تناول مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية ظاهرة صعود أقصى اليمين في جميع أنحاء أوروبا، وفشل تيار الوسط في مقارعته.

ويؤكد كاتب المقال ديفيد برودر الخبير في السياسة الأوروبية أن صعود أقصى اليمين نتيجة حتمية للشعبوية، بل هو نتاج الإخفاقات الكارثية للحكومات الوسطية في الاقتصادات الرئيسية للقارة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رئيس أركان القوات الجوية الإسبانية يحذر من أسلحة موجودة في الفضاءlist 2 of 2كاتب أميركي: الولايات الحمراء تنقلب على نظام ترامب للترحيل الجماعيend of list

ويسلط برودر الضوء على 3 نماذج لفشل الحكم الوسطي؛ وتحديدا في فرنسا في ظل رئاسة إيمانويل ماكرون، وألمانيا بقيادة المستشار فريدريش ميرتس، وبريطانيا تحت حكم رئيس الوزراء كير ستارمر.

قبل عقد من الزمن، اعتقد كثيرون أن الهياكل الديمقراطية الأوروبية، والذاكرة الجمعية للفاشية، كفيلة بمنع أقصى اليمين من تحقيق اختراقات حاسمة.

فبعد عقد من الأزمة المالية، يقول الكاتب، ترسخ أقصى اليمين مؤسساتيا، وبات يحكم إيطاليا والمجر، ويؤثر على السياسات في أنحاء أوروبا، حيث قام بعكس مسار المبادرات الخضراء وفرض ضوابط أكثر صرامة على الحدود.

وفي سياق فحصه أسباب الأزمة المتسارعة التي تعيشها الحكومات الوسطية في أوروبا، يجادل الكاتب بأن قادة الوسط في فرنسا وألمانيا وبريطانيا يسهّلون، من حيث لا يدرون، صعود أقصى اليمين عبر فشلهم في تقديم بدائل سياسية واقتصادية مقنعة للناخبين.

وأشار إلى أنه قبل عقد من الزمن، اعتقد كثيرون أن الهياكل الديمقراطية الأوروبية، والذاكرة الجمعية للفاشية، والخصائص الاجتماعية الاقتصادية للقارة كفيلة بمنع أقصى اليمين من تحقيق اختراقات حاسمة.

لكن السنوات الأخيرة شهدت -برأيه- ترسخ هذه القوى في المؤسسات الوطنية والأوروبية، وإجهاض أجزاء من خطط التحول الأخضر، وتشديد مراقبة الحدود، والفوز بالسلطة أو النفوذ في بلدان مثل المجر وإيطاليا والسويد وفنلندا.

واليوم يواجه الاتحاد الأوروبي احتمالا غير مسبوق يتمثل في اختراق متزامن لأقصى اليمين في أكبر اقتصادات القارة.

ويؤكد أن الخطأ المشترك بين هذه الحكومات هو محاولتها تحييد خطاب أقصى اليمين عبر استنساخ أجزاء منه -خصوصا في ملف الهجرة- من دون تقديم رؤية سياسية إيجابية.

الخطأ المشترك بين الحكومات الألمانية والبريطانية والفرنسية هو محاولتها تحييد خطاب أقصى اليمين عبر استنساخ أجزاء منه -خصوصا في ملف الهجرة- من دون تقديم رؤية سياسية إيجابية

وبدلا من تجديد العقد الاجتماعي، تلجأ هذه الحكومات إلى التكنوقراطية، أو الإدارة البيروقراطية، أو السياسات القمعية، مما يُنفِّر قواعدها التقليدية ولا يجذب الناخبين الساخطين.

إعلان

وأوضح الخبير الأوروبي في مقاله أن ماكرون ظل، منذ عام 2017، يعد شعبه بأنه سيقلص قاعدة أقصى اليمين عبر تحويل فرنسا إلى "أمة الشركات الناشئة"، داعيا الفرنسيين إلى تحمل الأعباء الآن من أجل المكاسب لاحقا.

غير أن أسلوبه الفوقي -يتابع الكاتب- والإصلاحات الضريبية التي أفادت الأغنياء، وتمرير إصلاح التقاعد بالقوة، إلى جانب التعامل الأمني العنيف مع الاحتجاجات، كلها أدت إلى نتائج عكسية.

فقد خسر أغلبيته البرلمانية في 2022، وأدّت الانتخابات المبكرة عام 2024 إلى برلمان مفكك وحكومة مشلولة.

ومع توالي تغيير رؤساء الوزراء وعجز النظام عن الاستقرار، فقد ماكرون رصيده السياسي، في حين تنتظر مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني اللحظة المناسبة للحكم، يوضح ديفيد برودر.

أما ستارمر في بريطانيا، فبعد فوزه بأغلبية ساحقة، تراجع بسرعة بسبب حذره المفرط وتردده السياسي. وركّز على الانضباط المالي بدلا من تحسين مستويات المعيشة، وتخلى تحت ضغط المعارضة الشعبية عن تخفيضات غير شعبية لمخصصات كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

كما اتسم أداؤه بنزعة قمعية تمثلت في معاقبة نواب من حزب العمال الذي ينتمي إليه، وتشديد الإجراءات ضد التظاهرات المؤيدة لفلسطين، وتصنيف حرركة "فلسطين أكشن" المناصرة للفلسطينيين كجماعة إرهابية، مما أضر بسمعته بشدة.

وفي الوقت نفسه فشل في مواجهة زعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج، متنقلا بين تبني خطاب مناهض للهجرة واتهام الحزب بالعنصرية. وهكذا تراجع الدعم لحزب العمال إلى 18%، مقابل صعود حزب فاراج إلى 30%.

وفي ألمانيا، أحدث المستشار ميرتس تحولا كبيرا عبر تخفيف قيود الاقتراض لتمويل إعادة التسلح، آملا إحياء الصناعة ودعم الردع ضد روسيا، لكن هذا النهج يتقاطع بوضوح مع برنامج حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي يدعو أيضا إلى زيادة عدد الجيش ويعارض التصنيع الأخضر.

ووفقا للكاتب، فإن ميرتس أخفق في احتواء سردية حزب "البديل من أجل ألمانيا" التي تعززت أكثر؛ فهو يتصدر استطلاعات الرأي، مستفيدا من دعواته لوقف الدعم العسكري لأوكرانيا وقدرته على تبني محاور الأجندة الحكومية نفسها.

ومع ازدياد عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين وخطاب ميرتس عن "حماية النساء من المهاجرين"، يبدو أن السير وراء أقصى اليمين لم يوقف تمدده بل منحه شرعية إضافية.

ويرى برودر أن هذا التقليد لخطاب أقصى اليمين، بدلا من مواجهة حججه، يخدم خصوم الوسط لا العكس.

ويقارن المقال هذه الإخفاقات بقصتي نجاح أوروبيتين. ففي الدانمارك، نجحت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن في صد أقصى اليمين، ليس فقط من خلال نهج صارم تجاه الهجرة، بل بالدرجة الأولى عبر برنامج طموح لإعادة التصنيع الأخضر واستثمار كبير في الطاقة المتجددة.

وقد حول هذا التدخل الاقتصادي التركيز الوطني إلى قضايا المناخ والرعاية الصحية، بعيدا عن الهجرة. وفي إسبانيا، استطاع رئيس الوزراء بيدرو سانشيز -عبر الانحياز لطرف واضح من خلال سياسات جريئة لإعادة التوزيع- تحديد سقف لأسعار الطاقة، واستعادة حماية العمال، ورفع الحد الأدنى للأجور، وفرض ضرائب على الثروات الكبيرة.

إعلان

ومن خلال حشد الناخبين خلف إنجازات حكومته، أحبط سانشيز صعود حزب "فوكس" القومي المتطرف، مشددا على قيمة الجرأة السياسية بدلا من الحذر.

ما لم تُغيِّر الحكومات الأوروبية الوسطية مسارها، يمكن لأقصى اليمين أن يجعل أوروبا أرضا خالصة له، وبعدها لن يكون بمقدور أحد التنبؤ بما سيحدث

وينصح برودر القادة الوسطيين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتعلم الدروس من الدانمارك وإسبانيا، مشيرا إلى أن الدول الثلاث لا تزال قادرة على اعتماد نهج مماثل من خلال نبذ التردد، وتبني تدابير ممكنة سياسيا مثل فرض ضريبة على الثروة في فرنسا، وضرائب على شركات الطاقة العملاقة في بريطانيا، وتجديد البنية التحتية على نطاق واسع في ألمانيا.

ويحذر المقال من مغبة وصول أقصى اليمين إلى السلطة، إذ سيؤدي ذلك إلى اختفاء أجندة "الصفقة الخضراء" الأوروبية، وتوجيه الاستثمارات على الأرجح إلى إعادة بناء الجيوش الوطنية، وتوسيع منظومة الترحيل الجماعي، وتشديد الرقابة على الحدود، واستهداف المسلمين واللاجئين الأوكرانيين.

وأكد برودر أن أوروبا لن تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي الكئيبة، الخاضعة لهيمنة أيديولوجيات أقصى اليمين، والمرتهنة لأميركا بنزعتها القومية الانعزالية، قد تحمل مآسيها الخاصة.

وحذر في ختام مقاله من أنه ما لم تُغيِّر الحكومات الأوروبية الوسطية مسارها، يمكن لأقصى اليمين أن يجعل أوروبا أرضا خالصة له، وبعدها لن يكون بمقدور أحد التنبؤ بما سيحدث.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات من خلال

إقرأ أيضاً:

ما كفارة الرجوع في اليمين؟.. أمين الإفتاء يوضح 3 طرق جائزة

أجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، على سؤال سعاد من القاهرة حول حكم الرجوع في الحلف بعد أن حلفت بالله ولم تلتزم بالحلف، وسألت عن الكفارة الواجب أداؤها.

كفارة الرجوع في اليمين

وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الأربعاء، أن الرجوع في الحلف العادي ليس حرامًا، ولا يترتب عليه الذنب ما دامت النيّة صادقة، فالحرام يكون فقط عند الحلف الكاذب أو عند الحلف الغموس الذي يترتب عليه ضياع حقوق الآخرين أو أخذ ما ليس حقًا، وهذا ما يشكل الكبائر.

وبيّن أمين الفتوى في دار الإفتاء أن الإنسان إذا رجع عن الحلف العادي، فإن الشريعة ألزمت الكفارة، وهي وسيلة للتوبة والتكفير عن الرجوع. 

وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن من حلف على شيء ثم رأى خيرًا منه أو فعل ما هو أفضل يُجزئه ذلك بالكفارة.

هل مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار؟.. الإفتاء توضح مدى صحة الوضوءما حكم الزكاة على المصانع ومنتجاتها؟.. الإفتاء توضح مقدارهاهيئة البريد تصدر طابعا تذكاريا بمناسبة مرور 130 عاما على تأسيس الإفتاءهل ذهب الزينة غير المستعمل عليه زكاة؟ الإفتاء تجيب

حكم الرجوع في اليمين

وأشار أمين الفتوى في دار الإفتاء إلى أن كفارة الرجوع في اليمين تكون بإحدى طرق مختارة: الإطعام للمساكين أو كسوتهم أو الصيام لعدة أيام، مع توضيح أنه يجوز بدل الإطعام أو الكسوة دفع قيمتها بالمال، كما أنه يجوز أن تُعطى كفارة الرجوع لشخص واحد أو أسرة واحدة.

وأكد أمين الفتوى في دار الإفتاء أن في حال العجز عن الإطعام أو الكسوة، يمكن للإنسان الصيام لعدة أيام لتصح كفارته، فيكون بذلك قد برئت ذمته أمام الله سبحانه وتعالى.

ما كفارة الرجوع في الحلف؟

اجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:" يقول: لزمتني كفارة يمين، وشرعت في الإطعام ولم أتمكَّن من إتمام إطعام العشرة مساكين، فهل يجوز لي الانتقال إلى الصيام، أم يجب عليَّ الانتظار حتى يتيسر حالي وأكمل الإطعام؟".

لترد دار الإفتاء موضحة: انه إذا حنث الحالف في يمينه وجب عليه أداء الكفارة، وهو مخيَّر فيها بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجز عن ذلك كله كان عليه صيام ثلاثة أيام، فإذا قام بأيٍّ منها اعتُبرت ذمته بريئة، وإن لم يفعل، بقيت ذمته مشغولة ويُسأل عنها، وإذا بدأ بالإطعام ثمَّ عجز عن إتمامه، فإنَّه يجوز له الانتقال إلى صيام ثلاثة أيام، ولا يلزمه انتظار تحسُّن حاله أو حصول يساره؛ إذ المعتبر في الكفارات هو وقت الأداء.

التخيير في كفارة اليمين

الأيمان من العقود المؤكَّدة التي يجب صونها والوفاء بها؛ لقوله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89]، والبِرُّ بها من تمام التقوى وصدق العبودية، غير أنَّه إذا كان في لزوم اليمين تفويت لمصلحة أرجح أو ارتكاب لمعصية شُرع الحنث والتكفير؛ لما ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» أخرجه الإمام مسلم.

ومن المقرَّر شرعًا أنّ اليمين المنعقدة إذا حنث صاحبها وجبت فيها الكفارة، وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ [المائدة: 89].

والحنث في اليمين هو: مخالفة الحانث لما حَلَف عليه، سواء كان ذلك بالفعل أو بالترك، كما في "شرح مختصر خليل" للعلامة الخرشي (3/ 71، ط. دار الفكر).

فإذا خالف الحالف ما التزمه في يمينه عامدًا، فقد أجمع الفقهاء على أنَّه يحنث وتلزمه الكفارة، وهو مخيَّر فيها بين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فيجزئه الإتيان بأيٍّ منها إذا كان قادرًا ومتمكِّنًا، كما اتفقوا على أنَّه لا يجوز له العدول إلى الصيام إلَّا عند عجزه عن جميع هذه الخصال، فإذا انتقل حينئذٍ يصوم ثلاثة أيَّام، ويجزئه ذلك من غير انتظار إلى تحوُّل حاله أو حصول يساره.

قال الإمام ابن المنذر في "الإشراف" (7/ 128-139، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم على أنَّ الحانث في يمينه بالخيار: إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق، أيّ ذلك فعل يجزئه...، وأجمع أهل العلم على أنَّ الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة أو الرقبة: لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه] اهـ.

وقال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (160، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا أنَّ من عجز عن رقبةٍ وكسوةٍ وإطعامٍ من حرٍّ أو عبدٍ ذكر أو أنثى في حين حنثه فكفر حينئذٍ ولم يؤخر إلى تبدل حاله فصام ثلاثة أيام يجوز صيامها متتابعات أجزأه] اهـ.

طباعة شارك الدكتور محمود شلبي محمود شلبي أمين الفتوى في دار الإفتاء دار الإفتاء الإفتاء كفارة الرجوع في اليمين الرجوع في اليمين

مقالات مشابهة

  • شي وماكرون يتعهدان بتوسيع نطاق التعاون الاستراتيجي بين الصين وفرنسا
  • عقد من معارك المناخ: كيف تدفع الدعاوى القانونية الحكومات والملوِّثين إلى المساءلة؟
  • اتهام الدبلوماسية الأوروبية السابقة فيديريكا موغيريني بالفساد والاحتيال
  • ما كفارة الرجوع في اليمين؟.. أمين الإفتاء يوضح 3 طرق جائزة
  • زيارة ماكرون إلى الصين.. منعطف مهم في العلاقات الصينية الأوروبية
  • ترامب يهاجم صحيفة نيويورك تايمز: «أغبياء سيفلسون قريبًا»
  • كاتب إسباني: إقصاء اليمين المتطرف في أوروبا ليس الحل لكشف زيف شعاراته
  • توقيف مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية السابقة بشبهة الاحتيال المالي
  • مايكروسوفت: نحن نستثمر في التكنولوجيا الأوروبية