سهير الباروني.. الكوميديانة التي أضحكت الملايين وأبكتها المآسي
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
في مثل هذا اليوم، 31 يناير 2012، رحلت عن عالمنا الفنانة الكوميدية سهير الباروني، التي رغم شهرتها بضحكتها المميزة وخفة ظلها التي جعلتها واحدة من أبرز نجمات الكوميديا، إلا أن حياتها لم تكن خالية من المآسي والصعوبات التي شكلت خلفية حزينة لحياتها الشخصية.
ويبرز جريدة وموقع الفجر عن أبرز المحطات الفنية لـ سهير الباروني
رحلة فنية بدأت مبكرًاولدت سهير الباروني في 5 ديسمبر 1937، واسمها الحقيقي سهير محمد يوسف الباروني.
منذ طفولتها، أظهرت شغفًا بالفن، فبدأت مشوارها من خلال العزف على آلة الكمان في فرقة الموسيقى بمدرسة غمرة الإعدادية، قبل أن تتجه إلى التمثيل، الذي وجدت فيه شغفها الحقيقي.
دخلت عالم الفن في منتصف الخمسينيات، وكانت انطلاقتها الحقيقية من خلال فيلم أيام وليالي عام 1955، حيث شاركت مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بعد ذلك، فتحت لها السينما أبوابها، فشاركت في عدد كبير من الأفلام الكلاسيكية التي جمعتها بكبار نجوم الزمن الجميل، مثل عريس مراتي، بين القصرين، 30 يوم في السجن، هارب من الزواج، أعز الحبايب، عشاق الليل، سمع هس، والجواز للجدعان.
كما شاركت في أفلام أحدث مثل فول الصين العظيم وقصة الحي الشعبي.
نجمة المسرح والتلفزيونلم يقتصر تألق سهير الباروني على السينما، بل برعت في المسرح، وشاركت في عدد من المسرحيات الشهيرة، مثل هاللو شلبي، حواديت، شارع محمد علي، طبيخ الملايكة، وعشان خاطر عيونك. كما كان لها حضور قوي في الدراما التلفزيونية، حيث شاركت في مسلسلات مثل لن أعيش في جلباب أبي، شاهد إثبات، كريمة كريمة، عصابة بابا وماما، عريس دليفري.
كان آخر أعمالها مسلسل فرقة ناجي عطا الله مع الزعيم عادل إمام، الذي عُرض بعد وفاتها، ليكون بمثابة وداع فني لجمهورها الذي أحبها.
مأساة لا تُنسىورغم ما كانت تبثه سهير الباروني من بهجة على الشاشة، إلا أن حياتها الشخصية حملت الكثير من الأحزان. من أشد تلك المآسي كان فقدانها لابنتها الوحيدة عفاف، التي توفيت في حادث أليم. في لقاء نادر مع الإعلامية صفاء أبو السعود، روت سهير تفاصيل تلك الفاجعة، حيث علمت من جارتها أن ابنتها تعرضت لحادث في شارع جامعة الدول العربية. هرعت إلى المستشفى، حيث وجدت حفيدها وحيدًا بجانب والدته التي كانت تصرخ من الألم، ولم يمر يوم حتى فارقت الحياة، تاركة والدتها في صدمة لم تتعافَ منها أبدًا.
الوداع الأخيرفي 31 يناير 2012، رحلت سهير الباروني عن عالمنا، بعد أن تركت بصمة مميزة في عالم الفن، وأعمالًا ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال. كانت واحدة من تلك الفنانات اللواتي استطعن أن يرسمن البسمة على وجوه الجمهور، رغم الألم الذي كان يسكن قلوبهن.
رحلت سهير الباروني، لكنها ستظل في قلوب جمهورها بروحها المرحة وفنها الذي لم يعرف الزوال.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: سهير الباروني الفجر الفني
إقرأ أيضاً:
الضيف الذي غادر بيوتنا… وماذا بقي من البركة؟
وصلني مؤخرًا مقطع مؤثر لرجل يتحدث بحرقة عن كارثة خفية تسللت إلى بيوتنا دون أن نشعر. قالها بصدق، “بيوتنا بدأت تهدم وتُهجَر لأن الضيف لم يعد يزورها. صرنا نلتقي بأحبابنا في المقاهي والمطاعم بدلًا من أن نفتح لهم أبواب منازلنا، فغابت البركة، وتسللت الوحدة إلى الجدران.”
الرجل لا يشتكي غياب الضيوف فقط، بل يرثي لحال البيوت التي أصبحت بلا روح، بلا دفء، بلا ملائكة رحمة.
ولم يكن ذلك المشهد منفصلًا عن واقعنا؛ تذكرت صديقي الذي عرض عليّ التصميم الهندسي لمنزله الجديد. شرح كيف استغل المساحات بأفضل صورة، لكنه فجّر مفاجأة حين قال إنه ألغى الصالونات التقليدية تمامًا. فسّر ذلك ببساطة: “لم يعد أحد يزورنا، الصوالين التي رأيتها في كل البيوت التي سكنتها كانت مهجورة. نلتقي الجميع في الكوفي شوب!”
كلامه لم يكن غريبًا، بل انعكاسًا لما أصبح قاعدة جديدة في حياة الكثير منا. المقاهي والمطاعم تحولت من أماكن للترفيه إلى بدائل شبه دائمة لمجالس البيوت.
جميلة هي فكرة الخروج والترويح عن النفس، ولا ننكر بهجة الأماكن العامة وما تضيفه من تنويع للقاءات. لكنّ المصيبة أن هذه الأماكن استبدلت بمجالس البيوت الدافئة، حتى صرنا نخشى استقبال الضيف في منازلنا، ونتعلل بالخصوصية، أو ضيق الوقت، أو الحاجة إلى “تنسيق مسبق”.
كانت بيوتنا في الماضي عامرة بالضيوف، وكان صوت الجرس يعلن عن زيارة لا تحتاج إلى إذن أو ترتيبات مسبقة. فُتحت الأبواب، وامتلأت المجالس، وتسامرت الأرواح. كان الكرم يُقاس بالنية لا بالكلفة، والترحيب لا بالتكلف. وكانت أبسط ضيافة—قهوة، تمر، كلمة طيبة—كافية لتُبهج القلب وتحيي العلاقة.
أما اليوم، فتحوّلت الضيافة إلى ساحة منافسة، وعبء ثقيل. نخجل من دعوة الآخرين إن لم تكن الموائد متخمة، والديكور مصقولًا يليق بعدسات “الستوري”، وكأن القيمة في الشكل لا الجوهر. أصبحت الزيارات اختبارًا لقدرة المضيف على الإبهار، لا على الإكرام. حتى الضيف، صار يشعر بأنه ملزم بإحضار هدية باهظة أو حلوى فاخرة، خشية أن يُتهم بالتقصير أو عدم التقدير.
المطاعم التي كانت مجرد محطات للترفيه، باتت تحتضن أحاديثنا الخاصة، وأسرارنا العائلية. يقول الرجل في المقطع: “أصبح العاملون في المطاعم يعرفون أسرارنا.. من يغضب من أولاده، ومن يشتكي من زوجه، ومن يعيش ضيقًا لا يُحتمل.”
رحلت الخصوصية الحقيقية، ولم تأتِ بديلًا عنها إلا “خصوصية وهمية” نختبئ خلفها لنبرر هجرنا للبيوت والضيوف.
بكل صراحة، المشكلة ليست في الضيوف، بل فينا نحن. نحن من كبّل ثقافة الضيافة بمظاهر زائفة، وحوّلنا الزيارة من لقاء بسيط إلى استعراض اجتماعي. فقدنا القناعة بما نملك، وأصبحنا نخجل من استقبال الآخرين إلا إذا كان كل شيء “كاملاً”.
النتيجة؟ بيوت مغلقة، قلوب منعزلة، وجيل جديد لا يعرف ماذا يعني أن يفتح الباب على ضيف، أو أن يُقدَّم له القهوة من يد صاحب البيت لا من نادل في مقهى. جيل لم يذق دفء المجالس ولا صخب الأحاديث البسيطة، ولا لحظة الصمت التي تسبق الدعاء للضيف بظهر الغيب.
إن الضيافة، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، ليست عن المبالغة أو التفاخر، بل عن الإيمان. ففي الحديث الشريف: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه.”
اتمنى ان نعيد الحياة إلى بيوتنا، ونُعيد ثقافة الضيافة التي كانت جزءًا أصيلًا من هويتنا. ليس المطلوب دعوة فاخرة، بل دعوة صادقة. ليس المهم أن تُبهِر ضيفك، بل أن تُكرِمه. فبعض البركة لا تأتي إلا على أقدام الضيوف، وبعض القلوب لا تحيا إلا بصوت الجرس وهو يقرع معلنًا عن زائر كريم.
jebadr@