تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قبل أن تتحول الشاشة إلى ساحة سباق محموم، كان رمضان زمان يأتي ومعه سحر خاص، حيث كانت المسلسلات جزءًا أصيلًا من طقوس الشهر الكريم، لا مجرد عروض تملأ الفراغ، كنا ننتظر دقات الساعة بعد الإفطار لنلتف حول التليفزيون، نتابع الحلقات بشغف، ونحفظ تترات المسلسلات عن ظهر قلب، كأنها نشيد مقدس يعلن بداية الحكاية.

من «ليالي الحلمية» إلى «بوابة الحلواني»، ومن «هند والدكتور نعمان» إلى «رحلة السيد أبو العلا البشري»، كانت الدراما تلمس قلوب المشاهدين، تحكي عنهم، تناقش همومهم، وتضيء واقعهم بصدق وبساطة. لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت انعكاسًا لأحلام واحتياجات جمهور كان يبحث عن الدفء، عن الفن الذي يشبهه، عن قضايا تُروى بعمق دون صخب.

رمضان زمان لم يكن مجرد موسم درامي، بل كان موعدًا مع الإبداع الأصيل، حيث اجتمع الكبار والصغار أمام الشاشة، ليشاهدوا فنًّا يحترم عقولهم، ويسافر بهم إلى عالم من المشاعر الحقيقية. واليوم، وسط زحام الإنتاجات الحديثة، يبقى الحنين لتلك الأيام حاضرًا، حيث كانت المسلسلات ليست مجرد أعمال درامية، بل ذكريات محفورة في الوجدان.

وسط أجواء رمضان الدافئة في التسعينيات، جاء مسلسل "المال والبنون" ليحفر اسمه في ذاكرة المشاهدين، كأحد أهم الأعمال الدرامية التي ناقشت صراع المبادئ في مواجهة إغراءات المال. المسلسل لم يكن مجرد حكاية درامية عابرة، بل كان بمثابة مرآة تعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المصري على مدار عقود.

دارت الأحداث في فترة ما بعد ثورة يوليو 1952، حيث يرصد المسلسل حياة عائلتين متناقضتين تمامًا. الأولى، عائلة عباس الضو (عبدالله غيث)، الرجل الذي رفض المال الحرام وفضّل العيش بشرف رغم قسوة الظروف. والثانية، عائلة سلامة فراويلة (يوسف شعبان)، الذي كوّن ثروته بطرق غير مشروعة، ليجد نفسه في صراع مع ضميره ومع مجتمعه.

ينعكس هذا الصراع على أبناء العائلتين، حيث يتضح الفرق بين تربية قائمة على المبادئ وأخرى غارقة في إغراءات الثروة. وبينما يتربى يوسف عباس الضو (شريف منير) على الأخلاق والشرف، يعيش منصور فراويلة (أحمد عبد العزيز) وسط حياة مترفة لكنها بلا قيم حقيقية. تتشابك المصائر، وتتعقد العلاقات، ويظل السؤال الأهم: هل يمكن للمال أن يشتري السعادة؟

حقق "المال والبنون" نجاحًا مدويًا، وأصبح حديث الشارع المصري والعربي عند عرضه في 1993. لم يكن مجرد مسلسل درامي، بل كان عملاً يحمل رسائل اجتماعية وإنسانية عميقة. الشخصيات كانت نابضة بالحياة، والأداء التمثيلي كان على أعلى مستوى، ما جعل الجمهور يتعلق بها بشدة.

لم يقتصر النجاح على الموسم الأول فقط، بل تم تقديم جزء ثانٍ في 1995، استكمالًا للقصة، لكنه لم يحظَ بنفس تأثير الجزء الأول رغم أنه حافظ على مستوى جيد من الدراما والإثارة.

تميز "المال والبنون" بسيناريو محكم يجمع بين التشويق والإسقاطات الاجتماعية، مع موسيقى تصويرية ساحرة من ألحان ياسر عبد الرحمن، أصبحت جزءًا لا يُنسى من ذاكرة المشاهدين. كما أن شخصيات مثل عباس الضو وسلامة فراويلة تحولت إلى أيقونات درامية تمثل الصراع الأزلي بين الخير والشر.

المسلسل كان تأليف محمد جلال عبد القوي، وإخراج مجدى أبو عميرة، ومن بطولة الفنانين: عبدالله غيث، يوسف شعبان، شريف منير، أحمد عبد العزيز، هادي الجيار، فايزة كمال، ومنى عبد الغني.

"المال والبنون" لم يكن مجرد مسلسل، بل كان دراما ملحمية أثرت في وجدان المشاهدين، وظل مثالًا حيًا على الأعمال الرمضانية التي تجمع بين المتعة الفنية والرسالة الهادفة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المال والبنون عبدالله غيث يوسف شعبان مجدي ابو عميرة المال والبنون لم یکن مجرد بل کان

إقرأ أيضاً:

الكوميديا الشعرية.. كيف سخر ألكسندر بوب من مجتمعه؟

في عصر كانت فيه الأرستقراطية تحاط بهالة من التقديس والهيبة، جاء الشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب ليكسر هذا الصمت بقصيدته الشهيرة “The Rape of the Lock”، مستخدماً أدواته الشعرية في رسم صورة ساخرة للمجتمع البريطاني الراقي، لا تخلو من الفكهة ولا من النقد اللاذع.

خلفية القصيدة: عندما يتحول “خصلة شعر” إلى ملحمة!

قصة القصيدة تبدأ من حادثة حقيقية صغيرة أثارت خلافًا بين عائلتين من الطبقة الأرستقراطية في لندن، بعدما أقدم شاب على قص خصلة من شعر فتاة شابة جميلة في إحدى الحفلات، دون إذنها. 

وبدلًا من اعتبار الحادثة “مزحة ثقيلة”، تطورت إلى أزمة اجتماعية وأحاديث لا تنتهي.

تدخل بوب، بناءً على طلب من صديق مشترك، ليؤلف قصيدة ساخرة تهدف إلى تهدئة الموقف، فتحولت الواقعة التافهة إلى ملحمة شعرية بطولية صور فيها الخصلة وكأنها “كنز سماوي”، والفتاة كأنها “حورية من عالم الآلهة”.

سخرية ناعمة… لكنها موجعة

بوب لم يكتف بالسخرية من الحادثة فقط، بل استغلها كمنصة لانتقاد السطحية الفارغة التي سيطرت على الطبقات الثرية في عصره.

نراه في القصيدة يسخر من الهوس بالمظاهر والزينة
حيث يصف طقوس تجميل الفتاة وكأنها “مراسم مقدسة”، تقام فيها القرابين (من مساحيق وألوان) للآلهة، والتفاهة المغلّفة بالرقي
فبينما يتحدث الأسلوب الشعري عن “معارك”، و”بطولات”، و”آلهة”، نجد أن كل هذا موجه فقط لأجل خصلة شعر، أو نظرة إعجاب، أو لعبة ورق.

بإلإضافة الى انشغال المجتمع بما لا قيمة له في تجاهل تام لقضايا حقيقية كانت تموج بها إنجلترا في تلك الحقبة، مثل الفقر، والطبقية، والفساد السياسي.

ما وراء السخرية

رغم الطابع الكوميدي، فإن “The Rape of the Lock” ليست مجرد نكتة شعرية.

بوب كان يعكس من خلالها فلسفة أخلاقية وأدبية تؤمن بأن الأدب يجب أن يُظهر الحقيقة، حتى لو من خلال السخرية، وأن الشاعر عليه أن يكون “مرآة المجتمع” لا مجرد كاتب لمدح النخبة.

تأثير القصيدة

حققت القصيدة نجاحًا هائلًا، ولا تزال تدرس حتى اليوم كأحد أفضل نماذج الشعر الهزلي (Satirical Poetry)، إلى جانب أعمال مثل “Gulliver’s Travels” لجوناثان سويفت.

وقد اعتبرت نموذجًا مثاليًا لمزج البلاغة الكلاسيكية بالذكاء الاجتماعي.


 

طباعة شارك ألكسندر بوب الشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب المجتمع البريطاني الشعر ثقافة

مقالات مشابهة

  • بعد تصدره التريند.. كلمات تتر مسلسل "حرب الجبالي" لـ بهاء سلطان تجذب انتباه المشاهدين
  • محمد زمان أسطورة التعليق الكروي بالمغرب يمر بأزمة صحية
  • حكايات من مآسي الجوع والنزوح في خان يونس جنوب قطاع غزة
  • وفاة والدة الفنانة أروى بعد صراع مع المرض
  • صيغة ابن القيم في الدعاء بأسماء الله وصفاته.. تفتح أبواب الرحمة لك
  • الكوميديا الشعرية.. كيف سخر ألكسندر بوب من مجتمعه؟
  • الزواج ليس مجرد حبر على ورق
  • عربات جدعون.. مسمّى جديد لمجزرة مستمرة بحق غزة
  • خالد الجندي: مبدأ أنا مالي انتشر في أوساط كثيرة .. فيديو
  • رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين تدعو إلى تحصين الشهادة الجامعية عبر ترسيخ القيم الأخلاقية والعلمية