على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «18 – 20»
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «18 – 20»
“لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تكُنْ مُنحنياً”
مارتن لوثر كينج
د. النور حمد
الخنق الإخواني للحياة في السودانلقد أفقر النظام الإخواني الحياة في السودان؛ إذ أفقر غالبية أهلها ماديًّا وقضى على ما تسمى الطبقة الوسطى، بعد أن خلق طبقةً مترفةً بالغة الثراء، مرفهةً، تعيش في فقاعةٍ خاصةٍ بها في الأحياء الراقية في الخرطوم، وفي بعض المدن الكبرى.
إلى جانب الإفقار المادي، أفقر النظام الإخواني الحياة السودانية ثقافيًا. فقد حارب الابداع والمبدعين الحقيقيين وجاء بالكثير من أدعياء الإبداع في كل مناحي الثقافة من آداب وفنون وملأ بهم الفضاء العام حتى أثقله بالغثاثات والفجاجة والرِّكة. قضى الإنقاذيون تمامًا على دور السينما، وخنقوا النشاط المسرحي. وقضى الفقر وسوء الطرق والظلام وصعوبة التنقل على حيوية الأمسيات التي تتسم بها كل مدينةٍ حديثة. ماتت الحيوية المسائية المتمثلة في نشاط الأسواق والمقاهي والمطاعم في وسط المدن، وانسحب إلى الأطراف في شوارع أحياء الطبقة المرفهة. فوسط مدينة الخرطوم، على سبيل المثال، الذي كان بالغ الحيوية في الأمسيات في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات، وكان متاحًا للجميع، أصبح يخيم على الصمت والظلام مع مغيب الشمس. لذلك، أتخذت الطبقة الوسطى التي أعادت تشكيل نفسها بسبب الهجرة إلى العمل في الخارج، وما تبقى من الطبقة الوسطى داخل البلاد، من القاهرة مدينةً بديلة. فأقام بعض هؤلاء فيها بصورةٍ ثابتة، وأصبح البعض الآخر يتردد عليها بكثرة لمختلف الأسباب. بل أصبح صيام رمضان في القاهرة، في العقود الأخيرة، حجًّا سنويًا لدى كثيرين. فحرارة الجو في السودان وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر الذي يمتد لساعات طويلة جعل القاهرة قبلةً رمضانية لدى كثيرين. هذا الانهيار العام وانسداد الأفق الذي أحدثه التنظيم الإخواني في السودان، والشعور العام بأن كارثةً وشيكة الحدوث قد أخذت ترفرف فوق الرؤوس، جعل كثيرًا من السودانيين يحتاطون لأنفسهم بشراء شقة في القاهرة. وهذا هو الذي خلق هذا الانفجار الضخم في تملُّك السودانيين للشقق في مصر بالصورة التي ذكرناها إلى جانب ذلك، فإن القاهرة تتسم بحيويةٍ خاصةٍ في رمضان، حيث يصبح الليل هناك معاشًا كما النهار.
القاهرة مدينةٌ حافظت على نبض الحداثة فيها، بل وزادت فيه الكثير في العقود الأخيرة، في حين فقدت الخرطوم وباطِّراد، حداثتها تمامًا التي عُرفت بها في ستينات القرن الماضي، وفي النصف الأول من سبعيناته. لقد حوَّل التنظيم الإخواني الخرطوم إلى مدينة رَثَّةٍ، ميِّتة، كالحةٍ، وغَبِرة، وقد طال ذلك بقية المدن السودانية. وأدى الغلاء المنفلت والإفقار المتزايد للناس إلى أن ينحصر همهم في البحث عن لقمة عيشٍ لا يتحصَّلون عليها إلا بشق الأنفس. الجميع راسفون في قيود الفقر وقلة الحيلة، وغارقون في جو من الكآبة المستدامة والتشبث بحلمٍ بالتغيير لا يتحقق أبدا. باختصارٍ شديد، حوَّل التنظيم الإخواني مدينة الخرطوم، التي هجر كثيرٌ من أهل الريف أريافهم وأتوا للعيش فيها، إلى غابة ملؤها أنيابٌ زرقٌ ومخالبُ حمر. عاصمةٌ مسؤولي محلياتها لصوص وشرطتها مرتشية وكل إجراء حكوميِّ فيها يتم بشق الأنفس ولابد فيه مع ذلك من سلوك الطرق الملتوية.
منذ بضعة عقود أصبح قضاء العطلة في القاهرة مع بقية الأسرة القادمة من السودان من أمٍّ مسنة وأبٍ مسن ومن حالات طبية طارئة لمرضى في نطاق الأسرة هي الخيار الأفضل للمغتربين السودانيين. فمصر أسهمت في إفشال الدولة السودانية وقد ساعدتها النخب السودانية، خاصة العسكرية، في هذا الإفشال. والمحصلة النهائية هي تدفق مدخرات السودانيين من العملات الصعبة داخل مصر. أيضًا، جعلت القبضة الأمنية الشديدة ومطاردة المعارضين، في فترة حكم الإنقاذ، كثيرًا من السودانيين يتجنبون العودة إلى السودان، ويفضلون قضاء عطلاتهم في مصر. وقد ساعد على ذلك في فتراتٍ سابقة أن السودانيين لم يكونوا مطالبين بالحصول على فيزا مسبقة لدخول مصر. بل، في فترة حكم نميري وأثناء بداية ما سُمِّي التكامل الاقتصادي بين السودان ومصر، أخذت السلطات في البلدين إصدار ما سُمِّيت بطاقة وادي النيل التي تسمح بالتنقل بين البلدين من غير الحصول على فيزا. لكن، ظلَّت مصر تتنكر، كل حينٍ وآخر، لما يجرى الاتفاق عليه، أو تقوم بالالتفاف عليه بطريقة ما، حين تتوتر العلاقات بين البلدين. وهكذا اتسم النهج المصري في السماح للسودانيين دخول مصر من غير فيزا بالتذبذب. فهو قد ابتُدِع أصلاً بغرض التكسب السياسي من أجل استلحاق القطر السوداني بمصر. ثم، ظهر أن الممكن استخدامه كوسيلةٍ للضغط السياسي حين يقتضي الظرف السياسي، وايضًا للَكسُب المالي بجذب مدخرات السودانيين إلى داخل مصر. فالمبدأ الأصيل المتعلق بفتح الحدود بين البلدين، تستخدمه مصر بأسلوبٍ انتقائيٍّ يتغيَّر وفقًا لمقتضى الأحوال السياسية والاقتصادية.
التكسب من وراء تَشَرُّدِ السودانيينفي هذه الحرب الجارية الآن استثمر النظام المصري إجراءات الدخول لتصبح أداةً لمص دماء السودانيين بقسوةٍ ووحشيةٍ بالغة. فالسودانيون الآن شعبٌ مشرَّدٌ يبحث عن ملجأٍ آمنٍ، وهو يحتاج ذلك الملجأ حاجة حياة أو موت. وغالبية الذين يذهبون إلى مصر بسبب هذه الحرب، لا يكلفون الدولة المصرية قرشًا واحدًا. فمن يسجلون أنفسهم في مفوضية اللاجئين، تتكفل برامج الأمم المتحدة بإعاشتهم. وإلى جانب فإن كثيرين منهم يتلقون تحويلاتٍ مالية من أقاربهم المغتربين في جهات الدنيا الأربع. لكن الذي حدث أن مصر تفننت عبر سنتيْ هذه الحرب، في تغيير سياسة دخول السودانيين إليها. فاخترعت بالإضافة إلى رسوم الفيزا شيئًا جديَدًا اسمه “الموافقة الأمنية”. وتبلغ تكلفة الحصول على هذه الموافقة 2500 دولارًا، وفقاً لما ذكرته بعض وكالات السفر والعاملين في هذا المجال. فهل رأى الناس رسومًا باهظة كهذه في أي بلدٍ من بلدان العالم في أمورٍ تتعلق بإجراءات فيزا الدخول؟ (راجع: موقع “أخبار السودان” على الرابط: https://shorturl.at/lprGc). ولابد من الإشارة هنا إلى أن دول الخليج العربي، التي استقبلت أعدادَا غفيرةً من السودانيين بسبب هذه الحرب، ومنحتهم إقاماتٍ مؤقتةٍ، لم ترهق كاهلهم بالأتاوات الباهظة وبالتعقيدات وبالفساد الإداري المؤسسي، ولم تتفنن في إذلالهم وفي الجَّأْرِ بالشكوى منهم، كما فعلت مصر التي تكسب من ورائهم ذهبا.
اخترع النظام المصري هذه البدعة المسماة “الموافقة الأمنية”، على الرغم من أن بين مصر والسودان اتفاقية موقعة منذ عام 2004، تُسمى “اتفاقية الحريات الأربع”. والحريات الأربع هي: حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك. ويعني هذا أن كل سوداني ومصري يستطيع دخول البلد الآخر ويستطيع الإقامة والعمل والتملك فيه. وهي اتفاقية ظل السودان يطبقها حرفيًا ويدع المصريين يدخلون إلى السودان ويعيشون فيه مثلهم مثل السودانيين. لكن مصر ما أن نشبت الحرب وظهر أن ما يقارب المليون سوداني يقفون على حدودها هاربين من لظى الحرب شرعت في التفنن في التكسب من هذا المورد الجديد. والحق يقال إن كثيرًا من الأصوات المصرية قد طالبت النظام المصري بتطبيق اتفاقية الحريات الأربع، وألحَّ هؤلاء المطالبون أن يجري فتح الحدود المصرية الجنوبية لدخول السودانيين النازحين بسبب الحرب، دون أي قيد أو شرط. لكن ما يراه الشعب المصري وما يريده شيءٌ، وما تراه وتريده الأنظمة الدكتاتورية التي ظلت تحكم مصر منذ منتصف القرن الماضي، شيءٌ آخر. (راجع: موقع قناة “بي بي سي” العربية، على الرابط: (https://shorturl.at/5V8im. وللمرء أن يتساءل ماذا تعني هذه الاتفاقية الأمنية وما سبب جعلها شرطًا؟ أهي خوفًا من دخول إرهابيين؟ فالإرهابيون ليسوا عامة شعب السوداني المشرَّد ان، وإنما هم نفس النظام الإخواني الذي يحكم السودان حاليًا، وكثيرون منهم يعيشون مع النظام المصري في قلب القاهرة. هؤلاء هم أنفسهم من أتوا بأسامة بن لادن وكارلوس إلى السودان. وهم أنفسهم من قاموا بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا. وهم أنفسهم من أتوا بالإيرانيين إلى المنطقة. وهم أنفسهم من يهربون الأسلحة الإيرانية إلى حماس عبر بدو صحراء سيناء. وهم أنفسهم من يقومون في هذه اللحظة باستجلاب الدواعش من كل أركان الدنيا ليحاربوا معهم في هذه الحرب الأكثر قذارةً منذ مطلع العصر الحديث. باختصار، لم يكن شرط “الموافقة الأمنية” الذي ابتدعه النظام المصري سوى حيلةٍ لمص دماء شعبٍ مشرَّدٍ يبحث عن أمن ومأوى ومأكل.
البرهان والإخوان يحققون لمصر حلمهاسيذهب الفريق عبد الفتاح البرهان في التاريخ السوداني بوصفه أسوأ حاكم مر على البلاد منذ الحقبة الكوشية القديمة. ويمكن أن ينال في حداث الخراب العميم، لقب نيرون السودان بلا منازع. ولسوف يذهب النظام الإخواني السوداني كأسوأ منظومةٍ سياسويةٍ أيديولجيةٍ، أحالت البلاد التي حكمتها على مدى ستة وثلاثين عامًا إلى كومةٍ من الحطام والرماد. لقد حقق الفريق البرهان والنظام الإخواني للأنظمة المصرية حلمًا ظلَّت تحلم به منذ أن أخرجتها الثورة المهدية من السودان في عام 1885. هذا الحلم القديم المتجدد هو أن يسقط السودان بين فكيها كما تسقط الثمرة الناضجة. فنحن الآن في أخطر منعطف تمر به الدولة السودانية، فعلينا أن نعي خطر الهيمنة المصرية والدور المصري في إفشال الدولة السودانية. وقد ظل يجري استخدام عديد القوى والنخب السياسية السودانية في هذه الخطة القديمة المتجددة. ولو سارت الأمور على هذا المنوال، فإنها سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة استعمار مصر للسودان من جديد. وفي تقديري، أن ذلك سوف يبدأ بسقوط شمال السودان وشرقه، وربما وسطه، لقمةً سائغةً في الفك المفترس للأوليغاركية المصرية الحكومية.
باختصارٍ شديد، لقد فشلنا نحن السودانيين عبر ما يقارب السبعين عامًا من الاستقلال في إدارة بلدنا. فنحن المسؤولون عن هذا الفشل، ولا ينبغي أن نلومَنَّ عليه أحدًا سوانا. لكن، لابد من القول: إن للأنظمة المصرية المتعاقبة دورًا في تسبيب هذا الفشل، بل، وبقسطٍ وافرٍ جدا. وحين نقول ذلك لا نقوله للتشنيع بالأنظمة المصرية. فالأنظمة المصرية، مثلها مثل أنظمة كل الدول؛ ديكتاتوريها وديمقراطيها، تهتبل فرص ضعف الدول الأخرى والثغرات التي تنشأ فيها لخدمة أهدافها. وحين نشير إلى يد الأنظمة المصرية في تكبيل السودان وتعطيله بغرض إلحاقه، إنما نريد إيقاظ الشعب السوداني ونخبه الفكرية والثقافية والسياسية، لنخرج جميعًا من حالة الغيبوبة الطويلة التي أنامتنا فيها الشعارات البراقة الخادعة المتعلقة بالقومية العربية وبالأممية الإسلامية، والأممية البروليتارية، وكذلك الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
مصر لا تريد سودانًا قويًا ناهضًا مستقل القرار السياسي، لأن ذلك يسير على العكس تمامًا من استراتيجتها وأجندتها المستقبلية. وهي استراتيجيةٌ وأجندةٌ ممعنةٌ في الخطأ. وهي استراتيجيةٌ لا تضر بمصالح السودان وحده، وإنما تضر بمصالح مصر أيضا. تتمثل أجندة مصر في: احتكار مياه النيل، وتدفُّق المواد الخام إليها من السودان بأبخس الأثمان. وكذلك، إتاحة الأراضي السودانية لها للزراعة. بل، وحين تسنح الفرصة، تقوم بإرسال المصريين الذين اكتظت بهم أراضي مصر فوق ما تحتمل، إلى الاستيطان في أراضي شمال السودان الشاسعة الخصبة، قليلة السكان وفيرة المياه. مصر تتجنب بكل سبيلٍ إقامة علاقة تبادل تجاري وتكامل إقتصادي شفافةً معافاةً. هي تريد أن تُملي عبر مختلف الطرق أجندتها دون أدنى مراعاة لمصالح الشعب السوداني ولتنمية القطر السوداني. مصر تحارب الديمقراطية في السودان لأنها تريد أن تعقد الصفقات من وراء ظهر الشعب السوداني. هي تريد أن تملي إملاءً على الديكتاتور الذي تنصبه لحكم السودان. وعمومًا، فإن مصر تعمل على مساراتٍ متعدِّدةٍ وبصبرٍ ومثابرةٍ، منتظرةً مجيء تلك اللحظة التي تستلحق فيه السودان بالدولة المصرية عبر أهله أنفسهم. وستأتي هذه اللحظة حين لا يصبح لدى سكان السودان الشمالي أي حيلةٍ متبقيةٍ لضمان أمنهم واستقرارهم، سوى أن يلجأوا إلى الحماية المصرية. وترجو مصر من هذه الحرب الجارية الآن، التي ينخرط فيها النظام المصري بفعاليةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ عاليةٍ أن تحقق لها هذه الخطة بصورةٍ نهائية. وفي تقديري، أن لحظة نجاحها قد قاربت، وهو ما ألح عليًّ ودفعني دفعًا لدق ناقوس الخطر.
استدعاء الاستعمار Colonization by Invitationلقد سبق أن ناقشت في كتاباتٍ سابقة كيف خرجت إلى العلن، عقب هذه الحرب، دعواتٌ لبعض النخب السياسية والتجارية السودانية، التي نادت، بلا مواربة، لضم شمال السودان إلى مصر. بل، وأشرت إلى حديثٍ لعلي كرتي الزعيم الحالي للتنظيم الإسلامي في السودان يدعو فيه المصريين إلى الهجرة إلى السودان لكسب الرزق مع إخوتهم السودانيين. وهناك الكثير من هذا النوع من الأحاديث التي بدأت تظهر بتزايد ملحوظ في الآونة الأخيرة. وأفضل طريقة لمصر لإكمال هيمنتها على السودان، فيما أحسب، لهي تلك التي تأتي عبر مطالبة السودانيين أنفسهم بالانضمام إليها. فهذه هي أفضل صيغةٍ وأقلها كلفةً لتحقيق الهدف النهائي للماراثون المصري الطويل الساعي إلى استعادة السودان ووضعه، من جديدٍ، تحت كامل الهيمنة المصرية، مثلما حدث في الحقبة الخديوية، (1821 – 1885). فالنظام الإخواني الذي حكم السودان حتى الآن 36 عامًا يعمل أفراده الآن، بعد أن تبددت أحلامهم في السيطرة الكاملة على البلاد، على الحفاظ على الثروات التي نهبوها. ولم يعد متاحًا أمامهم لتحقيق ذلك سوى دمج النظام الأوليغاركي السوداني، في النظام الأوليغاركي المصري، الذي شرع في فتح الباب لهم على مصراعيه. خلاصة القول، لن يتقدم السودان خطوةً واحدةً إلى الأمام، ما لم نعرف نحن السودانيين الكيفية التي نُبطل بها هذا الدور المصري المدمر بالوعي به، وبالوقوف ضده بقوة. وأيضًا، لن تنهض مصر، نهضةً حقيقيةً مستدامةً، تليق بتاريخها القديم السابق لعصور الظلام والامتهان الأجنبي التي عاشتها، ما لم تعرف الطريقة الأمثل لخلق علاقةٍ صحيحةٍ منتجةٍ مع السودان.
(يتواصل)
[email protected]
على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (17 – 20)
الوسومالإخوان الاستعمار البرهان الحقبة الكوشية الدولة المهدية السودان الهيمنة المصرية د. النور حمد عبد الفتاح البرهان مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإخوان الاستعمار البرهان الدولة المهدية السودان الهيمنة المصرية د النور حمد عبد الفتاح البرهان مصر الهیمنة المصریة النظام المصری إلى السودان فی القاهرة من السودان فی السودان هذه الحرب فی هذه
إقرأ أيضاً:
فرومان: الصين وأميركا وسباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي
يرى المحلل الأميركي مايكل فرومان أن الصين ربما قد أصبحت مركز التصنيع للاقتصاد العالمي، ولكن الغرب يشعر ببعض الارتياح من التقييم بأن الولايات المتحدة تحتفظ بالريادة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك ربما يعتمد ذلك على الكيفية التي يحدد بها المرء مفهوم المنافسة.
وقال فرومان، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقرير نشره المجلس، إن الولايات المتحدة تميل إلى تعريف المنافسة بأنها السباق نحو الذكاء الاصطناعي العام، ويعني ذلك الذكاء الاصطناعي الذي يحسن نفسه ذاتيا ويتفوق على القوة المعرفية للبشر، والقادر على تنفيذ مهام العمل المعرفي في العالم الحقيقي.
وأضاف فرومان، أنه بحسب تقدير ديفيد ساكس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مجال الذكاء الاصطناعي ، "فإن الصين ليست متأخرة عنا بسنوات وسنوات في مجال الذكاء الاصطناعي. وربما يكون الصينيون متأخرين من ثلاثة إلى ستة أشهر ".
وإذا كان مقياس النجاح هو عمل النموذج الأكبر والأكثر جمالا، فإن الولايات المتحدة تعمل بشكل جيد للغاية.
وتابع فرومان أنه بينما تضخ الشركات الأميركية استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في النماذج والرقائق والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأحدث ، "فقد شعرت بالارتياح عندما قرأت التقرير الجديد الخاص بمعايير الذكاء الاصطناعي الذي أصدره المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، والذي وجد أن النموذج الأميركي الأفضل تفوق على أفضل نموذج صيني وهو "ديب ديسك في 3.1 " في كل معايير الأداء تقريبا ، بما في ذلك التفوق بنسبة 20 بالمئة في مهام هندسة البرمجيات، و35 بالمئة في تكاليف التشغيل العامة، والتفوق الهائل في اختبارات الأمن السيبراني. ولكن روبوتات الدردشة (التي تحاكي الدردشة البشرية )، ربما لا تكون الهدف الأسمى عندما يتعلق الأمر بالآلات المفكرة والمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين. وهناك حجة متنامية ــ ولو أنها تخدم مصالح ذاتية ــ بين كبار خبراء التكنولوجيا والمسؤولين والباحثين في الصين، مفادها أن النماذج اللغوية الكبيرة التي تجذب وادي السليكون لا تمثل المسار الأكثر استراتيجية لمستقبل مدعوم بالذكاء الاصطناعي. أو بصياغة أخرى لما قاله بعض الخبراء الصينيين على موقع ويبو، "مخرجات تطبيق تشات جي بي تي " هي هراء رأسمالي.
وبينما من المؤكد أن الصين تعمل على تحسين نماذجها اللغوية الكبيرة، فإنها تتبع استراتيجية مختلفة نوعا ما، سواء ذلك اختيارا أو ضرورة.
والصين أقل تركيزا على تطبيق تشات جي بي تي ، وتركز أكثر على دمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد المادي على نطاق واسع.
ويكون التحرك الحقيقي في مجال التصنيع، حيث تحقق الصين تقدما في مجال "الذكاء الاصطناعي المجسد".
وتقوم الصين بتشغيل ما يقرب من مليوني روبوت صناعي، وقامت بتركيب نحو 295 ألف روبوت إضافي بحلول عام 2024 وحده، أي أكثر من بقية دول العالم مجتمعة، ويتم الآن تصنيع أغلب هذه الروبوتات محليا في الصين.
وعلى النقيض، قامت المصانع الأميركية بتركيب حوالي 34 ألف روبوت.
وسوف تشغل كل هذه الروبوتات أو سوف يتم دعمها بتطبيقات ذكاء اصطناعي صينية أصغر حجما، لا تتطلب البنية التحتية الضخمة للتدريب على الحاسبات التي تتطلبها روبوتات الدردشة الغربية القوية.
وتشير تقديرات وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية إلى أن أكثر من 60 بالمئة من المصنعين الصينيين الكبار سوف يكونوا قد تبنوا بحلول نهاية عام 2025 شكلا من تكامل "الذكاء الاصطناعي + التصنيع"، وقد تم بالفعل اعتماد آلاف المصانع "المدعومة بالذكاء الاصطناعي" على مستوى البلاد.
وتدعو الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين إلى "التحول الذكي الشامل" للإنتاج الصناعي، مع دمج الذكاء الاصطناعي في 70 بالمئة من القطاعات الرئيسية بحلول عام 2027، وفي 90 بالمئة عام 2030، وبنسبة 100 بالمئة بحلول عام 2035.
و يمكن بالفعل قياس هذا الانتشار على أرض الواقع: حيث أن قرابة نصف كل معدات التصنيع الصينية الجديدة التي تم بيعها في العام الماضي كانت تتضمن الرؤية الآلية، أو الصيانة التنبؤية، أو وظائف التحكم الذاتي - وهو دليل على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد يقتصر على المشاريع التجريبية بل أصبح طبقة افتراضية من الاقتصاد الصناعي.
من الواضح أن الولايات المتحدة ليس لديها مثل هذه الخطة أو المعايير، ولكن ليس من الصعب أن نتخيل جيوشا من رواد الأعمال في جميع أنحاء الولايات المتحدة يعملون على تطوير تطبيقات جديدة لاستخدامها في جميع قطاعات الاقتصاد في الوقت الذي يتقدم فيه الذكاء الاصطناعي.
وتراهن الولايات المتحدة على ما قيمته مئات المليارات من الدولارات من الحوسبة، ومجموعات البيانات الضخمة، ونماذج اللغة الأكبر حجماً على نحو متزايد، سعياً وراء الهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي العام - وهي أنظمة قادرة ومبدعة إلى الحد الذي قد يسمح لها بإطلاق عصر من النمو الاقتصادي القوى والاكتشاف العلمي .
وربما اتخذ الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة شكل تطبيقات المستهلكين وبرامج المؤسسات، لأن الحوافز ،أي الأرباح على المدى القريب. وعلى النقيض ، يتركز نهج الصين على تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأصغر حجما كمدخل للإنتاج، وليس كمنتج بحد ذاته..
وتنعكس الاختلافات في استراتيجية الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين أيضا في استجابة سياسة كل دولة، بما في ذلك نهجها بشأن ضوابط التصدير.
وأشار فرومان إلى أن واشنطن قضت سنوات في استخدام التفوق البارز لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كسلاح – حيث قيدت وصول الصين إلى وحدات معالجة الرسوميات الأكثر تقدما والتي يمكن أن تسهل المنافسة الصينية في "سباقنا "نحو الذكاء الاصطناعي العام - بينما عززت بكين السيطرة على المدخلات - بما في ذلك المعادن الحيوية - والتي يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في المنافسة في سباقها نحو الهيمنة الصناعية.
وكالة الطاقة الدولية وهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، تتمتع الصين بوضعية مهيمنة في السوق العالمية في مجال تكرير النيكل والكوبالت والجرافيت والجاليوم والجرمانيوم - وهي مواد أساسية لصناعة الرقائق المتقدمة وأجهزة الاستشعار والبطاريات.
وهذا ينطبق أيضا على تصنيع الالماس الصناعي المتخصص والصناعي، ومعالجة المعادن الأرضية النادرة الثقيلة - وهي المجالات التي يمتلكونها ويسيطر فيها أيضا على الملكية الفكرية لتقنيات المعالجة والمعدات.
وبمعنى آخر ، يمكن أن تحرم الولايات المتحدة الصين من الحصول على الرقائق الإلكترونية اليوم، ولكن الصين يمكنها أن تجعل من الصعب جدا تصنيع الرقائق وغيرها من التقنيات المتقدمة في المستقبل.
ورغم براعة أميركا الفائقة في مجال البرمجيات والتصميم، فإن الحقيقة المثيرة للقلق هي أنه في عالمٍ تسيطر فيه الصين على المواد الخام الأساسية لصناعة الرقائق، لا يمكن غض الطرف عن استراتيجية الذكاء الاصطناعي الصناعية التطبيقية الصينية – التي ترتكز على التصنيع وأمن الموارد.
وجدير بالذكر أن الصين اتخذت هذه الإجراءات التصعيدية عشية اجتماع ترامب مع الرئيس الصيني شي جين بينج على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ المُقبلة في كوريا الجنوبية.
واختتم فرومان تقريره بالقول "إنه عندما فرض ترامب الرسوم الجمركية على الصين لأول مرة، لاحظ الكثير منا أن الصين ربما تنتقم باستغلال التحكم في منتجات معينة تسيطر عليها.
والآن، نتنافس في استخدام النفوذ الاقتصادي أيضا. وسوف يكشف الزمن من سيثبت أنه الفائز ، إن حقق أي منهما الفوز ، في هذه المنافسة.