من فوق الركام والدمار.. جنوبيون عادوا إلى بلداتهم المنكوبة ولم يجدوا إلا الرماد
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
في ذلك الصباح المثقل بعبق الحنين ورائحة التراب الممزوج بالركام، خطا الجنوبيون خطواتهم الأولى نحو قراهم، قادهم الشوق، لكن المشهد الذي استقبلهم كان أشبه بصفحة من كابوسٍ طويل. عادوا إلى بلداتهم التي هجّرهم عنها العدوان، ليجدوا أن ملامحها تغيّرت، وأن البيوت التي احتضنت أحلامهم باتت مجرد أكوام من حجارة، وأشجار الزيتون التي ظلت شاهدة على صمودهم قد اجتُثّت من جذورها.
جاءت عودتهم بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، وفق اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الاحتلال أبقى وجوده العسكري في خمس نقاط استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، بذريعة "منع عودة حزب الله إلى المناطق الحدودية"، وذلك بتنسيق واضح مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب. وعلى الرغم من الرفض اللبناني الرسمي لهذا التمركز العسكري، فإن الحكومة اللبنانية متمسكة بتطبيق كامل بنود الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024.
مع بدء الانسحاب، بدأ الأهالي يتدفقون نحو قراهم التي مسحتها النيران، لتبدو بلا معالم حياة. الشوارع التي كانت تنبض بالحركة باتت مدفونة تحت الركام، والمنازل تحولت إلى رماد. رغم ذلك، لم يكن الألم وحده الذي يسيطر على المشهد، بل امتزجت به لحظات مؤثرة؛ ففي كفركلا، وبينما كان الأهالي يبحثون عن ناجين بين الأنقاض، عُثر على شابين لا يزالان على قيد الحياة، أحدهما من الجنوب والآخر من البقاع، في لحظة أضاءت بصيص أمل وسط الحطام.
الجيش بدأ فورًا في الانتشار، فدخل بلدات العباسية، والمجيدية، وكفركلا، والعديسة، ومركبا، وحولا، وميس الجبل، وبليدا، ومحيبيب، ومارون الراس، وما تبقى من يارون، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، لتأمين المنطقة والتعامل مع المخلفات الحربية التي تركها الاحتلال.
ميس الجبل تفتقد أولادها
في ميس الجبل، كان الأهالي يتلمسون طريقهم وسط الدمار، يبحثون عن أفراد عائلاتهم، يدخلون البلدة سيرًا على الأقدام لأن الطرقات لم تفتح بعد. تفخيخ المنازل كان الفخ الأخير الذي زرعه الاحتلال قبل الانسحاب، لكن فرق الهندسة في الجيش سارعت إلى تفكيك العبوات غير المنفجرة لضمان سلامة العائدين. كان المشهد مؤلمًا، حيث اضطر الأهالي إلى إزالة الأنقاض بأيديهم، في محاولة يائسة للوصول إلى ممتلكاتهم المطمورة تحت الركام. وسط هذه الفوضى، كانت النساء تبحثن عن صور عائلية وأغراض شخصية تشهد على الحياة التي كانت هنا ذات يوم، فيما كان الرجال يرفعون الحجارة الثقيلة، على أمل العثور على أي أثر يدلهم على أحبائهم المفقودين. مع كل خطوة كانوا يأخذونها داخل البلدة، كانت تظهر آثار الدمار أكثر وضوحًا؛ منازل منهارة، أشجار محترقة، ومتاجر خاوية لم يبقَ منها سوى الجدران المتفحمة. ورغم الجراح، لم يكن هناك وقت للبكاء، فالأولوية كانت لتأمين الحد الأدنى من المأوى واستعادة ما يمكن إنقاذه من ذكرياتهم الضائعة وسط الدمار.
محيبيب وبليدا: الماضي المسلوب
أما في محيبيب، فكان المشهد أكثر قسوة، إذ تعرضت البلدة لدمار شبه كامل، حسب مصدر محلي لـ"لبنان24"، حيث لم يبقَ فيها حجر على حجر. لم يقتصر الأمر على المنازل التي سُوّيت بالأرض، بل حتى البساتين والمساجد والمدارس لم تنجُ من بطش القصف. الأهالي العائدون وقفوا مذهولين أمام الفراغ الذي حل محل منازلهم، يبحثون في الأنقاض عن أي بقايا يمكن أن تذكرهم بماضيهم المسلوب. الحال في بليدا لم يكن أفضل بكثير، إذ كانت الأفراح بعودة الأهالي منغصة ببحثهم عن رفات أحبائهم الذين قضوا تحت القصف.
الناقورة.. "منكوبة"
وسط الركام والصمت المخيّم، تبدو الناقورة وكأنها بلدة مهجورة، تلاشت فيها مظاهر الحياة وتحولت إلى أطلال من الخراب. هذه البلدة اللبنانية الساحلية، التي تتكئ على البحر المتوسط وتجاور الحدود مع إسرائيل، لم تعد كما كانت، بل أصبحت مسرحًا لذكريات الدمار وآثار القصف العنيف.
اليوم، الناقورة مصنفة كبلدة منكوبة، حيث تكاد تنعدم فيها مقومات العيش، ما يجعل فكرة إعادة إعمارها حلماً بعيد المنال، خصوصاً في ظل غياب أي دعم مالي حقيقي. وفقاً للتقديرات، فإن إعادة البناء قد تستغرق أكثر من ثلاث سنوات، إذا ما توفرت الموارد اللازمة، حسب مصدر محلي لـ"لبنان24".
الأضرار التي لحقت بالبلدة لم تقتصر على ما خلّفه القصف، إذ أن الجيش الإسرائيلي، بعد دخول البلدة عقب وقف إطلاق النار، عمد إلى هدم المنازل بشكل منهجي، ما رفع نسبة الدمار من 35% إلى 90%، وفق مصدر محلي لـ"لبنان24". عمليات الهدم لم تقتصر على الغارات، بل تمّت عبر تفجير المباني يدويًا واستخدام الجرافات لمحو ما تبقى من معالمها. بالقرب من مقرّ قوات اليونيفيل الدولية، لا تزال بعض المنازل قائمة، لكنها ليست سوى واجهة خادعة لحقيقة أكثر قسوة. فكلما توغلت داخل البلدة، تكشّف حجم الكارثة: منازل متصدعة، شوارع موحشة، وأحياء هجرها سكانها على عجل، تاركين وراءهم بقايا حياتهم السابقة.. أثاث متروك، ملابس متناثرة، وكتب مهجورة، شاهدة على قصص لم تكتمل. حولا وكفركلا: الموت في كل زاوية
رغم التحذيرات الأمنية، دخل أهالي حولا إلى بلدتهم، غير آبهين بالدعوات إلى الانتظار ريثما تستكمل عمليات المسح والتأمين. فهم لم يعودوا قادرين على البقاء بعيدًا، رغم أنهم لم يجدوا في ديارهم سوى الخراب.
الدمار الأكبر كان في كفركلا، البلدة التي دخلها الاحتلال أولًا وخرج منها آخرًا. نسبة الدمار، بحسب مصادر محلية، تجاوزت 80%، حتى جبّانة البلدة لم تسلم من عبث الاحتلال، وأشجار الزيتون جُرّفت بلا رحمة. في غياب البيوت، لجأ العائدون إلى نصب الخيام والاحتماء بالأرض التي لم تغادر قلوبهم يومًا.
بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انتهاء حرب الـ66 يومًا، يعود الجنوبيون إلى ديارهم، لكنهم لا يعودون كما كانوا. الوطن الذي احتضنهم صار أنقاضًا، والعودة التي حلموا بها صارت امتحانًا للصبر والمثابرة. ومع ذلك، فإن الجنوب الذي قاوم الاحتلال لأكثر من سبعين عامًا، لن ينكسر تحت وطأة الدمار، بل سيعود نابضًا بالحياة من جديد، بأهله الذين لا يعرفون الاستسلام. المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الدمار الشديد في الخرطوم ليس كله بيد أفراد الميليشيا
الحقيقة التي يخشى كثيرون من ذكرها أن الدمار الشديد في الخرطوم ليس كله بيد أفراد الميليشيا،بل في جزء كبير كان بواسطة الشفشافة أصحاب السكن العشوائي بمختلف مناطق الخرطوم
وأنا كنت شاهد عيان على عدة مناطق دخلها هؤلاء ينهبونها كلها ثم يدمرونها ثم يحرقونها
حتى البيوت أفراد الميليشيا ما كان ليسرقوا إلا ما خف وزنه وغلا ثمنه،هذه سرقة أفراد الميليشيا في الغالب
أما الذي نهب العفش و شلع السيارات واقتلع كوابل الكهرباء هم في الغالب هؤلاء الشفشافة؛وهذا لا يعني تبرئة الميليشيا بل ما كان ليكون ذلك لولا تسهيل الميليشيا لهم،بل وتشجيعهم الميليشيا لهم في التدمير ده
وديل قاعدين في الخرطوم لسه والناس عارفاهم وما قادرين يعملو شي بل وفيهم من هو لسه مواصل في الشفشفة
ورحم الله شيخنا محمد سيدحاج رحمه الله تعالى
كان زمان قبل عشرين سنة اتكلم عن إشكالية السكن العشوائي وأطفال الشوارع
وقال انو المجتمع ده محتقن ويغلي
قال الليلة الود لمن يشوف ود جارو بمشي المدرسة ولابس أحسن لبس هو حيكون شعوره شنو؟
ولمن أشوف جاري بيأكل أحسن أكل و أحسن شراب وأنا ما لاقي شيء حيكون الشعور شنو؟
عشان كده في كلام شين مرق من ناس كانوا جيراننا والناس كانت بتحسن ليهم
طلعوا ما في قلوبهم تجاهنا
وحقيقة وللأسف ماف زول قاعد يذكر حلول حقيقية لهذه المشكلة
بل إذا ترك الأمر عائما هكذا قد تحصل ردة جرائم ما أنزل الله بها من سلطان من أصحاب الممتلكات تجاه هؤلاء
ولا شك أن أصحاب السكن العشوائي ليس كلهم سيئون بل فيهم ناس هم من خيرة خلق الله تعالى
ولكن أنا أقول هذا الكلام ليتحرك المجتمع نحو حل فعلي لهذه الإشكالية
لازم وزارة الرعاية الاجتماعية تنظر في هذا الأمر
مجرد إزالة السكن العشوائي ليست حلا
لأنو حيمشو يقعدو ليك في أماكن تانيه
على الأقل تكون في إحصائيات ومعرفة السودانيين من غيرهم ثم يتم إنشاء وحدات سكنية في مناطق معينة يتم إسكانهم و يتم تعليمهم و يتم صهرهم في المجتمع شيئا فشيئا لإذابة الفروقات الجوهرية و ليعيش المجتمع في وئام،
مع معاقبة ومحاكمة المتورطين و إنزال أشد العقوبات عليهم …ا
مصطفى ميرغني
إنضم لقناة النيلين على واتساب