الرباط – في خضم الجدل المتصاعد بالمغرب حول كلفة دعم استيراد المواشي وشفافية هذا الدعم، تقدّمت فرق الأغلبية البرلمانية بطلب لتنظيم مهمة استطلاعية للوقوف على مدى نجاعة البرامج والإجراءات الحكومية الموجهة لاستيراد الأبقار والأغنام واللحوم، ومدى مساهمتها في حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

وجاءت هذه الخطوة بعد يومين فقط من إعلان فرق المعارضة البرلمانية عن مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بشأن مختلف أشكال الدعم الحكومي الموجه لاستيراد وتربية المواشي، وسط تضارب الأرقام بشأن حجم المستفيدين وكلفة الدعم.

أرقام متضاربة

وأشعل وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة فتيل الجدل بعد أن اتهم مستوردي الأغنام بتحقيق أرباح ضخمة وغير أخلاقية على حساب الدعم العمومي، مقدرا أرباحهم بـ13 مليار درهم (حوالي 1.3 مليار دولار).

ودعم زميله في الحزب وزير التجارة والصناعة رياض مزور هذه التصريحات، وأشار إلى أن عدد المستوردين لا يتجاوز 18 فردا، مما يثير شبهة احتكار، ملوحا بكشف أسمائهم مستقبلا.

في المقابل، نفى رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب وقيادي في حزب الأحرار قائد الائتلاف الحكومي، هذه الأرقام مؤكدا أن عدد المستوردين بلغ 100، وأن كلفة الدعم لم تتجاوز 300 مليون درهم (30 مليون دولار).

إعلان

وفي محاولة لتبديد التضارب، أعلنت وزارة الفلاحة أن كلفة دعم استيراد الأغنام الموجهة لعيد الأضحى خلال عامي 2023 و2024 بلغت 437 مليون درهم (حوالي 43.7 مليون دولار)، شملت 875 ألف رأس و156 مستوردا. لكنها لم تكشف عن الكلفة الإجمالية لباقي عمليات الاستيراد خارج هذه المناسبة.

خرفان معروضة للبيع في أحد أسواق المغرب (الجزيرة) تصاعد الاتهامات

وتصاعدت الاتهامات بعد طلب الأغلبية تشكيل مهمة استطلاعية بدلا من لجنة تقصي حقائق، إذ اتهم الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (معارضة) نبيل بنعبد الله الحكومة بـ"المكر" السياسي، مشيرا إلى أن مبادرة المعارضة بمجلس النواب إلى الدعوة لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق كان يفترض أن تواجه بروح إيجابية، طالما أن الهدف هو الوصول إلى الحقيقة.

وفي خضم هذا التراشق، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس أن اختيار الآلية الرقابية المناسبة يبقى من اختصاص البرلمان ولا دخل للحكومة فيه، مشددا على أن علاقة الحكومة بالمؤسسة التشريعية مبنية على التوازن والتعاون كما نص الدستور.

وقال النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية (معارضة) عبد الصمد حيكر إن الدعم العمومي الموجه لاستيراد المواشي لم يُحقق أهدافه المعلنة، سواء في التحكم في الأسعار أو حماية القدرة الشرائية للمواطنين أو الحفاظ على القطيع الوطني، بل تحوّل إلى مصدر أرباح طائلة لفئة محدودة، دون أثر ملموس على السوق.

وأكد حيكر، في حديث للجزيرة نت، أن المعطيات الرسمية تُشير إلى أن 10.7% فقط من المتقدمين بطلبات الاستيراد استفادوا وقاموا فعليا باستيراد الأبقار أو الأغنام مستفيدين من الامتيازات المقررة، كما أن 40% من الشركات المستفيدة فعليا لا علاقة لها أصلا بقطاع اللحوم أو المواشي، إذ تم إنشاؤها خصيصا بعد الإعلان عن العملية أو غيّرت نشاطها للغرض ذاته.

إعلان

وأوضح أن الأرقام التي بحوزته مستمدة من وثائق رسمية صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، وتم توزيعها على النواب خلال مناقشة مشروع قانون مالية 2025.

وتكشف هذه الأرقام -وفق المتحدث- "عن دعم مباشر بقيمة 500 درهم (50 دولارا) عن كل رأس غنم بمناسبة عيد الاضحى، فضلا عن تكاليف ضريبية كبيرة نتيجة الإعفاء من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، لتصل الكلفة الإجمالية إلى أزيد من 13 مليار درهم (1.3 مليار دولار) إلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2024″، مشيرا إلى أن عمليات الاستيراد تضاعفت منذ ذلك الحين، مما يؤشر على أن كلفتها قد تفوق 20 مليار درهم (نحو ملياري دولار).

دعوات من أحزاب المعارضة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن كلفة دعم استيراد المواشي (الجزيرة) غياب الحكامة

وفيما يخص التضارب الواضح في الأرقام والتصريحات، تحدث البرلماني عبد الصمد حيكر عن الحاجة إلى تحقيق شفاف وجاد، وفق وصفه.

ويرى الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن الجدل حول تضارب الأرقام يُخفي إشكالا أعمق يتعلق بـ"الريع والفساد وغياب الحكامة" وفق وصفه، مؤكدا أن "السجال لا يجب أن ينحصر فقط فيما إذا كانت المبالغ المصروفة ملايين أو ملايير، بل يجب التوجه نحو الأسئلة الجوهرية: من استفاد من العملية؟ وفق أي معايير تم قبول ملفات المستوردين؟ ولماذا لم ينعكس هذا الدعم على الأسعار في السوق؟".

وأوضح الخبير للجزيرة نت أن جزءا من التضارب في الأرقام مردّه إلى الخلط بين عمليتين مختلفتين، الأولى تتعلق باستيراد الأغنام المخصصة لعيد الأضحى خلال عامي 2023 و2024 والتي استفاد فيها المستوردون من دعم مباشر وإعفاءات جمركية؛ والثانية تخص عملية استيراد عامة للمواشي واللحوم الحمراء بهدف تزويد السوق وتخفيض الأسعار.

“للي ما ف كرشو عجينة ما عندو علاش يخاف”. بمعنى أن الحكومة إذا كانت فعلاً متأكدةً من أن دعمها لمستوردي المواشي لا يشوبُـــــهُ أيُّ اختلال، فلماذا تتهربُ من لجنة تقصي الحقائق!؟ إنَّ اللجنة مثل اسمها تماماً، لا تهدف سوى إلى الحقيقة. فلماذا تخاف الحكومةُ من الحقيقة!؟ pic.twitter.com/eQVhzAnvwW

— PPS - حزب التقدم والاشتراكية (@PPSofficiel) April 10, 2025

إعلان بين الاستطلاع والتقصي

وبالنظر إلى خطورة وتعقد هذا الملف، يرى عبد الصمد حيكر أن تشكيل مهمة استطلاعية بالبرلمان لا يتناسب مع التطلعات الشعبية لكشف الحقائق وإحالة المخالفين على القضاء في حالة وجود قرائن على تورط أي كان في شبهة المس بالمال العام من دون وجه حق وتبديده.

وقال "المهمة الاستطلاعية آلية محدودة، تنبثق عن إحدى اللجان البرلمانية الدائمة ولا تملك صلاحيات ذات إلزامية قوية، حيث يمكن للمسؤولين تجاهل حضور أشغالها دون أية تبعات قانونية، كما أنها لا تتيح الاستماع للفاعلين في القطاع الخاص، رغم أن الموضوع المطروح، وهو استيراد المواشي، يخص مستوردين ينتمون إلى هذا القطاع".

في المقابل، أوضح أن لجنة تقصي الحقائق، المنصوص عليها دستوريا، تتمتع بصلاحيات واسعة، إذ تتيح الاستماع لأي طرف والحصول على الوثائق بالقوة القانونية، كما أن امتناع أي شخص عن التعاون معها يُعرضه للمساءلة الجنائية.

وقال "تقرير لجنة التقصي يمكن أن يُحال على القضاء في حال الكشف عن مخالفات، وهو ما لا توفره المهمة الاستطلاعية التي لا تُفضي إلا إلى توصيات غير ملزمة".

وأضاف "نحن أمام ملف فيه شبهات احتكار وتبديد أموال عمومية وتحقيق أرباح غير مشروعة لعدد محدود من المستوردين، مما يستدعي محاسبة حقيقية، خاصة وأن المتضرر ليس المواطن فقط، بل أيضا الاقتصاد الوطني وقطاع تربية الماشية ككل".

أما رشيد ساري فيرى أن ما يثير القلق هو أن "الاختلالات التي رافقت هذه العملية انطلقت منذ سنة 2023، ولكن إثارتها بصوت مرتفع لم تتم إلا مؤخرا، وخصوصا من داخل مكونات الأغلبية الحكومية نفسها، مما يطرح احتمال أن يكون الموضوع بدأ يُستثمر في إطار حملة انتخابية مبكرة".

ودعا إلى تدخل مجلس المنافسة كما فعل سابقا في ملف أسعار المحروقات، قائلا "إذا ظل الملف محصورا في سجالات بين الحكومة والمعارضة، فسنكون أمام قضية تُوظف سياسيا بدل أن تُعالج مؤسساتيا وفق مقاربة شفافة ومحاسباتية".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات استیراد المواشی إلى أن

إقرأ أيضاً:

تحسن الاقتصاد يفتح باب خفض الأسعار.. مطالب بآليات إلزامية للتجار

في ظل إعلان الحكومة عن تحسن مؤشرات الاقتصاد الوطني وانحسار الأزمة الاقتصادية، تتجدد المطالب باتخاذ خطوات عملية لخفض الأسعار في الأسواق، بما يضمن وصول أثر هذا التحسن إلى حياة المواطنين اليومية.

طالب خبراء في تصريحات لـ صدى البلد بضرورة وضع آليات واضحة لإلزام التجار والمصنعين بتمرير مكاسب الاستقرار الاقتصادي إلى المستهلك النهائي.

برلمانية: توجيهات الرئيس السيسي لتطوير الإعلام تعزز الشفافية وتدعم بناء الإنسان المصريبرلمانية: القرار العربي الرافض لاحتلال غزةجاء ليعبر عن الموقف الموحد للدول العربيةبرلماني: جولة وزير الصناعة بالعاشر من رمضان تعكس تعزيز مكانة مصر كقوة صناعية إقليميةبرلماني: خطة الاحتلال بالسيطرة على غزة تهدد استقرار المنطقة بأكملها

وقال الخبير الاقتصادي عماد كرم، إن تحسن مؤشرات الاقتصاد الوطني، وانحسار الأزمة الاقتصادية؛ يمثل فرصة لاتخاذ خطوات عملية لخفض الأسعار في الأسواق، بما ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية.

وأوضح أن المؤشرات الإيجابية التي كشف عنها رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، تؤكد أن الاقتصاد المصري يسير في مسار أكثر استقرارا، مع تراجع معدلات التضخم وتحسن احتياطي النقد الأجنبي، وهي عوامل من شأنها تعزيز قوة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتقليل كلفة الاستيراد، ما يتيح المجال أمام انخفاض أسعار السلع الأساسية.

وأشار إلى أن المرحلة الحالية تتطلب آليات واضحة وفعالة؛ لضبط الأسواق، وضمان التزام التجار والمصنعين بتمرير أثر هذا التحسن إلى المستهلك النهائي، بدلا من الاكتفاء بتحقيق هوامش أرباح إضافية.

وأضاف أن التجارب السابقة أثبتت أن الأسواق لا تخفض أسعارها تلقائيا مع تحسن الأوضاع، ما يستدعي الرقابة وتفعيل القوانين.

وقال الدكتور هشام حسين، عضو مجلس النواب: استبشر المواطنون خيرا، بما أعلنه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بانتهاء الأزمة الاقتصادية في مصر، وبدء تحسن الأوضاع، وهو ما سيترتب عليه تراجع في الأسعار.

وأشار النائب، إلى أن رئيس مجلس الوزراء، استشهد بالعديد من الأرقام التي تكشف أن هناك تحسنا ملحوظا في الآداء العام للاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي يعود بالنفع على جميع المواطنين.

وأوضح هشام حسين، أن الإشكالية جاءت عقب لقاء وزير التموين والتجارة الداخلية، مع الغرف التجارية، ليخرج بتصريح مفاده أنه لا يمكن إلزامهم بتخفيض الأسعار، وأن الأسعار تخضع لسياسات العرض والطلب.

وتابع عضو مجلس النواب: تصريحات وزير التموين تثير التساؤل حول غياب دور الحكومة في إلزام التجار بتخفيض الأسعار، لاسيما في ظل ما يتم تقديمه من تسهيلات للمستثمرين والمصنعيين، وهو ما يتوجب عليه الاستجابة في خفض الأسعار.

وأكد حسين، أن العديد من التجار يلجأ إلى زيادة الأسعار مع أي تحريك في سعر صرف الدولار أو أسعار الوقود، متسائلا: لماذا مع التراجع في أسعار الدولار على سبيل المثال وتحسين الأوضاع الاقتصادية لا يتم خفض الأسعار؟.

وطالب النائب هشام حسين، الحكومة بضرورة استغلال كافة الوسائل الممكنة من أجل أن يشعر المواطن بأن هناك تحسن حقيقي في الأوضاع الاقتصادية، وانعكاسها عليه بشكل مباشر.

طباعة شارك الاقتصاد الوطني خفض الأسعار الحكومة خفض الأسعار في الأسواق

مقالات مشابهة

  • سعر الذهب في المغرب اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025
  • بريطانيا تطالب بالتحقيق في مزاعم ارتباط بعض الصحفيين بحماس بعد استشهاد أنس الشريف
  • مكتب المبعوث الأممي يبحث مع الحكومة اليمنية ترتيبات المرحلة القادمة
  • سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025
  • بعثة الأمم المتحدة: الإعلام في النزاعات قد يتحول إلى أداة للتحريض وبناء روايات موجهة
  • عصيان مدني في الشحر بحضرموت
  • تحسن الاقتصاد يفتح باب خفض الأسعار.. مطالب بآليات إلزامية للتجار
  • مكافحة الاتجار بالبشر تدين محاولة اعتداء على طفلة في ذمار وتطالب بالتحقيق العاجل
  • سعر الذهب في المغرب اليوم الأحد 10 أغسطس 2025
  • أسامة الدليل: المشهد على حدود مصر مع غزة تحيط به الأكاذيب ويجب كشف الحقائق للرأي العام