في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2025، يكمل السودان عامه الثاني تحت وطأة حرب طاحنة عصفت بآمال وطموحات ملايين السودانيين، ولم تترك خلفها سوى الدمار والنزوح والجوع والمرض. تعمل الأمم المتحدة على الأرض لدعم المدنيين والتخفيف من آثار الصراع - من جوع وعنف جنسي وذخائر غير منفجرة وفقدان أثر الآلاف - داعية إلى وقف فوري للحرب.



مع مرور عامين على اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الأطراف على الوقف الفوري للقتال واتخاذ خطوات نحو عملية سياسية شاملة "لوضع السودان على طريق السلام والاستقرار". كما جدد دعوته للمجتمع الدولي إلى توحيد جهوده "لإنهاء هذا النزاع المروع".

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك وصف ما يحدث في السودان بأنه "اعتداء شامل على حقوق الإنسان وسط تقاعس عالمي، مما يُخلّف عواقب وخيمة على المدنيين". وأكد أن الصراع يتسم بتجاهل تام لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث هاجم الطرفان بانتظام المناطق المأهولة وارتكبا انتهاكات جسيمة.

أكبر أزمة نزوح في العالم
يشهد السودان أكبر أزمة نزوح في العالم. فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قال إن "ثلث سكان السودان نازحون. وامتدت عواقب هذا الصراع المروع والعبثي إلى ما وراء حدود السودان". في المجمل، نزح أكثر من 12 مليون شخص داخليا بينما عبر نحو 3.8 مليون لاجئ الحدود، وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع هذا العدد بنحو مليون شخص في عام 2025.

يانس لاركيه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ذكر أن ملايين السودانيين بحاجة ماسة للمساعدة، وأن المدنيين وعمال الإغاثة يُقتلون دون معاقبة الجناة، وأن العنف الجنسي يتفشى.

ودعا إلى وقف الهجمات على المدنيين ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات، وضمان وصول آمن للمساعدات، وحماية ودعم المنظمات المحلية.

الموت يهدد الآلاف
أما شون هيوز، منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي لأزمة السودان، فقد وصف الوضع المأساوي في السودان بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، بكل المقاييس، إذ يواجه نحو 25 مليون شخص - أي نصف السكان - جوعا شديدا، ويعاني ما يقرب من خمسة ملايين طفل وأُم من سوء التغذية الحاد.

وحذر هيوز من أن "عشرات الآلاف من الأشخاص في السودان سيموتون خلال العام الثالث من الحرب، ما لم يتمكن برنامج الأغذية العالمي وغيره من الوكالات من الوصول إلى المحتاجين والحصول على الموارد اللازمة لهم". وناشد المجتمع الدولي ضمان الوصول الإنساني والتمويل اللازمين لتجنب كارثة إنسانية أكبر.

أطفال السودان في دائرة الخطر
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) حذرت من أن "الموت تهديد مستمر" يخيّم على حياة أطفال السودان. ففي محيط مدينة الفاشر وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون القصف المستمر ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

من بورتسودان، نقلت لنا إيفا هندز، رئيسة قسم المناصرة والتواصل في يونيسف السودان، شهادة مؤلمة عن الواقع المرير الذي يعيشه أطفال الفاشر ومعسكر زمزم الذي تفشت فيه المجاعة.

وقالت: "هذا مكان يمثل فيه الموت تهديدا مستمرا للأطفال، سواء كان ذلك بسبب القتال الدائر حولهم أو بسبب انهيار الخدمات التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة".

نساء يلدن على قارعة الطريق
يُلقي الصراع بظلاله القاتمة بشكل خاص على النساء والفتيات في السودان. أرجنتينا ماتافيل بيتشين، القائمة بأعمال ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، وصفت الوضع بأنه "يفطر القلب"، مشيرة إلى أن من بين 12 مليون نازح، هناك حوالي 2.7 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، بمن فيهن 300 ألف امرأة حامل يواجهن خطر الانتهاكات الوحشية والولادة في ظروف غير إنسانية.

وقالت لأخبار الأمم المتحدة: "بعض النساء ينتهي بهن المطاف بالولادة على قارعة الطريق عندما يفررن من بيوتهن بعد سماع القصف والقنابل... وعندما تتم الولادة دون وجود عناية ماهرة، قد يُصاب الطفل حديث الولادة بمرض الكزاز".

وحذرت بيتشين من التأثير الممتد للأجيال القادمة، حيث يؤدي سوء التغذية بين النساء الحوامل إلى ولادة أطفال ضعفاء، تقل فرص بقائهم على قيد الحياة وقدرتهم على التعلم.

كما أشارت إلى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث يواجه ما يقدر بنحو 6.7 مليون شخص خطر هذا العنف، وتكون النساء والفتيات النازحات هن الأكثر عرضة للخطر.

آلاف المفقودين.. وانتهاكات مروعة
بينما تتصاعد الأزمة الإنسانية، تتفاقم المخاوف بشأن مصير آلاف الأشخاص الذين اختفوا في خضم النزاع. رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة المعني بالسودان، أوضح أن الإحصائيات الدقيقة لا تزال غير متوفرة، لكن التقديرات تشير إلى أرقام مروعة. بينما تقدر المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات العدد بنحو خمسين ألف مفقود، وثقت منظمات حقوقية سودانية محلية ما لا يقل عن 3,177 حالة، من بينهم أكثر من خمسمائة امرأة وثلاثمائة طفل.

وأكد نويصر - في حوار مع أخبار الأمم المتحدة - أن الاختفاء القسري وفقدان الأشخاص مشكلة متجذرة في السودان، مشيرا إلى أن الحرب "غير المفهومة وغير الضرورية" خلفت انتهاكات أخرى مروعة، شملت تدمير مناطق سكنية، وانتهاك الحقوق، وطرد المدنيين، والاغتصاب الجنسي، والتجنيد القسري.

الذخائر غير المنفجرة.. خطر يتربص بالعائدين
بعد عامين من الحرب، يبرز خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة وهو الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. صديق راشد، رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، حذر من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقال راشد لأخبار الأمم المتحدة: "إنه لأمر مقلق للغاية أن الذخائر غير المنفجرة... ستكون موجودة في المنازل وفي الساحات... لذا فإن الخوف هو أنه عندما يعود الناس، فإنهم سيبدأون بالفعل في تنظيف منازلهم... أعتقد أن الخطر كبير للغاية ومرتفع للغاية".

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر. وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، كما دعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

رسالة إلى العالم: لا تنسوا السودان
في خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا - سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: "الناس في وضع يائس. نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان، وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجهت السيدة نكويتا - سلامي رسالة واضحة وعاجلة إلى العالم، حيث قالت: "ما زلنا بحاجة إلى جهد هائل. ما زلنا بحاجة إلى دعم من المجتمع الدولي من حيث الموارد، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من التسهيلات من جميع الجماعات المسلحة المشاركة في هذا الصراع".

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجتمع الدولی الأمم المتحدة فی السودان ملیون شخص

إقرأ أيضاً:

هروب المصارعين أزمة تهدد الرياضة المصرية

أثارت موجة انتقال عدد من المصارعين المصريين إلى تمثيل دول أخرى حالة من الجدل الواسع، ليجد اتحاد المصارعة نفسه في مرمى الانتقادات من جماهير اللعبة وخبرائها، وسط تساؤلات عن أسباب تفاقم الظاهرة في السنوات الأخيرة.

١٢ مليون جنيه و٢١ ألف دولار وراتب شهرى حصيلة دعم المصارع كيشو

وأشعل قرار المصارع محمد إبراهيم "كيشو" بالانتقال إلى تمثيل الولايات المتحدة الأمريكية، الجدل الحاد بين الجماهير والمتابعين، بعدما أعلن صراحة أنه "سيمثل منتخب أمريكا" استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية لوس أنجلوس 2028.

فعلى مدار العقد الماضي، شهدت الساحة الرياضية المصرية حالات متكررة لمصارعين بارزين قرروا إما الاعتزال المبكر أو السفر بحثًا عن فرصة أفضل في الخارج، بعد أن ضاقت بهم سبل الدعم والإمكانات المحلية.

وقال المنتقدون إن غياب الرعاية الكافية وتهميش الأبطال في أوج عطائهم، كانا السبب الرئيس وراء هذا النزيف المستمر من المواهب.

ومن أبرز الأسماء التي غادرت صفوف المنتخب للدفاع عن ألوان دول أخرى، إبراهيم غانم الشهير بـ"الونش"، ومحمد عصام السيد، وأحمد فؤاد بغدودة الذين انتقلوا جميعًا إلى تمثيل فرنسا، في حين اضطر آخرون مثل أحمد إبراهيم عجينة وسارة جودة إلى تعليق أحلامهم الرياضية مبكرًا بسبب إصابات مزمنة في الركبة والرباط الصليبي.

نفى مسئولو الاتحاد اتهامهم بالتقصير وأكدوا أن بعض المصارعين اتخذوا قرار الرحيل لأسباب شخصية أو طموحات احترافية مشروعة، وليس نتيجة تقصير إداري.

وبحسب الميثاق الأولمبي، يُلزم الرياضيون الذين يرغبون في تمثيل دولة جديدة بالانتظار لمدة ثلاث سنوات من آخر مشاركة رسمية مع بلدهم الأصلي، إلا إذا تم التنازل عن هذه المدة بموافقة اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي للعبة واللجنة الأولمبية للدولة الجديدة، وهو ما تستفيد منه بعض الدول التي تسعى لاستقطاب المواهب الواعدة.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تدعو إلى توسيع نطاق الاستجابة الإنسانية فورا بعد وقف الحرب بغزة
  • الأمين العام للأمم المتحدة يتوجه إلى مصر لحضور مؤتمر السلام الدولي
  • خطوة غير مسبوقة في أمريكا لتسريح جماعي لـ4200 موظف في ظل أزمة الإغلاق الحكومي
  • الأمم المتحدة تدين مقتل عشرات المدنيين في الفاشر على يد الدعم السريع
  • هروب المصارعين أزمة تهدد الرياضة المصرية
  • حكومة «تأسيس» ترحب بخطة «الرباعية» و تعلن إستعدادها لإنهاء الحرب في السودان
  • الرئيس السيسي: مصر تدعم دور وكالات الأمم المتحدة وخاصةً الأونروا في قطاع غزة
  • عاجل | الفرنسية عن مسؤول في الأمم المتحدة: سنبدأ تسليم مساعدات إنسانية على نطاق واسع إلى غزة بعد غد الأحد
  • النقد الدولي: اليمن يواجه أزمة إنسانية حادة ولابد من تحصيل الإيرادات كاملة وتعديل الدولار الجمركي
  • مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: اتفاق شرم الشيخ بشأن إنهاء الحرب في غزة اتفق عليه الجميع