هل يكسب عباس ود ترامب بعد إلغاء رواتب عائلات الأسرى والشهداء؟
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا تناولت فيه قرار السلطة الفلسطينية وقف دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين، في خطوة اعتُبرت محاولة لاستمالة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتأمين مساعدات مالية خارجية.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن الولايات المتحدة و"إسرائيل" أدانتا مرارًا هذه المدفوعات التي كانت تُمنح لعائلات الفلسطينيين المعتقلين أو الذين قُتلوا على يد "إسرائيل"، بمن فيهم المتورطون في هجمات مسلحة.
وتنظر واشنطن وتل أبيب إلى هذه المخصصات المالية على أنها "تشجيع على العنف"، وقد ضغطتا باستمرار على السلطة الفلسطينية لوقفها.
تحوّل جوهري
مساء الاثنين الماضي، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا يعيد هيكلة آلية الدعم المالي، لينهي بذلك واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل على الساحة السياسية الفلسطينية.
وحسب الصحيفة، يُنظر إلى هذا القرار باعتباره تحولًا جوهريًا في السياسة المالية للسلطة الفلسطينية، التي ظلت لسنوات تدفع مئات الملايين من الدولارات لهذه العائلات، ما جعلها موضع انتقادات دولية، وكان ذلك عاملًا رئيسيًا في تعليق المساعدات الأمريكية المباشرة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين فلسطينيين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، أن القرار يهدف إلى مواءمة السياسات المالية للسلطة مع القوانين الأمريكية، بما يسمح باستئناف تدفق المساعدات الخارجية، بعدما حظرت واشنطن دعمها الاقتصادي المباشر للسلطة بسبب هذه المدفوعات.
يأتي هذا التطور وسط أزمة مالية متفاقمة تعاني منها السلطة الفلسطينية، حيث زاد الحظر الأمريكي من الضغوط الاقتصادية التي تواجهها، ما أدى إلى صعوبة دفع رواتب الموظفين الحكوميين بشكل منتظم.
نظام جديد تحت رقابة أمريكية إسرائيلية
ذكرت الصحيفة أن المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، المسؤولة عن إدارة المساعدات الاجتماعية للفلسطينيين، أعلنت أن الدعم المالي المخصص لعائلات الأسرى سيُمنح بناءً على معايير الحاجة الاقتصادية والرعاية الاجتماعية فقط، دون النظر إلى أي اعتبارات سياسية أو ارتباطات سابقة.
بموجب القانون الجديد، ستحصل عائلات الأسرى على مساعدات اجتماعية إذا ثبتت حاجتها المالية، لكن دون أن يُعتبر ذلك تعويضًا عن المشاركة في عمليات ضد "إسرائيل".
سيعتمد النظام الجديد على 43 معيارًا دوليًا لتقييم الاستحقاق الاجتماعي، في خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة توزيع المساعدات وفق المعايير الدولية.
وقالت الصحيفة، إن تنفيذ هذا القانون الجديد سيخضع لرقابة أمريكية وإسرائيلية دقيقة، حيث تسعى واشنطن وتل أبيب للتحقق من جدية السلطة الفلسطينية في تطبيقه.
لكن القرار أثار -وفقا للصحيفة- ردود فعل غاضبة بين الفلسطينيين الذين يعتبرون المعتقلين ضحايا لمحاكمات غير عادلة أو مناضلين ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يراهن على تحسين علاقاته مع إدارة ترامب بعد سنوات من التوتر السياسي، متوقعا بأن يكون رد الفعل الداخلي محدودًا.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي إبراهيم دلالشة قوله، إن هذا القرار يعكس تأثير ترامب، حيث تسعى السلطة الفلسطينية لفتح صفحة جديدة معه.
إصلاح العلاقات مع واشنطن
ذكرت الصحيفة أن حكومة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسعى منذ الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى إعادة بناء علاقتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فترة من التوترات الحادة خلال ولايته الأولى، إلا أن إصرار ترامب الأخير على تهجير نحو مليوني فلسطيني من قطاع غزة قد زاد من تعقيد العلاقة بين الجانبين.
وأشارت إلى أن ترامب أثار غضب القيادة الفلسطينية خلال ولايته الأولى بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المتنازع عليها، وتجميد معظم المساعدات الأمريكية، بالإضافة إلى طرح خطة سلام اعتُبرت منحازة بشكل كبير لـ"إسرائيل".
من جانبها، ترى إسرائيل أن تقديم مخصصات مالية لعائلات الأسرى الفلسطينيين المتورطين في عمليات طعن وإطلاق نار وتفجيرات انتحارية ضد إسرائيليين يمثل حافزًا ماليًا للإرهاب، مشيرة إلى أن الفلسطينيين الذين يقضون أحكامًا أطول في السجون الإسرائيلية يحصلون على مخصصات أعلى، مما يعدّ من وجهة النظر الإسرائيلية مكافأة على تنفيذ هجمات أكثر دموية.
وقد حجبت "إسرائيل" خلال السنوات الماضية أموالًا مستحقة للسلطة الفلسطينية، واقتطعت سنويًا أكثر من 100 مليون دولار من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة.
وفي عام 2018، وقّع ترامب "قانون تايلور فورس"، الذي أنهى المساعدات الاقتصادية الأمريكية التي تعود بالنفع المباشر على السلطة الفلسطينية طالما استمرت في دفع مخصصات عائلات الأسرى.
وفي بيانها الأخير، المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي أن الإصلاحات تتماشى بالكامل مع أهداف "قانون تايلور فورس"، لكن إسرائيل رفضت إعلان عباس ووصفته بالخداع، مؤكدة أن السلطة الفلسطينية لن تتوقف عن دفع الأموال لعائلات الأسرى.
وقال أورين مارمورستين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية: "هذه مجرد خدعة جديدة من السلطة الفلسطينية التي تعتزم مواصلة دفع الأموال للإرهابيين وعائلاتهم عبر قنوات بديلة".
وحسب الصحيفة، من غير المرجح أن يؤدي مرسوم عباس إلى استئناف فوري للمساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، فضلا عن أن ترامب لم يعلن حتى الآن ما إذا كان على استعداد لدعم السلطة الفلسطينية مجددًا.
عقبات وانتقادات
أوضحت الصحيفة أنه رغم الإعلان عن إصلاحات في نظام مخصصات الأسرى، لا تزال هناك عقبات قانونية معقدة تحول دون استئناف المساعدات الأمريكية، أبرزها الحاجة لإثبات امتثال السلطة الفلسطينية لـ"قانون تايلور فورس".
واعتبرت أنه في حال تنفيذ التعديلات، سيكون ذلك تحولًا جذريًا في موقف الرئيس محمود عباس الذي كان قد أكد سابقًا أنه لن يتخلى عن دفع هذه المخصصات حتى في أوقات الأزمة المالية.
وفي أواخر يناير/ كانون الثاني، أبلغ حسين الشيخ مستشار الرئيس عباس، المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بأن السلطة مستعدة للمضي قدمًا في تعديل نظام المخصصات المالية.
لكن هذا التحول أثار انتقادات حادة في الضفة الغربية ورفضته حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وأكدتا أنه تفريط بحقوق الأسرى.
من جهته، دعا قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى، الرئيس محمود عباس إلى "التراجع الفوري" عن المرسوم، محذرًا من تداعياته، بينما اعتبر الأسير السابق عصمت منصور القرار "خطأ فادحًا" مؤكدًا أن الأسرى هم رموز النضال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية السلطة الفلسطينية الأسرى الاحتلال السلطة الفلسطينية الأسرى الاحتلال اموال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الفلسطینیة لعائلات الأسرى محمود عباس
إقرأ أيضاً:
رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
في زمن تتقاذف فيه الأمة موجات الهزيمة النفسية والضعف الروحي، برز الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) كمفكر ومجاهدٍ فريد، أعاد للأمة الإسلامية قيم العزة، والوعي، والاستعداد للتضحية. وفي قلب مشروعه القرآني المتجدد، تأتي الشهادة وقضية الشهداء كأحد أهم مرتكزات بناء الإنسان القرآني.يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
لم ينظر الشهيد القائد إلى الشهادة كمجرد “حدث” أو “نهاية”، بل قدّم رؤية متكاملة تجعل منها أسمى طموح الإنسان المؤمن، ووسيلة لبناء الأمة وتحقيق الانتصار الحقيقي.
الشهادة .. إلغاء لمفهوم الموت وبناء لروح الحياة
يبدأ الشهيد القائد حديثه عن الشهادة من أساس قرآني متين، حيث ينسف المفهوم التقليدي للموت في سبيل الله، منطلقاً من قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وفي شرح الشهيد القائد، يُلغى الموت من قاموس المجاهد، لا يُنظر إلى الشهيد كميت، بل كحيّ عند ربه، في كرامة دائمة وفضل إلهي عظيم، ليس ذلك فقط، بل إن إلغاء الموت هو وسيلة لدفع المؤمن نحو ميادين التضحية بدون تردد، حيث قال رضوان الله عليه : أن تخوفه بالقتل، فبماذا تخوفه؟ هو مجاهد يبحث عن الشهادة.
أعزة على الكافرين .. العزة التي تُترجم إلى مواقف
يبرز الشهيد القائد النموذج القرآني للمجاهد ، القويٌّ في وجه الأعداء، الرقيق والعطوف مع إخوانه، المتحرّك بنَفَس إيماني دون تردد أو تسويف، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، العزة هنا ليست صفة تجمّل الخطاب فقط، بل سلوك عملي وموقف سياسي وعسكري، يجعل من المجاهد إنسانًا رافضًا للخضوع، ينطلق بذاته وماله قبل أن يُطلب منه، وليس ممن “يثاقل إلى الأرض” أو “ينتظر من يدفعه”.
الشهداء صفوة مختارة والشهادة فضل من الله
الشهداء في رؤية الشهيد القائد ، هم صفوة اختارهم الله واصطفاهم الله، ومنحهم كرامة التفضيل، فهم من اختارهم الله ليمثلوا مشروعه في الأرض، ليكونوا البديل عن القاعدين والمثبطين، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟ تفضيل من الله أن اختارهم هم؟ ، هم الذين آمنوا بحقيقة أن الجهاد مهمة ربانية لا تُؤدى من باب التسلية أو المصلحة، بل استجابة خالصة لله، واستعداد للتضحية بالنفس والمال دون مقابل دنيوي.
المجاهدون لا يُشترون .. تفكيك ظاهرة الارتزاق
الشهيد القائد يفصل بوضوح بين المجاهد الصادق، وذلك المرتزق الذي يتحرك لأجل السلاح أو المال أو المصالح، وفي معرض نقده لظواهر الاستغلال التي رافقت بعض المعارك السابقة، يُبرز أن المجاهد الحقيقي لا ينتظر بندقًا أو صرفة: ما كانوا يوم ملكي ويوم جمهوري؟ مرة هنا ومرة هناك .. هؤلاء متعيشين، مرتزقة،
بينما المجاهد الحق كما يؤكد رضوان الله عليه ، ينطلق بنفسه وماله، بدافع الإيمان، وبهدف واحد، وهو نُصرة دين الله، ونيل إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة.
ثقافة الشهادة .. صناعة أمة لا تُهزم
في فكر الشهيد القائد، الشهادة مشروع نهضوي، الأمة التي تحب الشهادة وتستعد لها، أمة لا تُهزم، والشهادة تصنع وعيًا، وتزيل الخوف، وتُربّي الإنسان على العزة والكرامة، وهو يرفض تصوير الشهيد كضحية، بل يؤكد أنه صاحب فضل، فائز، حاز على أرفع درجات الاصطفاء، هم ممن حازوا هذا الفضل العظيم .. هم مفلحون، فائزون، وليسوا متورطين.
الشهادة حياة وبعث لا نهاية
واحدة من أعمق أفكار الشهيد القائد التصويرية ، أن الشهيد لا يموت كما يموت الآخرون، بل ينتقل، االمجاهد لن يموت كما يموت الآخرون .. روحه تنتقل من بذلة لتعود إلى جسم آخر، كما تخلع الثوب وتلبس غيره.
هذا التشبيه يُبرز أن الحياة الحقيقية للإنسان تبدأ بعد الشهادة، وأن الموت لم يعد تهديدًا للمجاهد، بل أملًا ومقصودًا يُطمح إليه.
الشهادة قمة في الاستسلام الواعي والطوعي للهفي فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، لم تكن الشهادة مجرد خاتمة بطولية، بل تتويجًا لمسارٍ إيمانيٍّ شامل، يبدأ من لحظة وعي الإنسان بمسؤوليته أمام الله، وتُعد الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، مفتاحًا لفهم هذا المسار، فهو ينبه إلى أن الصلاة والنسك هما مقدمة لمسارٍ أشمل، يتمثل في أن الحياة والموت نفسيهما يجب أن يكونا لله، أي أن المؤمن لا يكتفي بأداء شعائر ظاهرية، بل يحوّل حياته كلها إلى ميدان عبادة، وموته إلى ختام لتلك العبادة، عبر السعي الواعي نحو الشهادة في سبيل الله.
ولذلك علّق الشهيد القائد قائلاً: لا يصح أن يُقال أمرت أن تكون حياتي بيد الله، لأن هذه قضية حتمية، لكن أمرت أن تكون حياتي لله، ومماتي لله، وهذا لا يكون إلا بجهاد، وسعي للشهادة.
الشهادة .. أعظم استثمار للموت
يرى الشهيد القائد أن الله برحمته الواسعة فتح أمام الإنسان فرصة استثمار الموت، الذي هو حتميٌّ لكل البشر، بحيث لا يكون الموت مجرد نهاية، بل وسيلة للفوز بالرضوان الإلهي والخلود في الجنة، (عندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله، فهو فعلاً من استثمر حياته، واستثمر موته) ، وهذا الشعور كما يؤكد رضوان الله عليه ليس حالة استثنائية، بل هو سمة أصيلة للمؤمنين الحقيقيين الذين باعوا أنفسهم لله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾
الإمام علي عليه السلام نموذجًا .. فزت ورب الكعبة
استلهم الشهيد القائد من سيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثالًا على أرقى مشاعر نذر النفس لله، حين بُشّر بالشهادة، فلم يهتم إلا بسلامة دينه: ((يا رسول الله، أفي سلامة من ديني؟ قال: نعم. قال: إذن لا أبالي)).
رسالة عظيمة يُطلقها الإمام علي عليه السلام، إن الشهادة مقبولة ومحبوبة إذا كانت في سبيل الله وبحفظ الدين، هذه المشاعر لا تنبع من ضعف، بل من قوة إيمانية تدفع الإنسان لتجاوز غريزة التعلق بالدنيا، وجعل سلامة الدين فوق كل اعتبار.
حضور النموذج الجهادي وأثره في غرس ثقافة الشهادة
ينبّه الشهيد القائد إلى خطر تغييب الرموز الجهادية، وتغليب المشاهد العاطفية المنزوعة من روح البطولة، فيقول منتقدًا الاكتفاء بترديد أسماء مثل محمد الدرة فقط، دون إبراز القادة المجاهدين كعباس الموسوي ويحيى عياش: لأول مرة أسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقًا .. نحتاج إلى أن ننشد للأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة.
ويشدد على أن الرموز الجهادية تصنع وعيًا، تلهم نفوس الناس روح الفداء، وتُبقي ثقافة الشهادة حيّة، أما التركيز على مآسي عاطفية دون ربطها بسياق المواجهة والجهاد، فيفرغ القضية من جوهرها.
الشهادة ..عنوان الأمة التي تنصر الله
يعمق الشهيد القائد في هذا المحور الإدراك بأن الأمة التي لا تُنذر أبناءها لله، لا يمكن أن تكون أمة ناهضة، أمة تنشد الأمن دون تضحية، وتطلب العزة دون دماء، لن تنتصر، (ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصارًا لله، ما لم يكن لديهم هذا الشعور، أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله)،
إن قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ﴾ في فكر الشهيد القائد هو بيان تكليف إلهي شامل، يجعل الشهادة ليست مجرد نتيجة بل غاية مقصودة، وسعي واعٍ ومحبوب لله، من يحمل هذا الوعي، يعيش لله ويموت لله، ويصنع من موته بوابة للحياة الأبدية.
الشهادة ضمانة للربح الحقيقي والخلاص الأبدي
يرى الشهيد القائد، أن الشهادة ، هي الضمانة الوحيدة للربح الأبدي، فالإنسان الذي يخشى الموت ويهرب منه هو في الواقع أقرب إلى الموت، لأنه يُضيّع الهدف، ويعيش بقلق، ثم يموت ميتة لا معنى لها، أما الشهيد، فقد كتب الله له الحياة الأبدية، (إذا كنت تكره الموت، فجاهد في سبيل الله، واطلب الشهادة، فبذلك فقط تُقهر الموت لا تهرب منه)، ويرى الشهيد القائد أن الآيات القرآنية لم تلغِ فقط خوف الموت، بل ألغت صفة الموت نفسها عن الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وهنا تصبح الشهادة بوابة للحياة لا للموت، وهي أرقى درجات الاستفادة من حقيقة حتمية لا مفر منها.
الشهادة في التربية النبوية والعترة الطاهرة
يشير الشهيد القائد إلى أن النموذج النبوي في التضحية كان قائماً على تقديم النبي صلوات الله عليه وآله ، لأهل بيته وأقاربه في مقدمة صفوف الجهاد، ابتداءً من غزوة بدر، حيث قاتل أقرباء النبي وذووه في مقدمة المواجهة، كما يشير إلى أن الآية: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾، هي خطاب خاص لقرابة النبي صلى الله عليه وآله، تُلزمهم بالتفاني التام في سبيل الله، ومن هنا، فإن قضية الشهادة ليست فقط تكليفاً عاماً، بل هي رسالة آل البيت ومسؤوليتهم التاريخية، وفي المقابل، يجب على الأمة أن تفهم الدين فهماً مسؤولاً، بأن كل تكليف إلهي هو نعمة وليس عبئاً، ومن يسير على درب أهل البيت لن يرى في الجهاد إلا تشريفاً، لا مشقة.
خاتمة
إن فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حول الشهادة ليس خطابًا عاطفيًا، بل بناء فكري عقائدي متكامل، يستمد قوته من القرآن، ويهدف إلى إنتاج أمة تتحرك بوعي وإرادة واستعداد للتضحية، وثقافة الشهادة كما طرحها ليست أداة موت، بل وسيلة حياة ونهضة، ووسام فضل إلهي يُختص به من يحملون همّ الأمة ويجاهدون في سبيل الله، وفي زمن الغربة والانحراف، ما أحوج الأمة اليوم إلى استعادة هذا الفهم الراقي للشهادة، لتكون كما أراد الله لها، {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}.
المصادر / محاضرات ودروس الشهيد القائد رضوان الله عليه