جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-11@08:10:49 GMT

غزة.. مدينة لا تُهزم

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

غزة.. مدينة لا تُهزم

 

سالم الكثيري

تابعنا بإكبارٍ وإجلالٍ، وللأسبوع الثاني على التوالي، لحظة تسليم حركة "حماس" للأسيرات الإسرائيليات الثلاثة، ثم المُجندات الأربعة إلى الصليب الأحمر الدولي، الذي قام بدوره بنقلهن إلى ذويهن داخل إسرائيل، وما صاحب ذلك من تنظيم واستعراض للقوة وتماسك المقاومة، وزخم الحضور لعناصر كتائب القسام وسرايا القدس؛ بل ومن حاضنة شعبية تُعبِّر بما لا يدع مجالًا للشك عن حقيقة مُساندة سكان قطاع غزة للمقاومة التي تدافع عنهم بكل عِزة وكرامة، على عكس ما يروج له البعض؛ إذ يزعم هؤلاء أن المقاومة باتت منبوذة شعبيًا لما سببته من دمار في حق غزة وأهلها.

وقد تابع العالم مشدوهًا ومذهولًا مسيرات العودة المليونية إلى شمال قطاع غزة، وكأنَّ هؤلاء سيعودون إلى قصور عالية أو حدائق مُعلَّقة، لا إلى أنقاض بيوت دكتها الصواريخ والدبابات الإسرائيلية على مدار سنة و3 أشهر متواصلة ليل نهار، في إشارة عملية وواقعية إلى حق العودة الذي يحتفظ به الفلسطينيون منذ اليوم الأول للاحتلال قبل أكثر من سبعة عقود.

والمتأمل في أمر هذا القطاع، يتساءل منذ الوهلة الأولى عن سِر هذا الصمود العجيب لمدنيين عُزَّل، محاصرون من العالم أجمع، إلّا أن المتأنِّي لن يطول عليه وقت الحصول على إجابة ومعرفة سِر هذا الثبات، فمن حيث المبدأ، فإنَّ هؤلاء لا يُدافعون عن حدود وطنٍ بمفهومه السياسي، ويقفون في وجه محتلٍ غاصبٍ فحسب؛ بل إنهم يدافعون عن أرض مُقدَّسة للفلسطينيين بكل أطيافهم.

هذا من الناحية الإيمانية والعقائدية، والتي تمثل السد المنيع الأول في وجه أي مُحتل ومُعتدٍ.. أما من الناحية الديموغرافية، فإنَّ مدينة غزة تُعد بمثابةِ فلسطين صغرى بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك أن معظم سكانها هم من مختلف مدن فلسطين قاطبةً؛ حيث إن 70 في المئة من سكان غزة مُهجَّرون من 521 قرية وبلدة فلسطينية، أبادتها إسرائيل وأزالتها من الوجود عام 1948؛ أي عام النكبة، وفقًا لما ذكره الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، في إحدى مقابلاته على قناة الجزيرة. البرغوثي يؤكد أن هؤلاء المُهجَّرين لن يُكرِّرُوا تجربة النزوح مرة أخرى بالخروج من غزة، مهما كان الثمن.

أما من الناحية التاريخية، فقد اشتهرت بعض المدن بأنها مدن لا تُهزم، ولعل أشهرها تاريخيًا مدينة "طروادة"، التي تُشير بعض التنقيبات الأثرية إلى أنها موجودة في تركيا الحالية، والتي يُقال إن جيش الإغريق حاصرها لعشر سنوات، ولم يتمكن من دخولها إلّا بالحيلة التي اشتهرت لاحقًا بـ"حصان طروادة"، في جانب أقرب إلى الأسطورة والخيال، أكثر منه إلى الواقع والحقيقة.

وفي التاريخ المعاصر يُشار إلى صمود مدينة السويس المصرية في حرب أكتوبر 1973 لمدة 101 يوم أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، وشجاعة أهلها المنقطعة النظير، في ملحمةٍ خلَّدت المدينة وأبناءها في سِجِل الخالدين.

ولا يخفى على الجيل الحالي، صمود مدينة الفلوجة العراقية، وبسالة رجالها إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003؛ لتصبح مضربَ مثلٍ في الدفاع عن الأوطان، بشهادة الأمريكان أنفسهم قبل العرب والعراقيين.

ولمدينة غزة تاريخ حافل ومُشرِّف في قائمة المدن التي لا تُهزم؛ فلطالما وقفتْ- وما زالت- حجر عثرة في وجه الكيان الصهيوني المحتل منذ بداية الاحتلال إلى اليوم، وهذا ما يُفسِّر لنا مقولة إسحاق رابين الشهيرة "أتمنى أن أقوم من النوم يومًا ما وأجد البحر قد ابتلع غزة"!!

وبما أن البحر بهيجانه وأمواجه المتلاطمة لم يستطع ابتلاع غزة، فمن المنطق ألّا يبتلعها كيان هَشٌ لا يعيش إلّا على إنعاش الإمدادات الأمريكية التي إذا انقطعت عنه ليوم واحد يموت، كمن يموت فجأة بالذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية.

قد يقول قائل إنَّ غزة تدمرت عن بكرة أبيها، واستُشهِدَ فيها ما يقارب 50 ألفًا، وأصيب ما يزيد عن 100 ألف، وهذه حقيقة لا يُنكرها أحد، لكنَّنا، على ما نأسى له من حال أهلنا في غزة ودمار مدينتهم، نسأل هؤلاء أن يُخبروننا عن مدينة واحدة على مدار التاريخ، وقد تحررت دون دفع الثمن؛ فالأوطان لا تتحرر إلّا بالدماء والتضحيات. وبالمقياس المادي لعدد الشهداء والجرحى والدمار الهائل، نقول إنَّ غزة مهزومة، لكن بالمقياس السياسي والنفسي وبشهادة الفلسطينيين أنفسهم من مُستقلين وفصائل غير محسوبة على حماس؛ بل ومن مُحلِّلين إسرائيليين وغربيين، يؤكدون أن المقاومة انتصرت؛ لأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من اجتثاثها- كما كان يُخطط- ولم يستطع إزاحة حماس عن قيادتها للقطاع، كما صرح وزعم نتنياهو مرارًا وتكرارًا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشفافية التي غابت عن الفترة الإنتقالية

الشفافية التي غابت عن الفترة الإنتقالية:
نلاحظ أن الفترة من ٢٠١٩ حتى بداية ٢٠٢٣ شهدت زخمًا سياسيا استثنائيا، بلغ ذروته من الاحتدام. وشارك في هذا المشهد عشرات الأحزاب والمنظمات والأفراد، إضافة إلى أطراف أجنبية من حكومات ومنظمات وأجهزة مخابرات. ورغم أن هذه الفترة انتهت بفشل سياسي واقتصادي غير مسبوق، توج بحرب، فإنه حتى الآن لم تُقدّم أي من المجموعات أو الأحزاب أو الأفراد المشاركين على مذكرات أو حتى مقالاتٍ صادقة ومتجردةٍ تكشف للشعب والتاريخ أسرار هذه الفترة المحورية في تاريخ السودان الحديث.

وغياب أي مذكرات أو شهادة أو مقالات صادقة عن أهم فترة في التاريخ السودان حقيقة مذهلة ومرعبة تلخص معدن من أدار الفترة وشارك قرب مطبخها

وحتى وثيقة “قحت” وورشتها الخاصة بتقييم الفترة الانتقالية، لم يتجاوزا محاولةٍ هزيلة لاستعادة المشروعية، تختفي وراء نقدٍ خفيف وسطحي يفتقر إلى الصراحة والشمول والعمق المطلوبين. وكانت الملهاة في أن قحت أقامت ورشة تقيم فيها أداء قحت وكانوا الخصم والحكم. – صححو ورقهم براهم، وزيتهم في بيتهم.

وهذا كله لا يدل إلا على شيء واحد: أن الجماعات والشخصيات التي شاركت في إدارة المرحلة الانتقالية بعد البشير لا تؤمن حقيقة بضرورة الشفافية، وهي الشرط الأساسي لأي ديمقراطية حقيقية. فهذه جماعات غير مؤهلة، ومع ذلك تمارس وصاية غير مستحقة على شعب لم ينتخبها لاتخاذ القرارات المصيرية نيابةً عنه. هذه جماعة تطالب خصومها بالشفافية الديمقراطية وتعفى نفسها من تلك المشقة.
معتصم اقرع معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «لجنة السلم»: لا جرائم ضد الضباط السوريين المفرج عنهم
  • إبراهيم العنقري: الخلل في الأدوات التي تنفذ المشروع الرياضي
  • جوارديولا: أتخيل هؤلاء الأطفال بـ غزة الذين يُقتلون يوميًا مكان أطفالي والعائلات بأكملها تُقتل جوعاً وتُعاني
  • دمية على فوهة مدفع
  • هؤلاء الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض النقرس
  • الشفافية التي غابت عن الفترة الإنتقالية
  • نيويورك تايمز: رفاق السلاح الأجانب ملف ثقيل بين يدي الرئيس الشرع
  • الدويري: المقاومة بغزة تقود حرب استنزاف تختلف عن تلك التي قادتها الجيوش العربية
  • حماس: المقاومة تدير حرب استنزاف ردا على الإبادة
  • المقاومة البحرية.. قصص كسر الحصار البحري عن غزة