"إن طاعك الزمن طيعه"
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
لينا الموسوي
"إن طاعك الزمن طيعه".. مثلٌ شعبيٌ جميلٌ قد يُوحي لسامعه من أول وهلة بالخضوع والاستسلام، ولكن عند التمعن في معانيه نجد أن ما يحويه في لُبه، أعمق وأدق.
دار حديث بيني وبين صديق عن الزمن الحديث وما يحدث فيه من مستجدات تميل إلى التعقيد إضافة إلى السرعة المتناهية في التغيير مما يصعب علينا متابعة ما يحدث لأولادنا وحياتنا أو ترتيب أولوياتنا الاجتماعية والتربوية.
وعند سماعي لهذا المثل الشعبي، وجدت فيه تأكيداً على أن في كل الأزمنة نقلات وتطورات لابد أن تحدث وأن كل حدث جديد في زمن مُعين يصعب على أهله تقبله أو استيعابه ومن ثم يتم الاعتياد عليه. وهذا ما يحدث لنا في الوقت الحاضر فما فعلته النقلة القوية والسريعة في التكنولوجيا وتأثيرها المباشر على الأجيال جعل الآباء أو الأجيال الأكبر سنًا يأخذون خطوات إلى الخلف ويعيشون في صراعات وآهات ناقدين متذمرين متحيرين تائهين في دروب الخوف، متسائلين إلى أين تأخذنا هذه المسيرة وكيف نتعامل مع أولادنا وما يحدث من انفتاحات اجتماعية والخلط في المفاهيم المتعارف عليها.
لكن في الحقيقة أن مقولة المثل الشعبي بطاعة الزمان تعتبر في رأيي حلا جيدا جدًا لتوجيه الأجيال الأكبر لمحاولة تفهم أسلوب الحياة الجديدة بعمق ووضوح وإيجابية لتتناسب مع الجميع، فليس من الضرر تحديث الآباء طريقة تفكيرهم وإعادة صياغتها؛ بما يتناسب مع مُعطيات الحياة الجديدة فنتعلم من آبنائنا كيفية إيجاد الحلول المناسبة بطريقة مختلفة عن ما كنَّا معتادين عليه؛ حيث إن نوع المشكلات في الوقت الحاضر قد تغير.
فطاعة الزمن لا تعني الخضوع إلى كل ما هو مطروح ولكن تعني في رأيي استيعابه وتصفيته وترتيبه بمساعدة الأبناء وتحديث وتطوير الأسس الاجتماعية المتعارف عليها.
وطرح هذا الموضوع ليس بالشيء البسيط؛ فهو يتطلب بذل جهود عالية لتفهم الأجيال الجديدة وبناء علاقة صداقة حقيقية وليست ظاهرية، والسعي نحو الديمقراطية التي تعلم منذ الصغر بالتربية والدين وأسلوب الحوار، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى تعاون مجتمعي متكامل يبدأ من داخل الأسرة والمدرسة، وينتهي في المجتمع وأن لا نكون متذمرين مستائين صانعين في اللاشعور حواجز وأسوار عالية بيننا وبين من نحب.
إذا أطعنا الزمن بمرونة مع أبنائنا بترك كلمات النهي الصارمة واتباع الأسلوب الأجمل الأسلوب الديمقراطي الحر الراقي المبني على الاحترام قد ننجح في المحافظة عليهم وترسيخ أسس وأنظمة مفاهيم مجتمعنا بصورة أكثر حداثة فتكون مرغوبة ومسموعة ومحبوبة أكثر من قبل الجميع.
كما قال الله تعالى في آياته الكريمة "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، فإذا تمعّنا في هذه الآية نجد أن الله تعالى يحثنا على التغيير نحو الأفضل بما يرضيه ولا يجب أن نبكي على أطلال الماضي ونترك أكبادنا يتخبطون بين أمواج بحور المجتمعات المختلفة.
لذلك أحبائي لنسعى جاهدين لطاعة الزمن الجديد باتخاذ الطريق الصحيح واللّيِّن في التعامل مع جيلنا الجميل الذي به نفتخر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.
جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.
خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.
وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.
الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور، أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.
مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.
بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود، بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.
واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.
#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية