مخاوف متصاعدة.. شكوك متزايدة حول دعم الولايات المتحدة للترسانة النووية البريطانية
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يواجه اعتماد بريطانيا على الولايات المتحدة للحفاظ على رادعها النووى تدقيقًا متزايدًا، حيث يحذر الخبراء من أن مستقبل الترسانة النووية البريطانية قد يكون فى خطر إذا تراجعت الولايات المتحدة عن التزامها. أثار هذا الغموض مخاوف جديدة بشأن جدوى نظام ترايدنت فى المملكة المتحدة وتحديات تطوير استراتيجية دفاعية بديلة، خاصة مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا.
فى الأسابيع الأخيرة، اتخذ النقاش الطويل الأمد حول مستقبل الرادع النووى للمملكة المتحدة، وخاصةً نظام صواريخ ترايدنت المتقادم، منعطفًا دراماتيكيًا. يتساءل الخبراء الآن عن قدرة المملكة المتحدة على الاعتماد على الولايات المتحدة، خاصة وسط مخاوف من أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أو شخصية ذات ميول انعزالية مماثلة، قد تنسحب من حلف شمال الأطلسى. وقد أصبح هذا الوضع أكثر إلحاحًا بعد سلسلة من التجارب الصاروخية الفاشلة فى العام الماضى، مما أثار الشكوك حول فعالية وكفاءة برنامج ترايدنت الذى تبلغ تكلفته ٣ مليارات جنيه إسترلينى سنويًا.
وبينما سعت حكومة المملكة المتحدة إلى التقليل من شأن المخاوف، حذرت شخصيات دبلوماسية، بما فى ذلك السير ديفيد مانينج، السفير البريطانى السابق لدى الولايات المتحدة، من أن موثوقية التعاون النووى الأنجلو أمريكى قد لا تكون مضمونة فى السنوات القادمة. كما انضم وزير الخارجية البريطانى السابق السير مالكولم ريفكيند إلى الدعوة إلى التعاون الأوروبى، مؤكدًا على الحاجة إلى عمل بريطانيا وفرنسا معًا بشكل أوثق بشأن القضايا النووية لضمان أمن أوروبا فى حالة عدم إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كشريك.
عالم متغيرإن دعوة ريفكيند لتعزيز العلاقات بين بريطانيا وفرنسا فى التعاون النووى تسلط الضوء على المشهد الجيوسياسى المتغير. وحذر من أنه إذا تعثر دعم الولايات المتحدة للردع النووى للمملكة المتحدة، فقد تُترك أوروبا عُرضة للخطر. وقال ريفكيند، فى إشارة إلى الطبيعة غير المتوقعة للسياسة الخارجية الأمريكية فى ظل قادة مثل ترامب، إن مساهمة أمريكا يجب أن تكون الآن موضع شك إلى حد ما. وأضاف: "قد تكون أوروبا بلا دفاع بدون تعاون أوثق بين المملكة المتحدة وفرنسا".
وعلى الرغم من هذه المخاوف، أصر المتحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر على أن الردع النووى للمملكة المتحدة يظل "مستقلًا تمامًا من الناحية التشغيلية"، مقللًا من مخاطر حدوث صدع فى العلاقة النووية الأنجلو أمريكية. ومع ذلك، يزعم الخبراء أنه فى حين قد تتمتع بريطانيا من الناحية الفنية بالقدرة على إطلاق الأسلحة النووية بشكل مستقل، فإن الكثير من البنية التحتية الأساسية- حجرات الصواريخ على الغواصات، والصواريخ نفسها - تظل تعتمد على الولايات المتحدة. صرح هانز كريستنسن، الخبير من اتحاد العلماء الأمريكيين، "تحب بريطانيا أن تطلق على وضعها النووى استقلالية، لكنها ليست كذلك على الإطلاق".
مسار معقد
إن احتمال تطوير المملكة المتحدة لردع نووى مستقل عن الولايات المتحدة يمثل تحديًا هائلًا. حذرت الدكتورة ماريون ميسمر، الزميلة البحثية البارزة فى تشاتام هاوس، من أن استبدال أو تكييف ترايدنت سيكون "معقدًا للغاية" ومكلفًا. واقترحت أن تفكر بريطانيا فى بدائل، مثل تطوير القدرة على إطلاق الأسلحة النووية عن طريق الجو بدلًا من البحر. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب استثمارًا كبيرًا فى تصميمات الرءوس الحربية الجديدة، فضلًا عن تطوير أنظمة توصيل جديدة، مما قد يجعل الانتقال عملية طويلة ومكلفة.
قد يكون التعاون مع فرنسا خيارًا قابلًا للتطبيق بالنسبة للمملكة المتحدة، نظرًا للمصلحة المشتركة للبلدين فى الأمن النووى. يمكن تكييف ترسانة فرنسا النووية ومركبات التوصيل، على غرار ترايدنت، للاستخدام من قبل المملكة المتحدة. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب من الحكومة الفرنسية مشاركة التصاميم الحساسة، وهو التحدى الذى قد يعقده المخاوف السياسية والأمنية.
إن التداعيات الاقتصادية والسياسية المترتبة على الاستراتيجية النووية الأوروبية تبرز أيضًا كقضية رئيسة. ففى حين قد تعمل المملكة المتحدة وفرنسا على تعزيز تعاونهما النووى، فقد تحتاج دول أوروبية أخرى، مثل ألمانيا، إلى المساهمة ماليًا أيضًا. وقد اقترح المستشار الألمانى المستقبلى فريدريش ميرز أن ألمانيا قد تلعب دورًا فى تمويل البرامج النووية الفرنسية والبريطانية، الأمر الذى قد يمهد الطريق أمام دفاع نووى أوروبى أكثر تعاونًا.
أعرب كالفين بيلى، عضو البرلمان عن حزب العمال وعضو لجنة الدفاع فى المملكة المتحدة، عن تشككه فى أن تتخلى الولايات المتحدة تمامًا عن علاقتها بالمملكة المتحدة، مشيرًا إلى العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا من خلال تحالف أوكوس. ومع ذلك، أقر بيلى أيضًا بأن أوروبا يجب أن تبدأ فى تحمل مسئولية أكبر عن أمنها، وخاصة فى ضوء التوترات المتزايدة مع روسيا وبيئة الأمن العالمية المتطورة.
مستقبل غير مؤكد
مع تحول المشهد الجيوسياسى، تواجه المملكة المتحدة قرارات مهمة بشأن مستقبل رادعها النووى. فى حين كان التعاون مع الولايات المتحدة حجر الزاوية فى استراتيجية الدفاع فى المملكة المتحدة لفترة طويلة، يحذر الخبراء الآن من أن اعتماد بريطانيا على الولايات المتحدة قد يكون عبئًا إذا تضاءل الدعم الأمريكى. قد يوفر تعزيز العلاقات مع فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية مسارًا للمضى قدمًا، لكن لا يمكن التقليل من تكاليف وتعقيدات مثل هذا المسعى.
يتعين على الحكومة البريطانية أن تزن العواقب البعيدة المدى المترتبة على حدوث صدع محتمل فى علاقتها النووية مع الولايات المتحدة، وأن تبدأ فى الاستعداد لاحتمال تبنى استراتيجية نووية أوروبية أكثر استقلالية وتعاونًا. وفى السنوات المقبلة، سوف يتم اختبار قدرة المملكة المتحدة وأوروبا على تأمين أمنهما النووى، ومن المرجح أن تشكل النتيجة مستقبل السياسة الدفاعية الأوروبية لعقود قادمة.
*الجارديان
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: بريطانيا الولايات المتحدة عالم متغير مخاوف متصاعدة على الولایات المتحدة للمملکة المتحدة المملکة المتحدة ومع ذلک
إقرأ أيضاً:
لماذا تراجع سفر الكنديين إلى الولايات المتحدة هذا العام؟
ألبرتا- في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت الأجواء بين كندا والولايات المتحدة تعج بالرحلات الجوية للسياح، لقضاء إجازة فصل الصيف، لكن ولأول مرة منذ عقود عدة، تشهد هذه المسارات تراجعًا غير مسبوق، بعدما شكلت هذه الرحلات شريان حياة اقتصادي وسياحي بين الجارتين.
بدأت التوترات السياسية بين كندا والولايات المتحدة في فبراير/شباط من هذا العام، عندما صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضم كندا إلى الولايات الأميركية، ثم عندما فرضت إدارته رسومًا جمركية على السلع الكندية مدعيةً مخاوف أمنية على الحدود.
وردّت كندا بإجراءات مماثلة بفرض رسوم على المنتجات الأميركية، ما أثار حالة من الغضب والاستياء الشعبي، وأطلقت حملات مقاطعة واسعة ضد السلع الأميركية والسفر إلى الولايات المتحدة.
حجوزات متراجعة نحو أميركاووفقًا لتقرير صادر هذا الشهر عن منظمة بيانات وتحليلات الطيران، فإن شركات الطيران، مثل "طيران كندا"، و"ويست جيت"، و"يونايتد إيرلاينز" قلصت رحلاتها إلى وجهات أميركية رئيسية مثل لوس أنجلوس وشيكاغو وأورلاندو، مع إعادة توجيه تركيزها نحو وجهات محلية ودولية تعتبر أكثر ربحية.
وأشار التقرير إلى بيانات وإحصاءات لافتة، أبرزها:
إلغاء أكثر من 320 ألف مقعد على الرحلات بين البلدين حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، وذلك استنادًا إلى مقارنة البيانات بين الفترة من 3 إلى 24 مارس/آذار 2025. شهرا يوليو/تموز وأغسطس/آب 2025، وهما ذروة موسم السفر الصيفي، شهدا أكبر انخفاض في السعة بنسبة 3.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. رغم الاستقرار العام في سعة الرحلات خلال الصيف، إلا أن التحديثات الأسبوعية الأخيرة أظهرت اتجاهًا تنازليًا واضحًا في عدد المقاعد المتاحة. كما انخفضت حجوزات الركاب على الخطوط الجوية بين كندا والولايات المتحدة بنسبة 70% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، في مؤشر واضح على التراجع الكبير في الطلب على السفر عبر الحدود. إعلانوقالت إيمي بوتشر، نائبة رئيس الشؤون العامة في جمعية صناعة السياحة الكندية، إن الكنديين اختاروا تجنب زيارة الولايات المتحدة هذا الصيف.
وأضافت أن السفر جوًا تراجع بنسبة 22.1% في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالعام السابق، بحسب بيانات هيئة الإحصاء الكندية، كما انخفضت رحلات العودة الكندية بالسيارة بنسبة 33.1%.
وأشارت بوتشر، في بيان نقلته شبكة "سي بي سي" الكندية، إلى أن السياحة تُعد واحدة من أقوى المحركات الاقتصادية في كندا، حيث بلغت عائداتها 130 مليار دولار كندي ( نحو 95 مليا دولار) في عام 2024، منها 75% من السفر المحلي.
كما أكدت هيئة الإحصاء، أن الإنفاق السياحي في كندا من المقيمين ارتفع بنسبة 0.8% في الربع الأول من عام 2025، مدفوعًا بشكل أساسي بالإنفاق على الإقامة.
حملات مقاطعة الكنديين السفر نحو أميركاويعزو الخبراء الانخفاض الحاد في الطلب إلى مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية.
ويقول الدكتور زياد الغزالي، الخبير الاقتصادي من مقاطعة أونتاريو، إن تصريحات ضم كندا كولاية أميركية، أثارت موجة من السخط الوطني، وقد انعكست هذه الموجة في حملات مقاطعة السفر إلى الولايات المتحدة، خاصة بعد الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب، ولغة التهديد والوعيد التي استخدمها في تصريحاته تجاه أوتاوا.
ويضيف الغزالي، في حديث للجزيرة نت، أن تراجع قيمة الدولار الكندي بنسبة 6% هذا العام، إلى جانب زيادة أسعار تذاكر السفر، وارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، جعل السفر إلى الولايات المتحدة أكثر تكلفة على المواطن الكندي.
ويستطرد: "إلى جانب تباطؤ سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة إلى 7% في مايو/أيار الماضي، وهي الأعلى منذ عام 2016 باستثناء فترة جائحة كورونا، فقد ساهم هذا التدهور في تقليص ثقة المستهلك الكندي وقدرته على الإنفاق على السفر".
إعادة جدولة الرحلات وتغيير الوجهات بعيدا عن أميركاوانعكس هذا التراجع الكبير في سفر الكنديين إلى الولايات المتحدة مباشرة على شركات الطيران الكندية، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بتعديل جداول رحلاتها الصيفية، وتقليص سعة الرحلات المتجهة جنوبًا، وإضافة المزيد من المقاعد والوجهات الجديدة، مع التركيز على "أسواق القوة" في أوروبا والوجهات السياحية المشمسة.
فشركة "ويست جيت" الكندية، ثاني أكبر ناقل بعد "الخطوط الكندية"، أعلنت أنها قلّصت عددًا من رحلاتها بين كندا والولايات المتحدة، كما ألغت تسعة مسارات جوية في مايو/أيار الماضي، استجابة للانخفاض الكبير في الطلب.
وعللت هذه التعديلات بالتوترات الجيوسياسية القائمة بين البلدين، وتزايد الإقبال على تجارب السياحة الداخلية.
أما شركة "الخطوط الكندية"، فقد أعلنت في وقت سابق عن انخفاض بنسبة 10% في الحجوزات المتجهة نحو الولايات المتحدة، ابتداء من منتصف مارس/آذار الماضي وحتى الأشهر الستة المقبلة.
وإثر ذلك، بدأت الشركة بخفض الطاقة الاستيعابية، وإعادة تركيز عملياتها نحو وجهات في أميركا اللاتينية وأوروبا، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
ويقول مشغل السياحة في مقاطعة أونتاريو، فؤاد علي، إن الرحلات الجوية والبرية والبحرية نحو الولايات المتحدة انخفضت عموما بنسبة 38%، مرجعًا هذا التراجع إلى التوترات السياسية والتجارية، والرسوم الجمركية المفروضة على كندا.
إعلانوأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المواطنين الكنديين، سواء كانوا عربًا أم أجانب، يتوجهون بشكل كبير في رحلاتهم الداخلية إلى غرب كندا، خاصة إلى مدينة فانكوفر.
وفي السياق ذاته، قررت المواطنة شيرل راتزلاف من مقاطعة ألبرتا تغيير وِجهة سفرها هذا العام إلى تركيا بدلًا من الولايات المتحدة.
وقالت لـ"الجزيرة نت": "إن تغيير وِجهة السفر يعود للتوترات السياسية والرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي على بلادنا، والتصريحات التي تدعو إلى ضم كندا كولاية أميركية، لذلك قررت قضاء إجازتي أنا وزوجي في مدينة إسطنبول التركية".
وتجولت "الجزيرة نت" منتصف الأسبوع في صالات المغادرة والوصول في مطار كالغاري الدولي، بمقاطعة ألبرتا، حيث لوحظ نشاط لافت في صالات وصول الرحلات الداخلية القادمة من المقاطعات الأخرى، في المقابل، بدت صالات المغادرة المخصصة للرحلات الدولية، لا سيما المتجهة إلى الولايات المتحدة، في حالة من الركود والانخفاض الواضح في الحركة، مما يعكس صورة ميدانية لما يعيشه قطاع السفر الكندي من تغيرات جذرية هذا الصيف.