أصبح الاحتيال الإلكتروني أحد أخطر التحديات التي تواجه الأفراد والجهات الحكومية على حد سواء، حيث يلجأ المحتالون إلى أساليب مبتكرة للإيقاع بضحاياهم، مستخدمين منصات إلكترونية وتطبيقات مشبوهة تعد المستخدمين بأرباح خيالية لاستدراجهم وضخ أموالهم في مشاريع وهمية.

ومن أبرز القضايا الحديثة التي كشفت عن مدى خطورة هذه الجرائم، قضية منصة FBC، التي استغلت ثقة المواطنين لتحقيق مكاسب غير مشروعة، ما دفع السلطات إلى التدخل واتخاذ إجراءات صارمة ضد المتورطين.

تفاصيل القضية والتحقيقات الجارية

أمرت النيابة العامة بحبس 12 متهمًا مصري الجنسية، ومتهم صيني، ومتهمة يابانية، لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات في القضية التي تفجرت بعد تلقي ثلاثمائة وعشرة مواطنين بلاغات حول تعرضهم للاحتيال من قبل القائمين على إدارة المنصة والتطبيق الإلكتروني FBC. حيث كشفت التحقيقات أن هؤلاء المتهمين قاموا بتلقي وجمع أموال من المواطنين تحت ستار استثمارها في المنصة، قبل أن يتبين أن الأمر لا يعدو كونه عملية احتيال إلكتروني ممنهجة.

وتمكنت الجهات المختصة من تحديد هويات المتهمين، والوصول إلى بعض أرقام المحافظ الرقمية التي جرى تحويل الأموال إليها، ما أدى إلى صدور قرار بالتحفظ على أموال المتورطين في القضية. كما تم تكليف الجهات المختصة بضبط باقي المتهمين الهاربين، مع استمرار الفحص الفني للأجهزة المضبوطة، بما في ذلك الهواتف المحمولة، وأجهزة الحاسب الآلي المستخدمة في إدارة المنصة.

وكشفت التحقيقات عن ضبط مبالغ مالية تناهز المليون جنيه مصري، إلى جانب 1135 شريحة هاتف محمول معدة لتفعيل محافظ إلكترونية بغرض تلقي الأموال من الضحايا. كما تم العثور على مقاطع فيديو ترويجية استخدمت لجذب مزيد من المستثمرين، وتحديد هوية أربعة متهمين ظهروا في تلك المقاطع أثناء الترويج للمنصة.

أساليب الاحتيال في منصة FBC

اعتمد المحتالون على خداع الضحايا عبر إيهامهم بإمكانية تحقيق أرباح سريعة مقابل إيداع أموالهم في المنصة، التي بدت وكأنها مشروع استثماري ناجح. إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، حيث فوجئ المستخدمون بتجميد أرصدتهم التي بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 8.2 مليون جنيه مصري، قبل أن يتم غلق المنصة بالكامل. 

وعند مطالبة المستثمرين بأموالهم، تذرع القائمون على المنصة بأنها تعرضت لهجوم سيبراني أدى إلى توقفها، وهو ما نفاه الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بشكل قاطع، مؤكدًا أن المنصة لم تتعرض لأي هجوم إلكتروني كما زعم المتهمون.

الإجراءات القانونية والتعامل مع الجريمة

وتواصل نيابة الشئون الاقتصادية وغسل الأموال تحقيقاتها في القضية، حيث تعمل الجهات المعنية على تفريغ وتحليل المحتوى الرقمي، بالإضافة إلى تتبع مسار الأموال المحولة إلى المحافظ الرقمية المستخدمة في عملية الاحتيال. كما تم التحفظ على جميع الأصول المالية الخاصة بالمتهمين، لضمان إعادة الحقوق إلى الضحايا.

وتعكس قضية منصة FBC مدى خطورة الاحتيال الإلكتروني وضرورة التوعية بمخاطره. 

ووقع العديد من الضحايا في فخ وعود خادعة بالأرباح السريعة، ما يؤكد الحاجة إلى تعزيز الوعي الرقمي لدى المواطنين، وفرض رقابة صارمة على المنصات الإلكترونية غير المرخصة، كما تبرز القضية أهمية اتخاذ تدابير احترازية من قبل المستخدمين قبل الاستثمار في أي منصة إلكترونية، والتحقق من شرعيتها عبر الجهات الرسمية المختصة.

وأصبحت الجرائم الإلكترونية أكثر تعقيدًا وانتشارًا مع التطور الرقمي، ما يستدعي تكاتف الجهود الحكومية والمجتمعية لمواجهتها. فقضية منصة FBC ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة إذا لم يكن هناك وعي كافٍ بمخاطر الاستثمار غير الموثوق به عبر الإنترنت. ومن هنا، تبقى الرقابة المشددة، والتشريعات الرادعة، والتثقيف المستمر، هي الركائز الأساسية لحماية الأفراد من الوقوع ضحية لمثل هذه الجرائم الرقمية.

ومن أبرز القضايا التي كشفت حجم هذه الجرائم قضية المصرفي الأمريكي برنارد مادوف، الذي أدار واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ. استخدم مادوف ما يُعرف بطريقة "بونزي"، التي تعتمد على دفع عوائد المستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد، مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات قبل أن يتم الكشف عن المخطط والقبض عليه عام 2008.  

هذه القضية أثارت الجدل عالميًا حول أساليب الاحتيال المالي وسبل مكافحتها، وهو ما دفع العديد من الدول إلى سن تشريعات مشددة لحماية المستثمرين.

أخطر الجرائم الاقتصادية

ومن جانبه، من جانبه، قال الباحث الاقتصادي، الدكتور عمرو أحمد فؤاد، إن قضية المصرفي الأمريكي برنارد مادوف  تُعد من أبرز قضايا الاحتيال المالي في التاريخ الحديث، حيث تمكن من إدارة محفظة استثمارية وهمية بلغت قيمتها 65 مليار دولار، مستغلًا أسلوب احتيالي يُعرف باسم "بونزي". وقد تم القبض عليه في عام 2008، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة 150 عامًا، ليكون مثالًا واضحًا على خطورة هذه العمليات المالية غير المشروعة.  

وأضاف في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن تسمية هذا الأسلوب الاحتيالي ترجع إلى المحتال الأمريكي تشارلز بونزي، الذي نفذ واحدة من أشهر عمليات النصب المالي، والتي تقوم على استخدام أموال المستثمرين الجدد لسداد أرباح المستثمرين السابقين، مما يخلق وهمًا بالربح المستمر. ومع توقف تدفق الأموال الجديدة، ينهار هذا النظام الاحتيالي بالكامل. وفي العامية المصرية، يُطلق على هذه الطريقة مصطلح "تبادل القبعات" أو "تلبيس الطواقي".  

ولفت إلى أنه حرصًا على حماية المستثمرين وتنظيم عمليات تلقي الأموال، صدر القانون رقم 146 لسنة 1988، الذي يضع إطارًا قانونيًا للشركات العاملة في هذا المجال، ويحدد الضوابط التي تضمن عدم استغلال الأموال بطرق غير مشروعة. وتنص المادة 21 من القانون على أن كل من يخالف أحكامه أو يمتنع عن رد أموال المودعين، يُعاقب بالسجن وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز ضعف المبلغ المتحصل عليه، مع إلزامه برد الأموال المستحقة. كما يسمح القانون بإعفاء المتهم من العقوبة إذا بادر برد الأموال أثناء التحقيق أو قبل صدور حكم نهائي.  

وأشار فؤاد إلى أنه رغم هذه الضوابط، فإن جريمة النصب تظل قائمة وفقًا للمادة 336 من قانون العقوبات المصري، حيث يُعاقب بالحبس كل من استولى على أموال الغير بالاحتيال، سواء باستخدام مشاريع وهمية، أو مستندات مزورة، أو بالتصرف في ممتلكات ليست ملكًا له. كما يُعاقب من يشرع في النصب دون إتمامه بالحبس لمدة لا تتجاوز سنة، مع إمكانية وضع الجاني تحت المراقبة في حال تكرار الجريمة.  

وتابه: "مع التطور التكنولوجي وانتشار المعاملات الإلكترونية، شهدت الجرائم المالية تحولًا كبيرًا نحو الفضاء الرقمي، مما استدعى تطوير القوانين لمواجهتها. لذلك، أصدرت مصر القانون رقم 175 لسنة 2018 لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، حيث وضع هذا التشريع إطارًا قانونيًا لإنشاء المواقع الإلكترونية، ومنح السلطات المختصة صلاحيات واسعة لتتبع الجناة، حتى في حال تواجدهم خارج البلاد، مما يعزز جهود مكافحة الجرائم الإلكترونية والاحتيال المالي الحديث".  

واختتم "هذه القوانين والإجراءات تهدف إلى حماية الاقتصاد والمجتمع من الممارسات الاحتيالية، وتعزز الثقة في النظام المالي، مما يتطلب استمرار العمل على تحديث التشريعات بما يتناسب مع تطور الجريمة الاقتصادية وأساليبها الحديثة".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: جرائم الكترونية منصة FBC احتيال الكتروني احتيال رقمي المزيد منصة FBC

إقرأ أيضاً:

شركات التأمين تواجه الاحتيال بسلاح الذكاء الاصطناعي: حرب تقنية على المطالبات الزائفة

في ظل ارتفاع عمليات الاحتيال عبر الذكاء الاصطناعي، تستخدم شركات التأمين نفس التكنولوجيا لكشف المطالبات الزائفة وحماية استقرار القطاع. اعلان

في غضون السنوات الأخيرة، أصبحت عمليات الاحتيال في قطاع التأمين على السيارات أكثر تعقيدًا، مع ظهور أدوات جديدة تُستخدم لإنشاء مطالبات باطلة. لكن شركات التأمين تحاول مواجهة هذه الظاهرة باستخدام نفس التكنولوجيا التي يعتمدها بعض المحتالين: الذكاء الاصطناعي.

وتشير التقديرات إلى أن ما بين 2% و3% من إجمالي التعويضات التي تدفعها شركات التأمين في فرنسا سنويًا مرتبطة بحالات احتيال، وهي نسبة تتزايد بفعل تطور الأساليب المستخدمة. من بين هذه الأساليب الجديدة استخدام صور مولدة عبر الذكاء الاصطناعي، تظهر أضرارًا وهمية بتفاصيل دقيقة تكاد تكون واقعية تمامًا.

في هذا السياق، برزت شركة ويبروف (WeProov) كلاعب رئيسي في مكافحة هذه الظاهرة. الشركة، التي توفر حلولًا رقمية لفحص المركبات وإعداد تقارير المطالبات، تعتمد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور والكشف عن أي تناقضات أو مؤشرات احتيال.

Relatedبروكسل تقترح تبسيط إجراءات تسجيل السيارات حين الانتقال للإقامة في بلد أوروبيجودة وتكنولوجيا عصرية وسعر مناسب... ماهي أفضل 6 سيارات كهربائية في أوروبا؟بالفيديو: دمى جنسية متطورة قادرة على التفاعل بذكاء اصطناعي

من خلال منصتها ويبروف كلَم (WeProov Claim)، تمكّن الشركة أكثر من ألف عميل — من بينهم شركات تأمين ووكالات خدمات سيارات — من تحسين دقة الفحوصات وتقدير التكاليف المرتبطة بالمطالبات.

فرانسوا ريو، رئيس القسم المالي في شركة ليوكير (Leocare)، يقول: "الذكاء الاصطناعي متاح للجميع، لذلك ليس لدينا خيار سوى اتخاذ إجراءات لحمايتنا من هذا النوع من الاحتيال."

من جهته، أنطوان دا كونسياو ، صاحب ورشة تصليح سيارات، أكد أن التحدي الحقيقي يكمن في طريقة تقديم المعلومات. وأوضح: "في الوقت الحالي، تطلب شركات التأمين أحيانًا من العملاء إرسال صور للأضرار التي لحقت بسياراتهم — بل ولا يتعاملون معنا حتى. المشكلة هي أن الشخص قد يرسل صورًا للأضرار، لكنه يضيف أيضًا تفاصيل صغيرة ليست مرتبطة بالحادث نفسه."

ألكسندر ماير، المدير التنفيذي لشركة ويبروف، بيّن أن تركيز المنصة ينصب على تحليل صور الأضرار بدقة عالية. وقال: "التطبيق يشجع المستخدم على التقاط صور للأضرار من زوايا مختلفة تساعِد في التقييم، والأهم من ذلك، تقييم أفضل لتكاليف المطالبة."

وأضاف: "ما نراه هنا هو تناقض في الصورة — بعض الصور الملتقطة لا تتطابق مع الأضرار المبلغ عنها، وهناك أيضًا تناقضات في البيئة التي التُقطت فيها الصور."

وبينما تستمر الحرب بين المحتالين وشركات التأمين، يبدو واضحًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تكنولوجية، بل سلاح استراتيجي في حماية استقرار قطاع التأمين.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • اعتقال ملكة جمال بانكوك السابقة بتهمة الاحتيال
  • تفاصيل تدشين منصة تراخيص جديدة خلال أيام لتسهيل إجراءات المستثمرين
  • إطلاق منصة رقمية لتعزيز التعاون بين دول الجنوب
  • شركات التأمين تواجه الاحتيال بسلاح الذكاء الاصطناعي: حرب تقنية على المطالبات الزائفة
  • قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 2396 قضية متنوعة خلال 24 ساعة
  • الصناعات الغذائية .. رافد رئيسي لتحقيق الأمن الغذائي والتنوع الاقتصادي في سلطنة عمان
  • اشترى أراضى وعقارات.. تاجر عملة يغسل 100 مليون جنيه
  • 10 أطنان دقيق.. حملات مكثفة على المخابز المخالفة في المحافظات
  • بجاية: السجن لشخصين يحترفان ألعاب الحظ و القمار الإلكتروني بتسكريوت
  • ضبط 9 أطنان دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء