بعض الناس يصابون بحالة من عدم القدرة على النطق أو الدفاع عن أنفسهم، عندما تحاصرهم الظروف، وربما أكثر صمتًا وحيرة عندما تأتيهم سهام الغدر من أقرب الناس إليهم، صمتهم ليس ضعفًا، لكن هول الأمر وعدم توقعه تجعلهم في حالة ذهول وصدمة تلجمهم عن النطق بأي كلمة فمن أقسى ما قيل في الانهزام وعمق جراح القلب «أنا لست ضعيفا.

. لكن الخصم كان أقوى من طاقتي».

إذا كان هناك هجوم لاذع من أشخاص نعرفهم يصبح الأمر أكثر تعقيدًا وحيرة، أما الذين لا نعرفهم فربما شجارنا مجرد حادثة عابرة ستنتهي حتى لو لم ندافع عن أنفسنا ولو بكلمة واحدة.

هناك حالة أخرى من الصمت تحدث للإنسان تشل حركته لسانه، وتجعله واجمًا ساكنًا في مكانه، لا يعرف كيف يعبر عما في نفسه من وجع أو اضطراب نفسي، أقرب الأمثلة إلى ذلك هو حالة الإنسان عندما يفقد عزيزا عليه، لذا لا تستغرب إن وجدته حائرا ما بين القوة والضعف.

والسؤال: هل لأن هول المفاجأة أو الفاجعة هو الذي يلجم أفواه الناس ويمنعهم من البكاء أو الصراخ أو النطق بكلمة واحدة؟

أحيانا تخيب الظنون عندما نتخيل الكثير من الأشياء غير الحقيقية، نتهم الآخرين بأنهم ليسوا بشرا يشعرون ويتألمون بصمت، ولكن عندما نتدارك ونتدارس الأمر نعيد الحسابات المفقودة، ونستفيق على أمر آخر نعلم من خلاله أننا قد سلكنا الطريق الخاطئ فمثلا: «الصمت عند النزاع له ردة فعل، وعند المصيبة له ردود أخرى، ولكن بعض الصمت نفسره على أنه تجرد تام من المشاعر والأحاسيس، وعدم الاكتراث بالأشياء المهمة التي تستوجب ردة فعل «إيجابية أو سلبية».

الواقع أن الصمت هو جزء من الألم النفسي، وربما لا يطول أمد هذا الصمت حتى نرى انفجار البعض في موجة من البكاء أو الصراخ بشكل هستيري، وبعضهم يطلق صيحات الأنين ويزفر كل الألم الذي حبسه لبرهة من الوقت في حجرات قلبه بدون أن يدرك أنه كان يعد قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.

يوصي أحد الحكماء ابنه قائلا: «إذا أردتَ يا بني أن تشغل خصمك فكن صامتا؛ لأن صمت العدو دائما باعث للحيرة والاستغراب»، وقال آخر: «الصمت أفضل من النقاش مع شخص تدرك جيدا أنه سيتخذ من الاختلاف معك حربا، لا محاولة فهم»، أما أحد الفلاسفة فيقول: «سيكون العالم مكانا أسعد لو امتلك الناس قدرة على الصمت بنفس قدرتهم على الكلام».

إذن رسالة الصمت ربما تكون أعمق بكثير من الحديث أو التعبير عما يشعر به الإنسان، فالصمت إذن ليس هزيمة كما يراها البعض، وإنما قد يكون نوعًا من الحكمة وحفظا للقوى من الانهيار.

وسواء كنت صامتًا أمام حديث لاذع يصدر من عدو لدود، أو مصدوما من فاجعة فقد مؤلمة، فالصمت يمكن أن نفسره على أنه لا يعني عدم القدرة على الرد ! بل يحمل في جوفه غايتين: الأولى التغاضي عن التَفاهات المطروحة من أشخاص حقودين ومرضى نفسيين، والآخر: حينما لا ترى جدوى من الحديث سوى الشعور بالألم ولكن بصمت!، إذن علينا أن ندافع عن الصمت ونعتبره بأنه ليس ضعفا، بل نوعا من الارتقاء الإنساني نحو أفق أبعد.. ربما الدهشة التي تحدث في تلك اللحظة هي جزء من عدم إدراك العقل لما يحدث فيصبح الإنسان عاجزا عن التعبير.

أحد المغردين في «ميتا» أعجبني حديثه عن هذه النقطة ومن شدة إعجابي بما قاله اقتبسه هنا، فهو يقول: «الرقي ليس أن تجادل، ولا أن تثبت أنك على حق، بل أن تختار صمتك سلاحًا حين يدور الحديث في دائرة الحُمق.. الرقي أن تملك الكلمات، لكنّك تختار ألا تُهدرها على من لا يفهم قيمتها.. بل أن تقف بثبات، وتراقب بصمت من يصرخ لإثبات لا شيء..»

ويضيف قائلا: «الرقيّ هو أن تدرك أن الكرامة ليست في الانتصار بالكلمات، بل في الحفاظ على هيبة الصمت.. فالحكمة تقول: «الصمت في حضرة الجهلاء عزّة نفس، لا ضعفًا» إن كنت ترى ما لا يُدركه غيرك، فلا تُرهق نفسك بالشرح؛ لأن بعض العقول ترى ما تريد فقط، فاختر رقيّك وأغلق أبواب الحديث حفاظًا على قيمتك».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المفوّض الأممي فولكر تورك: لا تظنّوا أن حقوق الإنسان من المسلّمات في أي مكان من العالم

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، على ضرورة "استعادة" هذه القيم الأساسية التي تعرضت للتقويض في أوروبا بحسب قوله.

الاتحاد الأوروبي ليس بمنأى عن تراجع حقوق الإنسان الأساسية. هذا هو التحذير الذي أطلقه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، مع احتفال العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول.

ولتأكيد تصريحاته، أشار المسؤول النمساوي إلى أحدث تقرير أوروبي حول سيادة القانون، والذي يفيد بأن "نحو نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي شهدت تراجعًا في الحيز المدني"، بحسب ما قاله تورك.

ومع ذلك، يضيف تورك، فإن "الفضاء المدني هو ما يجعلنا نزدهر، ، فنحن بحاجة إلى فضاء مدني مفتوح وحر. يجب أن نكون قادرين على التعبير عن آرائنا، ويجب أن نكون قادرين على الاحتجاج إذا اعتقدنا أن لنا الحق في ذلك. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على تكوين الجمعيات. وقد رأيت العديد من التوجّهات، حتى في المناقشات السياسية حول هذا الموضوع، التي تريد تقييد الحيّز المدني في قضايا البيئة، والمناخ، وقضايا الهجرة".

Related البابا ليو الرابع عشر: الكرسي الرسولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسانتحديات الهجرة في أوروبا: بين الحدود المغلقة وحقوق الإنسان المهددةالأمم المتحدة تحذر من تراجع خطير في قدرة العالم على حماية حقوق الإنسان أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، 4 نوفمبر/تشرين الثاني، 2025 AP

ويعدّ التنظيم الرقمي أحد اهتمامات تورك. لدى الاتحاد الأوروبي نظامان أساسيان هما: قانون السوق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية. وأضاف المسؤول الأممي: "أعتقد أن أوروبا قدمت مساهمة مفيدة للغاية على الصعيد العالمي".

Related القانون الأوروبي للخدمات الرقمية يدخل حيز التنفيذ

ولكن "اليوم، نرى توجّهات ونقاشات تشير إلى أننا ربما يتعيّن علينا أن نخفّض المعايير." وفق تعبيره.

ويأمل المفوض السامي للأمم المتحدة ألا تسلك الدول الأعضاء الـ27 هذا المسار. "أوروبا هي حقًا مثال يُحتذى به عندما يتعلق الأمر بالفضاء الرقمي تحديدًا."

وأضاف تورك أن "أوروبا أيضًا مثال رائد في مجال تنظيم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. ولكننا نشهد مجددا نقاشا حول هذه العملية الشاملة، والتي قد تسعى إلى تخفيفها. في الواقع، الكثير من الشركات تقول لنا، دعونا نتأكد من أننا نحافظ على معايير العناية الواجبة بحقوق الإنسان في مجال الأعمال التجارية."

Related "أوقفوا هذا الجنون".. الأمم المتحدة تتهم إسرائيل بارتكاب "تطهير عرقي" في غزةمنظمة الصحة العالمية تكشف تفاصيل الهجمات الإسرائيلية على منشآتها في دير البلح لا تجرّدوا المهاجرين من إنسانيتهم

أثار تورك قضية ثالثة تشغل باله، وهي سياسة الهجرة.

يقول في هذا الصدد: "إذا نظرت إلى النقاش الدائر حول الهجرة في عالمنا اليوم، فلا بدّ لي أن أقول، ، إنه غالبًا ما يُجرِّد المهاجرين واللاجئين من إنسانيتهم، خاصة على مستوى الخطاب السياسي. ومرة أخرى، يجب ألا نبدأ أبدًا بتجريد أي مجموعة من إنسانيتها"، كما أوضح: "لأنه سينتهي بنا المطاف إلى النظر إلى أجزاء أخرى من المجتمع وهو منحدر خطير للغاية".

لذلك يرغب المفوض الأممي السامي في رؤية نقاش مبني على الحقائق من أجل إيجاد حلول دائمة والابتعاد عن النقاش الذي يزداد استقطابًا.

المهاجرون الذين وصلوا مؤخرًا إلى جزيرة كريت، 19 أغسطس 2025 AP Photo

شعار اليوم العالمي لحقوق الإنسان لعام 2025 هو "احتياجاتنا الأساسية اليومية". ويوضح تورك أن الفكرة تنبع من ملاحظة أن حقوق الإنسان قد تبدو مجرّدة. ومع ذلك، "فهي تربطنا بحياتنا اليومية، فالحق في الغذاء والماء والصرف الصحي والقدرة على تحمل التكاليف والسكن، كلُّ هذا من حقوق الإنسان. تماما مثل الحق في الرعاية الصحية والتعليم".

وقد أعرب المفوض السامية أن يذكّر الجميع بواقع حقوق الإنسان على الأرض. ولذلك يرى أنه "من المهم العودة إلى أساسيات حقوق الإنسان والتمتع بها، وكذلك النضال من أجل حقوق الآخرين في أوروبا وخارجها" وفق تعبيره.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • أسعد الشيباني: إلغاء قانون قيصر يمثل "انتصارا"
  • خلافاً للواقع..السوداني:حقوق الإنسان العراقي لامثيل لها في العالم!!
  • عندما يقصى الضحايا.. لا معنى لأي حوار في ليبيا
  • جوتيريش: 80 عاما ندافع عن حقوق الإنسان وندعم التعليم والانتخابات ونزيل الألغام
  • بوتين: العلاقات الروسية الإندونيسية تتطور بشكل جيد
  • 46% من حالات قتل الصحفيين في 2025 سُجّلت في غزة
  • الأميرة لمياء بنت ماجد آل سعود: الإعلام يخلق الوعي باحتياجات المجتمعات ويتكامل مع العمل الإنساني
  • المفوّض الأممي فولكر تورك: لا تظنّوا أن حقوق الإنسان من المسلّمات في أي مكان من العالم
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد التزامه الراسخ بحقوق الإنسان في العالم