اليوم التالي للحرب في السودان: التحديات والاستحقاقات

محمد تورشين *

ظلت قضية “اليوم التالي للحرب” واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في المشهد السياسي السوداني، حيث شغلت تفكير القوى السياسية في ظل التطورات الميدانية المتسارعة. ومع استمرار تقدم الجيش السوداني واستعادته لمناطق استراتيجية، أصبح التساؤل حول مآلات الأوضاع بعد انتهاء العمليات العسكرية أكثر إلحاحًا.

التقدم العسكري وتأثيره على المشهد السياسي

شهدت الفترة الأخيرة تحولات ميدانية مهمة، حيث سيطر الجيش السوداني على معظم الجسور في ولاية الخرطوم، واستعاد مناطق حيوية مثل جبل موية وسنجة، إلى جانب القرى الواقعة في ولاية سنار. كما شكّلت استعادة مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة نقطة تحول جوهرية في مسار الحرب، ما عزز موقف القوات المسلحة ومهّد الطريق لاستعادة مزيد من المناطق.

ورغم استمرار العمليات العسكرية في بعض المناطق داخل الخرطوم ومحيطها، فإن طبيعة التضاريس في دارفور وكردفان تجعل من السهل – نسبيًا – إحكام السيطرة على باقي المساحات، بما في ذلك جبال النوبة وجبل مرة. هذا التقدم العسكري يُنظر إليه باعتباره ردًا مباشرًا على “الميثاق التأسيسي” الذي أعلنته قوات الدعم السريع وحلفاؤها، وعلى المحاولات السياسية لإنشاء “حكومة موازية”، التي قوبلت بالرفض من قبل مجلس السلم والأمن الأفريقي وعدد من الدول الإقليمية والدولية.

الأولويات بعد الحرب: أسس بناء الدولة

في ظل هذه التطورات، تبرز عدة قضايا رئيسية ينبغي معالجتها فور انتهاء الحرب، لضمان استقرار البلاد ومنع تكرار النزاعات. ومن أبرز هذه القضايا:

الحوار السوداني – السوداني:

ينبغي إطلاق حوار وطني شامل لمناقشة قضايا الحكم والسلطة، وتحديد شكل الدولة ونظامها السياسي، إلى جانب العلاقة بين الدين والدولة. هذه القضايا الخلافية تحتاج إلى توافق سياسي واسع، لضمان عدم تحوّلها إلى نقاط صراع جديدة.

توحيد الجيش وإصلاح المؤسسة العسكرية:

يُعد توحيد القوات المسلحة تحت قيادة وطنية واحدة من الأولويات القصوى، مع تنفيذ إصلاحات جذرية داخل المؤسسة العسكرية، تشمل الأجهزة الأمنية ومؤسسات الخدمة المدنية. فمن دون جيش وطني موحّد، سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار السياسي في السودان.

إجراء الانتخابات:

ينبغي أن تُجرى الانتخابات على مراحل، تبدأ بانتخاب جمعية تأسيسية تُكلَّف بإجازة الدستور الانتقالي وتعديل القوانين الأساسية، قبل الانتقال إلى الانتخابات الرئاسية والفيدرالية. ويُفضَّل أن تكون مدة الجمعية التأسيسية أربع سنوات، بحيث يُخصص العام الأول منها لوضع القوانين وإقرار الدستور، ثم تُجرى الانتخابات الرئاسية في العام الثاني، لضمان توازن السلطات وخلق شرعية سياسية مستقرة.

نحو مستقبل أكثر استقرارًا

إن تجاوز الأزمة السودانية يتطلب معالجة هذه القضايا بطريقة شاملة ومتوازنة، بعيدًا عن المصالح الضيقة والمكاسب السياسية قصيرة المدى. ولا يمكن لأي طرف أن ينفرد بتحديد مسار المستقبل، بل ينبغي أن يكون الحوار الوطني شاملًا، لضمان تمثيل كافة القوى السياسية والمجتمعية.

في النهاية، يبقى نجاح اليوم التالي للحرب مرهونًا بمدى قدرة السودانيين على التوافق حول أسس بناء الدولة، بعيدًا عن المغامرات السياسية والحلول الجزئية التي قد تعيد إنتاج الأزمة بشكل جديد.

* باحث وكاتب سوداني متخصص في الشؤون المحلية والقضايا الأفريقية.

الوسومأفريقيا الجزيرة الحرب الخرطوم السودان القوات المسلحة جبال النوبة جبل مرة دارفور سنار سنجة قوات الدعم السريع محمد تورشين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أفريقيا الجزيرة الحرب الخرطوم السودان القوات المسلحة جبال النوبة جبل مرة دارفور سنار سنجة قوات الدعم السريع الیوم التالی للحرب

إقرأ أيضاً:

هيئة البث الإسرائيلية: محادثات اليوم التالي في غزة لم تبدأ بعد

ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، اليوم الخميس، نقلاً عن مصادر مطلعة على المفاوضات، أن محادثات “اليوم التالي في غزة” لم تبدأ بعد، رغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس برعاية مصر والولايات المتحدة وقطر، والذي يمثل المرحلة الأولى من خطة السلام التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وأوضحت المصادر أن التركيز الحالي ينصب على تنفيذ بنود المرحلة الأولى من الاتفاق، والتي تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار، والإفراج المتبادل عن الأسرى، وفتح الممرات الإنسانية لتدفق المساعدات إلى القطاع، مؤكدة أن النقاشات حول الترتيبات السياسية والإدارية لما بعد الحرب لا تزال مؤجلة إلى حين تثبيت الهدنة وضمان التزام الأطراف بها.

وأشارت هيئة البث إلى أن هناك خلافات داخلية في الحكومة الإسرائيلية بشأن طبيعة المرحلة التالية، إذ يدفع بعض الوزراء باتجاه فرض إدارة أمنية إسرائيلية مؤقتة في غزة، بينما يرى آخرون أن تولي إدارة مدنية فلسطينية، بإشراف عربي ودولي، سيكون أكثر استقراراً وأقل تكلفة لإسرائيل.

من جانبها، تؤكد القاهرة والدوحة وواشنطن أن العمل جارٍ لتشكيل آلية دولية مشتركة تشرف على تنفيذ الاتفاق، وتضمن منع عودة التصعيد العسكري، تمهيداً لبدء مباحثات المرحلة الثانية المتعلقة بإعادة الإعمار وترتيبات الحكم المدني في القطاع.

ويأتي هذا التطور في وقت تسود فيه حالة من الترقب في الأوساط السياسية الإسرائيلية والفلسطينية، مع دعوات متزايدة من الأطراف الدولية إلى الانتقال السريع نحو “اليوم التالي للحرب” لضمان عدم انهيار الهدنة ووقف دوامة العنف المستمرة منذ أكثر من عام.

طباعة شارك غزة شرم الشيخ حماس

مقالات مشابهة

  • باريس تستضيف اجتماعًا حول «اليوم التالي» في قطاع غزة
  • هيئة البث الإسرائيلية: محادثات اليوم التالي في غزة لم تبدأ بعد
  • غدا.. باريس تحتضن اجتماع اليوم التالي في غزة
  • اجتماع وزاري في باريس لمناقشة "اليوم التالي" في غزة
  • الدبيبة يتابع مع رئيس الأركان مستجدات الأوضاع العسكرية وانضباط الوحدات
  • مهلة الطعون انتهت.. الاتحاد الأوروبي يُفعّل عقوبات ضد قائد عسكري مساند للجيش السوداني
  • وزير الزراعة السوداني للجزيرة نت: خسائر الزراعة جراء الحرب 100 مليار دولار
  • خوري تناقش تعزيز المشاركة السياسية خلال اجتماعها مع قيادات مؤتمر الشباب الليبي
  • الانتخابات العراقية.. توازن السوداني يمنحه مباركة أميركية لـولاية ثانية
  • مسعود بارزاني وحيدر العبادي يبحثان الانتخابات والمتغيرات السياسية