أبو بكر الديب يكتب: من نيكسون لترامب.. هل يخشى الأمريكان عملة "بريكس"
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رغم أن مجموعة أو تكتل "بريكس" لا يملك عملة مشتركة حتى الآن، والمناقشات في هذا الصدد ما زالت طويلة، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبدو أنه منزعج لهذا الاحتمال حتى أنه كرر تحذيره أكثر من مرة، لدول مجموعة "بريكس" والتي تضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، اضافة لمصر وإثيوبيا وإيران والإمارات وإندونيسيا، من استبدال الدولار كعملة احتياطية، ويتوعد في كل مرة بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 %.
واليوم قال الرئيس الأمريكي من جديد: "سنطلب التزاما من هذه الدول المعادية على ما يبدو بألا تطلق عملة جديدة لمجموعة بريكس، ولا تدعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي العظيم، وإلا فإنها ستواجه رسوما جمركية بنسبة 100 %.. ولا توجد فرصة لأن تحل مجموعة بريكس محل الدولار الأمريكي في التجارة الدولية أو في أي مكان آخر، وأي دولة تحاول ذلك يجب أن تقول مرحبا بالرسوم الجمركية، وداعا لأمريكا.
فيما ردت روسيا بأن أي محاولة أمريكية لإجبار الدول على استخدام الدولار ستؤدي إلى نتائج عكسية.
وخلال اجتماعات قمة بريكس الـ 16، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بحمله نسخة من عملة أطلق عليها عملة بريكس، وهو ما أثار ضجة إعلامية كبيرة في الغرب ورغم أن هذا الإعلان مبكر جدا، حيث إن بريكس ما زالت في بدايتها وما زالت تتفاوض على استخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية بينها ولم تنفذ ذلك حتى الآن، فضلا عن إعلان "عملة موحدة للمجموعة كما لا يزال الدولار العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، كما أن طرح عملة موحدة لبريكس يتطلب إنشاء بنك مركزي للمجموعة، يقوم بدوره بطرح هذه العملة للدول الأعضاء، إلا أن الرئيس الأمريكي، هدد أكثر من مرة بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول البريكس، في حالة الابتعاد عن الدولار، وإنشاء عملة جديدة.
لكن رغم تهديدات ترامب المتواصلة أوقفت روسيا والصين التعامل بالدولار الأمريكي في معظم التعاملات التجارية فيما بينهما، وتتم أكثر من 90 % من المعاملات التجارية بين البلدين بعملتي الروبل الروسي واليوان الصيني.
ويبدو أن ترامب قلق على مستقبل الدولار صاحب التاريخ الطويل الممتد منذ أكثر من 242 عاما وبالتحديد منذ أن أذن الكونجرس القاري للولايات المتحدة بإصدار العملة القارية في عام 1775 وفي 2 أبريل 1792، استحدث كونجرس الولايات المتحدة الدولار الأمريكي كوحدة قياسية مالية موحدة في البلاد.
ومنذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" في عام 1999 وحتى نهاية عام 2022، انخفضت نسبة مساهمة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمي من 71% إلى 58%، وسط توقعات بأن تستمر رحلة تراجع حصة الدولار في الاحتياطات الأجنبية العالمية، حال انخفاض نسبة مساهمته في حجم التجارة الدولية، والتي تبلغ حاليًا 50% من إجمالي المعاملات التجارية العالمي، وسط تأثير متزايد لليوان الصيني والعملات غير الدولارية الأخرى على هيمنة "الورقة الخضراء" على الاقتصاد العالمي.
وبحسب معطيات صندوق النقد الدولي، انخفضت حصة العملة الأمريكية في الاحتياطيات الدولية بالبنوك المركزية العالمية خلال الربع الثالث من العام الماضي مقابل زيادة حصة عملات أخرى.. ورغم أن الدولار كان عادة العملة الاحتياطية المفضلة لغالبية البنوك المركزية على مستوى العالم بسبب استخدامه على نطاق واسع واستقراره في الأسواق العالمية، إلا أنه بدأ يخسر هيمنته تدريجيا منذ بداية الألفية الحالية، عندما كانت حصته تفوق 70%.. ويأتي ذلك التراجع في وقت تتسارع فيه خطوات عدة دول وتكتلات اقتصادية إلى الحد من هيمنة الدولار على التعاملات التجارية حول العالم، وخاصة عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وفرض العقوبات الغربية على موسكو، وبدأ ذلك من خلال التوجه نحو التعامل بالعملات الوطنية للدول على الصعيد الثنائي، أو من خلال إطلاق عملات جديدة، بما يسهم في تعرض الدولار لتحديات مستقبلية واسعة تتجدد معها التساؤلات بشأن ما إن كان العالم سوف يشهد بداية النهاية لهيمنة الدولار في ضوء تلك التطورات.
"والدولار" هو تلك القوة الناعمة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو سلاح فتاك لا يقل قدرة وفعالية عن أسلحة الحرب المتعارف عليها ولذا تحرص واشنطن على قوته بكل السبل المعلنة والخفية، وحاربت من أجل إيجاد نظام نقدى جديد يعتمد على الدولار عقب الحرب العالمية الثانية، وتحول الدولار الأمريكي من عملة محلية إلى عملة العالم الأولى، تستخدمه الولايات المتحدة كسلاح اقتصادي للدمار أحيانا، وهو ما تحاول فعله مع روسيا حاليا ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وتعود حكاية هيمنة الدولار على العالم إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث اتجهت الدول المنتصرة فيها، إلى تقسيم الغنيمة ورسم صورة جديدة للعالم فى ظل اختلاف موازين القوى، وكانت أمريكا بالطبع الأقوى عسكريا واقتصاديا، فوقعت مع 43 دولة اتفاقية "بريتون وودز" عام 1944، لتطوير النظام النقدى الدولى الجديد، وجعلت فيها "الدولار" هو المعيار النقدى الدولى لكل عملات العالم، بعد أن كان الذهب هو الغطاء النقدى لكل هذه العملات، وتعهدت أمريكا - وقتها - بأنها ستملك غطاء من الذهب، يوازى ما تطبعه من دولارات، وتثبيت قيمة الدولار أمام الذهب بما يعادل 35 دولارا للأوقية، أى أن من يسلم أمريكا 35 دولارا تسلمه أمريكا "أوقية ذهب"، بينما باقى العملات يتم تقييمها بالدولار، وليس بالذهب مباشرة، وهنا سبب تسمية "الدولار" بالعملة الصعبة، فهو العملة الوحيدة التى يمكن استبدالها بالذهب، واكتسب ثقة دولية لاطمئنان العالم لوجود تغطيته من الذهب فى أمريكا، صاحبة أكبر رصيد من الذهب حينها، حيث كانت تمتلك 75% من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وجمعت الدول فى خزائنها أكبر قدر من الدولارات، على أمل تحويله لقيمته من الذهب، فى أى وقت أرادوا، واستمر الوضع على هذا الحال حتى منتصف أغسطس عام 1971، حيث خرج "ريتشارد ميلهاوس نيكسون"، وهو الرئيس السابع والثلاثون لأمريكا، بعد اجتماعات سرية فى "كامب ديفيد" مع رئيس الاحتياطى الفيدرالى ووزير الخزانة ومستشارين فى البيت الأبيض، ليصدم شعوب وحكومات العالم جميعا، ويعلن بشكل مفاجئ، أن بلاده لن تسلم حاملى الدولار، ما يقابله من ذهب، وهو ما سمى بـ "صدمة نيكسون"، ليكتشف العالم، أن الولايات المتحدة كانت تطبع الدولارات بلا حساب، وأن ما طبعته كان أكثر بكثير من الذهب الذى تملكه، وأنها اشترت خيرات الشعوب، وامتلكت ثروات العالم بحفنة من "أوراق خضراء" لا غطاء ذهبى لها.. ولم تتمكن أى دولة من الإعتراض ورفض هذا النظام النقدى الجديد، لأن هذا كان معناه حينها أن كل ما خزنته هذه الدول من مليارات الدولارات فى بنوكها سيصبح ورقا بلا قيمة، وهى نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه الرئيس الأمريكي.
وأعلن نيكسون، حينها تعويم الدولار لينزل فى السوق تحت المضاربة، وسعره يحدده العرض والطلب، ولن تكون له قيمة ثابتة كما كان سابقا، خلافا لاتفاقية "بريتون وودز" التى جعلت قيمة محددة للدولار مقابل الذهب، وبذلك أصبحت واشنطن قادرة على التلاعب بقيمة الدولار، ومن ثم التلاعب بقيمة عملات الدول الأخرى المرتبطة به، عبر تحكمها فى كمية الدولارات التى تطبعها وتطرحها فى السوق النقدية.. وقال نيكسون كلمته الشهيرة: "يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب أن يلعبوها كما وضعناها".. وبذلك صارت أمريكا تشترى ما تريده من ثروات الشعوب دون أن تخسر شيئا، لتحقق الرفاهية للشعب الأمريكى بلا تعب ولا حروب.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدولار بريكس ترامب واشنطن روسيا مصر أبوبكر الديب بوتين الدولار الأمریکی الولایات المتحدة الرئیس الأمریکی من الذهب أکثر من
إقرأ أيضاً:
الدولار يرتفع والذهب يتراجع.. والنفط يصعد وسط أجواء مشحونة في الأسواق العالمية
شهدت الأسواق العالمية، اليوم الثلاثاء، تحركات متباينة بين الذهب والنفط، في ظل ارتفاع الدولار الأمريكي، وتوترات تجارية مستمرة بين الولايات المتحدة والصين تُثير حذر المستثمرين حول نتائج المحادثات التجارية التي تجري في لندن.
وتراجع سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.6% ليصل إلى 3307.22 دولار للأونصة، فيما هبطت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 0.8% إلى 3327.50 دولار للأونصة.
ويأتي ذلك على خلفية صعود الدولار الأمريكي، الذي يُعتبر منافسًا مباشرًا للذهب كأصل آمن، إذ ارتفع مؤشر الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية، مدفوعًا بتقارير إيجابية عن سوق العمل الأمريكية وزيادة الطلب على العملة الأمريكية كملاذ آمن وسط حالة عدم اليقين.
وقال تيم ووترر، كبير محللي السوق لدى “كيه سي إم تريد”: “مع استمرار المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يتداول الذهب بشكل متحفظ حتى يظهر أي تقدم ملموس بين القوتين.”
وعلى عكس الذهب، ارتفعت أسعار النفط مع تفاؤل المستثمرين حول إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري يخفف من التوترات بين واشنطن وبكين، ما قد يحفز الطلب على الوقود ويعزز النشاط الاقتصادي العالمي.
وارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي “غرب تكساس الوسيط” لشهر يوليو بنسبة 0.28% إلى 65.47 دولار للبرميل، فيما صعدت عقود خام “برنت” لشهر أغسطس بنسبة 0.31% إلى 67.25 دولار للبرميل.
ويأتي هذا الارتفاع بعد أن سجل خام برنت أعلى مستوياته منذ 28 أبريل عند 67.19 دولار للبرميل، مدعوماً بأمل المستثمرين في خفض حدة النزاع التجاري.
وأشار محللو “غولدمان ساكس” إلى أن تعافي أسعار النفط جاء مدعوماً بتراجع مخاوف الطلب بفضل المحادثات التجارية الإيجابية، بالإضافة إلى تقرير قوي عن الوظائف في الولايات المتحدة، مع ذلك، تحوم مخاطر على إمدادات النفط، لا سيما مع استمرار حرائق الغابات في كندا التي قد تؤثر على إنتاج النفط.
وتأتي هذه التحركات في وقت تستمر فيه المحادثات التجارية بين واشنطن وبكين لليوم الثاني على التوالي في لندن، حيث يسعى كبار المسؤولين إلى تخفيف حدة التوترات التجارية التي أثرت على الاقتصاد العالمي والطلب على السلع الأساسية.
ومع هذه التطورات، يبقى المستثمرون في حالة ترقب حذرة، إذ إن أي تقدم أو اتفاق يمكن أن يؤثر بشكل كبير على تحركات أسعار الذهب والنفط، ويحدد اتجاه الأسواق المالية في المرحلة المقبلة.
آخر تحديث: 10 يونيو 2025 - 11:25