مع بدء ولايته الثانية، شنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة إقالات واسعة داخل الحكومة، في خطوة وصفها مساعدوه بأنها "صدمة ورعب"، مستلهمةً استراتيجية غزو العراق عام 2003.

البيت الأبيض يسعى إلى شيء مماثل لـ "اجتثاث البعث"

"تطهير" حكومي واسع وفقاً لما نشره جاميل بوي في "نيويورك تايمز"، يعتقد ترامب أن بإمكانه إخضاع خصومه السياسيين عبر استعراضٍ ساحق للقوة التنفيذية، تماماً كما اعتقد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن أن قصف بغداد سيؤدي إلى الترحيب بالقوات الأمريكية كمحرّرين.

وتركز حملة الإقالات على الموظفين الفيدراليين، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وأجهزة الاستخبارات، وأي جهة تدعم بيروقراطية حكومية متماسكة وغير حزبية. وبينما يراهن ترامب على استسلام هؤلاء أمام موجة التغييرات، قد يواجه أيضاً مقاومة قانونية وسياسية، إذ بدأ بعض المسؤولين المقالين برفع دعاوى قضائية ضد قرارات الفصل. 

It’s No Secret What Trump and His Allies Mean When They Talk About ‘Shock and Awe’ https://t.co/4NQPRYG98u

— Gregory G. Sarno (@DiogenesQuest) February 9, 2025 "اجتثاث البعث" يعود من جديد

تُشَبَّه هذه الحملة بسياسة "اجتثاث البعث" التي اعتمدتها الولايات المتحدة في العراق بعد 2003، والتي أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة.

ووفقاً للكاتبة ميشال غولدبرغ في "نيويورك تايمز"، يسعى البيت الأبيض إلى تطبيق نموذج مشابه داخل الحكومة الأمريكية، حيث سبق أن دعا نائب الرئيس جيه دي فانس إلى "اجتثاث البعث" من الإدارة الفيدرالية عبر طرد البيروقراطيين غير الموالين لترامب واستبدالهم بأنصار "حركة ماغا".

لكن التاريخ يشير إلى أن اجتثاث البعث في العراق أسهم في حالة الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يثير المخاوف من أن يؤدي "تطهير" الحكومة الأمريكية إلى كارثة مماثلة، تتمثل في تفكيك مؤسسات الدولة وإضعاف الخدمات الفيدرالية. 

Once again, "shock and awe" was misused regarding mass deportations. Shock and Awe is a geostrategic and political means to effect, influence and control will and perception of an adversary, not round up migrants. Will we ever apply it right? One hopes!
https://t.co/iwd7mIPHBg

— Harlan Ullman (@harlankullman) February 3, 2025 دور ماسك في المشهد

إضافةً إلى الحملة الحكومية، تزايد القلق من نفوذ إيلون ماسك، الذي منحته الإدارة وصولاً غير مسبوق إلى مؤسسات حساسة، مثل وزارة الخزانة.

وأثار ذلك غضب الديمقراطيين، الذين باتوا أكثر تشدداً في مواجهة سياسات ترامب، مما قد يعرقل مفاوضات الميزانية وسقف الدين في الكونغرس.

هل تتآكل الحكومة الفيدرالية؟

إذا استمر هذا النهج، فإن الولايات المتحدة قد تواجه إدارة غير فعالة ومؤسسات حكومية متآكلة، ما يهدد الأمريكيين الذين يعتمدون على الخدمات الفيدرالية.

كما أن سيطرة المعينين السياسيين على التمويل قد تفتح الباب أمام قرارات تعسفية بقطع الدعم عن جهات أو أفراد لا يُعتبرون موالين بما يكفي لترامب.

بين 2003 و2025.. التاريخ يعيد نفسه؟

يرى بوي أن الوضع السياسي الحالي في أمريكا يشبه أجواء "حمّى الحرب" في 2002 و2003، حينما فضّلت النخب السياسية والإعلامية التكيّف مع التيار السائد بدلاً من مقاومته، واليوم، يبدو أن المؤسسات القوية تتجه إلى الانحياز لنظام ترامب الجديد، في مشهد يعكس أصداء الغزو الأمريكي للعراق، لكن هذه المرة داخل الولايات المتحدة نفسها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب قصف بغداد إيلون ماسك ترامب غزو العراق إيلون ماسك الولايات المتحدة اجتثاث البعث

إقرأ أيضاً:

كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟

مرّ عام على هجوم ساوثبورت، الذي أشعل أعمال شغب عنصرية غاضبة في شوارع المملكة المتحدة. حشود غير منضبطة، تحفّزت بادعاءات كاذبة بأن الجاني مسلم، انطلقت في موجة عنف، وهاجمت المساجد، والمتاجر التي يملكها مسلمون، والمنازل، والأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون.

وفيما كانت أعمال الشغب مشتعلة، كنت أنهي روايتي بعنوان: "الظهور الثاني". تدور أحداث الرواية في مستقبل ديستوبي تستولي فيه مليشيا مسيحية مستلهمة من القومية الإنجليزية على لندن، وتحظر الإسلام، وتنفي المسلمين إلى مخيمات لاجئين في برمنغهام.

لقد جعلتني الأحداث التي كانت تتكشف في الشوارع أثناء كتابتي الفصول الأخيرة، أدرك أننا اليوم أقرب بكثير إلى العالم الديستوبي في روايتي مما كنت أتخيل.

المشاهد والصور التي ساعدتني على تشكيل هذا العالم الخيالي، استُلهمت من إنجلترا التي عشت فيها خلال شبابي، حين كانت أعمال العنف العنصري متفشية. كانت عصابات من الشبان البيض تطاردنا، خصوصا بعد إغلاق الحانات، في موجة تلو الأخرى مما كانوا يسمّونه "تحطيم الباكستانيين".

لم تكن الهجمات بالسكاكين أو القنابل الحارقة أمرا نادرا، ولا كانت المطالبات التي أطلقتها الجماعات اليمينية المتطرفة مثل "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" بإعادة "المهاجرين" السود (أي غير البيض) إلى أوطانهم أمرا مستبعدا.

كان الذهاب إلى المدرسة أحيانا يعني الركض عبر ممر من الأطفال العنصريين. وفي ساحة اللعب، كانوا أحيانا يحاصروننا، وهم يرددون أناشيد عنصرية.

كطالب، فقدت العدّ من كثرة عدد المرات التي تعرضت فيها لاعتداءات جسدية، سواء في المدرسة، أو في الشارع، أو في الحانات، أو في أماكن أخرى.

حين كنت أعيش في شرق لندن، كنت مع شباب منطقة بريك لين المحليين، حيث كانت تدور معارك بالأيدي لصد جحافل المهاجمين العنصريين.

إعلان

لم تكن هذه الاعتداءات ظاهرة معزولة، بل كانت مشاهد مشابهة تتكرر في أنحاء البلاد، حيث كانت "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" ينظمان مئات المسيرات، ما منح العصابات البيضاء المتطرفة جرأة أكبر.

في تلك الفترة، تم اعتقالي مع عدد من أقراني، ووجهت إلينا تهمة "التآمر لصنع متفجرات" بسبب ملء زجاجات الحليب بالبنزين للدفاع عن مجتمعاتنا في وجه العنف العنصري؛ وقد عُرفت قضيتنا لاحقا باسم "برادفورد 12".

كانت هذه النضالات، سواء في بريك لين أو في برادفورد، جزءا من معركة أوسع ضد العنصرية المؤسسية والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة التي كانت تهدف إلى ترهيبنا وتقسيمنا.

كان العنف العلني المباشر في الشوارع خلال تلك السنوات مرعبا، لكنه كان ينبع من هامش المجتمع. أما الطبقة السياسية الحاكمة، فرغم تواطئها، كانت تتجنب الاصطفاف العلني مع هذه الجماعات. ومثال على ذلك مارغريت تاتشر، التي قالت في مقابلة شهيرة 1978، حين كانت زعيمة حزب المحافظين: "الناس في الواقع يخشون من أن يُغمر هذا البلد بأشخاص ذوي ثقافة مختلفة".

كان ذلك تلميحا مبطنا بالموافقة على خطاب الحشود العنصرية، إلا أن تاتشر، رغم ذلك، حين أصبحت رئيسة للوزراء، حافظت على مسافة بينها وبين الجماعات اليمينية المتطرفة.

اليوم، لم تعد تلك المسافة موجودة. فرئيس الوزراء كير ستارمر وأعضاء بارزون آخرون في حزب العمال، يرددون بانتظام خطاب اليمين المتطرف، متعهدين بـ"التصدي بحزم" لأولئك الذين يسعون للحصول على ملاذ آمن هنا.

ولم يكن سلفه المحافظ، ريشي سوناك، ووزراؤه مختلفين. فقد زعمت وزيرة داخليته، سويلا برافرمان، زورا أن عصابات الاستغلال الجنسي للأطفال يغلب عليها "ذكور بريطانيون من أصول باكستانية، يحملون قيما ثقافية تتعارض تماما مع القيم البريطانية".

وعلى الرغم من أن العنصرية البيضاء الفجّة القديمة لم تختفِ، فإن شكلا أشد خبثا منها- الإسلاموفوبيا- قد جرى تأجيجه على مدى العقود الماضية. ويبدو أن عصابات "ضرب الباكستانيين" القديمة قد حلت محلها موجة جديدة، تساوي بين الإسلام والإرهاب، وبين الاستغلال الجنسي والباكستانيين، وبين طالبي اللجوء وجحافل طفيلية على وشك اجتياح البلاد.

هذه هي التربة التي ترسّخ فيها حزب "ريفورم" (Reform) ونما، حيث باتت أشكال العنصرية الأكثر فجاجة تحظى بالاحترام وتصبح قابلة للانتخاب. فحين يصبح كلٌّ من حزب العمال والمحافظين ملاذا لشبكة معقدة من الفساد السياسي، يُقدَّم خطاب "ريفورم" المبسّط المعادي للمهاجرين والإسلاموفوبي كبديل نزيه.

وقد أوصل هذا الحزبَ اليميني المتطرف إلى صدارة استطلاعات الرأي، إذ يحظى بدعم 30 بالمئة من الناخبين، مقارنة بـ22 بالمئة لحزب العمال، و17 بالمئة لحزب المحافظين.

وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئا أن تختار مجلة "الإيكونوميست"، في الذكرى السنوية لأحداث الشغب، إجراء استطلاع يركّز على العِرق بدلا من قضايا التدهور الاقتصادي، والحرمان الاجتماعي، وسياسات التقشف المستمرة التي خضع لها الشعب العامل في هذا البلد.

وقد أظهر الاستطلاع أن نحو 50 بالمئة من السكان يعتقدون أن التعددية الثقافية لا تفيد البلاد، فيما رأى 73 بالمئة أن "أعمال شغب عرقية" جديدة ستقع قريبا.

إعلان

إن تغذية العنصرية العنيفة في الداخل تسير جنبا إلى جنب مع التاريخ الطويل لإنجلترا في ممارستها في الخارج. فوجه العنصرية الجديد يتغذّى على الصور الاستعمارية القديمة التي تصوّر "الهمج" بوصفهم بحاجة إلى الترويض والانتصار عليهم عبر "الحكم الاستعماري المتحضّر". هذه الأيديولوجيات العنصرية، التي كانت أساس تماسك الإمبراطورية، عادت اليوم لتستقر في الداخل.

وهي تتجلى في العنف العنصري في الشوارع، وفي قمع الدولة لمناصري فلسطين، كما تتجلى في الدعم السياسي والعسكري الثابت الذي تقدّمه المملكة المتحدة لإسرائيل، حتى وهي تقصف المستشفيات والمدارس في غزة، وتجوّع الأطفال.

لقد علّمت الإمبراطوريةُ بريطانيا استخدام العنصرية لتجريد شعوب بأكملها من إنسانيتها، لتبرير الاستعمار، والنهب، ونشر الحرب والمجاعات. فالإبادة الجماعية جزء من الحمض النووي البريطاني، وهو ما يفسّر تواطؤها الحالي مع إسرائيل التي ترتكب الإبادة.

في ظل هذا العنف العنصري والإمبريالي، انتفض الناس من جميع الألوان والأديان- ومن لا دين لهم- وبدؤوا في التعبئة والمقاومة. ورغم أنهم لم ينجحوا في إيقاف الإبادة الجماعية، فإنهم فضحوا الأكاذيب الوقحة والنفاق الصارخ للنخبة السياسية البريطانية. وحدها مثل هذه التضامنات، وهذه المواجهة المباشرة للعنصرية، قادرة على منع العالم الكابوسي الذي وصفته في روايتي من أن يتحول إلى واقع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • قرارات ترامب.. وسيلة تفاوضية أم هيمنة أمريكية على النظام العالمي؟
  • احتجاجات ساو باولو: الرسوم الأمريكية تُشعل الغضب وتدفع الجماهير للشوارع
  • محكمة أمريكية تمنع ترامب من اعتقال المهاجرين في لوس أنجلوس
  • كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟
  • عبد المنعم سعيد: ترامب أحدث تغييرا جذريا في شكل السياسة الأمريكية
  • مجلة أمريكية تشرح مخاطر منح ترامب شيكا مفتوحا لـإسرائيل؟
  • ترامب: خطة أمريكية قيد الإعداد بهدف تأمين الغذاء لسكان غزة
  • فرع المعلومات يلاحق تجّار الكاش
  • البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: ترامب يسعى لاتفاق سلام بشأن أوكرانيا بحلول 8 أغسطس
  • السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي