عودة لتقرير واشنطون بوست الاستخباري .. التداعيات والمآرب
بالتزامن مع تقرير “البوست” حول شراء الجيش السوادني لمُسيّرات بيرقدار التركية، يتضح مع الوقت أنه جاء في سياق حملة ضغط وتضليل إعلامي من اللوبيهات الإماراتية في واشنطون على المُشرعين الأميركيين الذين قاموا بتجميد صفقة سلاح للإمارات لدعمها لمليشيا ارتكبت إبادة جماعية في السودان.


كما مثّل التقرير فرصة لمختلف المنصّات الإعلامية العربية والسودانية لاستخدامه واجتزائه للترويج لسردية تتماهى مع مشروع الاستتباع وهدم السيادة، بالإضافة لمحاولة تقرير “البوست” ومختلف أبواق أبوظبي للقول بأن الجيش ما كان ليُحرز التقدم العسكري المُبهر لولا سلاح المُسيّرات الاستراتيجية.
كما أوردنا من يومين، تقدّم اليوم النائبان الأميركيان غريغوري ميكس، وسارة جاكوبس، بمشروع قانون للكونغرس أبرز ما فيه: 1- منع تصدير السلاح الأميركي للدول التي تُسلّح “طرفي الصراع”، 2- العمل على نشر قوة عسكرية أجنبية في السودان “لحماية المدنيين”، 3- فرض عقوبات على الأطراف التي تنتهك حظر السلاح على السودان.
ذلك يُعتبر تخفيض من حدة خطاب النائبين ضد أبوظبي ودورها المباشر في دعم مليشيا إرهابية ترتكب إبادة جماعية، بل وساوى مشروع القانون بين المليشيا والجيش الوطني ذو الحق القانوني والدستوري في التسلُّح لحماية سيادة السودان، بل ونجحت “البوست” في تصوير الأمر وكأن الحرب بدأت يوم وصلت مُسيّرات “البيرقدار” الخرطوم، وأن العلاقات السودانية-التركية ليست علاقات بين “دولتين”، بل أن ما يحدث في السودان “حرب وكالة” يجب أن تنتهي بتفاوض “الدول التي تُرسل السلاح” لوقف الحرب، وليس بتفاوض بين السودان والإمارات كدولة معتدية، وذلك بالتركيز باكراً في المقال أن الشركات التركية تتعامل مع “طرفي النزاع”، وهي نقطة نفاها المقال في نهاية متنه، بل وتحدّث عن الردود المُهينة التي تلقاها القوني.
هل نجح مقال “البوست” والحملة التي خاضتها أبوظبي وجماعات ضغطها لتغيير النسخة الأولى من مشروع القانون؟ أعتقد أن الإجابة نعم، والخطوة التالية ستكون مزيد من الضغط في المناقشات المختلفة لجعل القانون –حال أُجيز- سلاح في معركتها السياسية والعسكرية لاستتباع وهدم سيادة الدولة السودانية.
مع الهدف الرئيسي، وهو استخدام التقرير كجزء من حملة الضغط الإعلامي والسياسي على المُشرّعين الديمقراطيين في الكونغرس، تلقّفت مختلف المنصات المُمولّة، أو المتبنيّة لسردية أذرع أبوظبي السياسية، وروّجت لسردية أن “تركيا تُطيل أمد الصراع”، وأن “طرفي الصراع يتلقيان مساعدات عسكرية خارجية إذاً فالأمر حرب وكالة”، وأن “الجيش وليس الحكومة” وعدت تركيا أو روسيا بمنحهم أراضي على ساحل البحر الأحمر مقابل التسليح.
بل ولم تقُم منصات مثل “Beam Reports” بالتجرُّؤ ونقل المحادثة بين القوني ومدير شركة “بياكار” -عن طريق وسيط- التي بكى فيها القوني عندما علم بالصفقة، ولم تقُم حتى هي أو غيرها، بالتحدث عن كيفية التزام القوني بتوفير “شهادة المستخدم النهائي” التي توفرها الحكومات فقط لضمان عدم وقوع الأسلحة في أيادي كيانات غير حكومية؟!، هذا كله بجانب عديد الفيديوهات والمقالات التي نُشرت بناءً على هذا “التقرير الاستخباري” المبني على “رسائل مُعترضة” ومحادثات خاصة لم يقرر أطرافها جعلها علنية للصحيفة. ورغم ذلك يأتي كل من هبّ ودبّ ليُحاضرنا صباح مساء “عن حرية الصحافة والإعلام”، وما يريدونه حقيقة “حرية الوصول لتهديد أمننا القومي”.
وكل هذه المنصّات، وغيرها، أغفلت جانباً رئيسياً، وهو أن السودان كأي دولة لها الحق القانوني والدستوري في الحصول على السلاح المتوافق مع استراتيجية حماية أمنها القومي وسيادتها الوطنية، وهو يشتري السلاح من حُرّ مواردها الوطنية للدفاع عن شعبه ومؤسساته وحدوده، بينما المليشيا تصلها الأسلحة والمرتزقة مجاناً “ديليفري” حتى حدود السودان الشمالية الغربية، والغربية، والجنوبية، بل وما ذهب مسؤول سوداني لشراء سلاح من بلد آخر إلا وزار بعده مباشرة أحد الجنجويد أو مُشغّليهم ليعرضوا على البلد أضعاف ما يعرض السودان، وهو أيضاً ما لم تنقُله أي من الترجمات “الصحفية” للعربية.
كذلك، حاول التقرير، ومعظم مستهلكيه، تصوير أن صمود الجيش وانتصاراته بدأت مع وصول “البيرقدار”، التي بحسب البوست وصلت السودان في أغسطس 2024، وهو تضليل وكذبٌ جديد. إن صمود الجيش السوداني الأسطوري -حقيقةً لا مجاز- في العام ونصف الأول لحرب الغزو، واستبساله في دفاعه عن وحداته ومقراته الحيوية في القيادة العامة والإشارة ووادي سيدنا والمهندسين والمدرعات والعيلفون وحطّاب والكدرو رغم الحصار الخانق والتفوق الرهيب في العدد والعتاد، بل مرّ عليهم وقت كانوا يأكلون البهائم التي تدخل حدود دفاعاتهم، والملاحم تكفي لنرويها لأجيال، هؤلاء لم يتسلحوا سوى بإيمانهم بوطنهم وشرف الجندية وواجب الدفاع.
ومِثلُ ذلك في فرق الجيش الرئيسية في نيالا وأب قبة فحل الديوم وبابنوسة وكادقلي وأبوجبيهة..الخ، وفاشر السلطان الصامدة حتى اليوم والغد، كُلهم لم يكُن لديهم لا بيرقدار ولا مسيرات، ولا في معارك تحرير وسط أمدرمان التي ابتدأت في نوفمبر 2023، وانتهت مرحلتها الأولى بالربط العظيم بين الوادي وتكساس في فبراير 2024، ولا تحرير الإذاعة، ولا معارك الدفاع عن الاحتياطي أمدرمان والخرطوم وقاعدة الشهيد النجومي، التي ما كان لدى الجيش وقتها مجرد أجهزة تشويش على مسيرات الجنجويد الإماراتية .. ومئات المعارك التي أظهر الجيش -ومُسانديه لاحقاً- إصرارهم واستبسالهم وفدائيتهم مدفوعين بإحساس سوداني صميم برفض الظلم، ودفع الغزو وتمسك بالأرض والتاريخ.
من المهم التذكير دوماً بمسار ما قبل الانتقال من مرحلة الدفاع والدفاع العدائي، للهجوم التعرُّضي، والهجوم على كامل مسرح عمليات السودان، وأن لا نسمح لمرتزقة أبوظبي من بني جلدتنا، أو العملاء من الخارج إعادة كتابة تاريخنا أمام أعيننا. هذه حقوق الشهداء علينا، وهذا أقل ما يمكن تقديمه، أمام ماكينة التضليل الضخمة التي توظفها أبوظبي ومن في فلكها.
عندما عاد الرئيس ترامب للبيت الأبيض، باشر في تفكيك ما يُسميه “مؤسسات نشر اللبرالية”، وأول ما بدأ به هو إلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، ومن المعلومات التي نُشرت أن الوكالة تقوم بتمويل نحو 6200 صحفي و700 مؤسسة إعلامية حول العالم لنشر السردية الأميركية، وترويج المصالح الأميركية باللغات المحلية لكل دولة ومنطقة، وهو الأمر الذي تعلّمت منه أبوظبي وغيرها وسعت لتقليده، ولكن مشكلتها أنها لا تمتلك أي أدوات قوى ناعمة، فلا خطاب لبرالية ولا حقوق ولا ديمقراطية، فقط هو القتل والاستباحة والإبادة، فهذا وعدها الشرير.
إن السودان يخوض حرب التحرير ليس دفاعاً عن شعبه وأرضه وسيادته فقط، وذلك ليس اختياراً، فإن ما حققه السودان والسودانيون في تحدي ومقاومة مشروع شيطان العرب، فشلت فيه دول عديدة، جميعها تنظر إلى السودان الآن، لتتعلّم وصفة كسر هذا المخطط الشرير الذي يعمل على هدم الدول وتفتيت وتفكيك المجتمعات، والعبث باستقرار وأمن مناطق واسعة، لا لهدف واضح سوى “أنهم يستطيعون”.
#ربيع_الدولة

Ahmad Shomokh

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

مقال بواشنطن بوست: غزة تتضور جوعا وأقصى اليمين الإسرائيلي يحلم

إنها لحظة انقسام حاد؛ في جانب، هناك الواقع اليومي الساحق لـ قطاع غزة، إذ بلغ حجم المجاعة الجماعية في هذه الأرض المحاصرة مستويات مأساوية، وفي الجانب الآخر، هناك رؤية سريالية يروّج لها سياسيو أقصى اليمين في إسرائيل.

بهذه العبارات استهل الكاتب بواشنطن بوست إيشان ثارور مقالا له، موردا أن أعضاء في الحكومة الإسرائيلية يتبنون رؤية مستوحاة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لغزة مليئة بالأبراج اللامعة، والسياحة الفاخرة، والأحياء النظيفة، ولكن من دون فلسطينيين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خبير أميركي: إيران لا تحتاج إلى إعادة بناء منشآتها المتضررة لإنتاج قنبلة نوويةlist 2 of 2تايمز: إسرائيل في خطر حقيقي من فقدان الدعم الدوليend of list

وكتب ثارور عن المجاعة في القطاع، قائلا إنها بلغت مستوى أن العاملين في المجال الطبي والإنساني المكلّفين بإغاثة المجوعين بالكاد يستطيعون الصمود بأنفسهم، ومنظمات الإغاثة إما فرغت مخازنها أو توشك على النفاد، بعد أكثر من 4 أشهر من الحصار، مضيفا أن الأمم المتحدة كشفت عن أن واحدا من كل 3 أشخاص في غزة يقضي عدة أيام من دون طعام.

واستمر الكاتب في عرض حالة التجويع الشامل في غزة، موضحا أن كل يوم يجلب معه صورا جديدة لأطفال هزلى وأُسر يائسة تبحث عما يسدّ الرمق وسط أنقاض غزة، ووفيات متزايدة من كل الأعمار.

رؤية سريالية

وفي الجانب الآخر، يقول ثارور، هناك الرؤية السريالية، ومنها ما طرحته وزيرة العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية، جيلا غمليئيل، التي نشرت هذا الأسبوع مقطع فيديو مُنتجا بتقنية الذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي يُصوّر كيف يمكن أن تبدو غزة ما بعد الحرب.

استحضر هذا الفيديو نسخة سابقة مشابهة نشرها ترامب على منصته "تروث سوشيال" في فبراير/شباط الماضي، ظهرت فيها شخصية شبيهة للملياردير الأميركي إيلون ماسك وهو يأكل الحمص من وعاء خبز، وتماثيل ذهبية لترامب، وأغنية بعنوان "غزة ترامب".

احتفى المقطع، الذي لا يتجاوز الدقيقة، باقتراح ترامب للمساعدة في إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى منطقة أبراج شاهقة، وسياحة مترفة، وأحياء سكنية جديدة نظيفة، واليخوت الفاخرة تخترق شواطئ القطاع على البحر المتوسط، ويبتسم سكان يهود فوق أطباق من الحمص، وسكان غزة الأصليين، أو معظمهم، لا يظهر لهم أثر.

إعلان

وأشارت الوزيرة الإسرائيلية إلى "ضرورة الهجرة الطوعية" لسكان غزة الفلسطينيين.

ترحيل

ولم تكن وحدها في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي دعت إلى هذا المصير. فمنذ الأيام الأولى التي تلت هجوم أكتوبر/تشرين الأول 2023، سعى عديد من الساسة الإسرائيليين ليس فقط إلى القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل صوّروا أكثر من مليوني فلسطيني في غزة كأنهم "سكان أعداء" ينبغي ترحيلهم.

وأوضح ثارور أن إفراغ غزة من سكانها برز مجددا يوم الثلاثاء خلال مؤتمر لأقصى اليمين في الكنيست، حيث وصف المشاركون غزة بأنها موقع مثالي لحل أزمة الإسكان في إسرائيل، كما كانت المستوطنات في الضفة الغربية، ودعوا إلى عودة المستوطنين اليهود إلى القطاع.

وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو أحد أبرز رموز أقصى اليمين في حكومة نتنياهو، خلال المؤتمر الذي حمل عنوان (ريفيرا غزة- من الحلم إلى الواقع): "سنحتل غزة ونجعلها جزءا لا يتجزأ من إسرائيل".

ريفيرا غزة

ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن بعض الخطط المطروحة تشمل إنشاء مدينتين منفصلتين داخل القطاع الضيق، إلى جانب منطقة سياحية تحتوي على فنادق شاطئية، ومناطق صناعية وزراعية جديدة. وأكد سموتريتش وجود خطط لـ"نقل سكان غزة إلى دول أخرى"، مشيرا إلى أن ترامب نفسه يدعم هذا التوجه.

ويوم الخميس، استمر تصعيد الخطاب، فقد أعلن وزير التراث الإسرائيلي أمنحاي إلياهو -وهو سياسي يميني متطرف كان قد اقترح في بداية الحرب استخدام قنبلة نووية ضد غزة- أن "غزة كلها ستكون يهودية".

وقال لإحدى المحطات الإذاعية: "الحكومة الإسرائيلية تُسابق الزمن لمحو غزة من الوجود"، واصفا الفلسطينيين بأنهم "نازيون مغسولو الأدمغة". وأضاف: "الحمد لله، نحن نمحو هذا الشر. نحن ندفع هذه الفئة السكانية التي تربت على كتاب كفاحي" في إشارة إلى كتاب أدولف هتلر.

وقال إلياهو في المقابلة نفسها: "لا توجد مجاعة في غزة"، واعتبر التقارير بشأن الجوع دعاية معادية لإسرائيل. وأضاف: "ليس علينا أن نقلق بشأن الجوع في غزة. فليقلق العالم بشأنه".

مقالات مشابهة

  • المكلا تشتعل غضباً.. متظاهرون يقتحمون مؤسسة الكهرباء
  • رئيس الجالية السودانية بمصر: نشكر أرض الكنانة على استضافتنا وتسهيل إجراءات عودتنا
  • واشنطن بوست: أهل غزة يتضورون جوعا فما أثر الجوع على جسم الإنسان؟
  • رفض قاطع.. وتوعد بإحباط المشروع.. الجيش السوداني يصف الحكومة الموازية بـ«المؤامرة»
  • واشنطن بوست: غزة تتضور جوعا وأقصى اليمين الإسرائيلي يحلم
  • دراسة: الجمهور يرغب في عناوين بسيطة ومباشرة على عكس الصحفيين
  • أحمد حسن يعلق علي حكاية ناشئ الكرة المنياوي ..شاهد
  • ورقة بحثية لـ"مركز الدراسات" تحلل التداعيات الإجتماعية لحرب الإبادة وتطرح رؤية للتعافي
  • مقال بواشنطن بوست: غزة تتضور جوعا وأقصى اليمين الإسرائيلي يحلم
  • شاهد بالفيديو.. بسبب القطوعات التي تشهدها مدينة بورتسودان.. شيبة ضرار يمنح مدير الكهرباء مهلة 12 ساعة ويهدد بإقتحام المكاتب بــ”الفرشات” و “البطاطين”