التعاون المربح للطرفين هو المسار الصحيح للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية

بقلم ليانغ سوو لي 

في 9 أبريل الجاري، أصدرت الصين كتابًا أبيض بعنوان “موقف الصين بشأن بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة”، كشف فيه من خلال بيانات مفصلة وتحليل منهجي عن طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين والتحديات الواقعية التي تواجهها.


وقد جاء هذا الكتاب في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة مؤخرًا عن فرض ما يُسمى بـ”الرسوم الجمركية المتبادلة” على جميع شركائها التجاريين، بما في ذلك الصين. لذا، لا يُعدّ الكتاب الأبيض ردًا صارمًا على السياسات الأحادية الأمريكية فحسب، بل يمثل أيضًا دعوة إلى إعادة توجيه النظام الاقتصادي والتجاري العالمي إلى مساره العقلاني، ويعكس التزام الصين الراسخ بمبدأ التعاون المربح للطرفين.
أكد الكتاب الأبيض أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تقوم بطبيعتها على النفع المتبادل والمصالح المشتركة. فعلى مدى 46 عامًا من إقامة العلاقات الدبلوماسية، ارتفع حجم التجارة الثنائية من أقل من 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 1979 إلى نحو 688.3 مليار دولار في عام 2024، بينما تجاوزت الاستثمارات المتبادلة بين البلدين 260 مليار دولار. لم يكن هذا النمو وليد الصدفة، بل نتج عن التكامل العميق في الهيكل الاقتصادي للبلدين، وهو تكامل لا يقتصر على تجارة السلع، بل يشمل أيضًا مجالات الخدمات والاستثمار.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحقق فائضًا كبيرًا في تجارة الخدمات مع الصين، حيث بلغ هذا الفائض في عام 2023 وحده نحو 26.57 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 9.5% من إجمالي فائضها العالمي في هذا القطاع. وهذه الأرقام تثبت بوضوح أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ليست علاقة صفرية، بل علاقة تكاملية قائمة على المصالح المتبادلة.
ومع ذلك، فإن السياسات الأحادية التي انتهجتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بدأت تقوّض هذا التوازن. فقد كشف الكتاب الأبيض أنه منذ بداية الاحتكاكات التجارية في عام 2018، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على صادرات صينية تفوق قيمتها 500 مليار دولار أمريكي، واستمرت في تنفيذ سياسات تستهدف تطويق الصين واحتوائها، بل وتزايدت حدّة هذه السياسات مؤخرًا. وهذا النهج الذي يتنافى مع قواعد اقتصاد السوق لا يمكن إلا أن يؤدي إلى نتائج عكسية.
وبحسب تقديرات “مختبر الميزانية” في جامعة ييل، فإن تطبيق الرسوم الجمركية المتبادلة، إلى جانب ردود الفعل المضادة من الدول الأخرى، قد يؤدي إلى ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة بنسبة 2.1%. وتُقدَّر الخسائر المتوسطة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمرتفع بنحو 1300 و2100 و5400 دولار أمريكي على التوالي، ما يعني أن هذه الأسر ستكون في نهاية المطاف هي من يدفع ثمن تلك الرسوم.
ولم تقتصر تداعيات القرارات الأحادية الأمريكية على العلاقات الثنائية فحسب، بل امتد تأثيرها إلى النظام التجاري العالمي برمّته، مما يهدد مسيرة التعافي الاقتصادي العالمي. فقد حذّرت نجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، من أن رفع الولايات المتحدة لرسومها الجمركية قد يؤدي إلى انخفاض حجم التجارة السلعية العالمية بنسبة تصل إلى 1% في عام 2025، أي أقل بنحو 4 نقاط مئوية من التوقعات السابقة.
في مواجهة هذا التصعيد، أظهرت الصين ضبطًا للنفس ورؤية عقلانية، ولم تتخلَّ عن موقفها الرافض للحرب التجارية. وأوضح الكتاب الأبيض أن الصين ستواصل توسيع انفتاحها بالتزامن مع اتخاذ تدابير مضادة قوية لحماية مصالحها الوطنية. ففي عام 2024، بلغ إجمالي الواردات الصينية 18.4 تريليون يوان (دولار أمريكي)، مما حافظ على مكانتها كثاني أكبر سوق استيرادية في العالم للسنة السادسة عشرة على التوالي. كما تجاوزت قيمة الصفقات الموقعة في الدورات الست لمعرض الصين الدولي للاستيراد 500 مليار دولار أمريكي. وراء هذه الأرقام، تكمن حالة اليقين التي توفرها الصين للعالم من خلال الانفتاح المؤسسي، في تناقض صارخ مع الحواجز الجمركية التي تقيمها الولايات المتحدة.
إن العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية ليست مجرد قضية ثنائية، بل عاملًا حاسمًا يؤثر في سلاسل التوريد العالمية وقواعد التجارة الدولية والاستقرار الاقتصادي العالمي. وفي مواجهة الخلافات، قدّم الكتاب الأبيض حلولًا واقعية وواضحة: إلغاء الإجراءات الأحادية، واستئناف الحوار المتكافئ، وتعزيز الإطار المتعدد الأطراف. وقد وجد هذا الموقف صدى واسعًا لدى المجتمع الدولي، حيث عبّرت العديد من الاقتصادات مثل الآسيان والاتحاد الأوروبي عن معارضتها الصريحة للممارسات الأمريكية التي تزعزع استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
إن الصين والولايات المتحدة، كأكبر دولة نامية وأكبر دولة متقدمة في العالم، تتحملان مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع الدولي. فإذا تعاونتا، سيستفيد العالم بأسره، وإذا تصادمتا، فسيكون الجميع خاسرًا. وإصدار الصين لهذا الكتاب الأبيض لا يمثّل تقييمًا عقلانيًا للعلاقات الثنائية فحسب، بل يعكس أيضًا رؤية أعمق لمستقبل الاقتصاد العالمي. فالواقع يؤكد أن أي محاولات لتشويه النظام الدولي تحت شعار “أمريكا أولًا” لن تفضي إلا إلى نتائج كارثية، بما في ذلك على من يتبنّاها. فقط من خلال التمسك بالتعددية وتعزيز التعاون الرابح للطرفين يمكن فتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة والشاملة للاقتصاد العالمي.
إن مستقبل العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية مرهون بقدرة الطرفين على اتخاذ القرار الصائب. أما الصين، فقد أعلنت موقفها بوضوح: التعاون لا يزال هو الخيار الأفضل.

إعلامية صينية

الوسومأمريكا الاقتصاد الصين العلاقات ليانغ سوو لي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أمريكا الاقتصاد الصين العلاقات

إقرأ أيضاً:

صقر غباش: الحوار السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات الدولية

روما: «الخليج»
التقى صقر غباش، رئيس المجلس الوطني الاتحادي، خيراردو فرنانديز نورونيا، رئيس مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة المكسيكية، على هامش المؤتمر البرلماني الثاني للحوار بين الأديان، المنعقد حالياً في العاصمة الإيطالية روما، بتنظيم مشترك بين الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان الإيطالي.
وحضر اللقاء، الدكتور علي راشد النعيمي وسعيد راشد العابدي، عضوي المجلس، والدكتور عمر عبد الرحمن النعيمي الأمين العام للمجلس، وطارق أحمد المرزوقي الأمين العام المساعد لشؤون رئاسة المجلس.
تبادل الزيارات
تم خلال اللقاء، بحث سبل تعزيز علاقات التعاون البرلماني بين الجانبين، من خلال تبادل الزيارات وتعزيز التنسيق والتشاور حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما على صعيد تفعيل ودعم العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تتسم العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة المكسيكية بالصداقة والشراكة التي تقوم على أسس التفاهم على الصعيد السياسي والاقتصادي والحضاري في ظل دعم ورعاية من كلا القيادتين الحكيمتين للبلدين، وكذلك تبادل الزيارات رفيعة المستوى والحرص على تعزيزها المشترك في كافة المجالات.
وفي بداية اللقاء، رحب صقر غباش برئيس مجلس الشيوخ المكسيكي، مشيراً إلى أن هذا اللقاء يُجسّد الحرص المشترك بين الجانبين على تعزيز التعاون البرلماني البنّاء، وتبادل الخبرات والتجارب بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأشار إلى أن المؤتمر البرلماني الثاني لحوار الأديان يُشكّل منصة دولية مهمة لتعزيز قيم التفاهم المتبادل والتعايش السلمي، وتبادل الرؤى حول دور البرلمانات في ترسيخ ثقافة الحوار والانفتاح والسلام بين الشعوب.
موقف الإمارات
أكد غباش، أن الحوار هو السبيل الأمثل والوحيد لإنهاء الأزمات والنزاعات الدولية، وأن مواقف دولة الإمارات تنطلق من التزام راسخ بقواعد ومبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول، وتسوية النزاعات عبر الوسائل السلمية.
كما تطرق اللقاء إلى أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية واستكشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في أسواق الدولتين في مختلف القطاعات ذات الأولوية.
ولفت إلى أهمية أن يسهم التعاون البرلماني بين المجلس الوطني الاتحادي والبرلمان المكسيكي في دعم الجهود الرامية إلى تهيئة بيئة استثمارية وتجارية محفزة بين البلدين، وتعزيز أوجه التعاون والشراكة الاستراتيجية القائمة في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية.
من جانبه، استعرض خيراردو فرنانديز نورونيا، رؤيته حول الأوضاع الدولية الراهنة، مؤكداً أن هذه المرحلة الاستثنائية تفرض ضرورة بناء شراكات استراتيجية، ومنها تطوير العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سايسية: الدفاع عن سماء إسرائيل تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية
  • مصر وتركيا تستهدفان رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار
  • اجتماع برلين يحذر معرقلي المسار السياسي، ويتخوف من الإجراءات الأحادية
  • تويوتا ترفع أسعارها في الولايات المتحدة بمعدل 270 دولارًا أمريكيا اعتبارًا من يوليو المقبل
  • حكومة الدبيبة: ملتزمون بالعمل مع الشركاء الدوليين لإنجاح المسار السياسي
  • صقر غباش: الحوار السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات الدولية
  • وزير التجارة الفرنسي: الإمارات شريك استراتيجي بامتياز
  • بنعبد الله يزور الصين لتعزيز العلاقات الثنائية وتعميق التعاون مع الحزب الشيوعي (صور)
  • عبدالله بن زايد ووزير المالية الكندي يستعرضان التعاون في المجالات الاقتصادية
  • المنفي يستقبل القائم بأعمال السفارة الأمريكية لبحث تطورات المسار السياسي