شيخة الجابري تكتب: تجليّات شارع الأعشى
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
مسلسل مثير للجدل، ليس لأنه ضعيف أو مرتبك أو أن فكرته لم تصل للناس، بل لأنه حقق المعادلة الصعبة التي تتمثل في تقديم عمل كبير ملهمٍ ومثير للأسئلة، وفيه من التحديات والتشويق ما يحقق المعادلة الأخرى وهي إرضاء الجمهور، وفي الحالتين الرضا من عدمه فقد استطاع المسلسل، وقبل نهاية الشهر، تحقيق النجاح الجماهيري الذي لم يتوقعه طاقم العمل نفسه المكوّن من مجموعة كبيرة من الفنانين السعوديين الأشقاء، بالإضافة إلى الدعم التركي في كتابة السيناريو ورسم الحوارات الداخلية والرؤية الفنية للأحداث.
الملفت في أمر هذا العمل الضخم أنه قد حقق النجاح ليس على مستوى المملكة، بل تجاوز ذلك إلى خارج نطاق منطقة الإنتاج، وهو وإنْ لم يطرح فكرة جديدة كُليّةً غيرَ أن الحدث داخل الفكرة هو الجديد، وكذلك التصوير السينمائي الماتع، وطريقة التنقل بين المشاهد رغم صعوبة الربط أحياناً بين الحدث والتحول الفجائي في إدارته، كالذي حدث لسعد بعد أن حاد عمّا كان عنه، ليصبح شخصاً آخر ينبذ المجتمع الذي كان يحبّه، ليصير عدواً له، هناك نقلة وحبكة درامية مهمة في حالة التحول تلك، أما «وضحى» فتلك حكاية أخرى.
«شارع الأعشى»، الذي أُخذ عن رواية «غراميات شارع الأعشى» للدكتورة بدرية البشر، حمل أحلام الكثيرين في داخله في حقبة زمنية عاشها جيل شاب تعلّق فيه بقصائد الشعراء المبدعين وبأم كلثوم، وعبدالحليم، وبالإنتاج السينمائي والتلفزيوني حينما دخلت التلفزيونات الأبيض والأسود والتيلفونات إلى بعض المنازل، زمن جميل ظهر في حلّة إنتاجية رائعة.
الخليج العربي في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان متشابها ليس مناطقياً واجتماعياً وثقافياً فقط، بل إن تفاصيل الحياة اليومية تكاد تكون متشابهة، ونحن نذكر كيف كان الرجال يسافرون إلى الدول المجاورة للعمل والبحث عن مصادر الرزق، وكيف وفد على مجتمعاتنا المعلمون والأطباء والمهندسون وغيرهم، ممن جاؤوا واختلطوا بالناس في تمازج اجتماعي وعاطفي يقوم على الاحترام والتراحم والتواصل، كل ذلك أثر في عمق تلك العلاقات التي تشابكت في بعض الأحيان، هذا ما لامسهُ المسلسل ببراعة متناهية.
كان الفتيان والفتيات في ذلك الزمان يتعارفون في وضع طبيعي جداً وكم من الحبّيبة فشلت مشاريعهم العاطفية بسبب القيود الاجتماعية والأسرية التي لم يتجاوزها أحدهم في سلوكه الطبيعي، وتعلقه العاطفي، لذا كان الفشل حليف أغلب تلك العلاقات الجميلة التي عاشتها بإتقان شخصيات «عواطف وسعد، عزيزة وأحمد، مزنة ورياض»، والتي يتبرأ منها اليوم بعض الذين عاشوها بتفاصيلها الحلوة في تلك الأيام. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال
إقرأ أيضاً:
إلهام أبو الفتح تكتب: المناظرة الكبري
استمتعت بمناظرة رائعة بين عالم الآثار العالمي الدكتور زاهي حواس وعاشق الآثار المصري د. وسيم السيسي، وكان يديرها الإعلامي المتميز حمدي رزق.. بحضور كوكبة من المتخصصين الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار الأسبق ود. محمد حسن استاذ الآثار المصرية والكاتب الصحفي ايهاب الحضري مدير تحرير الاخبار
مناظرة لم تكن عادية، ولم تكن مجرد نقاش علمي جاف، بل مساحة مفتوحة للفكر، وللحب، وللاختلاف المحترم.
المناظرة كانت عميقة، طرحت موضوعات مهمة جدًا، لكنها في جوهرها كانت مواجهة جميلة بين مدرستين: مدرسة العلم الصارم القائم على الدليل، ومدرسة الشغف التي تحاول أن تُقرّب التاريخ من الناس،.
د. زاهي حواس، بخبرته ومكانته العالمية، قدّم الرأي العلمي الواضح، الحاسم، الذي لا يقبل إلا ما تثبته الأدلة. هذا دوره، وهذا ما نحترمه فيه، لأنه يحمي التاريخ من التزييف، ويضع حدودًا فاصلة بين العلم والخيال.
وفي المقابل، د. وسيم السيسي… نعم، هو طبيب، وليس عالم آثار ، لكننا جميعًا نعلم أنه من أكثر عشّاق المصريات قدرة على جذب الناس. يتكلم بحب، بشغف، لا يشرح فقط، بل يحكي، ويُثير الفضول، ويشعل الخيال، ويجعل المشاهد يشعر أن هذا التاريخ يخصه هو، صحيح أن بعض تصريحاته ربطت العلم بالخيال، وصحيح أن الحديث عن أنبياء في وادي الملوك أو عن قادمين من الفضاء لا يستند إلى أساس علمي، لكن هذا النوع من الطرح ليس جديدًا على ثقافتنا. قاله من قبل د. مصطفى محمود حين تحدث عن النبي إدريس، وقاله أنيس منصور في "الذين هبطوا من السماء". وجميعهم يقولون ذلك بحب وعشق لمصر وآثارها.
وليس مطلوبًا من د. وسيم السيسي أن يكون مترجمًا للبرديات أو منقّبًا في المواقع الأثرية. دوره يشبه دور الفنان أو الروائي: يزرع الانتماء، ويزيد إعجاب الناس والعالم بالحضارة المصرية.
بينما يظل دور عالم الآثار العالمي د. زاهي حواس وزملاءه من العلماء والمتخصصين ومنهم وزيرين سابقين للآثار د.زاهي حواس ود. ممدوح الدماطي هو الفحص والتدقيق وإعلان الحقائق الأثرية بالأدلة العلمية
جمال المناظرة أن كل طرف التزم بمساحته، واحترم مساحة الآخر.. الإعلامي حمدي رزق أدار الحوار بحرفية، واستمع للجميع وأذاعها في حلقة من برنامجه "نظرة " علي قناة صدي البلد فخرجت كما يجب أن تكون: راقية، ثرية، ومفيدة.
هذه المناظرة أحبّها الناس، لأنها لم تُقصِ العلم، ولم تُجرِّم الشغف. احترمت العقل، ولم تقتل الخيال. وأثبتت أن الحضارة المصرية واسعة بما يكفي لتحتمل عالمًا صارمًا، وعاشقًا حالمًا، في مشهد واحد..
نتمنى أن تتكرر مثل هذه المناظرات، على هذا المستوى من الاحترام والعمق، لأننا في زمن نحتاج فيه إلى العلم.. بأدلته وحقيقته ولكننا نحتاج أيضًا إلى الشغف وكلنا في تاريخ مصر عشاق.