ترامب يجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
ترجمة: قاسم مكي
لن يفوز دونالد ترامب بجائزة نوبل للسلام على الإطلاق. لكن ينبغي أن يكون منافسا قويا على جائزة شارلمان التي تمنح كل عام لشخص قدَّم أعظم مساهمة للوحدة الأوروبية.
الرئيس الأمريكي تودَّدَ لروسيا وقوَّض الإيمان بجدوى حلف الناتو وهدد الاتحاد الأوروبي بالرسوم الجمركية وعزز أقصى اليمين في أوروبا.
هنالك ثلاثة مجالات ينبغي الانتباه لها ورصد ما يحدث فيها. أولها الدفاع الأوروبي وثانيها الدَّين الأوروبي المشترك وثالثها إصلاح الخلل في العلاقات الودية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
التحولات الدرامية في الرأي العام الأوروبي تعزز هذه التطورات. فقد أظهر استطلاع هذا الشهر أن 78%من البريطانيين يعتبرون ترامب مهددا لبريطانيا. ويرى ذلك أيضا 74% من الألمان و69% من الفرنسيين.
وفي استطلاع آخر اعتبر حوالي 85% من الألمان فرنسا شريكا موثوقا وحصلت بريطانيا على نسبة 78% كشريك موثوق. أما أمريكا فتراجعت نسبتها إلى 16%.
يتفق قادة أوروبيون عديدون على أن «أمريكا ترامب» هي الآن مهدد على الرغم من أن قليلين منهم فقط يقولون ذلك بصوت عالٍ لأسباب دبلوماسية.
وهم أيضا يدركون في قلق إلى أي حد جعلهم التحالف عبر الأطلسي الذي تأسس قبل ثمانين عاما شديدي الاعتماد على الدعم العسكري الأمريكي. وهو ليس مسألة مال فقط. فالاعتماد الخطر حقا على التقنية والأسلحة الأمريكية.
الأوروبيون يمكنهم أن يروا المتاعب التي تحيط بالأوكرانيين بعد قرار إدارة ترامب وقف تدفق المعلومات الاستخباراتية والأسلحة. لذلك يتَّبعون سياسة ذات مسارين.
فهم بحاجة إلى تأجيل وقف الدعم العسكري الأمريكي لأوروبا لأطول فترة ممكنة وفي الوقت ذاته يستعدون لتلك اللحظة (لحظة وقف الدعم) بأسرع ما يمكن.
كان ذلك هو المنطق وراء قرار السماح للمفوضية الأوروبية بجمع 150 بليون يورو لإنفاقها على الصناعة الدفاعية بالاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن يتم تركيز الإنفاق الجديد على المجالات التي تعتمد فيها البلدان الأوروبية بشكل خاص على أمريكا كالدفاع الجوي.
إلى ذلك، إصدار الدين الأوروبي المشترك ليس فقط طريقة لجمع المال من أجل تمويل الدفاع. فهو أيضا يتيح فرصة لتعزيز اليورو كعملة احتياط عالمية بديلة للدولار. ويعني التقلّب في مواقف إدارة ترامب أن هنالك رغبة عالمية قوية في بديل لسندات الخزانة الأمريكية كأصل استثماري آمن.
تقليديا الدين الأوروبي المشترك من المحرمات في ألمانيا المقترة في الإنفاق. انتهُك هذا «المحرَّم» جزئيا أثناء الجائحة. أما الآن ففي الغالب سيتم التخلي عنه تماما.
أيضا يتجه فريدريش ميرز الذي سيكون المستشار القادم لألمانيا إلى استثناء الإنفاق المالي القومي على الدفاع والبنية التحتية من القيود الدستورية على الانفاق بالعجز. وتعني الحصافة المالية السابقة لألمانيا أن لديها مساحة أكبر للاقتراض مما لدى بريطانيا أو فرنسا المثقلتين بالديون.
ومن الممكن أن ينعش نوعٌ من الكينزية العسكرية أكبر اقتصاد في أوروبا. (يقصد الكاتب بالكينزية العسكرية تطبيق سياسة مماثلة لتلك التي دعا لها الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز 1883-1946 بالتوسع في الإنفاق الحكومي لتنشيط الاقتصاد. والكينزية العسكرية تعني هنا استخدام الإنفاق الحكومي العسكري لتحفيز النمو الاقتصادي لألمانيا - المترجم.) وكما عبر لي عن ذلك أحد كبار رجال الأعمال الفرنسيين بقدر غير قليل من القلق «واضح جدا أن الألمان لا يمكنهم بيع سياراتهم.
لذلك سيصنعون دبابات».
الخدمة الأخيرة التي قدمها ترامب لأوروبا هي أنه عجَّل تقارب بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الأوروبي. فالزعيمان البريطاني والفرنسي كير ستارمر وايمانويل ماكرون تعاونا على نحو وثيق حول أوكرانيا. ويمكن أن يشكلا سلطة ثلاثية قوية مع الألماني فريدريش ميرز.
إحدى آليات زيادة الإنفاق العسكري ستكون تكوين صندوق دفاع أوروبي جديد يمكن أن تشارك فيه بريطانيا. ولذلك ميزة إضافية. فهو سيقدِّم لبريطانيا والاتحاد الأوروبي شكلا جديدا للتعاون يتجنب إعادة فتح علبة باندورا خروج بريطانيا من الاتحاد. (بمعني إثارة الشرور أو المشاكل التي نجمت عن خروجها منه مرة أخرى- المترجم.»
احتمال إصلاح بعض الضرر الذي سببه هذا الخروج يؤكد أن هذه ليست فقط لحظة تهديد لأوروبا ولكنها أيضا فرصة. فأوروبا يمكنها الآن حقا تقديم بيئة أعمال أكثر استقرارا من «أمريكا ترامب.» وهذا ربما انعكس سلفا في الأداء النسبي لأسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا.
ومع تشديد ترامب هجومه على الجامعات الأمريكية هنالك أيضا فرصة لاجتذاب كبار الباحثين إلى أوروبا. الفجوة في الرواتب ومخصصات الأبحاث بين أمريكا الشمالية وأوروبا كبيرة. لكن إجمالي المبالغ المالية اللازمة لهذا الغرض صغير عند مقارنته بالأموال المقترحة كمخصصات للدفاع.
ستكون هنالك اختلافات وانتكاسات كثيرة في الطريق نحو وحدة أوروبية أعظم. ففرنسا وألمانيا تصطدمان حول الكيفية التي ستنفق بها أموال صندوق الاتحاد الأوروبي الجديد للدفاع.
وسيغذي أي صدام من هذه الشاكلة شكوك أولئك الذين يقولون: إن أوروبا لن ترتب أمورها إطلاقا. وهنالك شكوك وانتكاسات شبيهة في الطريق غير الممهَّد في الغالب نحو تكوين الجماعة الأوروبية للفحم والصلب في خمسينيات القرن الماضي وأيضا العملة الموحدة في سنوات التسعينيات. لكن القادة الأوروبيين بلغوا مقصدهم في النهاية لأن الضرورة على الاتفاق كانت قاهرة.
كل القفزات العظيمة إلى الأمام في الطريق إلى الوحدة الأوروبية كانت أسبابها صدمات جيوسياسية. أول هذه الصدمات نهاية الحرب العالمية الثانية وثانيها نهاية الحرب الباردة. والآن بفضل ترامب نحن نشاهد نهاية التحالف عبر الأطلسي. لقد ردَّت أوروبا بقوة وحلول مبتكرة على التحديين الكبيرين الأخيرين. ويمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
ترامب يؤجل فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي حتى هذا التاريخ
أجّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على الواردات من الاتحاد الأوروبي، بعد أن قالت رئيسة المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مزيد من الوقت "للتوصل إلى اتفاق جيد".
وعلق ترامب الرسوم الجمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي حتى التاسع من تموز/ يوليو المقبل، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
وكان المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش، قد قال في وقت سابق، إن الاتحاد مستعد للدفاع عن مصالح الدول الأعضاء، وذلك ردا على تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على جميع السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، اعتبارا من الأول من حزيران/ يونيو المقبل.
وقال سيفكوفيتش، إن الاتحاد الأوروبي يعمل للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، وأن "التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا مثيل لها، وينبغى أن تُبنى على الاحترام المتبادل لا على التهديد".
يُذكر أن الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تخضع لرسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على الصلب، و25 بالمئة على السيارات، إضافة إلى رسوم جمركية بنسبة 10 بالمئة، وصفها ترمب بأنها متبادلة.
وكان ترامب قد أعرب عن نفاد صبره إزاء وتيرة المفاوضات التجارية الجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قائلا إن قراره بإعلان رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على البضائع الأوروبية اعتبارا من الأول من حزيران/ يونيو المقبل ليس مجرد تكتيك تفاوضي.