«ترامب» يضغط على «بوتين» من أجل السلام
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
استراتيجيون: لا بد من الوحدة مع أوروبا لتحقيق إنجاز دبلوماسى جديد فى موسكو
فى الوقت الذى ينتظر الجميع مكالمة هاتفية بين دونالد ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، يتخذ المسؤولون الروس مواقف متشددة بشأن حرب أوكرانيا قبل أى محادثات، ويقللون من شأن أى اختراق كبير وشيك فى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، مع استشعار التقدم المتزايد على ساحة المعركة وسط احتمال قوى بأن يقوم ترامب بتقليص المساعدات العسكرية لأوكرانيا، يبدو أن كثيرين فى موسكو قد عززوا موقفهم، معتقدين أن روسيا قادرة على الاستيلاء على المزيد من الأراضى وإجبار كييف على الخضوع فى وقت لاحق من العام.
ومع أيامه الأولى فى السلطة، يكثف ترامب الضغوط على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، سعيا للضغط على الزعيم الروسى للجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب فى أوكرانيا. وبعد أكثر من 48 ساعة من عودته إلى البيت الأبيض، قال إن بوتين «يدمر بلاده» بالحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ضد كييف وهدد بزيادة العقوبات على روسيا وممكنيها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بسرعة. وقد وصف تهديداته بالمجاملة، قائلاً إنه يحب الشعب الروسى، وكان لديه دائمًا علاقة جيدة جدًا مع بوتين. وأضاف «أنا لا أسعى إلى إيذاء روسيا» هكذا كتب ترامب على موقعه على شبكة التواصل الاجتماعى Truth Social. متابعا: «سأقدم لروسيا، التى يعانى اقتصادها من الانهيار، ولـ«بوتين» خدمة كبيرة للغاية. استسلما الآن، وأوقفا هذه الحرب السخيفة! لن تتحسن الأمور إلا سوءًا».
وتمثل هذه المنشورات بداية لجهود «ترامب» لإظهار أن سياسته «السلام من خلال القوة» يمكن أن تنهى أكبر حرب برية فى أوروبا منذ ما يقرب من قرن من الزمان.
ويأتى ذلك وسط بعض النجاحات الدبلوماسية المبكرة فى الشرق الأوسط. حيث استخدم رأس المال السياسى الذى اكتسبه خلال ولايته الأولى مع إسرائيل والشركاء الإقليميين. لكن حرب روسيا فى أوكرانيا تشكل وحشاً مختلفاً، حيث شكل الغزو الروسى الشامل لأوكرانيا انتهاكا صادما للنظام الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وسعت موسكو إلى تغيير حدود دولة ذات سيادة بالقوة. وفى ظل ذلك نجحت أوكرانيا فى الحفاظ على بلادها ولكنها فشلت فى طرد روسيا من نحو 20% من الأراضى الأوكرانية فى شرق البلاد.
وفى السياق ذاته، أصبح الرأى العام الأوكرانى منفتحا بشكل متزايد على التفاوض لإنهاء الحرب فى أقرب وقت ممكن. وقال الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إنه متفائل بأن حسم ترامب قد يغير ديناميكيات الحرب.
ولكن روسيا وأوكرانيا ليستا اللاعبين الوحيدين فى هذا الصراع. فقد ترسخت التحالفات الدولية على جانبى الصراع، مع وجود عدد من البلدان على جانبى الخط. وانتقد زيلينسكى أوروبا خلال خطاب ألقاه فى المنتدى الاقتصادى العالمى ووصفها بأنها فشلت فى تسخير قوتها.
أكد سام جرين مدير المرونة الديمقراطية فى مركز تحليل السياسة الأوروبية، بواشنطن لصحيفة «ذا هيل»، أنه إذا كان ترامب يريد ممارسة نفوذه على روسيا، فسوف يحتاج إلى الوحدة مع أوروبا. وقد يكون هذا صعباً إذا أوفى بوعده بفرض رسوم جمركية باهظة على القارة.
وأضاف جرين «أعتقد أن ترامب لا يملك – والولايات المتحدة بشكل عام لا تملك - نفوذا هائلا على أى من الطرفين فى هذا الصراع». وأشار إلى مستشار الأمن القومى مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو ليس من المستحيل أن يجلس ترامب ووالتز وروبيو - وأى شخص سيكون مهما عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية – ويضعون خريطة لجميع المصالح المتداخلة والمتشابكة ويبدأون فى تحديد الأولويات.
وتابع: «لم نصل إلى هذه النقطة بعد. وحتى نصل إليها، أعتقد أنه من الحماقة أن يشعر الروس بأنهم تحت ضغط كبير من واشنطن».
ولفت إلى إيذاء بوتين جراء الحرب، ولكنه لم يُهزم. فقد استخدم الزعيم الروسى الإنتاج العسكرى المحلى لدعم الاقتصاد واعتمد على شبكة من البلدان للالتفاف على العقوبات الدولية من القوى العالمية مثل الصين والهند إلى المنبوذين دوليا مثل إيران وكوريا الشمالية، مشيرا إلى أن الرئيس الصينى شى جين بينغ هو الحليف الأكثر أهمية لبوتن فى الحرب، حيث أعلن الاثنان عن «شراكة بلا حدود» فى فبراير 2022، قبل وقت قصير من غزو موسكو لأوكرانيا، و«عصر جديد» لشراكتهما فى مايو. ويرى كل من بوتين وشى أن الولايات المتحدة والديمقراطيات تشكل تهديدًا لبقاء أنظمتهما الاستبدادية.
وشدد جرين على أن «بوتين» ربما يتمكن من بيع صفقة للشعب الروسى، لكنه سيظل يجد صعوبة فى الموافقة على وقف الحرب. ولفت إلى أن «بوتين» يستطيع أن يجد وسيلة لرفع راية إنجاز المهمة حتى ولو لم يكن يسيطر على كامل أوكرانيا أو كامل الأراضى التى أدعت الحكومة الروسية ملكيتها لها. ولكن ما ستكافح روسيا من أجله هو الابتعاد عن الصراع والمواجهة مع واشنطن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أجل السلام ترامب يضغط على بوتين استراتيجيون
إقرأ أيضاً:
بعد انتقاده بوتين.. هل يمهّد ترامب لتجاهل التسوية السياسية للحرب الأوكرانية؟
موسكو – في وقت بدت فيه العلاقات الروسية الأميركية كأنها تبتعد عن خطاب المواجهة وتقترب من الحوار السياسي لحل الأزمات العالقة بينهما، لا سيما ملف الحرب الأوكرانية، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب "النارية" ضد نظيره الروسي فلاديمير بوتين لتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التصريحات مقدمة للعودة إلى التوتر بين البلدين.
وكان الرئيس الأميركي صرّح يوم 27 مايو/أيار الجاري بأن "بوتين لا يفهم أنه لولا ترامب لكانت روسيا قد تعرضت لأمور سيئة للغاية"، وقال إن الرئيس الروسي "يلعب بالنار".
وجاءت انتقادات ترامب لبوتين في ظل الغارات الروسية المكثفة على أوكرانيا، وما اعتبره ترامب عدم إحراز أي تقدم في محادثات إنهاء الحرب، مضيفا كذلك أن بوتين "جنّ جنونه" وأنه "يقتل الكثير من الناس دون داعٍ".
ردود مقابلةمن جانبها، سعت موسكو إلى "امتصاص" الهجوم الكلامي لترامب، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "لكل دولة مصالحها الوطنية التي تحميها، وهذه المصالح فوق كل اعتبار".
وذهب المتحدث في تصريحه إلى ما تشبه إشارات الغزل بقوله إن "الولايات المتحدة، التي تبذل جهودا حثيثة في إطار التسوية السلمية، ترغب في إحراز تقدم في هذه العملية"، مؤكدا أن موسكو ممتنة لواشنطن على هذه الجهود، وأنها تستعد للجولة المقبلة من المفاوضات مع كييف وستحافظ على الاتصالات مع الإدارة الأميركية.
إعلانومن بين جميع المسؤولين الرسميين الروس، وحده ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي غرّد خارج السرب، وقال إن "كلام ترامب عن لعب بوتين بالنار، والأمور السيئة للغاية التي قد تحدث لروسيا.. أعرف شيئا واحدا سيئا للغاية، الحرب العالمية الثالثة. آمل أن يفهم ترامب هذا".
كلام ميدفيديف رد عليه في اليوم نفسه المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ بقوله إن "زيادة المخاوف بشأن الحرب العالمية الثالثة تصريح مؤسف وغير مسؤول من ميدفيديف، ولا يليق بقوة عالمية"، مضيفا أن "الرئيس ترامب يعمل على وقف الحرب ووضع حد لأعمال القتل. ونحن في انتظار استلام مذكرة التفاهم من روسيا التي وعدتم بها قبل أسبوع. أوقفوا إطلاق النار فورا".
تعبير عن فشليبدو أن ما أعطى تصريحات ترامب الأخيرة صدا واسعا هو أنها لم تقتصر على توجيه انتقادات لاذعة لبوتين، بل حملت تهديدات باحتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا. فهل بدأ العد التنازلي لتراجع الإدارة الأميركية عن مقاربتها للصراع الروسي الأوكراني وتفاهماتها الأخيرة مع موسكو؟
وفق وجهة نظر الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم، فإن التصريحات "القاسية" التي أدلى بها ترامب ضد بوتين تُظهر يأس الولايات المتحدة من محاولة إجبار روسيا على الخضوع للمقاربة الأميركية لوقف الحرب على أوكرانيا.
ويضيف في تعليق للجزيرة نت، أن ترامب يتمتز بفقدانه القدرة على ضبط النفس في التعابير والتوصيفات السياسية. فقد وصف بوتين بـ"المجنون"، وفولوديمير زيلينسكي وكير ستارمر وإيمانويل ماكرون ودونالد توسك وفريدريش ميرز بـ"المُحرِّضين على الحرب"، لكن عجزه عن ضبط انفعالاته هذه المرة مرتبط بفشل واشنطن في مواجهة روسيا وهزيمة بوتين شخصيا.
ويوضح أن واشنطن كانت تأمل أن تتمكن من جرّ أوكرانيا إلى المعسكر الغربي وتوسيع حلف الناتو وإجبار روسيا على الاستسلام، لكن كان ذلك رهانا خاسرا؛ فقد كانت هذه قضية محورية بالنسبة لروسيا عندما ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بحكومة موالية لموسكو في أوكرانيا، ثم بنت أكبر جيش في أوروبا هناك ودعمته في مواجهة القوات الروسية، حسب قوله.
إعلانعلى هذا الأساس، يضع المتحدث هجوم ترامب على بوتين في سياق التمهيد للتراجع عن الوعود التي قطعها بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث كان رهانه الحقيقي على أن موسكو المنهكة من الحرب والتي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العقوبات، ستتجاوب بسرعة، لكن تبيّن العكس.
"حفظ ماء الوجه"
من جانبه، يرى الخبير في النزاعات الدولية فيودور كوزمين أن ترامب يتظاهر بالغضب الشديد من روسيا، ويحاول الإيحاء بأن بوتين على وشك إحراق "الجسر الذهبي" الذي بناه له، لكن على الأرجح وبالعكس من ذلك، ستؤدي إجراءات محددة إلى تصعيد ضد أوكرانيا.
ويضيف للجزيرة نت أن "ترامب على ما يبدو لا يتلقى معلومات كافية ودقيقة بشأن الصراع في أوكرانيا، إذ يتكلم ويوجه الاتهامات للرئيس الروسي وكأنه لا يعرف بحصول هجمات إرهابية ضخمة تنفذها أوكرانيا كل يوم تقريبا ضد المدن الروسية المسالمة".
ويقرّ المتحدث بأن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات جديدة على روسيا، ولكنه مع ذلك يرى أن هذه القيود ستكون رمزية إلى حد ما بهدف الإظهار "لصقور أوروبا" أن واشنطن تمارس ضغوطا على موسكو.
ويلفت إلى أن ترامب يدرك تماما أن العقوبات الجسيمة لا تضرّ إلا بالمصالح الأميركية لأنها تُقرّب روسيا والصين. لكن إذا فرضت فلن تشمل عقوبات مصرفية جديدة.
ومع ذلك، لا يستبعد كوزمين خيارات أخرى للضغط على روسيا لتقديم تنازلات، بما في ذلك الموافقة على وقف إطلاق نار لمدة 30 يوما.