شعب الإنويت في غرينلاند.. عودةٌ إلى الجذور وسط أطماع واشنطن وجدل حول استقلال الجزيرة
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
خلال استعمارها لغرينلاند، فرضت الدنمارك جملة من التدابير القاسية تجاه السكان الأصليين في الجزيرة (الإنويت أو الأسكيمو)، فحظرت لغتهم، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي، وحرمتهم من أطفالهم لتربيتهم في كنف أسر دنماركية. وقد ترك هذا الماضي مرارة لديهم، حيث إنه لا يمحى بتقادم الزمن، كما يقولون.
أفياجا راكيل سانيمويناك، معالجة روحانية "شامان" من السكان الأصليين في غرينلاند (الإنويت)، تحمل على وجهها وشمًا تقليديًا، وتكرس حياتها، كما تقول، لمساعدة الآخرين على إعادة التواصل مع أسلافهم للشفاء من الصدمات التي تنتقل من جيل إلى آخر.
تعود سانيمويناك بالذاكرة إلى سنوات الطفولة فتقول: "خلال نشأتي، كان من الطبيعي بالنسبة لي أن أتحدث عن التواصل مع الأرواح".
وتتابع: "لكن أمي أخبرتني ألا أتحدث عن ذلك أبدًا لأنه أمر خطير. لم أفهم السبب أبدًا، لأنني لم أعاني من الكبت الذي عانى منه أسلافي".
هذا وتسعى المعالجة الروحانية إلى إعادة إحياء تراث الإنويت، وهي جزء من حركة متنامية بين سكان الجزيرة للعودة إلى الذات.
وعن رمزية وشومها، توضح سانيمويناك: "هناك خطان في وقت واحد، واحد يرمز إلى عالمنا، والآخر إلى عالم الأرواح. والمسافة بين هذين الخطين هي ما لا نعرفه".
على الرغم من أن حوالي 90% من سكان غرينلاند يعرّفون عن أنفسهم بأنهم من الإنويت، إلا أن معظمهم ينتمون إلى الكنيسة اللوثرية، وهي عقيدة أدخلها المبشرون الدنماركيون منذ أكثر من 300 عام.
وتدافع المعالجة الروحانية عن ثقافة الإنويت قائلة: "لا تزال المسيحية مقدسة في نظري، وكذلك البوذية والهندوسية، وعملي أيضًا. لكننا كشعب لديه ثقافة، لدينا الحق في أن نحظى بالمساواة مع الآخرين، وأن يتم الاعتراف بثقافتنا".
خلال السنوات الأخيرة، كان هناك رفض متزايد للإرث الاستعماري الذي خلفه المبشرون الأوروبيون، إذ قمع هؤلاء تقاليد الإنويت باعتبارهم "وثنيين". وعن ذلك التوجه تقول سانيمويناك: "إن الأجيال التي تراها هنا اليوم هي التي تؤمن بالفعل بقدرتنا على الشفاء".
Relatedآخر حلقات مسلسل غرينلاند.. ترامب يقترح ضم الجزيرة إلى حلف الناتوالذهب الأبيض يشعل الجدل في غرينلاندانتخابات غرينلاند: فوز مفاجئ للمعارضة اليمينية المؤيدة للاستقلال"هجوم ساحر" آخر من الولايات المتحدة الأمريكية
يُذكر أن غرينلاند كانت مستعمرة دنماركية حتى عام 1953، ثم تحولت إلى مقاطعة. وفي عام 1979، حصلت على حكمها الذاتي، ولكن رغم مرور أكثر من 30 عامًا، لا تزال الدنمارك تمسك بزمام السيطرة في مجال شؤون الدفاع والخارجية.
وقد جذبت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة الانتباه إلى غرينلاند بعدما عبّر عن رغبته في السيطرة عليها، قائلًا إنه لا يستبعد حتى استخدام القوة العسكرية في هذا الصدد، وهو ما من شأنه "الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي" على حد تعبيره.
في هذا السياق، من المقرر أن تزور أوشا فانس، زوجة نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، غرينلاند الأسبوع المقبل قبل الانتخابات المحلية.
ووفقًا لوسائل الإعلام المحلية، تشمل جولتهما زيارة العاصمة نوك، وحضور سباق الزلاجات التي تجرها الكلاب في سيسيميوت، ثاني أكبر مدينة في غرينلاند، إضافة إلى مرور محتمل بالقاعدة الجوية الأمريكية الوحيدة في الجزيرة الشمالية.
وبسبب مطامع ترامب، ساهم التركيز على غرينلاند ومواردها المعدنية في تسليط الضوء على قضية مهمة أخرى لسكان الجزيرة، وهي رغبتهم في الاستقلال عن الدنمارك. فقد أصبحوا يشعرون بأنهم قادرون على التعبير علنًا عن معاناتهم من الظلم الاستعماري.
ومن بين هؤلاء المغنية وكاتبة الأغاني الإنويت ناجا بارنونا، التي أعادت في الآونة الأخيرة الاتصال بتراثها الأصلي.
وقالت: "سابقًا، كنت أشعر بروعة أن أكون دنماركية، وأنه من الأفضل التحدث باللغة الدنماركية حيث كان من المحرج أن نمارس تقاليد الإنويت". ولكن من خلال الموسيقى، استطاعت بارنونا أن تتواصل مع جذورها، وشجعت الآخرين على فعل الشيء نفسه.
وعن ذلك تؤكد المغنية: "بدأت أدرك مدى أهمية قبول جذور الآخرين أو جذوري الخاصة. ولهذا السبب أعتقد أنه من المهم حقًا إعادة إحياء التراث حتى يتمكن شعبنا، ونحن منه، أن يتعلم حبّ نفسه مرة أخرى".
وتعتبر سانيمويناك أن هذا الإحياء الثقافي هو بمثابة استعادة لروح هوية الإنويت المفقودة، قائلة: "لم يكن صوت الإنويت مسموعًا، فقد كنا في عزلة لفترات طويلة. الآن، حان الوقت لنحرر أنفسنا، لنرفع الصوت، ونأخذ زمام المبادرة. لهذا السبب، أشعر بالأمل".
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إفطار في كنيسة.. حي مولنبيك في بروكسل يحتفي بالتنوع الثقافي وينفض عنه صيته السيئ هل تعقد إيران صفقة مع أمريكا أم تمضي في طريق صنع أول قنبلة نووية؟ مسؤولون أوكرانيون وأمريكيون يجرون محادثات "مثمرة" في الرياض لوقف إطلاق النار السكان الأصليونتقاليدإستقلالتراث ثقافيالمسيحيةغرينلاندالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل روسيا الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب معارضة قطاع غزة إسرائيل روسيا الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب معارضة قطاع غزة السكان الأصليون تقاليد إستقلال تراث ثقافي المسيحية غرينلاند إسرائيل روسيا الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب معارضة قطاع غزة رجب طيب إردوغان إسطنبول حركة حماس فلاديمير بوتين السياسة الأوروبية غزة فی غرینلاند یعرض الآنNext
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يتصدى لترامب: النرويج مقابل غرينلاند؟
تناقش بروكسل إمكانية انضمام النرويج، رفيقة آيسلندا، إلى الاتحاد الأوروبي. تبيّن التسريبات والتقارير الإعلامية أنّ الاتحاد الأوروبي يعتزم توظيف انضمام الأولى كأداة جيوسياسية يبتغي من خلالها التدخل في مسألة غرينلاند. فبرغم المعايير الصارمة التي وضعها للاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية الانضمام إليه، إلا أنّه لطالما برع في استخدام هذه القضية كـ"أداة سياسية" كما هو الحال مع أوكرانيا، وكذلك تركيا على سبيل المثال.
اللافت أنّ النرويج ليست مُدرجة، كما آيسلندا، على لائحة الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وعددها 8: ألبانيا - مقدونيا الشمالية - البوسنة والهرسك - الجبل الأسود - تركيا - مولدوفيا - جورجيا - أوكرانيا. وهو الأمر الذي يعزّز من العناصر الجيوسياسية في عملية تكتسي بغطاء اقتصادي- مالي رقيق.
الصفة المشتركة بين الدول الثماني المرشحة، هي أنّها تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة، وبالتالي سوف تكون من الدول المتلقية للمساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا من المؤكد أنّه سيزيد من حجم الضغوط التي تثقل كاهل أعضاء الاتحاد، من دون وجود عوائد سياسية كبرى، باستثناء أوكرانيا وبدرجة أقل تركيا.
الصفة المشتركة بين الدول الثماني المرشحة، هي أنّها تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة، وبالتالي سوف تكون من الدول المتلقية للمساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا من المؤكد أنّه سيزيد من حجم الضغوط التي تثقل كاهل أعضاء الاتحاد، من دون وجود عوائد سياسية كبرى، باستثناء أوكرانيا وبدرجة أقل تركيا
وتشتهر النرويج بكونها دولة مانحة للمساعدات وبرامج التنمية والنهوض، كما أنّ دخولها إلى الكتلة الأوروبية سيعزز من أوراقها الاقتصادية وأداوتها المالية، علاوة على أنّه يتسق مع سياسة بروكسل بتوسعة حدودها استجابة للواقع الجيوسياسي الذي أوجدته الحرب في أوكرانيا.
بيد أنّ ذلك ليس سوى رأس جبل الجليد ضمن مناورة جيوسياسية أوروبية كبرى تروم إحداث التوازن المفقود أو المنكسر مع أمريكا في عهد ترامب، حيث تبتغي بروكسل من خلال الموافقة على انضمام النرويج ومعها آيسلندا، تعزيز الوصول إلى القطب الشمالي، وإحكام قبضتها على الكتلة الجيوسياسية المؤثرة في جزيرة غرينلاند، التي صارت موضع اهتمام عالمي عقب كشف ترامب عن نيته ضمها.
ذلك أنّ غرينلاند، أو أرض الناس حسب تعريف سكانها الأصليين، هي جزيرة شبه مستقلة تخضع لحكم ذاتي يتبع اسميا ونظريا للدانمارك، وهي من أعضاء الاتحاد الأوروبي، فيما تدار من قبل القوات الجوية الأمريكية. فمع أنّها تُعد جزءا من قارة أمريكا الشمالية، إلا أنّ غرينلاند ارتبطت سياسيا وثقافيا بأوروبا، وبالتحديد بالنرويج والدانمارك.
تقع هذه الجزيرة بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي الشمالي، وتبعد عن كندا نحو 26 كلم فقط، تبلغ مساحتها نحو 2.166.086 كيلومتر مربع، بعدد سكان يصل إلى 56 ألف نسمة، حسب الموسوعة البريطانية للعام 2024.
تكتسي مطالبة ترامب بضم هذه الجزيرة بأبعاد جيوسياسية واقتصادية، إذ لطالما اعتبرتها أمريكا موقعا استراتيجيا لأمنها القومي نظرا لقربها من سواحلها، حتى أنّها تعد الخاصرة الرخوة للساحل الشرقي الأمريكي.
علاوة على أنها تتيح لأمريكا مراقبة الممرات المائية بين الجزيرة وآيسلندا وبريطانيا، ولا سيما ممر "GUK" (غرينلاند- آيسلندا- المملكة المتحدة)، خصوصا أنّها تُعد بوابة للسفن البحرية والغواصات النووية الروسية. كذلك فإن "أرض الناس" كما أوكرانيا، تعد أرضا غنية بالمعادن الطبيعية وخصوصا اليورانيوم والليثيوم.
إزاء ما سبق، وما يبديه ترامب من جدية حيال "مسألة غرينلاند" واعتبارها أولوية على صعيد متقدمة على صعيد الأمن القومي الأمريكي، فإنّ نفوذ بروكسل على الكتلة الجيوسياسية على بحر النرويج المتصلة بغرينلاند يتيح لها إحداث توازن جيوسياسي مع واشنطن، من خلال تحولها هي إلى جهة التفاوض مع إدارة ترامب حول هذه المسألة، خصوصا مع الرفض الواضح الذي يبديه السكان الأصليون للجزيرة أمام مطامع واشنطن، الأمر الذي يعزز من أوراقها في المنازلة التي تخوضها مع ترامب الذي يرى في القارة العجوز حليفا مكلفا ومحدود الأهمية على الصعيد الجيوسياسي، وكذلك الاقتصادي. ومع ذلك فإنّ نقطة الضعف التي تبرز في هذه السياسة هي بريطانيا، والتي عدا عن انسحابها من الاتحاد الأوروبي فإنها تعد الحليف الأقرب تاريخيا للولايات المتحدة الأمريكية.
ولندن كما أسلفنا، تُعد ركنا من المثلث في ممر "GUK"، وتتبع حكومتها نهجا مغايرا عن القادة الأوروبيين في التعامل مع ترامب أكثر انسجاما مع توجهاته غير التقليدية، ناهيكم عن أنّ انضمام النرويج وآيسلندا سيفجّر غضب أوكرانيا التي تضغط منذ اندلاع الصراع على أراضيها من أجل الانضمام إلى التكتل الأوروبي، وسط رفض حازم من بعض أعضائه.
وهذا ما قد يؤدي إلى ابتعاد كييف عن بروكسل وباريس ولندن وبرلين بشكل تدريجي، مع ما لذلك من تأثير دراماتيكي على الصراع في أوكرانيا، قد يفضي إلى قبول زيلنسكي وأركان إدارته بالخضوع للشروط الأمريكية، ومن ورائها خضوعه للمعايير الروسية، وبالتالي الإطاحة بكل الجهود والسلاح والأرواح والإنفاق المالي التي تكبدتها أوروبا خلال سنوات الصراع، بينما الأمر الأهم هو فقدان ورقة جيوسياسية شديدة الأهمية تفسح المجال أمام التمدّد الجيوسياسي لروسيا، وهو لم يُتح للاتحاد السوفييتي نفسه في عزّ قوته.. وبذلك، تكون بروكسل قد راهنت على حساب ما تبقى من أوراق نفوذها المتهاوية.