منهجُ الهُــوِيَّة الإيمانية وهُدى الله
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
صفاء المتوكل
عندما نتحدث عن الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي، فَــإنَّنا نتحدث عن قائد لم يكن هدفه مواجهة التحديات العسكرية والسياسية، بل سعى إلى بناء أُمَّـة واعية تحمل هُــوِيَّتها الإيمانية المستمدة من هدى الله، وتقف صامدة أمام محاولات الطمس الثقافي والفكري الذي تتعرض له الشعوب الإسلامية.
ركز الشهيد القائد -سلام الله عليه- على مفهوم الهُــوِيَّة الإيمانية كركيزة أَسَاسية لبناء الأُمَّــة، حَيثُ دعا إلى العودة الصادقة للقرآن الكريم كمنهج حياة بالنسبة له، ولم تكن الهُــوِيَّة الإيمانية مُجَـرّد شعارات تُرفع أَو مظاهر تظهر بل كانت جوهرًا حقيقيًّا يعكس ارتباط الإنسان بالله ويحدّد مسار حياته في مختلف المجالات الروحية والفكرية وغيرها.
أراد الشهيد -سلام الله عليه- أن تكون الهُــوِيَّة الإيمانية بمثابة الحصن المنيع الذي يحمي الأُمَّــة من الانحراف والتبعية، ورأى أن ضعف الأُمَّــة يكمن في تفريطها بهُــوِيَّتها وابتعادها عن القيم التي أراد الله لها أن تكون محور حياتها، لذلك كان مشروعه بمثابة دعوة شاملة لإحياء هذه الهُــوِيَّة، وإعادتها إلى مكانتها المركزية في وعي الأُمَّــة.
كان الشهيد القائد يؤمن بأن هدى الله أَسَاس المنهج المتمثل في القرآن الكريم وهو النور الذي يهدي الأمة إلى الطريق الصحيح، ومن هنا دعا إلى قراءة القرآن بتدبر ووعي والاستفادة من توجيهاته في مواجهة التحديات، لم يكن يرى القرآن مُجَـرّد كتاب تقرأ آياته بل منهج متكامل يضع الحلول لجميع المشكلات التي تواجه الأُمَّــة.
ركّز الشهيد القائد على أن هدى الله هي القاعدة التي يجب أن تُبنى عليها كُـلّ جوانب الحياة بدءًا من العقيدة والإيمان وُصُـولًا إلى السياسة والاقتصاد، وبهذا الفهم جعل القرآن الكريم المرجعية الأولى والأخيرة في مشروعه القرآني.
من أهم ما ميز منهج السيد حسين “رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” هو تركيزه على كشف مخطّطات قوى الهيمنة والاستكبار التي تسعى إلى طمس هُــوِيَّة الأُمَّــة واستبدالها بثقافة مادية استهلاكية تخدم مصالحها، دعا إلى مقاومة هذه المخطّطات، من خلال تعزيز الوعي والتمسك بالهُــوِيَّة الإيمانية والعودة إلى القرآن الكريم، كدستور يحمي الأُمَّــة من الانحراف.
الارتباط بالواقع العملي ما جعل مشروع الهُــوِيَّة الإيمانية وهدى الله عمليًّا هو تطبيق له في الواقع فقد جعل من الصرخة (شعار البراءة) وسيلة علمية لترسيخ الهُــوِيَّة ومواجهة قوى الاستكبار في العالم، كما عمل على بناء جيل قرآني واعٍ يحمل مشروعه ويواصل السير على نهج التضحية والجهاد في سبيل الله٠
إن منهج الهُــوِيَّة الإيمانية وهدى الله الذي صنعه الشهيد سلام الله عليه، هو مشروع حياة الأُمَّــة الإسلامية هو دعوة لإحياء القيم الإيمانية في النفوس ومواجهة التحديات بروح قرآنية صادقة، هذا المشروع لا يزال ينير طريق الملايين، الذين يؤمنون بأن العودة إلى الله والتمسك بهديه هما السبيل الوحيد لتحقيق العزة والكرامة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشهید القائد ة الإیمانیة اله ــو ی
إقرأ أيضاً:
القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة
#القرآن و #الشعر مقاربات جمالية في الصورة
أ.د. #خليل_الرفوع / الجامعة القاسمية
تنزَّل القرآن الكريم على العرب أهل البيان فصاحةً وبلاغةً ولم يألوا جهدا في فهمه على الوجه الذي أنزل فيه، ولم يسألوا عن دلالات مفرداته لأنه جاء على سَنَنهم في التعبير اللغوي حقيقةً ومجازًا، بل كانوا من دهشة شعورهم بجمال بيانه أن اضطربوا في وصفه مترددين بين قوة السبك وجمالية القول وشعرية الدلالة، فتقوَّلوا في ذلك بعض الأقاويل، ومنها الدعوة إلى عملينِ اثنين أثناء استماع أي امرئ منهم أو من غيرهم له للخروج من جاذبية العبارة وغرابتها وسحرها: ألَّا يسمعوا للقرآن وأن يشوشوا على من يريد سماعه “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”(فصلت، 26). فقد تحول الصراع من جدلية الفكر والحِجاج إلى ضجيج الخُصومة وإغلاق منافذ الاستقبال، ولم نسمع أن أحدًا من العرب استصعب كلمة أو آية منه، بل كان بعضهم يقف بجدار دار الأرقم بن أبي الأرقم يسترقُ السمع إليه في غلَس الظلم.
ومن المؤكد لغويًّا أن من تُوجَّه إليه الدعوة ليأتي بمثل القرآن أو بشيء منه إنما هم خبراء فن القول من شعراء ونقاد وخطباء، فلم تك دعوة لجمهور العرب عامة من الذين لم تختبرهم فنون اللغة، فالشعر سابق للقرآن وجودًا بشريًّا واستعمالا لسانيًّا، ثم إن أي مقاربة أو مقارنة تكون بين القرآن والشعر الجاهلي الذي كان حاضرًا في الألسنة وأسهم في نضج اللغة معجميًّا وبيانًا. الشعر الجاهلي والقرآن الكريم كانا المؤسسين للسان العربي أسلوبًا وتصويرًا وإيقاعًا؛ بل هما مؤسسا العقل العربي ومنتجه الفكري.
مقالات ذات صلةإن مصطلحَ الصورةِ حديثُ النشأةِ في الدراسات النقدية، وتكمن قيمتها في أن كلَّ أدواتِ الشعر تعملُ على إبرازها في نسقٍ مشحونٍ بالتخَيُّلِ، فهي وليدةُ تخيل الشاعر، وهي في الوقت ذاتهِ ماثلةٌ أمامَ تصوُّرِ المتلقي، مصادرها: الخيال وتجربة السلوك الإنساني واللغة والبيئة، فالشاعر ليس جامعَ تلفيقات تهدف إلى أن يقول: إن هذا يشبه ذاك فالصورة في رأيي شكلٌ لغوي تصوري يتضمنُ شعورًا أو فكرةً أو موقفًا في آن معًا تعبر عن رؤية متآلفةٍ، فلم يكن الشعر الجاهلي يصف المحسوسات المشاهدة في الصحراء ليعبرَ عن موقف بدوي ساذج، فهو ليس انعكاسًا بسيطًا لعقل رَعوي مغلق قاصر، فحينما يتحدث الشعراء عن صورة الحرب مثلا إنما يصورون رؤيةً متكاملة متعاضدة وتأملًا عميقًا يتآلفان ليشكلا موقفًا رافضًا لها من خلال ما اقتنصوه من صور بشرية وحيوانية وشيئية ومتخيلات مطلقة تتضافر لترِّكبَ وتكون مشهدًا كاملا ينبئُ عن بشاعتها وكراهيتها واقعا مُعَاينًا وتصورًا متخيلا، وتلك هي قيمة الشعر ببعده الإنساني الفني.
وأعود إلى قيمة الشعر فنيا، إنه شبكة من العلاقات الجدلية: لغةً وإيقاعًا وتصويرًا وفكرًا متجددًا مستفيدًا مما سبقه ومضيفا إليه، يقول تعالى :”فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم”)محمد،4) ففي قوله: حتى تضع الحرب أوزارها صورة فنية لم يتوقف عندها المفسرون، وأي تفسير للقرآن في سياقاته الفنية بعيدا عن الشعر الجاهلي هو تفسير مقطوع عن سياق الحالة الإبداعية العربية التي سبقته، وأقصدُ بها الشعرَ الجاهلي، يقول الشاعر الجاهلي الأعشى:
وأعددْتُ للحربِ أوْزَارَها رِمَـاحًا طِوالًا وخَـيلًا ذُكُورا (الديوان، ص99)
فأوزارُ الحرب في أبيات الأعشى الرماحُ التي أُتْـقِـنَ صنعُها، وطولُها ينبئ عن أن الذين سيستخدمونها فرسانٌ طِوالٌ، والخيل ذكور وليست إناثا وذلك أقوى، والدروع مصنوعة من عهد داود- عليه السلام- فالأسلحة هي من أجود الصناعات، والكتيبة كثيرة العدد متنوعة الأسلحة، فالأعشى يصور حالةً استعدادية محكمة وتخطيطا متقنا للحرب في سياق القوة والفخر، فكل أدوات الحرب هي أحمال عليها، لكن السؤال هو: لِـمَ أنثَ الحربَ وأنثَ أدواتِها؟ والإجابة هنا تتماهى مع الصورة العامة للحرب في الشعر الجاهلي وهي أنها وصورَها مؤنثة، وفي ضوء ذلك تفهم الآية القرآنية التي جاءت كذلك في سياق القوة وشدة البأس؛ حتى تضعَ الحربُ أوزارَها، فللحرب أحمالٌ كثيرةٌ ثقيلةٌ تدَّرِعُها هي وتلبسُها وتضعُها أنَّى تشاء، لقد نَقلتِ الآيةُ الحربَ من العالم المطلق إلى العالم الإنساني، إنها أنسنةُ المطلق، فهي تخطط وتفكر وتشعر وتعلم وتعرف وتتحرك كما يفكر البشر ويفعلون، إنها لا تشبه المرأة بل هي امرأة كاملة المشاعر، وفي ذلك قوة وتفاؤل بعد تحقيق النصر، ولم تقل الآية: حتى تضعوا أنتم أيها المحاربون عن الحربِ أحمالَها، كل ذلك يعزز فكرة أن القرآن جاء على سَنَنِ العرب في التعبير، ولا يمكن فهمُه فنيًّا إلا بفهم الشعر الجاهلي ضمن السياق التاريخي للدلالات اللغوية بيانًا وانزياحًا وجمالًا.
إننا بذلك نخرج الفن الشعري من دوائر القواعد البلاغية المُقَوْلَـبَةِ مثل: التشبيهات والاستعارات إلى فضاءت عريضة من جمالية التعبير؛ ونخرجُ الشعرَ من الطِّلاء الخارجي والأصباغ اللونية للبحث في ما وراء المعنى كما يقول عبد القاهر الجرجاني، وبذلك يُسْتَطَاعُ استكناهُ الوجدانِ وسبرُ المشاعر التي توجِّهُ القولَ ليكونَ فنا إبداعيًّا يعيد تركيبَ الأشياء كما يريدها الشاعر لا كما تأخذها القواعد البلاغية الجامدة إلى سذاجة المعنى وشكلية اللفظ، وفي ذلك يفهم الشعر الجاهلي وإن شئت يتدبرُ القرآن الكريم، فهما المؤسسان للعقل العربي أسلوبا تركيبيًّا وبناء فكريا وإيقاعا مُمَوْسَقًا، والصور كثيرة في الشعر والقرآن، ففي الشعر: دِمْنَة أُمِّ أوفى لم تَكَلَّمِ (وليس لم تتكلم)، ويا دارَ عبلةَ بالجِواءِ تكلمي، وكان الرماحُ يختطفْنَ المحاميا، وفي القرآن: والليلِ إذا عَسْعَسَ، والصبح إذا تنفس، ولما سكتَ عن موسى الغضبُ، فأجاءَها المخاضُ، أضغاث أحلام، واشتعلَ الرأسُ شيبًا، إنها صور بيانية تستنفر الخيال، وتستنفر مكامن التأمل اللغوي وعلم الجمال.