كان الحال بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتوهم الولايات المتحدة والغرب بـ “انتصارهم في الحرب الباردة”، فإنه حينها يشبه من يحاول وقف قطار الزمن والتاريخ المستمر في الحركة رغم أنف الجميع، والذي سيدهس كل من يقف في طريقه.

وكل الحيل التي تتسرب من محاولات اختراق وتفكيك مجموعة “بريكس” وتدميرها من الداخل لم تعد تنطلي على دول الجنوب العالمي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي سئمت الإملاءات والعقوبات والحصار واستخدام الاقتصاد والدولار كسلاح في يد الغرب لفرض “القواعد بدلا من القوانين”.

فالعالم اليوم أصبح تواقا للعدل والمساواة واستعادة الدور الحقيقي والعادل لهيئة الأمم المتحدة، وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة الذي كتبته الشعوب بنهاية الحرب الأكبر في التاريخ، الحرب العالمية الثانية، التي يحاولون اليوم إعادة كتابة تاريخها، وإيهام الشعوب حول العالم بأنها كانت نصرا للولايات المتحدة، أو أن النازية والشيوعية كانتا على قدم المساواة، ويحاولون أن يضعوا الزعيم المنتصر الرفيق ستالين في خانة واحدة مع النازي أدولف هتلر، وتلك الحملة الشعواء من هدم النصب التذكارية للأبطال السوفييت المنتصرين في الحرب حول أوروبا، والهوس الهستيري لمعاداة كل ما هو روسي، وإعادة تأهيل أمثال ستيبان بانديرا المتواطئ مع هتلر والنازية، بل واعتباره بطلا قوميا في أوكرانيا (أعاد تأهيله فيكتور يوشينكو الرئيس الأوكراني الذي جاء على صهوة الثورة البرتقالية في 2004)، كل تلك المحاولات ليست سوى محاولات بائسة ويائسة لإعادة كتابة التاريخ كما يريده ويحبه الغرب، من أجل تثبيت هيمنة القطب الواحد، ووقف حركة التاريخ نحو عالم التعددية القطبية، ونحو نظام عالمي عادل يتسع للجميع دون تفرقة.

إن ما تحاول روسيا تفاديه بالعملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا هو دمار القارة الأوروبية، وكل ما تبذله من جهود في ضبط النفس، وعدم الانجرار لجميع الاستفزازات التي يرتكبها الغرب برعونة ولا مسؤولية. وكل الحديث عن أن روسيا “لم تتمكن من النصر في الحرب”، و “غير قادرة على تغيير دفة المعركة”، كله هراء لا معنى له، ولكن روسيا لن تفعل مثلما فعلت الولايات المتحدة في العراق، وتفني ملايين المواطنين الأبرياء العزل بالقصف من الجو، ثم تدخل برياً. إلا أن روسيا تحارب مجموعة من العصابات المنحرفة التي أخذت الشعب الأوكراني رهينة، وتمنعه من التعبير عن هويته وكيانه بحرية.

وإذا كانت فئة من الشعب بالفعل قد تماهت مع هذه العصابات، وصدقتها، بعد عقود من الدعاية الغربية، فإن الشق الشرقي والجنوبي من البلاد في القرم ودونباس وزابوروجيه وخيرسون قد عقدتا العزم على عدم المضي في هذا المخطط الشيطاني. لهذا فالمعركة التي تخوضها روسيا تدرك تماماً بعمق جذورها الثقافية والسياسية أنها “حرب أهلية” بين الأهل والأقارب والجيران، وسيكون على روسيا وعلى الشعب الأوكراني فيما بعد رأب الصدع ومحاولة تضميد الجراح وإعادة إعمار المدن. ولهذا السبب لا تطلق روسيا العنان لآلة الحرب التي تمتلكها روسيا، ويعرف “الناتو” جيداً أنها تمتلكها.

ولهذا السبب، وهو تحديداً ما يهدف إليه الغرب، تحاول الدول الغربية، بمساعدة النظام النازي في كييف، استنزاف روسيا، وهو أمر مستحيل. فدعايات وأوهام “إفلاس روسيا” أبعد ما تكون عن الحقيقة، لا سيما أن هذه الدعاوى أطلقت منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية الخاصة  ومن قبل “خبراء” الاقتصاد الغربيين والمنشقين الروس الذين لا يزالون ينعقون ليل نهار بأن “روسيا على وشك الإفلاس”.

يمزح ترامب بقوله: “وعدتكم بحل الأزمة الأوكرانية خلال 24 ساعة، وقد مضت 12 ساعة فقط.. بقي 12 ساعة أخرى”. كما يمزح كذلك في قضية عودة الاقتتال مجدداً في الشرق الأوسط، وتمسكه باعتراف ضم القدس الشرقية والجولان السورية لإسرائيل. فعن أي مصداقية أو ثقة في الإدارة الجديدة يدور الحديث.

ضمن ما أعلنته الإدارة الجديدة كذلك وقف المساعدات لمدة 3 أشهر للدول والمنظمات، وهو قرار يستهدف الاستمرار في سياسة الإملاءات والعقوبات أحادية الجانب للضغط على الدول والمنظمات من أجل التجاوب مع سياسات الولايات المتحدة وابتزاز كثير من الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية بسلاح المساعدات الأمريكية.

تتضح هوية الإدارة الجديدة كذلك من إعادة وضع كوبا كدولة راعية للإرهاب، بعد أن كانت إدارة بايدن قد رفعتها من القائمة، وكذلك الخروج من منظمة الصحة العالمية، وهو ما يشي بأن أيام هذه الإدارة لن تمضي بهدوء وسلام.

يجب أن يعلم السيد ترامب أنه لا شيء يسمى “الأزمة الأوكرانية”، بل هناك أزمة تواجه “الغرب” يحاول خلالها أن يخضع قوى الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران لـ “العصا” الأمريكية التي يمثلها اليوم أوكرانيا وإسرائيل وتوابع هامشية أوروبية يمشون كالقطيع وراء ما تشير إليه الولايات المتحدة، ويوفرون كافة الموارد لهاتين الدولتين كي تمارسا دور “العصا” الأمريكية في أوروبا والشرق الأوسط.

لهذا فروسيا لا تحتاج لوساطة في “الأزمة الأوكرانية”، لكن ما تحتاج إليه هو حوار ناضج وعاقل بين القوى العظمى، بين روسيا والغرب، بين الغرب والصين، وجلسات في إطار الأمم المتحدة لإعادة هيكلة مجلس الأمن ورسم ملامح النظام العالمي الجديد، في الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة وإدارتها الجديدة لم تدرك بعد أن قطار الأحادية القطبية قد غادر المحطة بالفعل متجها إلى التعددية القطبية، بل قد أصبح في وسط الطريق إن لم يكن على وشك الوصول.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: الأزمة الأوکرانیة الولایات المتحدة التعددیة القطبیة الإدارة الجدیدة

إقرأ أيضاً:

كلمة حق

كلمة حق ركز عليها مؤخرا " تركي الفيصل" مدير المخابرات السعودى السابق، وأثارت تفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعى عندما خرج بمقال يتهم فيه قادة الدول الغربية بالكيل بمكيالين في مواقفهم تجاه كل من إيران وإسرائيل وخطر الأسلحة النووية وذلك عندما قال: " لو أننا في عالم يسوده الإنصاف لرأينا الطائرات الأمريكية " بى ــ 2 " تمطر وابلا من قنابلها على مفاعل " ديمونا" والمواقع النووية الإسرائيلية الأخرى". وفى معرض شرحه لما ذهب إليه قال: "اسرائيل تمتلك قنابل نووية وتخالف بذلك معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي المعاهدة التي لم توقع عليها إسرائيل أصلا كى تفلت من رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحتى لا يفتش أحد منشآتها النووية". ويردف قائلا: " إن الذين يبررون الهجوم الإسرائيلي الأحادي الجانب على إيران يتناسون تصريحات "نتنياهو" منذ توليه منصبه لأول مرة في عام 1996، ودعواته المتكررة إلى تدمير الحكومة الإيرانية".

وفي معرض تشديد انتقاده لموقف الغرب يقول: " إن نفاق الدول الغربية ودعمها لإسرائيل في هجومها على إيران هو أمر متوقع، حيث إن الغرب يدافع عن إسرائيل ويبرر هجومها المتواصل على الفلسطينيين"، ويحمل على الغرب ازدواجية معاييره ويشير إلى العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا بسبب اجتياحها للأراضي الأوكرانية، في حين تتغاضى كلية إزاء ما تفعله إسرائيل في الأراضي الفلسطينية من إبادة جماعية. الأمر الذى يؤكد التناقض في مواقف الغرب حيال المبادئ والقوانين.

وانتقد " الفيصل" الغارات الجوية الأمريكية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وهي هجمات مخالفة للقانون الدولى.وعرض للتباين في المواقف الأمريكية، فعلى حين عارض " ترامب" قادة بلاده في غزوهم للعراق قبل أكثر من عقدين من الزمن على أساس أن حروبهم في العراق وأفغانستان كان لها تبعاتها، فكان عليه بالتبعية أن يعارض اليوم الحرب على إيران والتي ستكون لها تبعاتها الخطيرة. وقال الفيصل: "لا أفهم الخطاب المزدوج في أسلوب ترامب عندما يتعهد بإحلال السلام في الشرق الأوسط، وفى الوقت نفسه يشن حربا على "يران!".

ولهذا بادر " الفيصل" وأعلن أنه سيمتنع عن زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيستمر امتناعه إلى أن يغادر " دونالد ترامب" البيت الأبيض، وأنه يفعل ذلك أسوة بوالده الملك الفيصل الذي امتنع عن زيارة الولايات المتحدة في عهد الرئيس "هاري ترومان" متهما إياه بمخالفة وعد سلفه الرئيس " فرانكلين روزفلت" عندما ساعد في إنشاء دولة إسرائيل. الجدير بالذكر أن وعد الرئيس "روزفلت" للملك عبد العزيز سعود يعود إلى مذكرة تفاهم كانت قد وقعت بينهما في اجتماع عقد في 14 فبراير 1945. يومها طرح الملك السعودى على "روزفلت" قضية الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة في أرضهم، ولفت نظر روزفلت إلى التهديد الذي يتعرض له العرب في وجودهم، وإلى الأزمة التي نتجت عن هجرة اليهود المتواصلة وشرائهم للأراضى، وأن العرب يتوقعون من الولايات المتحدة الأمريكية أن تدعمهم. ورد عليه " روزفلت" قائلا:" إنه يؤكد للملك أنه لن يفعل شيئا لدعم اليهود ضد العرب، ولن يقدم على أى أمر يكون معاديا للعرب".

واليوم نقول: "إن قرار حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بدعم مطالب الصهاينة في فلسطين يشكل عاملا معاديا للعرب، وفى الوقت نفسه لا ينسجم مع الوعد الذي منحه "روزفلت" للفلسطينيين، حيث إن القرار لا ينسجم مع الوعد الذي أعطاه الرئيس الراحل".

مقالات مشابهة

  • ترامب يهدد بفرض عقوبات قاسية على روسيا ويهاجم بوتين بسبب حرب أوكرانيا
  • إندونيسيا تعتزم استئناف مفاوضات الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة تلغي تصنيف “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية
  • بعد 14 سنة.. الولايات المتحدة تلغي تصنيف "هيئة تحرير الشام" كـ"منظمة إرهابية أجنبية"
  • الأحادية القطبية وسلام الشرق الأوسط
  • زيلينسكي يطلب من ترامب استبدال السفيرة الحالية لدى الولايات المتحدة
  • لتجنب رسوم ترامب.. تايلاند تعرض تنازلات تجارية على الولايات المتحدة
  • انخفاض صادرات كندا إلى الولايات المتحدة في مايو مع استمرار الحرب التجارية
  • كلمة حق
  • بوتين: روسيا دعمت الولايات المتحدة وسلحتها ومولتها للاستقلال عن بريطانيا