هل تعيد انتخابات ألمانيا القوة لأكبر اقتصاد في أوروبا؟
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
تشهد ألمانيا يوم 23 فبراير/شباط المقبل انتخابات عامة يخيم عليها الطابع الاقتصادي، بعد أن تسبب الاختلاف بشأن التوجهات الاقتصادية في خلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم.
وانكمش اقتصاد ألمانيا للعام الثاني على التوالي مع تحديات متزايدة تستمر في الضغط عليه.
وفي خضم انشغال ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بالحملات الانتخابية، ليس هناك متسع من الوقت أمامها للقضايا الأوروبية العاجلة، فوفقا للنتائج، قد تلي الانتخابات محادثات ائتلافية صعبة ومطولة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الشلل والانشغال عن شؤون التكتل الأوروبي.
وكان الصدام بين المستشار الألماني أولاف شولتس وشركائه في الحكم بشأن المسار الأفضل لإنعاش اقتصاد البلاد في القلب من انهيار الائتلاف الحاكم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وضم الائتلاف السابق الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شولتس، وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، الليبرالي.
الاقتصاد هو الأساسسجل الاقتصاد الألماني انكماشا عام 2024، للعام الثاني على التوالي، مع وجود أمل ضئيل في حدوث تعاف سريع.
وتراجع إجمالي الناتج المحلي للبلاد بواقع 0.2% العام الماضي، بحسب الأرقام الأولية الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني (ديستاتيس)، بعد انكماش بنسبة 0.3% في 2023.
إعلانوعلى نحو غير معتاد، تجد برلين نفسها في ذيل أوروبا من حيث تحقيق النمو، وقد توقعت المفوضية الأوروبية أن يسجل اقتصاد منطقة اليورو بشكل عام معدل نمو 0.8% في 2024، أي أعلى بكثير مما حققته ألمانيا.
وحسب تيمو فولميرسهويسر، رئيس قسم التوقعات بمعهد "أيفو" للبحوث الاقتصادية، فإن المشكلات الهيكلية في ألمانيا ذات جوانب متعددة.
وقال فولميرسهويسر منتصف الشهر الجاري: "بالمقارنة مع مواقع أخرى في العالم، فإن الأعباء على الشركات مرتفعة بسبب الضرائب والبيروقراطية وتكاليف الطاقة، كما أن تطوير البنية التحتية الرقمية والطاقة والنقل يسير ببطء أكبر، ونقص العمالة الماهرة أكثر وضوحا".
من سيحكم ألمانيا؟من المؤكد أنه عقب انتخابات 23 فبراير/شباط المقبل سوف تتولى حكومة ائتلافية أخرى مقاليد الأمور في نهاية المطاف، ورغم ذلك، ليس من المرجح عودة الائتلاف، السابق، الذي كان يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر.
وسوف تتمثل إحدى المهام الرئيسية أمام الحكومة الجديدة في إنعاش اقتصاد البلاد.
وحسب استطلاعات الرأي الحالية، يتوقع أن يقود الحكومة الجديدة التكتل المحافظ، التحالف المسيحي، الذي يضم الحزب المسيحي الديمقراطي، وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف تقدما واضحا للتحالف المسيحي بواقع 28%، رغم تراجعه بنقطتين مئويتين عن الأسبوع السابق.
وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي متأخرا عن حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف، في استطلاعات الرأي السابقة، لكن بحسب الاستطلاع الأخير لمؤسسة يوغوف، نال كل منهما 19%، بعدما كسب حزب شولتس نقطة وخسر البديل اثنتين.
وحقق حزب الخضر ارتفاعا طفيفا في الاستطلاع، ليصل إلى 15% أعلى مستوى له منذ أبريل/نيسان الماضي، في حين ظل الحزب الديمقراطي الحر وحزب اليسار وتحالف سارا فاجنكنشت الشعبوي، قرب عتبة 5%، المطلوبة عادة لدخول البرلمان.
إعلانوالسيناريو الأكثر احتمالا هو أن يشكل التحالف المسيحي (الحزب المسيحي الديمقراطي، والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي ائتلافا حاكما، إذ استبعدت جميع الأحزاب تشكيل حكومة مع حزب البديل من أجل ألمانيا.
والحملة الانتخابية للمرشح الأوفر حظا للفوز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرتس تقوم على خفض ضرائب الشركات والأسر، إذ يرى أن العبء الثقيل الذي تشكله الضرائب يخنق الاقتصاد الألماني.
وسيسعى ميرتس إلى أن يصبح العمل أكثر جاذبية، كما تعهد بالقضاء على البيروقراطية سيئة السمعة في البلاد.
تحفيز الانتعاشأيا كان الحاكم الجديد في برلين الذي تأتي به انتخابات الشهر المقبل، فإنه سيواجه قائمة من المهام الضخمة، فبالإضافة إلى إصلاح الاقتصاد والبنية التحتية المتداعية في البلاد، يطالب الألمان بخفض تكاليف الطاقة، حتى وإن كانت بلادهم بحاجة إلى خفض اعتمادها على الوقود الأحفوري.
وأحد الأسئلة المطروحة يتعلق بإذا ما كانت الحكومة الجديدة ستدعم إقامة محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، كي تكون بمثابة الاحتياطي عندما يكون توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية غير كاف.
ومن المتوقع أن يغير المستشار المحتمل ميرتس مسار ألمانيا فيما يتعلق بعديد من السياسات الرئيسية، وثمة مخاوف بين دعاة حماية البيئة من اتخاذ خطوات إلى الوراء.
على سبيل المثال، يشكك ميرتس في تحول ألمانيا في مجال الطاقة إلى الصلب "الأخضر"، الصديق للمناخ، وقد تعهد حزبه بإعادة تقديم دعم الوقود للمزارعين.
ولكن في حين وصف ميرتس مؤخرا تخلي ألمانيا تدريجيا عن الطاقة النووية بأنه أمر مؤسف، فقد قال إنه ربما فات الأوان الآن على الأرجح للانقلاب على ذلك.
وأكد ميرتس أنه لا يزال ملتزما بتحول ألمانيا في مجال الطاقة إلى الانصراف بعيدا عن الوقود الأحفوري.
إعلانولا يلقى نهج ألمانيا في هذا الشأن ترحيبا عاما في أنحاء أوروبا.
وقالت وزيرة الطاقة السويدية، إبا بوش بنبرة غاضبة، في العاصمة البلجيكية بروكسل الشهر الماضي: "إن عدم رغبة الألمان في الحصول على الطاقة النووية لأنفسهم شيء، ولكن الأمر يختلف عندما يمنعون الآخرين من استخدام الأموال اللازمة لتحقيق ذلك. يا له من نفاق".
"الفيل" في البيت الأبيضيرى ميرتس، زعيم المحافظين في ألمانيا، نفسه في وضع أفضل للتفاوض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقارنة بالمستشار الحالي شولتس، الذي كان أكثر انتقادًا للإدارة الأميركية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بتدخلات حليف ترامب، إيلون ماسك الأخيرة في الحملة الانتخابية بألمانيا.
وربما يصبح لهذه العلاقة دور حاسم إذا صدق الرئيس الأميركي وعده وطبق رسوما جمركية جديدة، وتخشى ألمانيا من أن تكون على خط المواجهة في حرب تجارية جديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو أمر من شأنه أن يضر باقتصادها الموجه للتصدير على نحو قوي.
وقال ميرتس أمام حشد من حزب الشعب الأوروبي، في برلين، يوم 18 يناير/كانون الثاني الجاري: "ما دامت الدول الأوروبية الأعضاء متحدة، فسوف تحظى بالاحترام في العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة. ولكن في حال الانقسام، لن يأخذنا أحد على محمل الجد".
الصين وأوكرانياوسيتوقع ترامب أيضا أن تتبنى ألمانيا والاتحاد الأوروبي موقفا أكثر وضوحا ضد الصين، في خضم احتمالات اندلاع حرب تجارية شاملة سعت أوروبا إلى أن تنأى بنفسها عنها، وسيتعين على القادة الجدد في برلين تحديد كيف سيتعاملون مع الأمر، وغيره من مطالب واشنطن.
وشدد ميرتس على أنه يجب على ألمانيا أن تضطلع بمسؤولية القيادة مع الآخرين في أوروبا.
ويمتد الأمر إلى أوكرانيا، إذ لا يزال ميرتس صريحا في دعمه لتعزيز الدعم العسكري، وهي قضية شقت صف حكومة شولتس.
إعلانواتهم ميرتس، المحافظ، منافسه شولتس الأسبوع الماضي بالمغازلة الانتخابية، بعد أن رفض التوقيع على تسليم أسلحة إضافية بقيمة 3 مليارات يورو (3.13 مليارات دولار) لأوكرانيا.
ويعتقد ميرتس أنه يمكن تمويل المساعدات باعتبارها "نفقات استثنائية"، دون تحمل ديون جديدة، بينما يقول شولتس إن ذلك سيتطلب مزيدا من الاقتراض، وهو ما من شأنه أن يؤثر على ما يسمى نظام "كبح الديون"، وهي القيود الدستورية الألمانية على الاقتراض العادي.
ويتوقع الآن أن تضطر أوكرانيا إلى انتظار اتخاذ قرار حتى بعد انتخابات 23 فبراير/شباط المقبل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحزب الاشتراکی الدیمقراطی
إقرأ أيضاً:
أستاذ اقتصاد: إغلاق مضيق هرمز تهديد للتجارة الدولية.. والذهب لم يعد استثماراً مضمونًا
ِفي تطور عسكري هو الأخطر منذ سنوات، تسببت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران في هزة عنيفة لأسواق المال والطاقة، دفعت بأسعار النفط إلى الارتفاع الحاد، وأعادت شبح التضخم العالمي إلى الواجهة، ومع التهديد بإغلاق مضيق هرمز، تصاعدت المخاوف من نقص الإمدادات النفطية، ما انعكس فورًا على أسعار الطاقة وأربك حسابات البنوك المركزية الكبرى.
في المقابل، اتجهت أنظار المستثمرين إلى الذهب، الذي قفز إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، باعتباره ملاذًا آمنًا وسط تصاعد التوترات، وبينما تراجعت مؤشرات الأسهم وتذبذبت العملات، برز السؤال الأهم: ما هو الاستثمار الآمن في زمن الحرب؟
خبراء الاقتصاد يرون أن الحل يكمن في التنويع الذكي، عبر مزيج من الأصول الدفاعية مثل الذهب، وأسهم شركات الطاقة والتسليح، إلى جانب السيولة النقدية، لتأمين المدخرات من تقلبات قد تغير شكل الاقتصاد العالمي في أي لحظة
قال الدكتور محمود عنبر أستاذ الاقتصاد إن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل جاءت في توقيت بالغ الحساسية، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية غير مستقرة منذ تفشي جائحة كوفيد-19، مشيرًا إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من تداعيات متتالية لم يتح له الوقت الكافي للتعافي منها.
وأوضح في تصريحات صحفية أن العالم لم يكد يخرج من أزمة الرهن العقاري والأزمة المالية العالمية التي وقعت قبل أكثر من عقد، حتى فوجئ بحرب روسيا وأوكرانيا، وما تبعها من تغيرات متسارعة على مستوى العالم، مؤكدًا أن هذه التغيرات، رغم أنها تحدث بمعزل عن بعضها، فإن تأثيراتها مترابطة وتمس ليس فقط الدول المنخرطة في الصراعات، بل تمتد إلى الاقتصادات العالمية كافة.
وأضاف أن أبرز تداعيات هذه التغيرات كانت التباطؤ الواضح في حركة التجارة العالمية، وتراجع تدفق الاستثمارات، وهو ما رصدته تقارير منظمات دولية، إلى جانب تراجع معدلات النمو الاقتصادي، في ظل حالة من الضبابية وانعدام اليقين باتت تسيطر على المشهد الاقتصادي الدولي.
وأشار إلى أن ما يزيد من غموض الموقف الاقتصادي العالمي هو استمرار هذه التغيرات ى السريعة، والتي بدأت تعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية الدولية، ولفت إلى بروز قوى إقليمية جديدة تسعى لمنافسة الولايات المتحدة، في وقت بدأ فيه العالم يتحول من القطبية الواحدة إلى الثنائية وربما نحو التعددية القطبية، مشددًا على أن هذا التحول لا يزال غير محسوم، لكن ما يثير القلق هو الاعتماد المتزايد على الأدوات الاقتصادية في إدارة الصراعات.
وقال إن استخدام العقوبات الاقتصادية أصبح سلاحًا رئيسيًا في النزاعات، سواء عبر فرضها بشكل مباشر أو الرد عليها من الطرف الآخر، مثلما حدث مع استخدام سلاح الطاقة والغذاء.
وأوضح أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تطورت من مجرد رفع رسوم جمركية إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وانتهت إلى ما يشبه “الخنق الصناعي”.
وأكد أن التطور الأخطر حاليًا هو ما يجري في منطقة الخليج، خاصة مع التهديدات المتزايدة بإغلاق مضيق هرمز، وهو ما لم يحدث بهذا الشكل منذ عام 1980.
واعتبر أن أي خطوة في هذا الاتجاه سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، لاسيما الاقتصادات العربية والخليجية، حيث أن أي ارتفاع في أسعار النفط قد يبدو مفيدًا ظاهريًا، لكنه سيقود إلى مزيد من التباطؤ في حركة التجارة الدولية وارتفاع حاد في تكاليف النقل والطاقة.
وحول فرص الاستثمار، شدد الخبير على أنه لا يمكن الحديث عن استثمار آمن في ظل هذه الظروف، موضحًا أنه في حال استمرار الأزمة، لن يكون بمقدور أحد التنبؤ بما قد يحدث، لأن المشهد يتغير بشكل سريع وغير قابل للتوقع.
وأضاف أن الحديث عن اللجوء إلى استثمارات تقليدية مثل الذهب أو العقارات باعتبارها “ملاذات آمنة” لم يعد دقيقًا، قائلًا: “حتى الذهب لم يعد استثمارًا مضمونًا، لأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسعر الدولار، ولا أحد يستطيع التكهن بمصير العملة الأمريكية خلال الفترات القادمة”.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية أو استثمارات طويلة الأجل، طالما أن الاستقرار السياسي غائب، معتبرًا أن اللايقين السياسي، وأضاف المنطقة والعالم يعيشان مرحلة فارقة لا تسمح ببناء رؤى اقتصادية مستقرة في المدى القريب