زوبعة بين ليبيا وإيطاليا والمحكمة الدولية
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
يبدو، من التجربة، أن الغرض المضمر من تأسيس المحكمة الجنائية الدولية هو خلق وإثارة الزوابع السياسية. إذ منذ ظهورها على الخريطة، كهيئة قضائية دولية، لا يظهر اسمها في وسائل الإعلام الدولية إلا مصحوباً بزوبعة. آخرها، كان منذ أسبوع مضى، لدى تسرّب الأخبار عن اعتقال السلطات الإيطالية لمواطن ليبي يحمل صفة رسمية، وهي مدير عام إدارة السجون في حكومة طرابلس.
أمر القبض صادر عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وصحيفة الاتهام المرفقة لأمر الاعتقال تحمل تهمة تورط الشخص المعني في قضايا تعذيب مهاجرين غير قانونيين في ليبيا. التهمة، حسب المصادر، موثقة بشهادات شهود ما زالوا أحياء، كانوا من ضحاياه. بعد أقل من 48 ساعة تقريباً على تسرّب خبر الاعتقال، عاد المواطن الليبي على متن طائرة إيطالية خاصة، قيل إنها تابعة للمخابرات العسكرية الإيطالية.
الزوبعة الجديدة المقصودة تكوّنت من شقيّن: الأولُ منهما تمثل في اعتقال مسؤول ليبي، دخل إيطاليا قادماً من ألمانيا بسيارة مستأجرة، وبهدف مشاهدة مباراة كرة قدم لفريقه الإيطالي المفضل يوفنتوس. أعقب ذلك رد الفعل الليبي، وجاء على مستويين: رسمي وشعبي.
الرسمي كالعادة فضّل التزام الصمت، والحكمة منهجاً، من خلال السعي سرّياً للتواصل مع السلطات الإيطالية للإفراج عن المسؤول المعتقل. في حين أن رد الفعل الشعبي تمثل في حالة من اهتياج سادت مواقع التواصل الاجتماعي الليبية لا تخلو من فرح وشماتة، تقابلهما موجة تعاطف مع المسؤول المعتقل. كفّة الشامتين الفرحين بالاعتقال رجحت كفّة المتعاطفين مع المعتقل والغاضبين من فعل السلطات الإيطالية.
الشقُّ الثاني من الزوبعة، تمثل في رجوع المسؤول المعتقل سالماً معززاً مكرّماً على متن طائرة خاصة إيطالية. وما أحدثه ذلك الإفراج من زوابع تحت سقف البرلمان الإيطالي، تمّ خلالها تبادل التُهم بين مختلف النواب، والتفوه باتهامات موجهة إلى رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني، وبشكل أكثر إلى وزيري العدل والدفاع، لعلاقة الأول المباشرة بحادثة القبض والإفراج، والأخير بحادثة ترحيل المعتقل إلى طرابلس على طائرة تابعة لوزارته. وزير الدفاع الإيطالي أنكر علمه بالأمر.
في حين أن وزير العدل تحصّن في دفاعه ضد التهم الموجهة من النواب بادعاء حدوث خطأ إجرائي. وسائل الإعلام الإيطالية تكفلت بنقل تلك الجلسات البرلمانية الساخنة على مختلف القنوات التلفزية مباشرة.
وسائل الإعلام الدولية تجاهلت متعمدة الجزء المتبقي من الزوبعة - الثالث - المتمثل في رد فعل المحكمة الجنائية الدولية نتيجة الفعل الإيطالي بتجاهل أمر الاعتقال الصادر عنها وترحيل المتهم.
في تفسيرها لما حدث، تمسكت السلطات الإيطالية بروايتها القائمة على حدوث خطأ إجرائي في أمر الاعتقال الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية. مواقع التواصل الاجتماعي الليبية نقلت حفل استقبال المسؤول العائد من الاعتقال لدى وصوله، كأنها تستقبل قائداً منتصراً. وظهر هو في «مطار معيتيقة»، محمولاً على أكتاف مستقبليه من أفراد عائلته وأصحابه ومؤيديه وأنصاره، ومرفوقاً بهتافاتهم المنددة بالسلطات الإيطالية.
المسؤولون في محكمة الجنايات الدولية لم يسكتوا على ما حدث، وعبروا رسمياً عن استيائهم من الفعل الإيطالي، وأكدوا عدم وجود خطأ إجرائي، كما زعمت وزارة العدل الإيطالية. ومن المؤكد أن الزعم بوجود خطأ إجرائي في عملية القبض ليس صحيحاً. وهذا يعني أن خيوطاً نسجت وراء كواليس بين روما وطرابلس، وأن حكومة روما أعادت حساباتها، واكتشفت أن الخسارة ستكون من نصيبها إن لم تطلق سراح المسؤول الليبي. وتمّ ذلك بناءً على ما وصلها من تهديدات، مبطنة أو صريحة، من سلطات طرابلس.
وما لا يخفى على أحد، حتى في عالم ليس من شيمته الوضوح والشفافية، أن حكومة روما ستكون الخاسر الوحيد في الزوبعة، لو أنها واصلت اعتقال المسؤول الليبي.
وأنها، في الوقت ذاته، ليس بإمكانها تحمل النتائج غير السارة المتوقعة سياسياً واقتصادياً. على المستوى السياسي، هناك الاتفاق بين روما وطرابلس على قيام الأخيرة بواجب حماية إيطاليا من تحرك قوارب المهاجرين غير القانونيين باتجاه سواحلها. واستمرار إيطاليا في اعتقال المسؤول الليبي من المحتمل أن يؤدي إلى تجاهل حكومة طرابلس الالتزام بتعهداتها في الاتفاق، مما يقود إلى عودة تدفق القوارب مجدداً محمّلة بالمهاجرين.
على المستوى الاقتصادي، هناك عشرات الشركات الإيطالية العاملة في ليبيا ويحتمل توقيفها عن العمل. وهناك أيضاً احتمال بإقفال خط أنابيب الغاز البحري الليبي من مصنع تسييل الغاز في منطقة مليتة المتوجه إلى إيطاليا. أضِف إلى ذلك وقف تصدير النفط.
الشرق الأوسك
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجنائية الدولية ليبيا إيطاليا ليبيا إيطاليا الجنائية الدولية اسامة نجيم سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة السلطات الإیطالیة
إقرأ أيضاً:
حكومة البرلمان الليبي تسلم قنصل اليونان مذكرة احتجاج
طرابلس - سلمت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، الأحد، قنصل اليونان بمدينة بنغازي مذكرة احتجاج على توجه بلاده لمنح تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق بالبحر الأبيض المتوسط متنازع عليها مع ليبيا.
ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، تعيش ليبيا، الغنية بالنفط، أزمة تتمثل بوجود حكومتين، إحداهما معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس، وتدير منها غرب البلاد كاملا.
والحكومة الأخرى كلفها مجلس النواب، ويرأسها حاليا أسامة حماد، ومقرها مدينة بنغازي (شرق)، وتدير منها شرق البلاد كاملا ومدنا بالجنوب.
وقالت وزارة الخارجية بحكومة البرلمان الليبي، في بيان، إنها استدعت اليوم الأحد القنصل العام لجمهورية اليونان بمدينة بنغازي أغابيوس كالوغنوميس إلى مقر الإدارة العامة للمراسم.
وجرى اللقاء "بحضور رئيس لجنة الحدود البحرية والبرية بالوزارة جميل بووذن ومدير مكتب مراسم بنغازي عادل الفارسي"، وفق الوزارة.
وأفادت بأنه "تسليم القنصل اليوناني مذكرة شفوية تتضمن احتجاجا رسميا".
وأوضحت أن الاحتجاج يأتي "على خلفية إعلان السلطات اليونانية عن فتح عطاءات للتنقيب عن الهيدروكربونات (النفط والغاز الطبيعي) في مناطق بحرية متنازع عليها جنوب جزيرة كريت، تعد جزءً من المنطقة الاقتصادية الخالصة الليبية".
الوزارة أكدت في المذكرة "رفضها التام لأي إجراءات أحادية الجانب من شأنها المساس بالحقوق السيادية لليبيا".
ودعت اليونان إلى "توضيح أسباب هذه التصرفات، والعودة إلى طاولة الحوار لتسوية هذا الملف، وفقا للقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار".
والجمعة، اعتبرت خارجية حكومة البرلمان الليبي إعلان اليونان فتح دعوة دولية لمنح تصاريح استكشاف في مناطق بحرية متنازع عليها "تصعيدا " من شأنه أن يفاقم التوترات في منطقة البحر المتوسط.
وقالت الوزارة، في بيان، إنها تعرب عن "بالغ استغرابها وقلقها" حيال ما نشر بالمجلة الرسمية للاتحاد الأوروبي بتاريخ 12 يونيو/ حزيران الجاري.
ولفتت إلى المنشور يتعلق بطرح الحكومة اليونانية دعوة دولية لتقديم عطاءات بخصوص منح تراخيص للتنقيب واستغلال الهيدروكربونات".
والخميس أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية اعتراضها على إعلان اليونان تقديم هذه العطاءات.
وتتنازع ليبيا واليونان على حدود بحرية حول جزيرة كريت الغنية بالطاقة في البحر الأبيض المتوسط، وخاض البلدان عام 2004 مفاوضات لترسيم الحدود، لكنها لم تفض إلى نتائج ملموسة.
وسبق أن توترت العلاقات بين البلدين في 2022 بشأن حدودهما البحرية، بعد إعلان اليونان اعتزامها التعاقد مع شركات دولية لإجراء أعمال بحث وتنقيب عن النفط والغاز في منطقة متنازع عليها مع ليبيا جنوب وجنوب غربي جزيرة كريت.