شاهد.. مأساة صحية في دير الزور وحملة شفاء للإسعاف
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
دير الزور- يعاني المواطن عمر حسين الخيري من ألم أسفل ظهره "الديسك" منذ أشهر، جاء لطلب الجراحة من فريق طبي يزور دير الزور، ويقول للجزيرة نت إن الوضع في محافظته لا يسمح بإجراء عمليات كهذه بسبب غياب المعدات.
أما المواطن مصطفى الحمد والد الطفلة رهام، فقال للجزيرة نت إن ابنته تعاني من كسر منذ 3 أسابيع، وكان عليه الانتظار لحين قدوم الحملة الطبية، بسبب حالته المادية التي تمنعه من السفر للعلاج خارج المحافظة.
وتعيش محافظة دير الزور، شرقي سوريا، واقعا صحيا متدهورا بعد سنوات من الحرب والحصار، وسط نقص حاد في الكوادر والتجهيزات والمعدات، ما جعلها من أكثر المناطق السورية احتياجا للدعم الصحي النوعي.
وفي خطوة تعد الأولى من نوعها كانت انطلاقة حملة طبية "شفاء"، التي يقودها وفد من نخبة الأطباء السوريين المقيمين في أوروبا والمملكة المتحدة، بهدف تقديم خدمات طبية وجراحية متخصصة في عدد من المحافظات السورية، من بينها دير الزور.
يوصف الواقع الصحي في دير الزور بأنه "الأسوأ على مستوى البلاد"، بحسب ما أفاد به مدير الصحة في المحافظة الدكتور يوسف السطام للجزيرة نت، مشيرا إلى أن القطاع الصحي في المحافظة يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية والتجهيزات، حيث لا يعمل من أصل 10 مستشفيات إلا اثنان فقط، في حين يعمل أقل من ثلث مراكز الرعاية الصحية البالغ عددها 106 مراكز.
إعلانوأضاف السطام أن دير الزور بعيدة جغرافيا عن مركز القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، وهذا ساهم في تهميشها، كما أن نسبة الدمار التي لحقت بالمنشآت الصحية كبيرة، والكوادر الطبية نزحت أو غادرت منذ سنوات.
بدوره، وصف الدكتور وائل الديري، مختصة جراحة الأوعية ضمن "حملة شفاء"، الوضع بأنه "مأساوي"، موضحا للجزيرة نت أن الفريق يعمل على تقييم الحالات بأبسط الوسائل المتاحة، فلا توجد تجهيزات كافية حتى لتصنيف الحالات الإسعافية، ويتم الاعتماد حاليا على الخبرة السريرية والحد الأدنى من المعدات.
أما الدكتور فراس المشلب، استشاري أمراض القلب، فقال للجزيرة نت إن الوضع الصحي في دير الزور لا يقل سوءا عن باقي المناطق السورية، لكن نسبة الدمار والإهمال المتعمد جعلت منها حالة خاصة، فلا يوجد مركز قسطرة قلبية ولا معدات لإجراء عمليات فتح الصدر، ما يضطرنا لتحويل الحالات إلى محافظات أخرى.
حملة "شفاء"
ضمن تحرك إنساني نوعي، وصل وفد طبي مكون من 80 إلى 100 طبيب سوري من أوروبا والمملكة المتحدة إلى عدة مناطق سورية، أبرزها دير الزور، ضمن "حملة شفاء"، بإشراف مباشر من وزارة الصحة ومديرياتها.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الدكتور أسامة الصالح، مختص الجراحة العصبية، إن الوفد بدأ عمله في المستشفى الوطني بدير الزور، حيث استقبلنا أعدادا كبيرة من المرضى، وفعّلنا 4 عيادات بالتوازي لتقييم الحالات، وسيُجرى للمرضى المحتاجين تدخلات جراحية مباشرة ضمن برنامج الحملة الممتد حتى 3 أسابيع.
وأضاف الصالح أن الوضع الصحي الخاص في دير الزور نتيجة الحصار السابق وبعدها عن المركز جعلنا نشهد تراكما كبيرا في الحالات المرضية، وتم بالتعاون مع مديرية الصحة تجهيز غرفتي عمليات وأسرّة للعناية.
إعلانوأوضح الصالح أن الفريق يشمل تخصصات الجراحة العصبية والعمود الفقري والجراحة العامة وجراحة الأوعية والداخلية القلبية وسيُستكمل البرنامج لاحقا بفرق إضافية في الجراحة العصبية والعامة.
وأكد الدكتور فراس المشلب أن جزءا من الخطة يشمل تنسيقا مع محافظات أخرى لتحويل الحالات التي تحتاج قسطرة قلبية أو عمليات قلب مفتوح إلى دمشق أو حمص، بسبب غياب التجهيزات اللازمة في دير الزور.
تُعد "حملة شفاء" خطوة إسعافية عاجلة لمواجهة التدهور الصحي الكبير، لكنها أيضا تفتح الباب لنقاش أوسع حول ضرورة تفعيل القطاع الصحي في شرق سوريا، وفق ما أكده الدكتور يوسف السطام للجزيرة نت. وقال إنهم يسعون لتحويل دير الزور إلى مركز خدمات طبية متكاملة يخدم المنطقة الشرقية برمتها من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية وتطوير الكوادر عبر التدريب المستمر وتأمين التجهيزات النوعية.
وأشار السطام إلى أن المحافظة بحاجة ماسة لأجهزة حديثة مثل الرنين المغناطيسي والطبقي المحوري والتصوير الظليل ومعدات جراحية متقدمة ومركز قسطرة قلبية.
كما ناشد الدكتور أسامة الصالح جميع المنظمات الدولية والدول المانحة برفع العقوبات عن سوريا، والسماح بتقديم الدعم للقطاع الصحي، معتبرا أن الكوادر السورية في الخارج قادرة على إحداث فرق إذا تم تهيئة الظروف المناسبة لهم للعمل داخل البلاد.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية، تُشكّل "حملة شفاء" نقطة ضوء في نفقٍ طويل من التحديات الصحية والإنسانية التي تعيشها محافظة دير الزور.
وبين أمل الأهالي وتفاني الأطباء العائدين، يبقى الواقع الطبي مرهونا بدعم دولي حقيقي وإرادة فعلية في إعادة الحياة إلى مؤسسات الرعاية الصحية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی دیر الزور بدیر الزور للجزیرة نت حملة شفاء الصحی فی
إقرأ أيضاً:
علماء للجزيرة نت: العاصفة الشمسية غانون سحقت غلاف الأرض البلازمي
في مايو 2024، أتاحت عاصفة شمسية هائلة للعلماء فرصة غير مسبوقة لفهم كيفية انهيار طبقة البلازما الواقية للأرض في ظل ظروف جوية فضائية قاسية.
وبفضل وجود القمر الصناعي الياباني "أراس" في موقع رصد مثالي، شاهد الباحثون انكماش طبقة البلازما إلى جزء بسيط من حجمها المعتاد، واستغرقت عملية إعادة بنائها أيامًا.
وقد كشف هذا الحدث عن "عاصفة سلبية" نادرة في طبقة الأيونوسفير، أبطأت بشكل كبير قدرة الغلاف الجوي على التعافي. طبقة الأيونوسفير هي جزء من الغلاف الجوي (تقريبًا من 60 حتى 1000 كيلومتر) والتي تتأين بفعل أشعة الشمس، وتؤثر على انتشار موجات الراديو، ويظهر فيها الشفق القطبي.
وكانت البيانات التي تم الحصول عليها بواسطة القمر الاصطناعي أراس ضمن مشروع بحثي بقيادة الدكتور أتسوكي شينبوري من معهد أبحاث البيئة الفضائية-الأرضية بجامعة ناغويا في اليابان، قد قدمت رؤى قيّمة في كيفية تعطيل النشاط الشمسي الشديد للأقمار الصناعية وإشارات نظام تحديد المواقع العالمي، وأنظمة الاتصالات.
كما قدمت تلك الأرصاد أيضا أول رؤية تفصيلية لكيفية تأثير هذا الحدث على الغلاف البلازمي للأرض (وهي المنطقة الواقية للأرض من الجسيمات المشحونة المحيطة بالكوكب).
ومن ناحية أخرى تُظهر نتائج الدراسة التي نشرها شينبوري ورفاقه في دورية "إيرث بلانتيت آند سبيس"، كيفية استجابة كلٍّ من الغلاف البلازمي والغلاف الأيوني أثناء الاضطرابات الشمسية الشديدة.
وتساعد هذه الملاحظات البحثية في تحسين التنبؤات بانقطاعات الأقمار الصناعية، ومشاكل نظام تحديد المواقع العالمي، ومشاكل الاتصالات الناجمة عن طقس الفضاء المتطرف.
العاصفة الشمسية هي اضطراب في سطح الشمس ينتج عنه انبعاث كميات هائلة من الطاقة والجسيمات المشحونة نحو الفضاء.
إعلانوتحدث هذه العواصف بسبب التغيرات في المجال المغناطيسي للشمس، وتتكون من توهجات شمسية وانبعاثات كتلية إكليلية، وعندما تصل هذه المواد إلى الأرض، يمكن أن تتسبب في ظواهر مثل الشفق القطبي وتؤثر على الاتصالات وأنظمة الطاقة.
وبحسب البيان الرسمي الصادر من جامعة ناغويا، فإن العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الفائقة التي ضربت الأرض في الفترة من 10 إلى 11 مايو 2024 والمعروفة باسم "غانون"، هي أقوى حدث من هذا النوع منذ أكثر من عقدين، وهي أحد أشد أشكال الطقس الفضائي تطرفًا، والتي تنشأ عندما ترسل الشمس دفعات هائلة من الطاقة والجسيمات المشحونة نحو الأرض، وهي عادةً ما تظهر مرة واحدة كل 20-25 عامًا.
ويقول شينبوري في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "خلال العاصفة الجيومغناطيسية التي حدثت، تقلص الغلاف البلازمي للأرض من 44 ألف كيلومتر إلى 9 آلاف و600 كيلومتر خلال 9 ساعات".
ويضيف: "بعد ذلك، استعاد الغلاف البلازمي تدريجيًا مستوى الهدوء، وقد استغرقت هذه الفترة أكثر من 4 أيام، أي أطول بكثير من 77 عاصفة جيومغناطيسية معتادة خلال الفترة من 2017 إلى 2024".
رصد تغيرات الغلاف البلازمي للأرضفي عام 2016 أطلقت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) قمر أراس الصناعي، ليجتاز الغلاف البلازمي للأرض ويقيس موجات البلازما والمجالات المغناطيسية.
وخلال هذه العاصفة العاتية، كان القمر الصناعي في موقع مثالي لتسجيل الانضغاط الشديد للغلاف البلازمي والتعافي البطيء والطويل الذي تلاه، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها العلماء على بيانات مستمرة ومباشرة تُظهر انكماش الغلاف البلازمي خلال عاصفة عاتية.
وفي هذا الصدد يقول شينيوري: "لقد تتبعنا التغيرات في الغلاف البلازمي باستخدام قمر أراس الصناعي، واستخدمنا أجهزة استقبال أرضية لمراقبة الغلاف الأيوني، مصدر الجسيمات المشحونة التي تُعيد ملئ الغلاف البلازمي للأرض، وقد أظهرت لنا مراقبة الطبقتين مدى انكماش الغلاف البلازمي بشكل كبير، ولماذا استغرق تعافيه كل هذا الوقت".
ويوضح شينبوري تفاصيل هذه العملية قائلا: "اجتاز القمر الصناعي أراس طبقة الأيونوسفير والغلاف البلازمي والغلاف المغناطيسي الداخلي بفترة مدارية مدتها 10 ساعات عند حدوث العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الفائقة، حيث تمكّن من قياس كثافة الإلكترونات في الغلاف البلازمي بدقة"
ويضيف: "من ناحية أخرى، وباستخدام بيانات نظام تقنية "جنس تيك" العالمية، وهو نظام لقياس طبقة الايونوسفور، تم تجميع البيانات من 9000 محطة حول العالم، كما راقبنا كثافة الإلكترونات في الغلاف الأيونوسفير أثناء العاصفة الجيومغناطيسية، وبمقارنة كلا البيانات، تمكنا من رؤية التغير في الغلاف الأيوني والغلاف البلازمي للأرض".
بعد نحو ساعة من وصول العاصفة الشمسية العاتية، اندفعت الجسيمات المشحونة عبر الغلاف الجوي العلوي للأرض عند خطوط العرض العليا، وتدفقت نحو الغطاء القطبي.
ومع ضعف العاصفة، بدأت طبقة البلازما تتجدد بالجسيمات التي تزودها طبقة الأيونوسفير، وعادةً ما تستغرق عملية إعادة التعبئة هذه يومًا أو يومين فقط، ولكن في هذه الحالة، امتدت عملية التعافي إلى أربعة أيام بسبب ظاهرة تُعرف بالعاصفة السلبية.
إعلانفي هذه العاصفة، تنخفض مستويات الجسيمات في طبقة الأيونوسفير انخفاضا حادا على مساحات واسعة عندما يُغير التسخين الشديد التركيب الكيميائي للغلاف الجوي، وهو ما يؤدي هذا إلى انخفاض أيونات الأكسجين التي تُساعد في تكوين جزيئات الهيدروجين اللازمة لاستعادة طبقة البلازماسفير، كما ان العواصف السلبية غير مرئية ولا يُمكن رصدها إلا باستخدام الأقمار الصناعية.
وفي ها الصدد قال شينبوري، في تصريحاته للجزيرة نت: "تتميز العاصفة السلبية باستنزاف كثافة الإلكترونات في طبقة الأيونوسفير لفترة طويلة من خلال عملية الفقد المرتبطة بتفاعل كيميائي بين الجسيمات المشحونة والجسيمات المحايدة على ارتفاعات الأيونوسفير، وتسبب استنزاف كثافة الإلكترونات في طبقة الأيونوسفير في انخفاض إمداد طبقة البلازماسفير بالجسيمات المشحونة، مما أدى إلى بطء تعافي طبقة البلازماسفير.
طقس الفضاءتُقدم هذه النتائج فهما أوضح لكيفية تغير الغلاف البلازمي خلال عاصفة شمسية شديدة، وكيفية انتقال الطاقة عبر هذه المنطقة من الفضاء، حيث واجهت العديد من الأقمار الصناعية أعطالًا كهربائية أو توقفت عن إرسال البيانات خلال هذه العاصفة، وانخفضت دقة إشارات نظام تحديد المواقع العالمي، وانقطعت الاتصالات اللاسلكية.
وبحسب الدراسة، فإن معرفة المدة التي تستغرقها طبقة البلازما الأرضية للتعافي من هذه الاضطرابات أمرٌ أساسي للتنبؤ بطقس الفضاء في المستقبل، ولحماية التكنولوجيا التي تعتمد على ظروف مستقرة في الفضاء القريب من الأرض
ويقول شينبوري، في تصريحاته للجزيرة نت: "نظرا للتغيرات الحادة في طبقة الأيونوسفير خلال العاصفة الجيومغناطيسية الفائقة، تزداد أخطاء تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية بشكل ملحوظ"
ويضيف: "لذلك، من المهم التنبؤ بمثل هذه الظواهر خلال العواصف الجيومغناطيسية الفائقة. علاوة على ذلك، فإن معدل حدوث العواصف الجيومغناطيسية الفائقة منخفض جدًا (نحو 4%)، مقارنةً بأحداث العواصف الأخرى. في المستقبل، ينبغي لنا مواصلة إجراء تحليل متكامل للبيانات من المراقبة الأرضية والفضائية أثناء العواصف الجيومغناطيسية الفائقة لفهم العملية الفيزيائية للحقول وبيئات البلازما في طبقة الأيونوسفير".