المسؤولية الاجتماعية و"مبادئ الاتفاق العالمي"
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
فايزة بنت سويلم الكلبانية
تشرَّفتُ خلال الفترة الماضية بالمشاركة في منتدى إقليمي رفيع المستوى، للتعريف بمبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، والذي نظمته الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، وقد أثار إعجابي عمق المعاني والأهداف التي صيغت عند بلورة مبادئ هذا الاتفاق، الذي يستهدف تعزيز التنمية واستدامتها وبناء مجتمعات متعاضدة فيما بينها، لكن في المقابل، هالتني مفاجأة أن معظم المؤسسات والشركات ذات البصمة الجلية في مشاريع المسؤولية الاجتماعية، لم تكن على دراية كافية بهذا الاتفاق ومبادئه الرصينة؛ بل إن عددًا من الشركات لم تعلم عنه من قبل مُطلقًا!!
والمبادئ العشرة لهذا الاتفاق، الذي يندرج تحت المظلة الأممية، تهدف إلى "إدماج مجموعة من مبادئ المسؤولية البيئية والاجتماعية والأخلاقية في أنشطة الشركات في جميع أرجاء العالم"، وهو ما يعني أننا أمام منظومة متكاملة من المبادئ الساعية إلى تعظيم الاستفادة من مشروعات المسؤولية الاجتماعية، وليس فقط الارتكاز على مشاريع تنموية لا نسمع عنها بمجرد انتهاء يوم افتتاحها! وعندما نتأمل هذه المبادئ وما تتسم به من سمو وما تُعليه من قيم وأخلاقيات، يتضح- بما لا يدع مجالًا للشك- الدور الرائد لجهود المسؤولية الاجتماعية في نهضة المجتمعات، جنبًا إلى جنب مع الجهود الحكومية الأصيلة في هذا الصدد.
المبادئ تتمحور حول ضرورة أن تهتم الشركات بدعم واحترام حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، والتأكد من أن الشركات ليست متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان، كما إنه يجب على الشركات أن تعمل على مكافحة الفساد بجميع أشكاله بما في ذلك الابتزاز والرشوة، وهذا بحسب الصياغة الرسمية للاتفاق.
الواقع يُشير إلى أن هناك القليل من المهتمين مُطلعين على المبادئ العشرة للاتفاق العالمي للأمم المتحدة، خاصة أنها تمثل دعوة أممية للشركات من أجل "... مواءمة استراتيجياتها وعملياتها مع عشرة مبادئ عالمية تتعلق بحقوق الإنسان، والعمل، والبيئة ومكافحة الفساد، واتخاذ الإجراءات التي تعزز الأهداف المجتمعية وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة"، والتي تعمل على إيجاد مشاريع مستدامة تشارك فيها المجتمعات، والآلآف من الشركات بمختلف القطاعات بالعالم.
ولذلك، وانطلاقًا من المسؤولية الوطنية والاجتماعية لجريدة الرؤية، فقد ارتأينا أن نقود جهدًا مُخلصًا من أجل ترسيخ المعرفة بهذه المبادئ، ونحن في ذلك نترجم التزامنا في "الرؤية" بتطبيق نهج "إعلام المبادرات" الذي يقوده بكل إخلاص رئيس تحرير جريدة الرؤية المكرم حاتم بن حمد الطائي. ومثل هذا الجهد يستهدف في المقام الأول التعريف بهذه المبادئ العشرة، ولذلك تنطلق الدورة الجدية للمنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية يومي 28 و29 أغسطس الجاري في صلالة، تحت رعاية كريمة من صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار الموقر، من أجل تسليط الضوء على هذه المبادئ العشرة، وسط حضور رفيع المستوى من داخل سلطنة عُمان وخارجها، ما يُؤكد التزامنا في جريدة "الرؤية" بمواصلة الجهد لأداء الأدوار الإعلامية والاجتماعية المنوطة بنا.
والمنتدى الذي ينعقد بتنظيم من جريدة "الرؤية" وبالتعاون مع الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، تشارك فيه كوكبة من مديري مكاتب الأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ونُخبة مُميزة من خبراء قطاع المسؤولية الاجتماعية بالوطن العربي، وسيتضمن برنامج العمل تنظيم ورش تدريبية متخصصة، الورشة الأولى تتناول تصميم برامج الاستثمار المجتمعي وقياس مؤشرات الأداء يقدمها الأستاذ الدكتور علي آل إبراهيم نائب رئيس الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، فيما تتطرق الورشة التدريبية الثانية إلى برنامج الاستثمار الاجتماعي في المنظمات ويقدمها سعادة المستشار فايز العمري رئيس المركز الأممي لخدمات المانحين بالشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية.
لقد قطع المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية، شوطًا كبيرًا على مدى السنوات الماضية، واستطاع أن يضع قدمًا راسخة في قطاع المسؤولية الاجتماعية؛ إذ بات منصة دولية تستقطب خبراء المجال من مختلف الدول، ومنارة مضيئة يهتدي بها العاملون في مشروعات المسؤولية الاجتماعية والشراكة، وكل ذلك بفضل الجهود الصادقة والمُخلصة التي يبذلها فريق العمل، ويسعى بكل جدٍ إلى الخروج بأفضل أداء.
وختامًا.. إنَّ المسؤولية الاجتماعية لم تعد فقط مشروعات تخدم المجتمعات المحلية وتنفذها الشركات؛ بل تحوّلت إلى نهج مُستدام يراعي المعايير الدولية ويلتزم بأفضل الممارسات وفق خطط استراتيجية، تتوازى في مساراتها مع خطط الحكومات، من أجل أن يعم الرخاء والازدهار شعوبنا قاطبةً.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: المسؤولیة الاجتماعیة من أجل
إقرأ أيضاً:
المحامية إيمان الحيدر: من يتحمل المسؤولية القانونية لأخطاء الذكاء الاصطناعي؟
قالت المحامية إيمان الحيدر إن كل إنجاز تكنولوجي يؤدي إلى توسع الفجوة بين القدرة على اللحاق بالتقنية والتشريع، وبين ما يمكن للخوارزميات أن تفعله وما يمكن للقانون ملاحقته، ومع هذا الفراغ تتسرب الأخطاء ويصبح الذكاء الاصطناعي خصماً لا يمكن استجوابه ولا يمكن حبسه ولا حتى توجيه اللوم له. فقد أنجز الإنسان تقنية حديثة في العصر الحديث تسمى الذكاء الاصطناعي وفي هذه اللحظة فتح على نفسه باباً من الأسئلة الأخلاقية والقانونية التي تتحدى المفاهيم، ولم نعد أمام فاعلين بشريين تنسب إليهم الأفعال والخطايا بل أمام أنظمة تنتج قرارات تبدو مستقلة ولكنها تفتقر إلى الوعي والنية والضمير. وأكدت أن قطر تخطو بثقة نحو التحول الرقمي واقتصاد المعرفة، وتصبح هذه الأسئلة اليوم أكثر إلحاحاً، وحين يخطئ الذكاء الاصطناعي، يؤدي إلى إلحاق الضرر بالأفراد، والتشريع ليس مجرد أداة تنظيم بل أصبح ضرورة وجودية لضمان العدالة.
مخاطر قانونية متوقعة
وأوضحت أن أهم المخاطر القانونية المتوقعة في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي والذي يشكل استخدامه تحديًا قانونيًا خطيراً ومتسارعاً، نظراً لتنوع المخاطر التي قد تترتب عليه. ومن أبرز هذه المخاطر انتهاك الخصوصية، حيث تقوم بعض الأنظمة بجمع البيانات وتحليلها دون موافقة صريحة من الأشخاص نفسهم،.
ومن التحديات مسألة المساءلة القانونية، إذ لا يزال من غير الواضح من يتحمل المسؤولية عند وقوع خطأ ناتج عن الذكاء الصناعي هل هو المطور أم المستخدم أم الشركة؟ يضاف إلى ذلك خطر انتهاك حقوق الملكية الفكرية، فضلاً عن التهديدات المتعلقة بالأمن السيبراني، مما يفتح المجال لاستخدام الذكاء الاصطناعي في أنشطة إجرامية أو تضليل إعلامي. وفي ضوء هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى أطر تنظيمية عاجلة وواضحة، وإلى تطوير تقنيات تراعي مبادئ المساءلة واحترام حقوق الأفراد.
وأوصت لتقليص الفجوة بإصدار قانون خاص بالذكاء الاصطناعي: يتضمن تعريفًا واضحًا، وتحديد المسؤوليات، وتنظيم استخدام البيانات، والالتزام بالشفافية والرقابة، وإنشاء هيئة وطنية للذكاء الاصطناعي والأخلاقيات التقنية تتولى وضع المعايير، ومراقبة الالتزام، ومنح التراخيص للتطبيقات عالية المخاطر.
تطوير أطر تنظيمية
و تبرز أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به «الوكالة الوطنية للأمن السيبراني» في دولة قطر، ليس فقط في حماية البنية التحتية الرقمية، بل أيضاً في التعاون في تطوير أطر تنظيمية وتشريعية تواكب المخاطر القانونية الجديدة الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي. ووضع سياسات استباقية، وتوجيه كل المؤسسات نحو استخدام مسؤول وآمن للتقنيات، بما يضمن حماية الحقوق الأساسية وتعزيز الثقة في البيئة الرقمية، وتحديث قواعد المسؤولية المدنية والجنائية بإدراج قواعد جديدة تتناسب مع طبيعة الذكاء الاصطناعي، خصوصًا فيما يتعلق بالإثبات والتسبب غير المباشر في الضرر، والتدريب القضائي والتشريعي بهدف رفع كفاءة القضاة والمشرعين وتدريبهم لفهم الجوانب التقنية للذكاء الاصطناعي .
ومن التوصيات التعاون الإقليمي والدولي: الاستفادة من المبادرات الدولية، وتطوير اتفاقيات خليجية مشتركة لتنظيم الذكاء الاصطناعي.
واقترحت لمعالجة الأخطاء المتوقعة للذكاء الاصطناعي وضع تعريف قانوني موحد للذكاء الاصطناعي وتصنيف الأنظمة حسب خطورتها، ومن الضروري أن يبدأ أي تشريع بتحديد ماهية الذكاء الاصطناعي، وأنواعه، ومدى استقلاليته، وذلك بهدف تحديد نطاق تطبيق القانون بوضوح.
كما يجب على القانون أن يصنّف الأنظمة الذكية وفقًا لمستوى الخطورة (منخفض – متوسط – مرتفع)، بحيث تفرض ضوابط أكثر صرامة على التطبيقات عالية الخطورة، والأهم ضبط المسؤولية عند وقوع أخطاء في الذكاء الاصطناعي، ويجب أن يوضح القانون بشكل بسيط ودقيق من هو المسؤول قانونيًا عند حدوث خطأ في أنظمة الذكاء الاصطناعي، ؟ .
كما يمكن فرض آلية تأمين إلزامية على الشركات المطورة أو المشغلة للأنظمة الذكية، لضمان تعويض المتضررين من أخطاء الذكاء الاصطناعي، على غرار تأمين السيارات، ويجب مواءمة قانون الذكاء الاصطناعي مع قانون حماية البيانات الشخصية، بحيث لا تستخدم الأنظمة الذكية البيانات بشكل ينتهك الخصوصية أو يؤدي إلى التمييز غير المشروع.
وقالت: لتنفيذ إطار قانوني فعال للذكاء الاصطناعي، يُقترح تشكيل لجنة وطنية تضم خبراء قانونيين وتقنيين وممثلين عن القطاعين العام والخاص لصياغة التشريع المناسب، كما يمكن إنشاء «صندوق للمخاطر التكنولوجية» لتعويض المتضررين، خصوصًا في الحالات التي يصعب فيها تحديد المسؤول، ويُستحسن تحديث المناهج القانونية في الجامعات، وتنظيم برامج تدريبية للقضاة والمحامين لتعزيز فهمهم للتقنيات الحديثة.
الشرق القطرية
إنضم لقناة النيلين على واتساب