غزة – قتل 322 فلسطينيا بينهم أطفال، فجر الثلاثاء، إثر استئناف إسرائيل بشكل مفاجئ حرب الإبادة على قطاع غزة، من خلال تصعيد عسكري كبير شمل معظم مناطق القطاع، واستهدف المدنيين وقت السحور.

ويعد هذا الهجوم هو أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في بيان، مقتل أكثر من 322 فلسطينيا وإصابة عشرات آخرين خلال 5 ساعات من العدوان الإسرائيلي، بينها عائلات كاملة، وصل جزء منهم إلى المستشفيات.

وأفاد المكتب بتعذر وصول عدد كبير من الضحايا إلى المستشفيات بـ”فعل صعوبة الوضع الإنساني الميداني وشل قطاع المواصلات بسبب انعدام توفر الوقود في جميع محافظات قطاع غزة”.

وقال: “معظم الشهداء والمفقودين من النساء والأطفال والمسنين، في جرائم إبادة جماعية تستهدف الإنسان والأرض والتاريخ الفلسطيني”.

وشدد على أن “الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج ضد أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في غزة”، محمّلاً إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم.

ودعا المكتب الإعلامي الحكومي المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف العدوان ومحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي.

وفجر الثلاثاء، كثفت القوات الإسرائيلية عمليات القصف الجوي والمدفعي واستهدفت مناطق سكنية ومباني مدنية بقطاع غزة، ما أدى إلى خسائر بشرية فادحة.

كما استهدفت تلك القوات مراكز إيواء تضم نازحين في مختلف مناطق القطاع، بالتزامن مع وقت السحور، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى بينهم أطفال.

بدوره، قال مدير عام مجمع الشفاء الطبي في غزة محمد أبو سلمية، إن استئناف القصف الإسرائيلي جاء في ظل منظومة صحية منهكة تعاني من نفاد الأدوية ونقص حاد في المعدات الطبية.

وشدد على أن المستشفيات في قطاع غزة تعجز عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين “حيث تمتلئ غرف العمليات بالكامل، فيما يفارق الجرحى الحياة دون أن نجد لهم سريرًا للعلاج”.

وأشار أبو سلمية في مقطع مصور، إلى أن جميع ثلاجات الموتى في المستشفيات ممتلئة بالضحايا، وهو “ما يزيد من حجم الكارثة الإنسانية التي نعيشها”.

وتعيد هذه الأحداث إلى الذاكرة المشاهد الصعبة التي عاشها الفلسطينيون في قطاع غزة خلال حرب الإبادة التي استمرت قرابة 16 شهرا، قبل أن يعلن اتفاق لوقف إطلاق النار في يناير الماضي، والذي خرقته إسرائيل على مدار الوقت.

وتظهر المشاهد المؤلمة التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الثلاثاء، أهالي يبحثون يائسين عن أطفالهم بين الجثث والأنقاض، في مشاهد إنسانية مؤثرة تكشف حجم المأساة.

كما أدى القصف الإسرائيلي إلى اكتظاظ ثلاجة مشفى ناصر الطبي بالضحايا، حيث لم تعد تتسع للأعداد المتزايدة.

ويضاف هذا العدوان الجديد إلى سلسلة طويلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت القطاع، ما يزيد من حجم المأساة الإنسانية ويُعمّق الأزمة التي يعيشها الفلسطينيون بغزة تحت وطأة الحصار والعدوان المستمر.

بدورها، دعت حركة الفصائل الفلسطينية “العرب والمسلمين وأحرار العالم إلى النزول للشوارع والميادين، ورفع أصواتهم عاليًا رفضًا لاستئناف الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.

من جهته،، قال الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام “الشاباك” في تصريح مكتوب مشترك وصلت نسخة منه للأناضول: “بناءً على توجيهات المستوى السياسي، تشن قوات الجيش والشاباك هجوما واسعا”، زاعما أنه ضد “أهداف تابعة لحركة الفصائل في أنحاء قطاع غزة”.

وقالت هيئة البث العبرية الرسمية: “انتهى وقف إطلاق النار، وسلاح الجو يهاجم غزة”.

من جانبه، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان: “أوعز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس للجيش الإسرائيلي باتخاذ إجراءات صارمة ضد حركة الفصائل في قطاع غزة”.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قالت الخميس، إن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف قدم اقتراحا محدثا إلى الطرفين يقضي بإطلاق 5 أسرى إسرائيليين مقابل 50 يوما من وقف إطلاق النار وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية وإدخال مساعدات إنسانية والدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.

فيما أعلنت حركة الفصائل” الجمعة، موافقتها على مقترح قدمه الوسطاء، حيث تتضمن الموافقة الإفراج عن جندي إسرائيلي-أمريكي و4 جثامين لمزدوجي الجنسية، في إطار استئناف مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى.

وزعم بيان مكتب نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي هاجم أهدافا تابعة لحركة الفصائل في جميع أنحاء قطاع غزة “لتحقيق أهداف الحرب التي حددتها القيادة السياسية، بما في ذلك إطلاق سراح جميع رهائننا، أحياء وأمواتا”.

وأضافت: “لن يُفاجأ أحد إذا أطلقت حركة الفصائل والجهاد الإسلامي الصواريخ، أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب”.

 

الأناضول

Previous مصر تؤكد التزامها بدعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها Related Posts مصر تؤكد التزامها بدعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها عربي 18 مارس، 2025 الدفاع اللبنانية: اتفاق بين وزير الدفاع اللبناني ونظيره السوري على وقف إطلاق النار بين الجانبين عربي 18 مارس، 2025 أحدث المقالات إسرائيل تقتل 322 فلسطينيا إثر استئنافها حرب الإبادة على غزة مصر تؤكد التزامها بدعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها الدفاع اللبنانية: اتفاق بين وزير الدفاع اللبناني ونظيره السوري على وقف إطلاق النار بين الجانبين مصر: أوضاع المنطقة تكبدنا 800 مليون دولار شهريا من إيراد قناة السويس بروكسل.. مؤتمر المانحين حول سوريا يتعهد بـ 5.8 مليارات يورو

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار حرکة الفصائل حرب الإبادة فی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

مجازر الطحين في غزة.. لماذا تقتل إسرائيل المدنيين في طوابير المساعدات؟

في مشهد هو الأقسى في تاريخ الحرب والحصار، تُستهدف طوابير المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وهم ينتظرون كيس طحين أو سلة غذائية. لا تُطلق النار على مقاتلين، بل على الجوعى. ومن شارع الرشيد إلى تقاطع نتساريم، تتكرر المجازر بلا رادع. هذا التقرير يحلل الخلفيات السياسية والعسكرية والأيديولوجية لهذا الاستهداف الممنهج، ويكشف كيف تحوّلت المساعدات من طوق نجاة إلى ساحة قتل جماعي، في ظل صمت دولي وتواطؤ معلن.

في غزة المحاصرة، لم تعد الحرب تُخاض فقط بالمدفع والصاروخ، بل باتت تُخاض أيضا عبر سلاح التجويع، الذي يتطور اليوم ليغدو سلاحا قاتلا في حد ذاته، حيث يُقتل عشرات الفلسطينيين يوميا أثناء انتظارهم أكياس الطحين أو صناديق المساعدات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل انتهت حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران؟ وما مكاسب كل طرف؟list 2 of 2لماذا تخلت روسيا عن إيران في حربها مع إسرائيل؟end of list مجازر عند مراكز المساعدات

بحسب الإعلام الحكومي في غزة، فإن عدد الشهداء الذين سقطوا أثناء انتظار المساعدات أو خلال تجمّعات توزيعها بلغ أكثر من 516 مدنيا، منذ بدء ما يُعرف بآلية "المساعدات الأميركية الإسرائيلية" في 27 مايو/أيار 2025. وقد أصيب أكثر من 3700 آخرين بجروح متفاوتة، في حين تتكرر المشاهد المروعة: جثامين مكدّسة أمام المستشفيات، وناجون يصرخون: "خرجنا من أجل الطعام فقط".

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتعرض قطاع غزة إلى واحدة من أقسى حملات الحصار والتجويع الجماعي في العصر الحديث، بحسب توصيف منظمة العفو الدولية. وقد أصدرت المنظمة بيانا بتاريخ 12 مارس/آذار 2024 قالت فيه: "تستخدم إسرائيل التجويع سلاح حرب بشكل ممنهج، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب موثّقة".

من جهته، صرّح المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان: "ما نشهده في غزة هو تحطيم منظم لأبسط مقومات الحياة، وتجويع قسري يُستخدم ضد السكان المدنيين. إطلاق النار على الجوعى أمرٌ مروّع وغير مبرر تحت أي ظرف".

فلسطينيون يتجمعون لتلقي مساعدات الإغاثة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز) نقاط توزيع خاضعة للسيطرة النارية

منذ أواخر مايو/أيار 2025، تم تفعيل ما يُعرف بـ"آلية المساعدات الأميركية الإسرائيلية"، التي تعتمد على نقاط توزيع برّية محددة داخل قطاع غزة، وليس على الإنزال الجوي كما في الأسابيع الأولى من الحرب.
هذه النقاط، مثل تقاطع شارع الرشيد، ومحيط نتساريم، وغرب رفح، تُحدَّد بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وتُروَّج لها كـ"ممرات إنسانية"، لكنها تخضع بالكامل للمراقبة النارية من قوات الاحتلال.

إعلان

وفي كثير من الحالات، ما إن يتجمع طالبو المساعدات قربها حتى تتحول إلى كمائن مكشوفة، يسقط فيها العشرات بين شهيد وجريح برصاص مباشر أو قصف مفاجئ، مما يفنّد زعم وجود حماية إنسانية في تلك المواقع.

لماذا تستهدف إسرائيل منتظري المساعدات؟

يرى مراقبون أن استهداف طوابير المساعدات يخدم أغراضا عسكرية ونفسية لإسرائيل، أبرزها: ترهيب السكان ومنع التجمعات، وإذلال الناس وربط البقاء بقبول شروط الاحتلال، وتفكيك التضامن الداخلي وتحويل الغذاء إلى أداة تحكم.

ويقول الباحث في القانون الدولي مايكل لينك، المقرر الأممي السابق لفلسطين، في مقابلة مع الجزيرة الإنجليزية: "حين يُقتل الناس وهم يركضون وراء شاحنة طحين، فهذه ليست حالة فوضى، بل سياسة ممنهجة تسعى إلى إذلال الإنسان الفلسطيني وطمس كرامته".

وفي الإجمال يمكن القول إن إسرائيل تستهدف منتظري المساعدات في غزة بهذه الوحشية لعدة أسباب متداخلة، تتعلق بالسياسة العسكرية، وأسلوب إدارة الحرب، وأهداف الضغط على المجتمع الفلسطيني، ويمكن تلخيص الأسباب فيما يلي:

1- التجويع كسلاح حرب

تعتمد إسرائيل سياسة الحصار والتجويع لإخضاع السكان في غزة، وتستخدم استهداف مراكز توزيع المساعدات وسيلة للسيطرة على المجتمع الفلسطيني وترويضه عبر الضغط المعيشي والنفسي، في محاولة لدفع السكان للانصياع أو النزوح.

يبرر الاحتلال إطلاق النار على المدنيين عند مراكز المساعدات بادعاء وجود "تهديد أمني" أو وجود "مسلحين"، لكن الشهادات الميدانية والتقارير الحقوقية تؤكد أن معظم الضحايا من المدنيين العزل (الأوروبية)

2- تبريرات أمنية وادعاءات بوجود تهديد

يبرر الجيش الإسرائيلي أحيانا إطلاق النار على المدنيين عند مراكز المساعدات بادعاء وجود "تهديد أمني" أو وجود "مسلحين" بين الحشود، لكن الشهادات الميدانية والتقارير الحقوقية تؤكد أن معظم الضحايا من المدنيين العزل، وأن المسلحين لا يكونون أصلا في مثل هذه التجمعات.

وفي بعض الحالات، أعلن الجيش أن الطرق المؤدية لمراكز المساعدات "مناطق قتال"، محذرا المدنيين من الاقتراب منها، رغم معرفته بأن معظم الموجودين هم من الباحثين عن الغذاء.

3- سياسة العقاب الجماعي والإفلات من العقاب

إن استمرار هذه الجرائم يعكس سياسة العقاب الجماعي بحق سكان غزة، مستفيدة من الحصانة الدولية والدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة ودول غربية، مما يمنحها شعورا بالإفلات من العقاب.

وتؤكد مؤسسات حقوقية أن إطلاق النار الكثيف والمتعمد على المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات لا مبرر له قانونيا أو إنسانيا، ويعد جريمة حرب موثقة.

4- أهداف سياسية أوسع

هناك من يرى أن استهداف منتظري المساعدات يهدف أيضا إلى تقويض جهود الإغاثة الدولية، وإجبار السكان على النزوح أو تغيير الواقع الديمغرافي في القطاع، إضافة إلى الضغط على المقاومة الفلسطينية سياسيا وعسكريا.

إن وحشية استهداف منتظري المساعدات في غزة تعكس إستراتيجية متعمدة لإخضاع السكان عبر التجويع والقتل، وتبررها إسرائيل بادعاءات أمنية واهية، بينما تؤكد الوقائع والشهادات أن الهدف هو الضغط الجماعي والسيطرة، في ظل غياب أي رادع دولي فعال.

الرواية الإسرائيلية.. خطأ أم سياسة؟

من جانبها، تنفي إسرائيل أن تكون قد تعمدت قتل المدنيين. وتقول إن هذه الحوادث تقع بسبب "الازدحام أو تسرّب عناصر مسلحة إلى أماكن التوزيع، أو اقتراب المدنيين من مواقع اشتباه فيها وجود عناصر مسلحة، وكذلك نشوب أعمال شغب أو سيطرة عناصر حماس على نقاط التوزيع، وتبادل إطلاق نار في المكان، وحدوث أخطاء في التقدير الميداني".

إعلان

وصرّح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، العقيد دانيال هاغاري، في الثالث من يونيو/ حزيران الجاري: "نحقق في ظروف كل حادثة، وقد تكون هناك أخطاء غير مقصودة في تقدير الموقف الميداني".

جيش الاحتلال يتخذ إجراءات أمنية مشددة أثناء مرور شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية والأغذية (وكالة الأناضول)

لكن صحيفة هآرتس العبرية نشرت تحقيقا موسعا في 10 يونيو/ حزيران الجاري، أشارت فيه إلى أن التعليمات الصادرة من قيادة الجيش تسمح "بفتح النار في محيط نقاط التجمع إذا تم الاشتباه بوجود عناصر غير منضبطة أو تهديدات محتملة". وهذا ما وصفه خبراء عسكريون بأنه ضوء أخضر لإطلاق النار دون تمييز.

وتتهم إسرائيل حركة حماس باستخدام المدنيين دروعا بشرية، وتزعم أن الحركة تسعى لخلق مشاهد إنسانية دامية لإحراج إسرائيل أمام الرأي العام الدولي. لكن المشكلة الجوهرية في هذه التبريرات أنها لا تصمد أمام التكرار الممنهج للواقعة ذاتها في مناطق مختلفة، تحت إشراف دولي، وأمام عدسات الكاميرات.

شهادات موثقة: "لم يكن هناك اشتباك"

من جهتها، تقول منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في الخامس من يونيو/ حزيران الجاري: "العديد من حالات القتل في مواقع توزيع المساعدات لم تشهد أي اشتباك مسلح. المدنيون أُطلق عليهم النار أثناء ركضهم نحو شاحنات الغذاء، أو بعد تجمعهم في الساحات، بعضهم قُتل أثناء محاولته العودة بما حصل عليه".

وفي شهادة موثّقة قدّمها الدكتور ثائر أحمد، طبيب الطوارئ الأميركي المتطوع مع منظمة "ميدغلوبال"، الذي عمل في مستشفى ناصر بخان يونس خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2024، أكد أن طبيعة الإصابات التي وصلت إلى المستشفى تشير إلى نمط استهداف ممنهج.

وقال في مقابلة مع وسائل إعلام بريطانية إن "العديد من الإصابات كانت ناجمة عن طلقات دقيقة في الرأس والصدر، وأخرى من طائرات مسيّرة استهدفت حتى الطواقم الطبية". وأضاف أن هذه الجروح لم تكن نتيجة قصف عشوائي أو اشتباك، بل "أشبه بعمليات قنص متعمد لأجساد المدنيين في نقاط ضعف قاتلة".

ورغم أنه لم يشر تحديدا إلى طوابير المساعدات، فإن شهادته تكشف عن سياسة نيران مدروسة ضد المدنيين، تتسق تماما مع النمط الذي تشهده مواقع توزيع الغذاء في غزة اليوم.

أيديولوجيا التجويع

قد لا توجد فتوى دينية صريحة في العقيدة اليهودية تبرّر قتل الجائع، لكن في البنية الأيديولوجية للدولة العبرية، يتشكّل الفلسطيني -حتى في لحظة الجوع- كعنصر خطر أو فائض وجودي يجب تحييده. ففي الأدبيات التوراتية التي يُستعاد منها الكثير في الخطاب القومي المتشدد، تظهر نماذج لتجويع الشعوب "المعادية" كوسيلة تطهير إلهي، وتُعاد تأويلها أحيانا على يد حاخامات متطرفين لتبرير العقاب الجماعي.

رؤية حاخامات إسرائيل تتقاطع مع العقيدة العسكرية التي تعامل المجتمع الفلسطيني بوصفه ساحة قتال (الفرنسية)

وقد قال الحاخام دوف ليئور صراحة: "في الحرب، لا فرق بين المدني والمقاتل، لأنهم جميعا يشكلون بيئة عدائية".

وتتقاطع هذه الرؤية مع العقيدة العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ"عقيدة الضاحية"، التي تُعامل المجتمع كله باعتباره ساحة قتال، مما يجعل من طوابير الطعام أهدافا مشروعة في العقل الأمني الجامد.

أما في الخطاب السياسي، فقد شاعت أوصاف تحقيرية للفلسطينيين، مثل "الجرذان" أو "الحيوانات البشرية"، وهو ما يعمّق نزع الإنسانية عنهم، ويمنح القاتل تبريرا نفسيا مريحا. وهكذا، يتحول الجائع الفلسطيني في المخيلة الأمنية الإسرائيلية إلى قنبلة ديمغرافية مؤجلة، لا إلى إنسان يجب إنقاذه.

ويرى محللون أن الهدف الأعمق لإسرائيل من قتل المجوعين هو كسر المجتمع وتفكيك النسيج المدني، كما أن قتل المدنيين في طوابير المساعدات ليس فقط مجزرة جسدية، بل هو اغتيال معنوي ونفسي للمجتمع الفلسطيني، لتجريده من الكرامة والبقاء، ولدفعه إلى الانهيار الكامل، كتمهيد لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي والسياسي في غزة.

إعلان

ويؤكد أولئك المحللون أن إسرائيل تقتل هؤلاء لأنها تريد فرض إرادتها بالقوة على مجتمع محاصر، فهي تدرك أن الطعام، مثل السلاح، يمكن استخدامه لتفكيك الخصم أو إذلاله. إنها حرب ضد فكرة الإنسان الفلسطيني، وضد بقائه.

ازدواجية الرواية الغربية

رغم أن بعض القادة الغربيين أعربوا عن قلقهم من "الخسائر الإنسانية"، فإن كثيرا من الحكومات لا تزال تدعم آلية توزيع المساعدات بالتنسيق مع إسرائيل، مما يطرح سؤالا أخلاقيا: هل أصبح الغرب يشارك -بالصمت أو الدعم- في جريمة تجويع وقتل المدنيين؟

تقول الباحثة في معهد الدراسات الدولية في جنيف، إليزابيث بروسيت: "الغذاء الذي يُمنح ضمن شروط الاحتلال بات رمزا لانهيار النظام الأخلاقي العالمي، وإسرائيل تستغل هذا الانهيار لفرض شروط استسلام جماعي".

القانوني الدولي

من منظور القانون الدولي الإنساني، تُشكل الهجمات المتعمدة على المدنيين، وخاصة أولئك الذين يسعون للحصول على المساعدة الإنسانية الأساسية، جرائم حرب. وتُعدّ حماية المدنيين مبدأ أساسيا في القانون الدولي، وتُفرض التزامات واضحة على أطراف النزاع لتجنب استهدافهم وتسهيل وصول المساعدات. إن استخدام التجويع كسلاح حرب، كما تُشير إليه العديد من المنظمات الدولية بخصوص الوضع في غزة، هو انتهاك خطير للعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

إن استهداف تجمعات المدنيين في طوابير المساعدات، بغض النظر عن الذرائع الأمنية، يُعتبر انتهاكا صارخا لمبادئ التمييز والتناسب والاحتياط، وهي ركائز القانون الدولي التي تهدف إلى حماية أرواح الأبرياء في أوقات النزاع.

ختاما فإن غزة اليوم تعيش وقد أصبح كيس الطحين خطرا على الحياة، فالمدني الفلسطيني في القطاع اليوم لا يموت فقط من القصف أو الحصار، بل من أجل كسرة خبز. والسؤال الذي يواجه ضمير العالم هو: هل سنبقى نعدّ الجثث، أم نوقف القتل؟

مقالات مشابهة

  • 44 شهيدا فلسطينيا في غارات وقصف العدو الإسرائيلي عدة مناطق في قطاع غزة
  • ‏الخارجية الفلسطينية: عجز المجتمع الدولي عن وقف "حرب الإبادة" في قطاع غزة غير مبرر
  • مجازر الطحين في غزة.. لماذا تقتل إسرائيل المدنيين في طوابير المساعدات؟
  • بينهم طفلتان.. إسرائيل تقتل 45 فلسطينيا بغزة منذ فجر اليوم الخميس
  • بينهم طفلتان.. إسرائيل تقتل 21 فلسطينيا بغزة منذ فجر الخميس
  • إسرائيل تقتل 50 فلسطينيا بغزة بينهم 12 من منتظري المساعدات
  • إسرائيل تقتل أكثر من 16 ألف طالب بغزة والضفة منذ بدء الإبادة
  • إستشهاد 51 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي معظمهم قرب مركزي مساعدات بغزة
  • ‏مصادر طبية في غزة: القوات الإسرائيلية قتلت 21 فلسطينيا كانوا ينتظرون المساعدات في القطاع
  • غالبيتهم من المجوّعين.. إسرائيل تقتل 39 فلسطينيا بغزة