بعد الانتخابات الألمانية الأخيرة التي جرت في وقت سابق من فبراير/شباط الماضي، برز نجم فريدريش ميرتس الذي بات العالم يتعامل معه على أنه مستشار ألمانيا القادم، بحكم الفوز الكبير الذي حققه حزبه في الانتخابات. ووفقا للنتائج المعلنة، حصل تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU/CSU) الذي يتزعمه ميرتس على 28.5% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، في انتصار يعدُّ بمثابة "رد اعتبار" في مسيرة الرجل المعروف بخلافه الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي دفعته ذات يوم إلى الخروج من صفوف الحزب المسيحي المحافظ الأكبر في ألمانيا.

ولكن رغم فوزه الانتخابي، من المرجح أن يظل ميرتس مغلول اليدين نسبيا، فالأغلبية الضئيلة من الأصوات التي فاز بها، والتي تُعَد ثاني أسوأ نسبة فوز للمحافظين منذ الحرب العالمية الثانية، لا تُمكِّنه من تشكيل الحكومة منفردا، وسوف يتعين عليه خوض مفاوضات شاقة لتشكيل حكومة ائتلافية في غضون شهرين فقط، وسوف تكون طبيعة هذه الحكومة وتركيبتها حاسمة في تحديد البوصلة السياسية لميرتس وإدارته إلى حد بعيد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لأول مرة تنشئ ألمانيا قاعدة عسكرية خارج أرضها فماذا تريد أن تقول؟list 2 of 2نظرية "الملك المجنون" وسيناريو الحرب النووية العالمية القادمةend of list

وترجح الاحتمالات أن يسعى ميرتس وحزبه للتحالف مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي "الاشتراكي" (SPD)، الذي يتزعَّمه المستشار الحالي أولاف شولتز، والذي حصل على حوالي 16% من الأصوات، إضافة إلى حزب الخضر، الذي حصل على 11% من الأصوات، ولن تكون تلك مهمة سهلة بالنظر إلى أن قادة الحزب الديمقراطي الاجتماعي أشاروا إلى أن عدم رغبتهم في الانضمام إلى الحكومة الائتلافية، وهو ما يعني أنهم سيطلبون الكثير من التنازلات من ميرتس ذي التوجه المحافظ في بعض الملفات، مثل ملف المهاجرين، كي يوافقوا على الاشتراك في الحكومة.

إعلان

يجري ذلك كله وسط تغييرات لافتة في المشهد السياسي أفرزتها نتائج الانتخابات أهمها على الإطلاق الصعود الكبير لحزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD)، الذي يمثل أقصى اليمين المتطرف في البلاد، وتراقبه أجهزة الأمن الألمانية نظرا لصلاته بـ"النازيين الجدد" وأجندته التي تُوصَف عادة بالفاشية، وهو الحزب الذي حصل على المركز الثاني في الانتخابات بنسبة تاريخية بلغت 20.8%، وهي أفضل نتيجة حققها الحزب في تاريخه. ولكن من غير المحتمل أن يكون حزب البديل شريكا في الحكومة الائتلافية، إذ إن الموقف الراسخ في ألمانيا منذ تأسيس نظامها الديمقراطي بعد الحرب العالمية الثانية هو امتناع الأحزاب السائدة عن التعاون مع أحزاب أقصى اليمين، وقد أكَّد ميرتس أكثر من مرة رفضه التعاون مع حزب البديل.

إعلاميون يشاهدون مناظرة مباشرة بين المستشار الألماني أولاف شولتز ومنافسه فريدريش ميلتس (رويترز)

رغم ذلك، فإن ميرتس انتهك بالفعل تلك القاعدة الراسخة الشهر الماضي، حين دفع حزبه بقرار برلماني صارم بشأن الهجرة مُعتمدا على أصوات حزب البديل، وهو أمر أظهره بصورة الزعيم المحافظ أمام جمهوره المتشدد ضد الهجرة، وأظهر أيضا عزمه على التعامل بصرامة مع قضية المهاجرين مهما كلف الأمر. ولكنه من جهة أخرى، تسبَّب في توسيع الفجوة بينه وبين اليسار، الذي قد يحتاج ميرتس إليه لتشكيل حكومته هذه الأيام، إذ أعرب الحزب الديمقراطي الاجتماعي عن أن فك العزلة عن اليمين المتطرف، الذي مثَّل سابقة منذ الحرب العالمية الثانية، قوَّض ثقة الديمقراطيين الاجتماعيين في نوايا ميرتس.

من فريدريش ميرتس؟

وُلد فريدريش ميرتس عام 1955 في ولاية نورث راين-وستفاليا بألمانيا الغربية، ودرس القانون بجامعتَي بون وماربورغ ثم عمل قاضيا حتى منتصف الثمانينيات ثم محاميا لعدد من الشركات. وكان أبوه قاضيا وعضوا في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، بينما كان جده كاثوليكيا محافظا قبل أن يلتحق بصفوف النازيين بعد استيلائهم على السلطة عام 1933. ويبلغ فريدريش ميرتس اليوم 69 عاما؛ وهذا يعني أنه سيكون أكبر من يتقلد منصب المستشار الألماني منذ كونراد أديناور، أول مستشار لجمهورية ألمانيا (ألمانيا الغربية حينها)، الذي تولى المنصب وعمره 73 سنة عام 1949.

بعمره الكبير وطلته المهيبة النابعة جزئيا من قامته الفارعة، يُمثِّل ميرتس الهيئة التقليدية للزعيم المحافظ، ورغم انتمائه لعائلة عريقة ونافذة، لم يكن طريقه إلى السلطة سهلا، إذ واجهته عقبات ضخمة في مسيرته. وحين بدأ ميرتس انخراطه في الحياة العامة في ألمانيا في الثمانينيات، كان يتمتَّع بروابط وعلاقات قوية مع المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى التي عمل محاميا لها، ويبدو أن علاقاته بأثرياء المجتمع، فضلا عن كونه ابنا لأسرة ثرية، جعلته يميل بشدة نحو أفكار السوق الحرة والنيوليبرالية الاقتصادية، وكان حينها مُعجَبا بسياسات رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر بشكل خاص.

وبحلول العام 1989 الذي سقط فيه جدار برلين وبدأت عملية إعادة توحيد ألمانيا، كان ميرتس في الثلاثينيات من عمره، وكان قد خطا خطوة مهمة في مسيرته السياسية بتقلده عضوية البرلمان الأوروبي عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قبل أن ينال عضوية مجلس النواب الألماني (البوندِستاغ) عام 1993. وفي ذلك التوقيت، أطلق ميرتس العنان لأفكاره المحافظة حول تحرير الأسواق، وخفض الضرائب والإنفاق الحكومي، والحدِّ من البيروقراطية، كما صوَّت ضد قوانين الإجهاض. وتثير الكثير من مواقفه تلك الجدل اليوم، حتى إنها أبعدت عنه بعض من يوصفون بـ"المعتدلين" في الأوساط المسيحية المحافظة.

إعلان

في الوقت نفسه، كان نجم السياسية الصاعدة أنجيلا ميركل يسطع في سماء ألمانيا، لتجد في البداية أرضية مشتركة مع ميرتس تتمثل في إيمان كل منهما بالنيوليبرالية الاقتصادية وتحرير الأسواق، لكن مع قدوم الألفية الجديدة بدأت ميركل تبتعد عن النهج النيوليبرالي شيئا فشيئا وتتبنى نهجا أكثر "وسطية" ليس فيما يخص السياسات الاقتصادية وحدها، بل يتعدى ذلك إلى السياسات الاجتماعية أيضا.

ترامب يرمق ماكرون وميركل خلال الاحتفال بذكرى الحرب العالمية الأولى في باريس يوم 11 نوفمبر 2018 (أسوشيتد برس)

اشتد التنافس بين ميرتس وميركل مع بداية الألفية، وتوتَّرت العلاقة بينهما بشدة نتيجة دعم الرجل للنيوليبرالية والاتجاهات المحافظة اجتماعيا، وانحياز ميركل إلى اتجاه أكثر "توسطا". وبحلول عام 2002 تمكَّنت ميركل من تهميش ميرتس داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ مما ترك لديه مرارة بدأ ينسحب على إثرها من السياسة تدريجيا. وفي انتخابات عام 2009 لم يترشح ميرتس للبرلمان، وتفرَّغ لمهنته القديمة محاميا للشركات، التي جنى منها أرباحا ضخمة. وبين عامي 2016 و2020، أصبح ميرتس رئيسا لمجلس الإشراف على مجموعة بلاك روك في ألمانيا، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، لكن الغصة من ميركل ومن التيار "المعتدل" في حزبه القديم ظلت باقية داخله.

بحلول عام 2015 كانت مياه جديدة قد جرت في نهر السياسة الألمانية، فقد أخذ الجناح اليميني داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي يتَّسع نتيجة الغضب المتزايد من سياسات ميركل التي اعتبرها كثيرون بعيدة عن هوية الحزب المسيحي، مثل الترحيب بالمهاجرين وتقليص الاعتماد على الطاقة النووية. كما اعتقد الكثيرون من أعضاء التحالف الحاكم آنذاك أن سياسات ميركل وجناحها لن تؤدي في النهاية إلا إلى صعود اليمين المتطرف في البلاد، وأن المحافظين يجب أن يعيدوا الاعتبار للسياسات الاجتماعية والاقتصادية المحافظة حتى يحموا قواعدهم الاجتماعية من تمدُّد المزاج اليميني ويمنعوا صعود حزب البديل. ومن ثمَّ، انفتح الباب من جديد أمام ميرتس وأفكاره داخل الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حتى استطاع الرجل بعد حوالي 13 عاما من اعتزاله السياسة أن يعود زعيما للحزب.

إعلان

وجدير بنا ونحن نتحدث عن ميرتس وتوجهاته وتاريخه أن نشير إلى أنه مؤيد بشكل حدي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وأنه دعا مؤخرا رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى زيارة ألمانيا، فيما اعتبره البعض تحديا صريحا لأمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو على خلفية حرب الإبادة الجماعية التي شنها على الفلسطينيين في قطاع غزة. وقد صرَّح ميرتس سابقا بأن علاقة بلاده بإسرائيل، على عكس الولايات المتحدة في رأيه، غير مشروطة بسياسات مُعيّنة، حيث قال ذات مرة: مع إسرائيل، ليس هناك "لو" أو "لكن". وقد زار ميرتس إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كما صرَّح بأنه لن يسمح بمنح اللجوء للمزيد من الفلسطينيين لأن ألمانيا "مليئة بما يكفي بأعداء السامية".

ويوصف ميرتس عادة بأنه صاحب موقف صارم ضد الهجرة والمهاجرين، لا تخلو تصريحاته حولهم من العنصرية كما تشي مقولته أعلاه عن الفلسطينيين، فضلا عن تشبُّثه بالأفكار النيوليبرالية في الاقتصاد رغم التساؤلات التي تحيط بها بشكل متزايد منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. ويهاجم ميرتس اليسار والخضر بشراسة، وهو ما جعل بعض معارضيه يصفونه بأنه "ترامب الألماني"، مثل الأمين العام للحزب الديمقراطي الاجتماعي ماتياس ميرش، الذي قال في حديث لوكالة الأنباء الألمانية إن طريقة حديث ميرتس ليست طريقة رجل سيكون مستشارا للجميع في ألمانيا، وإنه يتحدث وكأنه نُسخة مُصغَّرة من الرئيس الأميركي، أو "ترامب الصغير" على حد وصفه.

هناك بعض التشابهات بالفعل في المواقف والأفكار بين دونالد ترامب وفريدريش ميرتس، وقد دفعت ترامب نفسه إلى إبداء التفاؤل بصعود ميرتس إلى السلطة، لكن الواقع أن ميرتس قد لا يكون هو "بطل ترامب" المنتظر كما يأمل، إذ إن "ترامب الصغير" في الحقيقة لا يحمل ما يكفي من الودية في تصريحاته وخططه اتجاه الولايات المتحدة.

إعلان ميرتس: أوروبا أولا!

بعكس الرئيس الأميركي "اليميني" دونالد ترامب، الذي بنى صعوده على مبدأ "أميركا أولا"، واعتمدت تحركاته في السياسة الخارجية على إقامة تفاهمات ودية مع روسيا، فإن المستشار الألماني القادم لم يبنِ حملته "اليمينية" على موقف مشابه. والسبب في ذلك هو الاختلاف الشاسع بين اليمين الألماني (خاصة اليمين المحافظ) ونظيره الأميركي، وخصوصية الوضع السياسي والأمني في ألمانيا التي تعاني على مستوى تجهيزاتها الدفاعية والعسكرية بعد أن اعتمدت طوال العقود الماضية على مظلة الأمن الأميركية وعلى وحدة حلف شمال الأطلسي.

الآن تجد برلين نفسها أمام حقيقة أن أميركا تعيد النظر في التزامها بحماية أوروبا، في الوقت الذي يتفاقم فيه الخطر القادم من الشرق ممثلا في روسيا التي ترى أنها تظهر ميولا توسعية غير مسبوقة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. ومن ثمَّ، لا تسمح ظروف ألمانيا بأن يرفع اليمين المحافظ شعار ألمانيا أولا، لأنها ليست قوية بما يكفي مثل واشنطن كي تحمي أمنها القومي وحدها. ولذلك، كان منطقيا أن يرفع اليمين المسيحي المحافظ الألماني (وليس اليمين المتطرف) شعار أوروبا أولا وليس ألمانيا أولا، فقدرة ألمانيا على حماية نفسها في السنوات القادمة تعتمد على قدرة أوروبا على تشكيل حماية جماعية لا تعتمد على الآخرين، وبخاصة الولايات المتحدة.

في الحقيقة، لقد عبَّر دبلوماسيون في أوروبا عن انزعاجهم كثيرا في الأشهر الماضية من حالة الأزمة التي تعيشها السياسة الألمانية وانهيار ائتلافها الحكومي، إذ وجدوا في وضع ألمانيا عقبة كبيرة أمام تحديد وِجهة السياسة الأوروبية بوضوح في تلك اللحظة الحرجة. وعادة ما تُسهّل سياسة ألمانيا، باعتبارها الدولة الأثقل وزنا في الاتحاد الأوروبي والاقتصاد الأكبر في الكتلة، تحديد البوصلة الأوروبية على مسرح السياسة العالمية. وبحسب تصريح لرفائيل لوس، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن ألمانيا نُظر إليها بعين ناقدة في أوروبا في عهد الائتلاف الثلاثي بقيادة شولتز، نتيجة انشغالها بسياستها وأزماتها الداخلية على حساب الملفات الأوروبية الهامة، ومن ثم يتطلع المسؤولون الأوروبيون الآن إلى قيادة ألمانية قوية وحاسمة تضطلع بدورها في قيادة أوروبا.

إعلان

لهذا السبب، انهالت المباركات الأوروبية على المحافظين الألمان بعد النتائج مقرونة بمطالبات تتعلق بالوحدة الأوروبية في وجه الأخطار المحيطة بالقارة. فقد وصف رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس النتائج بأنها "انتصار لألمانيا وأوروبا"، وعلَّق حزب الشعب الأوروبي المحافظ، الذي يضم أحزابا يمينية ومحافظة من شتى أنحاء أوروبا، بأنه واثق من أن ميرتس سيكون "القائد اللازم لألمانيا القوية في أوروبا القوية". وحتى زعيمة الاشتراكيين الديمقراطيين، مِته فردريكسن رئيسة وزراء الدانمارك، هنَّأت الفائزين وقالت إنه في أوقات عدم اليقين "نحتاج إلى أوروبا قوية وألمانيا قوية".

من جانبه، طالما ردد ميرتس دندنات خلال حملته الانتخابية حول شكاوى سمعها من زعماء العالم مفادها أن هناك تقصيرا واضحا من ألمانيا فيما يخص قيادتها داخل الاتحاد الأوروبي، وإنه يتفق تماما مع هؤلاء الذين يطالبون ألمانيا بأداء دور أكبر في قيادة أوروبا، وإنه على أتم الاستعداد للاضطلاع بهذا الدور حين يصبح مستشارا. ورغم أن جي دي فانس، نائب رئيس الولايات المتحدة، قد التقى ميرتس على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، وتجاهل المستشار الألماني شولتز، فإن ذلك لم يمنع ميرتس من أن ينتقد كلمة فانس في المؤتمر، التي أثارت الكثير من الجدل في أوروبا ووُصفت بأنها بداية قطيعة فارقة في العلاقات الأطلسية. وقد اتهم فانس أوروبا بصناعة مناخ استبدادي خالٍ من حرية الفكر والتعبير، واضطهاد اليمين الأوروبي، وعقَّب ميرتس قائلا إن فانس قد تجاوز الحدود.

من جهة أخرى، تعهَّد ميرتس بتسليم المزيد من الأسلحة لأوكرانيا في إطار التنسيق الأوروبي، وتعهَّد أيضا بدعم علاقات بلاده مع فرنسا وبولندا، التي تدهورت في نظره أثناء فترة حكم شولتز. وقد أعلن ميرتس بعد فوزه أن أولويته المطلقة ستكون تعزيز أوروبا خطوة بخطوة حتى يتحقق الاستقلال عن الولايات المتحدة، كما اقترح أن تتعاون ألمانيا مع فرنسا وبريطانيا لتشكيل مظلة نووية أوروبية تحمي القارة وتحل محل المظلة الأمنية الأميركية.

إعلان ترامب وألمانيا

قبل الانتخابات الألمانية مباشرة، بدا ترامب غير مكترث بما يجري في ألمانيا، ففي مؤتمر صحافي قبل الانتخابات بأيام سألته صحافية عن الانتخابات المرتقبة بصيغة يُفهم منها أن المقصود انتخابات ألمانيا، رد ترامب قائلا: أي انتخابات تقصدين؟ وحين قالت الصحافية "ألمانيا"، رد ترامب: أتمنى لهم التوفيق نحن لدينا مشاكلنا. وبعد فوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بدا أن ترامب لا يفرق بوضوح بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف، فكتب يحتفل بالنتائج على منصة "تروث سوشيال" التي يملكها قائلا إن النتائج كانت متوقعة وبشدة، وإن الشعب الألماني مثل نظيره الأميركي سأم الأجندة الليبرالية غير العقلانية التي سادت لسنوات على حد وصفه، وخاصة تلك المتعلقة بالهجرة والطاقة، واعتبر ترامب فوز المحافظين يوما عظيما لألمانيا وللولايات المتحدة.

لا يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تدرك "اليمين الألماني" على صورته الحقيقية بعد، فالواقع أن ميرتس قادم بخطة وأجندة معلنة قد لا تروق للرئيس الأميركي، والمفارقة هنا أنه في الوقت الذي كان يحتفل فيه ترامب بفوز ميرتس وتحالفه، كان ميرتس ينتقد الولايات المتحدة وقيادة ترامب بكلمات قوية. فبعد فوزه مباشرة دعا ميرتس إلى تقوية أوروبا بأسرع وقت حتى تستطيع الاستقلال عن الولايات المتحدة، وقال إن أوروبا تحتاج إلى جيشها الخاص، وإنه لم يكن يتخيل أن يقترح هذا الاقتراح أبدا، ولكن بعد الخطوات والتصريحات التي اتخذتها الإدارة الأميركية مؤخرا، ينبغي أن يفهم الأوروبيون أن أميركا، أو على الأقل الإدارة الأميركية الحالية والأميركيين الذين تمثلهم، لا يهتمون بمصير أوروبا.

أليس فيدل، زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أمام حشد من أنصار الحزب في هامبورغ (رويترز)

إن الاختلافات التي يمكن أن تظهر في الأفق بين دونالد ترامب والمستشار الألماني الجديد، الذي يجيد الإنجليزية وعاش زمنا طويلا في الولايات المتحدة، قد تكون كبيرة وأكثر مما تتخيله الإدارة الأميركية الجديدة. فميرتس، بعكس شولتز الذي كان يخشى استفزاز بوتين ولا يريد أن يكسر الخطوط الحمراء مع روسيا فيما يخص المساعدات المُقدَّمة لأوكرانيا، يبدو أكثر إصرارا على منح كييف مساعدات أكبر، كما أنه يدعو إلى ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، وهو أمر قال ترامب إنه غير عملي، بل ووصل الأمر بميرتس إلى انتقاد الملياردير إيلون ماسك، مستشار الرئيس الأميركي، بسبب تدخُّله في الشؤون الألمانية بدعمه اليمين المتطرف في ألمانيا وحزب البديل، وهو انتقاد لم يضعه ترامب بالحسبان حين احتفل بفوز ميرتس على الأرجح.

إعلان

لكن ينبغي الإشارة مجددا إلى أن ميرتس وصل إلى الحكم مكبلا بقيود ضخمة بسبب النصر الانتخابي الضعيف الذي حققه، ومن ثمَّ لا يمكن بسهولة توقُّع مسار فترته الأولى مستشارا لألمانيا، إذ إن الأمور تتعلق بنوع وشكل الائتلاف الذي سيُشكِّل حكومة ألمانيا القادمة، علما أن الكثير من الترجيحات تشير إلى أن الحكومة إذا فشلت في إرضاء الشعب الألماني، فإن الانتخابات التالية قد تفتح الباب أمام انتصار أكبر لليمين المتطرف في البلاد، وهو ما توقَّعه إيلون ماسك الداعم لحزب البديل، حيث قال إنه سيكون حزب الأغلبية في الانتخابات الألمانية القادمة. لذلك، لا نبالغ إذا قلنا قيادة ميرتس وما يتخذه من خطوات في السنوات المقبلة، ستكون مصيرية للاتحاد الديمقراطي المسيحي ولمستقبل السياسية الألمانية ولمصير القارة الأوروبية كلها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان أبعاد الاتحاد الدیمقراطی المسیحی الدیمقراطی الاجتماعی المستشار الألمانی الولایات المتحدة الیمین المتطرف الحرب العالمیة فی الانتخابات فریدریش میرتس داخل الاتحاد فی ألمانیا من الأصوات المتطرف فی حزب البدیل فی أوروبا الکثیر من د میرتس إلى أن التی ت ومن ثم

إقرأ أيضاً:

ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟

أثار التحول المفاجئ في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إنكار وجود مجاعة في قطاع غزة إلى اعتبارها فظيعة، جدلا واسعا حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التغيير الجذري في الخطاب الأميركي.

وعبر ترامب عن صدمته من الأوضاع التي يعيشها الأطفال وأمهاتهم في غزة، مؤكدا أن رؤيتهم وهم يتضورون جوعا أمر فظيع، في تصريح لافت ومناقض لتصريحاته السابقة عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.

وقال ترامب في تصريحات على الطائرة خلال رحلة عودته من إسكتلندا، إن الجميع يعتقد أن الوضع في غزة فظيع، إلا من كان قاسي القلب أو مجنونا.

وطرح هذا التبدل الذي حدث خلال يومين فقط، تساؤلات عميقة حول طبيعة السياسة الأميركية تجاه الأزمة الإنسانية المستمرة في القطاع منذ أشهر.

وفي محاولة لتفسير هذا التحول، قدم المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو تفسيرا يركز على الجانب الإنساني لشخصية ترامب، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي رغم صورته القاسية، يملك قلبا لينا عندما يتعلق الأمر بمعاناة الناس.

وأكد أن ترامب تلقى مجموعة من التقارير والبيانات التي تشهد على الوضع الصعب في المنطقة، مما دفعه لتغيير موقفه.

وتابع المحلل الأميركي تفسيره بالتركيز على البعد الإستراتيجي للموقف، حيث يرى أن التعاطف العالمي تحول تدريجيا من قضية الأسرى إلى مسألة توزيع المساعدات والمجاعة.

وحذر فرانكو من أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعمل على استغلال الوضع الإنساني لصالحها في المنطقة، وأن هناك عاطفة كبيرة في أوروبا وأميركا تجاه هذه القضية، مؤكدا أن الطريق الوحيد لحل هذه المعضلة هو إدخال المساعدات إلى غزة تحت مراقبة دولية صارمة.

هروب من فضيحة

وفي المقابل، رفض الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي هذا التفسير، مشددا على أن المسألة لا علاقة لها برقة القلب بل كانت هروبا من الفضيحة التي تعصف بإسرائيل والولايات المتحدة.

إعلان

وأكد البرغوثي أن أميركا لا تستطيع الآن التهرب من الاتهام بالمشاركة في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية، بما في ذلك تجويع الشعب الفلسطيني.

ولدعم موقفه، قدم البرغوثي تحليلا مفصلا لآليات القتل المتعددة في غزة، موضحا أن القتل يجري بوسائل عديدة تبدأ بالقصف المتواصل الذي يسفر يوميا عن 130 إلى 150 شهيدا جديدا و300 إلى 400 جريح، مشيرا إلى أن معظم الأسلحة المستخدمة تأتي من الولايات المتحدة.

وأضاف أن القتل يتم أيضا بالتجويع والأمراض عندما تمنع إسرائيل عن غزة المياه والكهرباء ومصادر الطاقة، وبالأوبئة من خلال منع إيصال مطاعيم الأطفال منذ 150 يوما.

وتؤكد البيانات الرسمية حجم الكارثة الإنسانية التي يصفها البرغوثي، حيث قال برنامج الأغذية العالمي إن الأرقام تؤكد أن غزة تواجه خطرا بسبب أزمة الجوع، وأن الوقت ينفد لإطلاق استجابة إنسانية شاملة.

وأضاف البرنامج في بيان له، أن واحدا من كل 3 أشخاص في غزة يقضي أياما دون طعام، و75% يواجهون مستويات طارئة من الجوع، مشيرا إلى أن نحو 25% من سكان القطاع يعانون ظروفا شبيهة بالمجاعة.

وانطلاقا من هذا الواقع، اتفق الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى مع التقييم القائل بأن إسرائيل تواجه أزمة في إدارة الموقف، لكنه ركز على الجانب الإستراتيجي للفشل الإسرائيلي.

وأوضح مصطفى أن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع أن تجوع السكان في قطاع غزة كأداة سياسية للضغط على حماس وتركيع الشعب الفلسطيني، معتبرا أن ما يحدث هو أكبر عملية تجويع ممنهجة ومنظمة في التاريخ الحديث.

تورط إسرائيل

ولفت مصطفى إلى كيف تورطت إسرائيل في هذه السياسة معتقدة أن العالم سوف يصمت وأن الدعم الأميركي يجيز لها التجويع بهذه الطريقة المنهجية.

وأشار إلى أن إسرائيل تعيش الآن في وهم، معتبرة أن كل مشكلتها مع غزة هي مشكلة دعائية وليست جوهرية، مما يعكس انحدارا أخلاقيا عميقا في التفكير الإسرائيلي.

وفيما يتعلق بملف المفاوضات المتعثرة، أكد البرغوثي أن المفاوضات متوقفة أصلا وأن الذي أوقفها هو الجانب الأميركي قبل إسرائيل.

وانتقد ما وصفه بالبيان المضلل وغير الصحيح الذي أصدره المسؤولون الأميركيون حول مسؤولية حماس عن تعطيل المفاوضات، مؤكدا أن الجانب الأميركي هو الذي أعلن انسحاب وفده وخرب عملية التفاوض.

ورفض البرغوثي الادعاءات حول استغلال حماس للمساعدات، مستشهدا بتصريحات رئيسة وكالة الغذاء العالمي التابعة للأمم المتحدة السيدة سيندي ماكين التي تدحض هذه الاتهامات.

وأوضح أن إلقاء المساعدات من الجو لا يحل أي مشكلة، بل يعقدها، مشيرا إلى أن آخر عملية إسقاط للمساعدات من الجو أدت إلى مقتل فلسطينيين عندما سقطت المساعدات على رؤوسهم.

من جهته، قدم البرغوثي اقتراحين عمليين لإنهاء الأزمة، وجههما للرئيس الأميركي مباشرة.

الاقتراح الأول هو إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بوقف جميع الأسلحة عن إسرائيل وعدم استخدام بطاريات الدفاع الأميركية لمساعدة إسرائيل في الدفاع الجوي.

إعلان

والاقتراح الثاني هو دعوة مجلس الأمن للاجتماع ودعم قرار بوقف الحرب على غزة دون استخدام الفيتو الأميركي، مؤكدا أن تنفيذ هذين الإجراءين سيدفع نتنياهو لوقف الحرب فورا.

مقالات مشابهة

  • أميركا وحلفاؤها ينددون بتزايد التهديدات من أجهزة المخابرات الإيرانية
  • صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
  • واشنطن بوست: التراجع عن دعم الديمقراطية يقوّض مكانة أميركا
  • أميركا تُحدد سقفا زمنيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • أميركا تعلن اتفاقات تجارية مع كوريا الجنوبية وباكستان وكمبوديا وتايلند
  • ما مصدر المعلومات الذي يثق به ترامب وبه غير موقفه من تجويع غزة؟
  • لولا يتعهّد بالدفاع عن "سيادة البرازيل" بمواجهة رسوم أميركا
  • ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟
  • تغيُر مواقف ترامب حول أوكرانيا يُثقل كاهل أوروبا
  • تململ وتحولات مفاجئة.. هل بدأ اليمين الأمريكي بمراجعة علاقته مع إسرائيل؟