جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-14@13:28:23 GMT

العودة إلى موضوع "دكتوراه في الجهل"

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

العودة إلى موضوع 'دكتوراه في الجهل'

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

المَقالةُ التي نشرها الكاتب الخبير في التدريب والموارد البشرية العقيد المُتقاعد عبدالوهاب البلوشي في جريدة "الرؤية"، وأُعيدَ نشرها في عدد كبير من وسائل التَّواصل الاجتماعي تحت عنوان: "دكتوراه في الجهل"، أثارت ردود فعل مُتباينة تغلبت عليها عبارات النقد والتَّهكم.

في اعتقادي المتواضع، أن المقالة لم يكن موجهًا ضد البحوث العلمية المُحترمة؛ بل بالعكس، بقدر ما كانت تحمل دلالات نقدية عميقة توجه رسالة واضحة حول إشكالية الحصول على الدرجات العلمية (خاصة الدكتوراه) في بلدان العالم الثالث ومنها البلدان العربية لأسباب غير أكاديمية أو علمية أو مجتمعية؛ مما ينتج عنها:

تفريغ الشهادات من قيمتها؛ وذلك بسبب ظاهرة سعي بعض الأفراد للحصول على شهادة الدكتوراه، ليس بهدف الإضافة العلمية أو خدمة المجتمع؛ بل للتفاخر بلقب "دكتور"، مما يحوّل الشهادة إلى مجرد "وسام اجتماعي" فارغ من المضمون.

يستخدم الكاتب تعبيرًا لافتًا هو "دكتوراه في الجهل" ليُشير إلى تناقض صارخ بين الشهادة ومضمونها وفائدتها للمجتمع؛ فبدلًا أن تكون الدكتوراه رمزًا للعلم والبحث الجاد، تصبح أداة لترسيخ الجهل عندما تُمنح لـ"أبحاث" غير جادّة أو عديمة الفائدة للمُجتمع. يحذر الكاتب من تدهور قيمة العلم، وتحوّل النظام الأكاديمي إلى سوق استهلاكية للتفاخر وتعزيز المكانة الشخصية للشخص ومن دون اعتبار لجودة البحث او فائدته للمجتمع او بسبب سعيه للحصول على شهادة الدكتوراه، من أجل الحصول على راتب أعلى، وخصوصًا بعد أن تم ربط الراتب بالشهادة، بغض النظر عن الاستفادة منها! يُلمح الكاتب إلى أنَّ هذه الظاهرة تُهدر الموارد (الوقت، المال، الجهود) على أبحاث لا تُسهم في حل المشكلات الواقعية، اجتماعية أو تنموية أو اقتصادية أو علمية أو فكرية أو تطوير المعرفة الإنسانية إجمالًا. يتضح من المقال أن الكاتب يطالب بضرورة تشديد المعايير الأكاديمية لمنح الدرجات العلمية، وربط الأبحاث باحتياجات المجتمع؛ لتجنُّب "شهادات الجهل" عن طريق "تغيير الثقافة المجتمعية" التي تُقدِّس الألقاب دون النظر إلى الجوهر، مع التأكيد على أن قيمة الإنسان تكمن في إسهاماته الفعلية، لا في شهاداته. من الواضح من ثنايا المقال، أن الكاتب يوجّه نقدًا غير مباشرٍ إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار والجامعات وهيئات الاعتماد الأكاديمي، التي ربما قد تتساهل في منح الشهادات لتحقيق مكاسب مادية أو إحصائية أو دعائية، ليست لها علاقة بتطور المجتمع وصعوده لسلالم التقدم الحقيقي.

إنَّ الإعلام العمودي والأفقي، الرسمي والموازي، يتحمل جزءًا من المسؤولية في تعزيز صورة "الدكتور" كرمز للوجاهة الاجتماعية؛ بدلًا من كونه رمزًا للعطاء الفكري والعلمي والاقتصادي والاجتماعي.

وفي اعتقادي أن هدف الكاتب العقيد المتقاعد عبدالوهاب البلوشي هو إثارة نقاش حول "أزمة أخلاقيات العلم" في المجتمعات العربية؛ حيث يُختزل التعليم العالي في شكليات الألقاب، ويُهمش دور البحث العلمي الحقيقي في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، والاستمرار في هذه الظاهرة سيؤدي إلى "تآكل مصداقية المؤسسات الأكاديمية" وتراجع ثقة المجتمع في قيمة الشهادات الاكاديمية.

المقالة حسب وجهة نظري، ليست مجرد نقد لظاهرة فردية؛ بل هي "صيحة تحذير" من تحوُّل العلم إلى أدوات للتزيين الاجتماعي، وفقدان دوره الحقيقي في مواجهة التحديات الفكرية والتعليمية والمجتمعية والاقتصادية والتنموية والفكرية التي تواجهنا.

الكاتب يطمح إلى إعادة الاعتبار لشهادة "الدكتوراه الجادة" التي تُبنى على البحث الرصين والإخلاص لخدمة الإنسان وإيجاد حلول لمصائب المجتمعات، وخصوصًا عندما يتصدر المشهد أصحاب شهادات "الدكتوراه" (بلا علم ولا فَهم)، ويقحمون أنفسهم في كل قضية وكل مجال، ‏وهم في الواقع عاجزون عن تقديم ما يُفيد في تخصصهم نتيجةً لجهلهم. شهادات قسم منها ليست معروفة المصادر أصلًا، أو طريقة حصولهم عليها، وقسم آخر يجدون في برامج التواصل الاجتماعي المتكاثرة ضالتهم ليبرزوا أنفسهم.

والكاتب عبدالوهاب البلوشي، ليس أول شخص يتكلم عن "دكتوراه الجهل" في العالم العربي؛ فهناك العالم المغربي المعروف الراحل الدكتور محمد المنجرة، الذي سبقه بسنوات عديدة، عندما استخدم المنجرة مصطلح " دكتوراه في الجهل"، كتعبير ساخر لوصف النخب الفاسدة أو المُثقفين المُزيَّفين الذين يحملون شهادات أكاديمية ولكنهم يفتقدون للوعي الحقيقي والمعرفة الحقيقية والإحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم.

كان الدكتور المنجرة يرى أن هناك من يكتسبون شهادات عُليا، لكنهم في الواقع يُكرِّسون التخلف والجهل، إما من خلال تبعيتهم للفساد أو من خلال غياب الفكر النقدي والإبداعي، في طرح الحلول لمشكلات المجتمع. المختلفة والمتطورة.

الدكتور محمد المنجرة في انتقاداته للأنظمة التعليمية والسياسية في العالم العربي، كان يرى أنَّ التعليم لا ينبغي أن يكون مجرد تحصيل للشهادات؛ بل يجب أن يكون أداة لتحرير العقول والأفكار وتنمية المجتمعات.

والدكتور محمد المنجرة، كان عالمًا ومفكرًا مغربيًا مرموقًا في مجال الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية وعلى مستوى العالم، وعُرف بنقده اللاذع للعولمة الثقافية والهيمنة الغربية على المعرفة، ويُعد أحد أبرز العلماء العرب الذين حذروا من مخاطر التبعية الفكرية والثقافية للعالم الثالث تجاه النماذج الغربية.

إنَّ "دكتوراه في الجهل" تعبيرٌ استخدمه المنجرة بشكل نقدي لوصف ظاهرة تهميش المعرفة العميقة والتحليل النقدي في ظل العولمة؛ حيث تُختزل المعرفة إلى معلومات سريعة وسطحية تُروِّج لأجندات معينة، فهو ينتقد الفكرة القائلة إنَّ الشهادات الأكاديمية (مثل الدكتوراه) تعكس بالضرورة وعيًا حقيقيًا أو التزامًا بالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية؛ بل رأى أن بعض النُخب "المُتعلِّمة" تُسهم في تعميق الجهل عبر تبنيها نماذج استهلاكية أو فكرية تُفقر الهوية المحلية وتُعزز التبعية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لوباريزيان: أمل يولد من بين الأنقاض ومشاهد الدمار في غزة

قالت صحيفة لوباريزيان إن آلاف الغزيين بدؤوا العودة تدريجيا نحو الشمال، رغم حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب، مبرزة دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ رسميا، بعد الإفراج عن الأسرى من كلا الجانبين.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد قال من على منبر الكنيست "اليوم انتهى الكابوس الطويل والمؤلم. دخل الاتفاق الموقع بين إسرائيل و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس حيز التنفيذ"، وبالفعل أفرجت الحركة عن آخر 20 محتجزا إسرائيليا مقابل إطلاق نحو 1968 سجينا فلسطينيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خطر يهدد الولايات المتحدة.. لماذا يختلف الأميركيون حول كل شيء؟list 2 of 2كاتب إيطالي: جيل جديد من المسيّرات الأميركية بخصائص باهرةend of list

ومع توقف حرب أودت بحياة 67 ألف شخص في غزة، ودمرت أكثر من 80% من البنية التحتية -حسب تقديرات الأمم المتحدة- تحاول المنظمات الدولية توفير الإغاثة رغم النقص الحاد في المواد الطبية والوقود، مع انتشار العدوى والجروح المفتوحة وحالات البتر.

العودة إلى مدينة غزة تكشف آثار الدمار بعد انسحاب قوات الاحتلال (الجزيرة)

ومع ذلك، ووسط مشاهد الخراب، يلوح بصيص من الأمل -حسب الصحيفة- تقول نيفين المدهون التي تعمل في مطبخ الحساء الشعبي "توقف الموت والناس يشعرون بأمان أكثر. لذا نحن سعداء"، علما أنها لاجئة في مصر ولا تفكر في العودة، لأن منزلها دمر، ولم يعد لديها شيء، كما تقول.

ويتنفس إياد (41 عاما)، أب لأربعة أطفال، الصعداء قائلا "نمنا جيدا لثلاث ليالٍ متتالية. لم يحدث ذلك منذ وقت طويل. نأمل أن يستمر هذا إلى الأبد"، ويضيف "كثير من أصدقائي عادوا إلى مدينة غزة. لكنهم اكتشفوا أن كل شيء قد دمر. قالوا لي إنهم لم يجدوا شيئا ليبدؤوا حياتهم من جديد".

لم يبق سوى الخراب

كما يقول ماتيو بيشيه نائب المدير الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود "في الشمال لا يوجد شيء. لا طعام ولا ماء. يجب تحلية المياه هناك. ما تبقى هو الخراب. المنظر يشبه نهاية العالم. مدينة غزة تعرضت لقصف مكثف، والمباني مهدمة بالكامل".

ويواجه قطاع غزة تحديات ضخمة على المدى الطويل، من أبرزها -كما تشير الصحيفة- إزالة 60 مليون طن من الأنقاض وتطهير الأراضي من الألغام، في عملية قد تستغرق عقودا وتقدر تكلفتها بنحو 53 مليار دولار.

إعلان

ورغم دخول 400 شاحنة مساعدات يوميا وفق الاتفاق -كما تقول الصحيفة الفرنسية- تحذر المنظمات من أن حجم الكارثة يتطلب آلاف الشاحنات وفتحا دائما للمعابر.

أما من الناحية السياسية، فجدد ترامب في الكنيست رفض أي دور لحماس في مرحلة ما بعد الحرب، مع تأكيد مطلب نزع سلاحها، وذلك ما ترفضه الحركة كليا، رغم أنه من المتوقع تشكيل إدارة انتقالية دولية بإشراف لجنة فلسطينية غير سياسية لتسيير المرحلة المقبلة.

وفي الميدان، تصف شهادات الأهالي المشهد بأنه "حرب اقتصادية" جديدة، حيث تنعدم الموارد وفرص العمل، ولكن الأمل يبقى قائما في أن تحمل الأيام القادمة مستقبلا أفضل، لا سيما للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • لوباريزيان: أمل يولد من بين الأنقاض ومشاهد الدمار في غزة
  • الكاتب بوعلام صنصال المسجون في الجزائر يُنتخب عضوًا في الأكاديمية الملكية البلجيكية
  • جامعة الفيوم توافق على 31 ماجستير و21 دكتوراه
  • لماذا وقفنا ضد عودة بقال؟
  • نادية صبرة تكتب: العودة
  • زيدان يفتح باب العودة للتدريب.. ويؤكد: أحلم بقيادة منتخب فرنسا يوماً ما
  • بعد تعيينه بمجلس الشيوخ.. أفلام في مسيرة الكاتب أحمد مراد
  • تعيين الكاتب أحمد مراد عضوا بمجلس الشيوخ 2025
  • «لا إمام سوى العلم».. شعار مؤتمر الباحثين اليمنيين يعلن ثورة فكرية على الكهنوت ويضع العلم إمامًا لليمن الجديد.. الأبعاد والدلالات
  • باحث يمني ينال الدكتوراه من الهند بدراسة الصراع الثقافي في الرواية العربية