غزة- داخل خيمة مهترئة، أقامتها عائلة الشنباري في منطقة المواصي جنوبي قطاع غزة، كانت والدة الطفلة شام تراقب صغيرتها بعينين يملؤهما القلق، خشية أن يفتك بها البرد القارس.

اعتقدت الأم أن كل شيء على ما يرام، إلى أن لاحظت عند منتصف ليلة أمس دما ينزف من أنف الصغيرة، فسارعت إلى حملها، لتكتشف أنها باردة وبلا نبض.

نقل يوسف الشنباري ابنته شام البالغة من العمر 60 يوما إلى مستشفى ناصر بمدينة خان يونس على وجه السرعة، لكنه لم ينجح في إنقاذها، فكانت قد فارقت الحياة.

وخلال الأسبوعين الأخيرين، توفي 6 أطفال بسبب البرد الشديد، 5 منهم في شمال القطاع وحالة واحدة في جنوبه، بحسب مسؤولين في وزارة الصحة بغزة، بينما يرقد أطفال آخرون في غرف العناية المركزة.

وتحظر إسرائيل منذ بداية الحرب، قبل أكثر من 16 شهرا، إدخال الوقود، وقطعت إمدادات التيار الكهربائي، وهو ما يمنع سكان قطاع غزة من استخدام وسائل التدفئة.

ولم تلتزم إسرائيل بإدخال قرابة 60 ألف منزل متنقل و200 ألف خيمة، نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في نهاية الشهر الماضي.

 

 

خيام رديئة

ومنذ بداية فصل الشتاء، يعاني سكان قطاع غزة من آثار البرد الشديد بسبب هدم أغلب منازلهم، واضطرارهم إلى العيش في خيام رديئة، وغياب وسائل التدفئة.

إعلان

ويقول عبيدة الشنباري، عمّ الطفلة شام، إنها كانت طبيعية ولا تعاني من أي أمراض.

وقال للجزيرة نت إن العائلة تقيم في خيمة قديمة مصنوعة من القماش والنايلون، ولا تقي ساكنيها من قسوة البرد.

ويضيف الشنباري "بعد منتصف الليل كانت البنت من دون نبض ولا نفس، والدم ينزف من أنفها.. لا نمتلك منزلا، ولا أغطية ولا ملابس كافية، ولا توجد أي وسائل تدفئة، لا كهرباء ولا غاز".

وذكر أن العائلة نزحت من بلدة بيت حانون بشمال القطاع إلى جنوبه منذ بداية الحرب، ولم يعودوا بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بسبب هدم منزلهم هناك.

 

الطفلة أيلا السرسك (3 أشهر) ترقد منذ 10 أيام في العناية المركزة بحالة حرجة بسبب البرد الشديد (الجزيرة) "أيلا" في العناية المركزة

في غرفة العناية المركزة بمستشفى أصدقاء المريض بمدينة غزة، ترقد الطفلة أيلا السرسك (3 أشهر) منذ أكثر من 10 أيام في حالة صحية حرجة بسبب مضاعفات البرد الشديد.

وتسكن عائلة الطفلة في خيمة بالقرب من شاطئ البحر بسبب هدم الاحتلال منزلها بحي الشجاعية، وعدم إدخال المنازل المتنقلة أو مواد البناء حتى الآن.

وتقول شيماء السرسك، والدة الطفلة أيلا، إنها استيقظت لتجدها باردة الجسم، وقد تحوّل جسدها إلى اللون الأزرق رغم أنها كانت تدفئها بـ4 أغطية.

ولشيماء 9 أطفال آخرين بالإضافة إلى أيلا، يعاني جميعهم من تبعات البرد الشديد، حسب ما تقول.

وبعد أن راقبت طفلتها داخل حضانتها بغرفة العناية المركزة، أضافت السرسك للجزيرة نت متسائلة بأسى: "ناس يعيشون في خيمة قرب البحر.. كيف سيكون وضعهم مع أطفالهم؟".

ولا تملك العائلة أي أدوات تدفئة بسبب عدم توفر الوقود والكهرباء.

وتتابع "كان أولادي قبل الحرب لا يمرضون، ومناعتهم قوية، لكن الآن أتنقل بهم من مستشفى إلى مستشفى".

الطبيب سامر لبد يشرح الحالة الصحية للأم شيماء السرسك حول حالة طفلتها أيلا التي ترقد منذ 10 أيام داخل العناية المركزة بسبب البرد الشديد (الجزيرة)  البرد يقتل

من جانبه، يقول الطبيب سامر لبّد المشرف على حالة الطفلة أيلا إنها وصلتهم "مع علامات البرد الشديدة وكانت في حالة سيئة جدا، فقد عانت من سيولة في الدم ونزيف رئوي حاد، ومنذ ذلك الوقت ترقد في غرفة العناية المركزة على جهاز التنفس الاصطناعي".

إعلان

وأوضح لبّد أن الأطفال يصابون بالبرد الشديد بشكل أسرع بكثير من الكبار، وهو ما يؤثر على دورتهم الدموية، ويصيبهم بتبعات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة إذا لم تعالج في الوقت المناسب.

كما ذكر أن البرد الشديد يؤثر على السيدات الحوامل وقد يؤدي إلى ولادات مبكرة، لأطفال خُدّج يعانون بدورهم من مناعة ضعيفة ومعرضون لمخاطر البرد.

ويُرجع الطبيب أسباب وفاة الأطفال من البرد إلى هدم منازل عائلاتهم واضطراهم إلى العيش في خيام، وعدم توفر أي وسائل تدفئة كالوقود والكهرباء.

 

الطبيب سعيد صلاح: نطالب بسرعة إدخال المنازل المتنقلة ووسائل التدفئة والوقود لإنقاذ أطفالنا من خطر الموت بردا (الجزيرة) تزايد الإصابات

ويقول الطبيب سعيد صلاح استشاري طب الأطفال، والمدير الطبي لمستشفى أصدقاء المريض بغزة، إنهم لاحظوا خلال الأسبوعين الماضيين تزايد أعداد الإصابات الخطيرة في صفوف الأطفال، جراء البرد الشديد.

وأضاف للجزيرة نت "إصابة البرد تعني أن وظائف الحياة تتوقف أو تصبح ضعيفة إذ ينخفض ضغط الدم، ويتغير لون الجلد، ويصبح التنفس صعبا، وتكون هناك حموضة في الدم".

وأوضح أن 9 أطفال دخلوا مستشفى أصدقاء المريض المتخصص للأطفال خلال أسبوعين وكانت درجة حراتهم أقل من 34 مئوية، وجميعهم من سكان الخيام، "أي إنهم من دون منازل ووسائل تدفئة، فلا غاز ولا كهرباء ولا وقود".

وتابع "أجرينا لهم إسعافا لإخراجهم من حالة الصدمة لكن توفي 5 أطفال (في شمال القطاع) في الأسبوعين الماضيين. هناك طفل توفي بعد ساعة من وصوله، وطفل بعد 8 ساعات، وطفل بعد أيام".

وذكر أن 3 أطفال تحسنت حالتهم الصحية، وغادروا المستشفى، وبقيت حالة واحدة تعاني من إصابة خطرة.

وناشد الدكتور صلاح المجتمع الدولي وكل المؤسسات والجهات المعنية بحقوق الإنسان العمل على سرعة إدخال المنازل المتنقلة إلى قطاع غزة، لإسكان المشردين من ويلات الحرب لحين إعادة بناء منازلهم.

إعلان

كذلك طالب بسرعة إدخال الوقود اللازم لتشغيل وسائل التدفئة بهدف وقاية سكان قطاع غزة وأطفالهم من مخاطر الموت "بردا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات العنایة المرکزة وسائل التدفئة البرد الشدید قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

عشرات الشهداء بغزة وتحذيرات من توقف عمل المستشفيات

أفادت مصادر طبية باستشهاد 69 فلسطينيا في غزة منذ فجر اليوم الأربعاء، منهم 29 من منتظري المساعدات، في حين حذرت وزارة الصحة في القطاع من استمرار منع الاحتلال وصول إمدادات الوقود إلى المستشفيات لأنه يهدد بتوقف عملها خلال 3 أيام.

وذكر مستشفى العودة في مخيم النصيرات، أن 3 فلسطينيين استشهدوا وأصيب آخرون في قصف الاحتلال على مخيم البريج وسط القطاع، ما أفاد مصدر بالمستشفى المعمداني باستشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على حي التفاح شرقي مدينة غزة.

وارتكبت الاحتلال في الأسابيع الماضية مجازر عدة بحق منتظري المساعدات بغزة، مما أسفر عن استشهاد العشرات وإصابة المئات بجروح بعد وضعهم أمام خيار الموت جوعا أو بنيران الاحتلال.

"مصايد الموت"

وقد حذرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، في وقت سابق، من أن آلية توزيع المساعدات الأميركية في قطاع غزة، تمثل خطرا مباشرا على حياة عشرات الآلاف الذين يعانون من الجوع، في ظل الاستهداف المنهجي للمدنيين نقاط توزيع المساعدات.

وجاء في بيان أصدرته الشبكة، أن الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث استشهد العشرات برصاص الجيش الإسرائيلي قرب نقطة توزيع مساعدات تديرها مؤسسة "غزة الإنسانية" الأميركية، تعد دليلا على أن هذه المؤسسة "شريك للاحتلال في استهداف المدنيين وقتلهم".

واتهمت الشبكة آلية التوزيع المعتمدة بأنها "تصب في خدمة أجندة الاحتلال بتعميق الأزمة الإنسانية"، مشددة على ضرورة وقف العمل بهذه الآلية وتعزيز دور وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية.

كما دعت إلى فتح تحقيق دولي في ما وصفته بـ"الجرائم المتواصلة" عند نقاط التوزيع، ومحاسبة المسؤولين عنها، إلى جانب مطالبتها بفتح المعابر فورا وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها بطريقة تضمن سلامة المدنيين وكرامتهم.

إعلان

من جانبها، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أونروا) إن "الناس الجائعين في غزة يقتلون أثناء محاولتهم الحصول على الطعام لعائلاتهم"، مطالبة بالعودة إلى "نظام توزيع المساعدات الآمن والفعال واسع النطاق" الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، بما فيها أونروا.

كما اعتبرت حركة حماس، أن نقاط توزيع المساعدات تحولت إلى "مصايد موت جماعي تستخدم كسلاح للقتل والإذلال"، داعية إلى إنشاء آلية أممية آمنة ومستقلة لتوزيع المساعدات، ومطالبة الدول العربية والإسلامية باتخاذ مواقف حازمة لوقف "المجازر ورفع الحصار فورا".

وكانت منظمات إنسانية محلية ودولية قد عبرت مرارا عن قلقها من تدهور الوضعين الأمني والإنساني في غزة، في ظل أزمة غذائية حادة يعاني منها مئات الآلاف من الأهالي، الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

خطر توقف المستشفيات

وقد حذرت وزارة الصحة في غزة اليوم الأربعاء، من استمرار منع الجيش الإسرائيلي وصول إمدادات الوقود إلى المستشفيات لأنه يهدد بتوقف عملها خلال 3 أيام.

وقالت الوزارة -في بيان- إن الاحتلال يمنع المؤسسات الدولية والأممية من الوصول إلى أماكن تخزين الوقود المخصص للمستشفيات، بحجة أنها تقع في مناطق حمراء (عمليات عسكرية).

وأضافت وزارة الصحة، أن "إعاقة وصول إمدادات الوقود إلى المستشفيات يهدد بتوقفها عن العمل، حيث تعتمد على المولدات الكهربائية لتزويد الأقسام الحيوية بالطاقة".

من جهته قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين، إنّ الوقود في قطاع غزة ينفد مما يؤدي إلى انهيار شرايين الحياة الأساسية.

وأشار المكتب الأممي -في منشور عبر منصة إكس- إلى أنّ المستشفيات تغرق في الظلام والمياه توشك على النفاد وسيارات الإسعاف عاجزة عن الحركة.

وكانت وكالة أونروا أوضحت، أن النظام الصحي بغزة في وضع حرج و45 ‎%‎ من المستلزمات الأساسية للأدوية قد نفدت، وتوقعات بنفاد نحو ربع الكمية المتبقية خلال الأسابيع الـ6 المقبلة.

ومنذ بدء حرب الإبادة في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمد الجيش الإسرائيلي إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج معظمها عن الخدمة، ما عرض حياة المرضى والجرحى للخطر.

ويبلغ عدد المستشفيات العاملة في غزة 16 مستشفى تعمل جزئيا، منها 5 حكومية و11 خاصة، من أصل 38 مستشفى، وفق وزارة الصحة بغزة.

كما تعمل في القطاع 8 مستشفيات ميدانية تقدم خدمات طارئة على وقع الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين منذ أكثر من عام ونصف.

وخلفت حرب الإبادة أكثر من 185 ألف فلسطيني شهداء وجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، منهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.

مقالات مشابهة

  • عشرات الشهداء بغزة وتحذيرات من توقف عمل المستشفيات
  • رئيس الوزراء: تأمين احتياجات الطاقة للمصانع والمنازل
  • الاحتلال يعتقل 16 مواطنا من الخليل بينهم 9 أطفال ومسنا
  • عشرات الشهداء بينهم 11 من منتظري المساعدات بنيران الاحتلال في غزة
  • 5 شهداء ومصابون في قصف الاحتلال وسط وجنوب قطاع غزة
  • الأونروا تحذّر منع الوقود عن غزة يهدد بوقف كامل للعمليات الإنسانية
  • كله بسبب كلب.. إخلاء سبيل عامل محطة وقود المقطم
  • إنجاز ثقافي ومعرفي جديد.. تزويد مكتبة مصر العامة ببورسعيد بأحدث المكتبات المتنقلة
  • الأمم المتحدة: الجوع الشديد يهدد جنوب السودان ومالي بسبب الصراعات والتغير المناخي
  • بريطانيا تترقب ارتفاعًا في أسعار الوقود بسبب التصعيد الإسرائيلي ـ الإيراني