بعد مقترح ترامب.. مشاهد زحف الفلسطينيين نحو منازلهم المدمرة في غزة يملؤها الفرح والحزن معًا
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
بعد حوالي 15 عاما من الإبادة الجماعية.. بدأ الآلاف من سكان شمال قطاع غزة، صباح أمس الإثنين، في رحلة العودة إلى منازلهم، عبر شارع الرشيد الساحلي بما يشبه السيل البشري في مشهد اختلطت فيه مشاعر الحنين بذكريات المعاناة، بعد توصل حماس وإسرائيل إلى تفاهمات جديدة برعاية مصرية قطرية.
هذا وقد شهدت طرق العودة مشاهد إنسانية تختزل معاناة طويلة وأملا بالاستقرار، بعد نزاع دام فرض على عشرات الآلاف ترك منازلهم، حيث بدأ تدفق النازحون عند الساعة السابعة صباحا سيرا على الأقدام عبر شارع الرشيد الساحلي، حاملين أمتعتهم وذكرياتهم من رحلة نزوح قاسية.
ومن جهة أخرى توافد النازحون المتواجدون بشارع صلاح الدين، المارون بمركباتهم الساعة التاسعة صباحا، نحو الشمال، وذلك وفق ما نص عليه الاتفاق بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
وتصدرت بعض المشاهد الجميلة الملفتة، المشهد، حيث نساءً يحملن أطفالهن وأمتعة خفيفة، ورجالا يجرون عربات صغيرة محملة بالحقائب وآخرين يحملون أمتعتهم على ظهورهم، ليتحول المشهد إلى لحظة استثنائية يعيد فيها الفلسطينيون الحياة إلى مناطق هجروها قسرا.
وتأتي هذه العودة عقب التوصل إلى تفاهم بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية قطرية، يقضي بإطلاق سراح الرهينة الإسرائيلية أربيل يهودا واثنين من الرهائن الآخرين يوم الجمعة المقبلة، بالإضافة إلى إطلاق 3 رهائن إضافيين يوم السبت. مقابل ذلك، سمحت إسرائيل بعودة سكان شمال غزة النازحين إلى ديارهم ابتداء من صباح اليوم.
وفي هذا السياق ولليوم الثاني على التوالي يمضي سكان شمال قطاع غزة بخطوات واثقة نحو منازلهم، حاملين معهم قصصا من الصمود والأمل، العودة إلى الديار هي بداية جديدة لكنها تحمل في طياتها ذكريات ثقيلة لن تمحى بسهولة.
قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، التابع لحركة حماس في بيان لها إن أكثر من 300 ألف نازح عادوا أمس «الإثنين» من جنوب ووسط القطاع إلى الشمال، بينما عاد اليوم أكثر من 300 ألف نازحٍ من أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم من محافظات الجنوب والوسط، إلى محافظات غزة والشمال، عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين، بعد 470 يوما على حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت حركة حماس أن عودة النازحين إلى منازلهم يثبت مجددا فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه العدوانية في تهجير الشعب الفلسطيني وكسر إرادة الصمود لديه.
وتابع البيان نفسه «هذه المشاهد المليئة بفرح العودة وحب الأرض والتشبث بها هي رسالة لكل المراهنين على كسر إرادة شعبنا وتهجيره من أرضه».
اقرأ أيضاًرئيس «الوطني الفلسطيني»: عودة النازحين إلى شمال غزة رسالة بأن الشعب سيبقى على أرضه
فصائل فلسطينية: عودة النازحين تثبت فشل إسرائيل في تهجير شعبنا
بلدية غزة تبدأ فتح الشوارع المغلقة تمهيدًا لعودة النازحين
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: شارع صلاح الدين مقترح ترامب عودة النازحین
إقرأ أيضاً:
لا تُصادِر فرح الآخرين
سلطان بن ناصر القاسمي
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (الأعراف: 156).
في خِضمّ زحمة هذه الحياة التي نعيشها، وبين تقلباتها المتتالية، وما يمرّ أمامنا من قصص تحمل في طياتها دروسًا وعِبَرًا، ينسى بعضنا حقيقة ثابتة لا تتغير: أن البشر لا يتشابهون في نصيبهم من النِّعم، ولا في حجم ما يمتلكونه من أسباب الفرح، ولا حتى في طريقة استقبالهم للحياة ذاتها. فهناك من أُفيض عليه من الخيرات ما لا يُحصى، حتى بات لا يرى في التفاصيل الصغيرة معنى يُذكر، ولا يلتفت إلى الإنجازات البسيطة لأنها لا توازي في نظره ما اعتاد عليه من وفرة.
وفي المقابل، هناك من لا يملك في هذه الدنيا سوى ومضة أمل صغيرة، يتشبث بها كما يتشبث الغريق بطوق النجاة، فرحٌ بسيط في حجمه، لكنه عظيم في أثره، لأنه يشعره أنه ما زال حيًّا، وما زال قادرًا على الفرح رغم قسوة الطريق.
وحين نرى إنسانًا يفرح بشيءٍ نراه نحن عاديًا أو متواضعًا، فليس من العدل أن نُسقِط عليه مقاييسنا، ولا أن نحتقر فرحته لأننا نملك ما هو أكبر منها. فما دام الإنسان لا يملك في هذه الحياة إلا سببًا واحدًا يفرح به، فليس من الحق أن نستكثر عليه تلك الفرحة، ولا أن نقلّل من شأنها، ولا أن نرى صاحبها أقل قيمة ممن حوله. فكل إنسان يحمل في داخله حكاية لا نعرف تفاصيلها، وأوجاعًا لا نرى آثارها، وأحلامًا قد تكون صغيرة في أعيننا، لكنها عظيمة في قلبه.
والحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الفرح ليس معيارًا واحدًا، ولا يخضع لميزان ثابت يُقاس به عند جميع البشر. فقد يفرح أحدهم بابتسامة عابرة صادفها في وقت ضيق، وقد يفرح آخر بتحقيق هدفٍ عمل لأجله سنوات طويلة، وقد يكون الفرح في كتابٍ عثر عليه مصادفة، أو في عبارة قرأها في لحظة ضعف فانتشلته من حزنه، وبدّلت مزاجه، ومنحته دفعة جديدة للحياة. وفي المقابل، هناك من لا تحرّكه كل هذه الأشياء، فتراه متجهمًا حتى في أجمل لحظاته، متشائمًا حتى وهو غارق في النِّعم. ومن الخطأ الكبير أن نحاكم الآخرين بما نراه نحن كبيرًا أو صغيرًا؛ فكل قلب أعرف بحاجته، وأدرى أين يختبئ أمله.
وتكمن قيمة الفرح الحقيقية في كونه عنصرًا أساسيًا من عناصر الصحة النفسية والجسدية، ومحفّزًا للنفس، ولبناء العلاقات الإنسانية المتوازنة. فالفرح ليس مجرد شعور عابر، بل هو طاقة داخلية تمنح الإنسان قدرةً على التحمّل، ومرونة في مواجهة التحديات، ومعنى أعمق للحياة. وهو ليس بالضرورة ضحكة عالية أو احتفالًا صاخبًا، بل قد يكون سكينة هادئة تنبع من الداخل، ورضًا يتكوّن بصمت، وإحساسًا بالطمأنينة لا يراه أحد، لكنه يملأ القلب.
وحين نحتقر فرح الآخرين، فإننا في الحقيقة لا نُسقِط نقصًا فيهم، بل نفضح نقصًا فينا. فاحترام المشاعر يحتاج إلى رُقيٍّ في التعامل الإنساني، وتقدير حاجات الناس ورغباتهم يحتاج إلى قلبٍ واسع يحب الخير للآخرين كما يحبه لنفسه. وما أجمل أن نكون ممن يباركون نجاحات غيرهم، ويشاركونهم أفراحهم، حتى لو بدت لنا بسيطة، فربما كانت عندهم أغلى من كل ما نملك.
فالأرزاق تُقسَّم بإرادة الله وبحكمةٍ لا تُدرَك، ومنها تُوزَّع مواطن الفرح في القلوب. فلا تستهِن بما يُسعد الآخرين، ولا تحرمهم لحظة يجدون فيها أنفسهم أحياء من الداخل. دع كل إنسان يفرح بما لديه، فليس من العدل أن نُطالب الجميع أن يفرحوا بالطريقة ذاتها، ولا أن نُجبر القلوب على مقاييس لا تشبهها.
وهنا تحضرني قصة تختصر هذه المعاني كلّها. في أحد الأيام، كانت هناك عزومة عند إحدى الأسر، وقد قامت ابنتهم بإعداد القهوة وتقديمها للضيوف. وعند تقديمها، وجّهت إحدى الحاضرات انتقادًا لطريقة إعدادها. فما كان من تلك المرأة إلا أن قامت بإعداد القهوة مرةً أخرى على عجل، وقد بدا عليها الارتباك. وعندما أعادت تقديمها، بادرت أمّ البنت إلى مدح القهوة والثناء عليها أمام الجميع، وكأنَّها تريد أن تُعيد لتلك المرأة ثقتها بنفسها. وبعد انصراف الضيوف، تساءل أهل البيت عن سبب موقف الأم، فقالت لهم بحكمة موجعة: "هذه المرأة، للأسف، لا تملك من مقومات الجمال ولا من المال، ولم تنل حظًا وافرًا في علاقاتها الاجتماعية، وكل ما تملكه لتفرح به هو أنها تُجيد إعداد القهوة وتخدم من حولها، فلماذا نستكثر عليها تلك الفرحة؟ حتى لو كانت في فنجان قهوة".
هذه القصة وحدها تكفي لتعلّمنا درسًا عظيمًا: أن بعض الناس لا يملكون إلا أسبابًا صغيرة للفرح، لكنها بالنسبة إليهم كل الحياة. فلماذا نكسر خواطرهم؟ ولماذا نصادر ضحكاتهم؟ ولماذا نُضيّق عليهم مساحات الضوء القليلة التي يملكونها؟
إنَّ زرع الفرح في قلوب الآخرين لا يحتاج إلى مالٍ كثير، ولا إلى جهدٍ عظيم، بل إلى كلمة طيبة، ونظرة رحيمة، وموقفٍ يُشبه الإنسان في نقائه. فدع للناس أفراحهم، صَغُرَت أم كبُرَت، ودَع قلوبهم تُكمل طريقها بما تملك، لا بما نملك نحن.
رابط مختصر