ما قصة الآثار الراقصة في المتحف المصري الكبير؟
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
مصر – يترقب المصريون افتتاحا ضخما للمتحف المصري الكبير الذي شيدته الدولة ليكون أكبر متحف في العالم يضم آثار حضارة واحدة، ومع اقتراب افتتاحه يتزايد الاهتمام بالمتحف وما يضمه من آثار.
وحددت الحكومة المصرية 3 يوليو القادم موعدا لافتتاح المتحف بعد سنوات من الانتظار حتى تتهيأ الأوضاع الإقليمية والدولية لافتتاح ضخم بحضور دولي واسع ورفيع المستوى، حيث تجهز القاهرة لافتتاح يمتد لعدة أيام، يسلط الضوء على الحضارة المصرية القديمة كما جرى في افتتاح متحف الحضارات الذي أقيم في ليلة واحدة.
ومع تزايد الاهتمام بالمتحف، بدأ مدونون على مواقع إكس في تداول فيديوهات من داخل المتحف تم معالجتها بالذكاء الاصطناعي، وتظهر في الآثار المصرية وهي تسير في المتحف وتتراقص على أنغام الموسيقى، وتظهر الجنود القدماء وكأنهم في مهمة قتالية.
وتحت عنوان “المتحف المصري في الليل” تداول مستخدمون فيديو تظهر فيه الآثار وكأنها تؤدي أدوارا في أفلام سينمائية مصرية مع تركيب أصوات المشاهد الحقيقية عليها.
ونشر مستخدم آخر فيديو مشابه وكتب عليه “الوضع في المتحف المصري الكبير خرج عن السيطرة”.
واكتمل تشييد مبنى المتحف الذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، خلال عام 2021، ومنذ ذلك الوقت، تتحين مصر الفرصة لافتتاح المتحف وإقامة حفل ضخم يروج للحضارة المصرية القديمة.
وتقول وزارة السياحة المصرية، إن قاعات العرض بالمتحف تعتبر الواحدة منها أكبر من العديد من المتاحف الحالية في مصر والعالم. مؤكدة أن المتحف يعد “أحد أهم وأعظم إنجازات مصر الحديثة”، فقد أُنشئ ليكون الوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري القديم كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
ويحتوي المتحف على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون والتي تعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مشيد الهرم الأكبر بالجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلا عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
ويوم الثلاثاء، قال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قرر تحديد يوم 3 يوليو القادم موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير.
وأكد أن فعاليات افتتاح المتحف ستمتد على مدار عدة أيام، وليست احتفالية في يوم واحد فقط، قائلا: “فعاليات هذا الحدث الكبير الذي ينتظره العالم بأسره تمتد على مدار عدة أيام”.
المصدر: RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: المصری الکبیر المتحف المصری
إقرأ أيضاً:
داكار-جيبوتي.. بعثة فرنسية سرقت كنوز أفريقيا الفنية
يقف مجسم "بولي" على أرجله الأربعة داخل خزانة بلورية في متحف "كي برانلي" بباريس، ليذكّر الزائرين بحقبة مظلمة حفلت بنقل الكثير من التحف والقطع من دول أفريقية إلى متاحف فرنسا الاستعمارية.
"بولي" هو تعويذة مقدسة لدى قبائل "البانبارا" و"المالينكي"، وقد تم جلبها من قرية ديابو في مالي عام 1931.
وتشير لوحة على واجهة الخزانة التي تحويه في المعرض إلى أنه قد صودر من القرية رغم اعتراض زعيمها، لذلك يشبّه رئيس المتحف إيمانويل كاسارهيرو عملية انتزاعه من محرابه بمثابة "تدنيس صريح".
وتعويذة البولي المجسمة لحيوان خارق في مخيال القبائل المالية، هي من بين آلاف القطع التي نجحت بعثة إثنوغرافية (تقوم بدراسة منهجية للثقافات الفردية) فرنسية في جلبها قبل نحو قرن تحت يافطة العمل البحثي، الذي شمل 14 دولة بأفريقيا جنوب الصحراء.
وهذا العام، يحاول معرض "كي برانلي-جاك شيراك" تسليط الضوء على تلك الرحلة عبر تقصٍّ مضاد حول "مهمة داكار-جيبوتي (1931-1933)" البحثية، من أجل فهم أوسع للسياق الذي رافق الرحلة والأهداف الحقيقية من وراء مهامها.
في عام 1931 سافرت أول بعثة إثنوغرافية فرنسية تتكون من 11 باحثا، بينهم علماء متخصصون في الموسيقى والطبيعة واللسانيات إلى أفريقيا، لتكوين أرشيف يخص مجتمعات كان يُعتقد أنها سائرة إلى الزوال تحت تأثير الحداثة.
طافت البعثة حتى عام 1933 بقيادة مارسيل غريول، عالم الإثنولوجيا المتخصص في "القارة السوداء"، 14 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء، من السنغال أقصى الغرب إلى جيبوتي أقصى الشرق. وكانت جميع هذه الدول آنذلك خاضعة للاستعمار الأوروبي باستثناء إثيوبيا.
وخلال عمليات البحث والتقصي، جمع علماء البعثة ما يقرب من 3600 قطعة أثرية، وأكثر من 6000 عينة حيوانية، و370 مخطوطة، و6000 صورة فوتوغرافية، ووثقوا أشرطة وثائقية بطول 3600 مترا، كما حرروا 15 ألف صفحة تعريفية.
وقد تم جمع القطع في "قاعة أفريقيا السوداء" التي افتتحت بعد ذلك بوقت قصير في متحف "تروكاديرو" للإثنوغرافيا، والذي حمل لاحقا اسم "متحف الإنسان".
واستعان معرض "كي برانلي" بحوالي 300 قطعة من المجموعات المعروضة في متحف الإنسان ضمن مشروعه للتحقيق المضاد حول حقائق بعثة داكار-جيبوتي.
إعلانوللتاريخ، حظيت البعثة بدعم من الحكم الاستعماري رغم الخروقات وأعمال السلب التي رافقت أبحاثها.
وتنقل صحيفة "لاكروا" الفرنسية في تغطيتها لمحتويات المعرض اعترافات سكرتير البعثة ميشيل ليريس، التي دونها في سجله الخاص بالرحلة، بشأن الأخطاء الفادحة التي ارتكبت على أيدي "البيض" تحت مسوغات التفوق العرقي والثقافي للمستعمر الغربي.
وفي الوقت الذي تجري فيه محاولات ومساعٍ دولية من أجل إعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة إلى المستعمرات السابقة، تسعى المؤسسة المنظمة للمعرض، الذي يستمر حتى شهر سبتمبر/أيلول، إلى تسليط الضوء على شروط وكيفية استعادة هذه القطع من قِبل الدول التي شملتها أعمال البعثة.
لهذا، يركّز المنظمون في عملهم، وفق ما نقلته الصحيفة الفرنسية، على التقصي عن ظروف اقتناء أو مصادرة العديد من الأقنعة واللوحات والأسلحة والأثاث، وغيرها من الشواهد التي أرسلها الباحث مارسيل غريول وفريقه في البعثة إلى فرنسا، بما في ذلك القطع التي تم سحبها بالعنف أو السرقة أو الابتزاز.
ومن خلال الدليل الخاص بمعرض "مهمة داكار-جيبوتي"، الصادر عن دار "ال فيسو"، وهو ثمرة بحث جماعي شارك فيه خبراء متخصصون من أفريقيا وأوروبا، يسعى المنظمون إلى إعادة تقديم تفسير معاصر لما حصل.
مع ذلك، يشير المنظمون إلى أن فكرة المعرض ومن ورائه التحقيق لا تنطوي على أي نوايا لنصب محاكم ضد علماء الإثنولوجيا في ذلك الوقت، بقدر ما يتعلق الأمر بتقديم حقائق دقيقة عن الرحلة التي سلكتها القطع المعروضة من أفريقيا إلى فرنسا.
وتوضح المنسقة العامة للمعرض غاييل بوجان أن أحد الشروط الرئيسية للتحقيق المضاد هو إماطة اللثام عن الفاعلين المنسيين وتغيير زاوية السرد، وإتاحة المجال للأجيال الجديدة في القرى التي زارتها البعثة، للتعبير عن وجهات نظرهم ونقل قصص أجدادهم. بالإضافة إلى ذلك، تشدد المنسقة على أهمية مشاركة خبراء من البلدان المستهدفة بالتحقيق، في مشروع المعرض الذي بدأ منذ عام 2021.
تشمل قائمة المشاركين في التحقيق خاصة المؤرخ الإثيوبي سيساي ساهيلي بييني، ومدير المتحف الوطني الكاميروني هيوغ هومين تشانا، ومدير المتحف الوطني المالي داودا كيتا، ومامي ماغات سين ثياو وإيمي كانتوسان عن "متحف الحضارات السوداء" في داكار إلى جانب مدير المجموعات العلمية لولاية ساكسونيا بألمانيا.
لم تقف تحقيقات الخبراء عند السرقة المفضوحة لتمثال "بولي" المصنوع من مادة ممزوجة بين الشمع والتراب والخشب والدم المتخثر، بل تتعداه إلى قائمة طويلة من القطع القيّمة.
وتتصدر لوحة السيد المسيح ومريم، التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر، القائمة الموسعة للقطع المثيرة. وقد تم شحن اللوحة من كنيسة "قها أيسوس" في إثيوبيا بعد أن تم تقطيعها إلى قطع. ويعتقد خبراء التحقيق أن تهريبها حصل دون موافقة رجال الدين الإثيوبيين في تلك الفترة.
إعلانوتكاد القصة نفسها تنطبق أيضا على قطع أخرى ذات رمزية ثقافية. فهناك سكين مهيب مرفق بنصل منحوت على شكل ثعبان جُلب من "مورا" في الكاميرون، وعرش ملكي مصنوع من الخشب يعود إلى منطقة "بورتو فونو" في بنين، حيث يشير ملصق إلى أن الحصول عليهما تم في "ظروف غير معروفة".
وفي شهادتها، تعترف المنسقة غايل بوجان في الدليل البحثي الخاص بالمعرض، بأن الوضع السياسي للدول التي عبرتها البعثة، باستثناء إثيوبيا المستقلة، أرسى علاقة غير متكافئة تقوم على الهيمنة والترهيب بين المستعمرين والمجتمعات المحلية.
وخلف هذه العلاقة، اكتشف الخبراء في التحقيق المضاد طريقة أخرى للحصول على المقتنيات والقطع الثمينة، وهي طريقة تبدو في ظاهرها تبرعات، لكنها ليست بالضرورة كذلك.
ينسحب هذا الأمر على درع خشبي مصنوع من جلد البقر من منطقة "فيانغا" في تشاد. ووفق الدليل البحثي، سلم ممثل السلطة الاستعمارية هذا الدرع إلى البعثة خلال زيارتها، وقد طرح الخبراء في التحقيق المضاد فرضية أن يكون جزءا من الغنائم المصادرة بعد حملة القمع الأمنية ضد الحركات المناهضة للاستعمار عام 1929.
وبغض النظر عن مدى صدقية هذه الفرضية، يعتقد الخبراء بأن النهج التشكيكي والنقدي الذي اتبعه المعرض من شأنه أن يعزز مستقبلا موجة المطالبات في الدول المستعمرة بإرثها الثقافي المهرب خارج البلاد، وهو ما يتوافق مع دعوات أطلقها المشرف المساعد في المتحف هيوغ هومين تشانا بضرورة إعادة جميع القطع المقدسة، التي لا تزال تلعب دورا فعالا في تلك المجتمعات والقبائل الأفريقية.
يريد العديد من الدول اقتفاء أثر "كوت ديفوار" التي نجحت في استعادة "الطبل المقدس"، أو ما يُطلَق عليه محليا باسم "دجي دجي إيوكوي"، وهو طبل بطول يفوق 3 أمتار ووزن يعادل 430 كيلوغراما، يُستخدم كأداة تواصل لدى قبيلة "تشامان" التي تُعَد أكبر الأقليات العرقية في البلاد.
علاوة على رمزيته الثقافية والفنية، يحسب لهذا الطبل الأسطوري دوره في المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، حيث استخدمه الإيفواريون لنقل إشارات سياسية وتحذيرية عبر التطبيل من قبيلة إلى أخرى على مسافة تعادل 30 كيلومترا، ما جعل تحركات قوات المستعمر مكشوفة للمقاومين، وساعدهم ذلك في الدفاع بفعالية عن قراهم أو التخفي من حملات التشغيل القسرية.
لكن في العام 1916 اكتشفت قوات المستعمر الفرنسي شيفرة "الدجي دجي إيكوي"، وتم ترحيل الطبل إلى فرنسا وسط احتجاجات ومقاومة شعبية، حيث ظل معروضا في متحف "كي برانلي" بباريس، قبل أن توقع فرنسا وكوت ديفوار في 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024 اتفاقية تقضي بإعادة القطعة الثمينة إلى مهدها، وعرضها بمتحف الحضارات في العاصمة أبيدجان.
وفي حين يدرس اليوم مجلس الشيوخ في كوت ديفوار تقديم مشروع قانون لإعادة إحياء تقليد "الدجي دجي إيكوي"، فإن السؤال الذي يطرح بموازاة هذه الخطوة هو أي دور سيضطلع به الطبل اليوم وما نوعية الرسائل التي سيطلقها؟
أيا يكن من أمر، يقول عالم الآثار الإيفواري فابريس لوبا إن عودة الطنبور هي عودة الأمل وهي فرصة مهمة ليتوحد جميع الإيفواريين من حوله من أجل إعادة بناء الأمة.