زنقة 20. الرباط

عندما أعلن النائب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي، جو ويلسون، عزمه تقديم مشروع قانون لتصنيف “جبهة البوليساريو” كمنظمة إرهابية أجنبية، لم يكن يعبّر فقط عن دعم واضح للموقف المغربي، بل كان – ربما دون أن يدري – يشعل فتيل أزمة دبلوماسية في قلب بريتوريا، العاصمة السياسية لجنوب إفريقيا.

صحيفة The Mail & Guardian الجنوب إفريقية كشفت في تقرير حديث أن هذا التحرك الأمريكي المرتقب أثار قلقاً متزايداً داخل الأوساط السياسية والاقتصادية في البلاد، نظراً لما قد يترتب عليه من تداعيات على علاقاتها الدولية، لا سيما مع واشنطن.

ويُذكر أن جنوب إفريقيا تُعد من أبرز الحلفاء التاريخيين والدبلوماسيين للبوليساريو.

لا تقف هذه الخطوة عند حدودها الرمزية، بل تمتد لتفرز تداعيات عملية ملموسة، من قبيل تجميد الأصول المحتملة، وتشديد الرقابة على المعاملات المالية، وتقييد آفاق التعاون الدولي، بل وقد تصل إلى حد فرض عقوبات ثانوية على الدول والمؤسسات التي تُحجم عن الامتثال لهذا التصنيف الجديد. وفي حال واصلت بريتوريا احتضان الكيان المسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، فإنها قد تجد نفسها أمام معادلة حرجة: إما التشبث بخياراتها الدبلوماسية التقليدية، أو الحفاظ على مصالحها الاقتصادية واستقرارها المالي في وجه عاصفة دولية محتملة.

ويرى خبراء في الأمن الدولي أن هذا التصنيف، في حال إقراره، سيعقّد بشدة عمليات التمويل والدعاية التي تتلقاها الجبهة من داخل جنوب إفريقيا. فغالبية المنظمات غير الحكومية الكبرى ستتراجع عن دعمها تفادياً للمساءلة القانونية، في حين ستواصل بعض الجهات – مدفوعة بأيديولوجيات معينة أو بحسابات جيوسياسية – نشاطها في الخفاء، ولكن تحت رقابة لصيقة ومخاطر مالية متزايدة.

أما الضربة الأشد وطأة، فقد تُوجَّه إلى القطاع المصرفي في جنوب إفريقيا. ففي ظل نظام مالي عالمي تحكمه قواعد امتثال صارمة، قد يكفي مجرد ارتباط عرضي بكيان مُدرَج على قوائم الإرهاب لتُدرَج المؤسسات المعنية تلقائياً ضمن الجهات “عالية المخاطر”، مما يفتح الباب أمام احتمال عزلها عن المنظومة المالية الدولية أو فرض قيود مشددة على معاملاتها. وإذا ما أبدت جنوب إفريقيا تردداً أو امتناعاً عن التعاون مع القرار الأمريكي المرتقب، فإن مصارفها قد تجد نفسها في قلب العاصفة، تحت مجهر الشكوك وربما عرضة لعقوبات مباشرة أو غير مباشرة.

وتزداد تعقيدات المشهد في ظل تصاعد التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، لا سيما مع عودة الحزب الجمهوري إلى الحكم، وما صاحب ذلك من تعزيز ملحوظ في وتيرة التنسيق الدبلوماسي بين الرباط وواشنطن. فالمغرب يبدو اليوم وقد نجح في ترسيخ شراكة استراتيجية متينة مع الإدارة الأمريكية، شراكة تقوم على دعم معلن وواضح لخطة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد الجاد والواقعي لتسوية قضية الصحراء، في مقابل تراجع مكانة البوليساريو على الساحة الدولية.

بالنسبة للمغرب، فإن إدراج البوليساريو على اللائحة السوداء سيمثل انتصاراً سياسياً ودبلوماسياً كبيراً، كونه يُقرّ بعدم شرعية هذا الكيان المسلح، ويُوجّه صفعة مباشرة لحلفائه التقليديين في الجزائر وجنوب إفريقيا. كما أنه سيُجسّد، من الناحية القانونية الدولية، ما كانت الرباط تؤكده منذ سنوات: أن البوليساريو ليس حركة تحرر، بل تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين.

لم تعد المعركة الدبلوماسية حبيسة أروقة الأمم المتحدة وقاعات السفارات، بل امتدّ ميدانها ليشمل قوائم الإرهاب ومراكز القرار الأمني. ففي عالم اليوم، تُصاغ موازين النفوذ ليس فقط عبر البيانات الدبلوماسية، بل أيضاً عبر التصنيفات السيادية التي ترسم حدود الشرعية وتُعيد تشكيل التحالفات.

البوليساريوالصحراء المغربيةجنوب أفريقيا

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: البوليساريو الصحراء المغربية جنوب أفريقيا جنوب إفریقیا

إقرأ أيضاً:

هل يتولى ناصر القدوة إدارة غزة بعد عودته لحركة فتح؟

رام الله- يفتح قرار اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" -إعادة ناصر القدوة إلى صفوفها وموقعه كعضو في اللجنة- الباب لتساؤلات عديدة حول السياق والتوقيت والدور السياسي المستقبلي لهذا القيادي الفلسطيني.

وبينما فسرت اللجنة قرارها بكتاب خطي للقدوة، يطلب فيه العودة بعد إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس العفو عن مفصولي الحركة، لا يستبعد محللون أن تمهد عودته الطريق لإدارة غزة فيما يسمونه "اليوم التالي" للحرب المستمرة منذ نحو عامين، مع تباين إزاء إمكانية عودة القيادي المفصول محمد دحلان وانعكاس ترتيب البيت الفتحاوي على ملف المصالحة.

وقال القدوة في رسالته للرئيس عباس "أطالب سيادتكم بقبول عودتي إلى الإطار الشرعي للحركة، ولموقعي بجانبكم كي ننهض بواقعنا ونستمر في أداء رسالتنا الوطنية والإنسانية".

وفي كلمته أمام القمة العربية الطارئة بالعاصمة المصرية في 4 مارس/آذار الماضي، قال عباس "وحرصا منا على وحدة حركة فتح قررنا إصدار عفوٍ عام عن جميع المفصولين من الحركة، واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك".

والقدوة (72 عاما) من مواليد مدينة خان يونس في قطاع غزة وهو ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وانتخب عام 2009 عضوا باللجنة المركزية لفتح، وسبق أن تقلد عدة مناصب سياسية منها وزير خارجية بين عامي 2005 و2006، وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة بين عامي 1991-2005، وفُصل من حركة فتح في مارس/آذار 2021.

الرئيس الفلسطيني أعلن في مارس/آذار الماضي العفو عن المفصولين في حركة فتح (رويترز)حيثيات العودة

عن توقيت عودة القدوة، يقول الكاتب والصحفي نواف العامر إنها جاءت في وقت تعاني فيه حركة فتح -التي تقود منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والحكومة- حالة "تكلس سياسي عام".

وبرأيه فإن "الفهم السطحي" لعودة القدوة يقول إنها جاءت بطلب فردي منه للقيادة بعد إعلان الرئيس عودة المفصولين. لكن في قراءة متعمقة، فإن العودة جاءت استجابة "لمطالبات ونصائح عواصم عربية لها علاقة بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة، وربما كان الطموح أن يكون اسم الرجل في اللجنة التي ستدير القطاع اليوم التالي للحرب".

إعلان

كما يستبعد الصحفي الفلسطيني تقاربا فصائليا وتحديدا بين حركتي فتح وحماس، رغم  موافقة الأخيرة على حضور للسلطة في غزة "اليوم التالي للحرب" مشيرا إلى أن حماس دعت  فتح مؤخرا إلى لقاء ثنائي، لكن الأخيرة لم ترد.

ويوضح أن اشتراطات الرئيس عباس سواء لدخول منظمة التحرير أو الترشح للانتخابات، ومنها الالتزام ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها وقرارات الشرعية الدولية، والتي تكررت في خطاباته ورسائله لعدد من زعماء العالم، جعلت الحصان خلف العربة ووضعت المعيقات في وجه المقاومة أمام المشاركة السياسية والانتخابية مستقبلا.

ولا يرى العامر جهوزية لدى السلطة وفتح والمنظمة للمضي في ملف المصالحة "كون قرارها ليس محليا بحتا، ويخضع لطلبات واشتراطات خارجية وداخلية حزبية أهمها الخشية من عودة حماس بقوة أكبر عبر صندوق الاقتراع".

ولفت إلى وجود وفدين من حركة حماس في مصر حاليا أحدهما للتفاوض غير المباشر مع وفد إسرائيلي بشأن خطة ترامب، والآخر للقاء القوى الفلسطينية وبحث قضايا عامة.

ورغم علاقة القدوة بدحلان، لا يرى الصحفي الفلسطيني أن عودة دحلان إلى فتح قريبة بل "مستبعدة في المرحلة السياسية الحالية" معتبرا أن تيار دحلان حاليا مصاب بـ"إحباط سياسي لغيابه عن اليوم التالي للحرب، فرغم علاقته الوطيدة مع المحور العربي خاصة المصري والإماراتي، لا توجد أدنى إشارات إليه في خطة ترامب".

شخصية مقبولة

عن دوافع وظروف عودة القدوة، يقول الكاتب السياسي نهاد أبو غوش إن المعلومات شحيحة بهذا الخصوص، لكنها تأتي على وقع مطالبات داخلية لتوحيد حركة فتح والانفتاح على من غادروها في ظروف مختلفة "وهم كثر".

ووصف -في حديثه للجزيرة نت- القدوة بأنه "صاحب خبرة سياسية ودبلوماسية، نظيف اليد، لم يرتبط اسمه بفساد ولا قمع ولا تطبيع، كما أنه ابن غزة ومن أقارب ومقربي الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهذه كلها عناصر ومواصفات تزكيه أمام قطاعات من الجمهور".

وعن السياق السياسي، أشار إلى أن عودة القدوة "محاولة لترميم صفوف حركة فتح باستيعاب المفصولين، خاصة وأن الحركة فقدت في السنوات الأخيرة دورها في قيادة الحركة الوطنية وهذا أدى إلى تغييب منظمة التحرير برمتها، خاصة في أهم معركة يخوضها الشعب الفلسطيني خلال العقود الأخيرة وهي حرب غزة".

وأشار إلى ما ينتظر الفلسطينيين من حلقات صعبة خاصة إزاء محاولة فصل غزة عن الضفة وضم أجزاء من الضفة "وبالتالي الشعب بحاجة للم شمله وتوحيد صفوفه".

ولا يستبعد الكاتب الفلسطيني دورا مستقبليا للقدوة في إدارة غزة "فهو شخصية ملائمة، وابن غزة وسبق أن زارها في ظل حكم حماس، ومن المرجح أن يكون مقبولا من طرف الحركة، من هنا أعتقد أنه سيكون الأكثر قبولا من البدائل المطروحة مثل توني بلير وغيره".

وفيما إذا كان عفو الرئيس وعودة القدوة مقدمة لعودة القيادي المفصول محمد دحلان قال أبو غوش إن القدوة قريب من دحلان "وبالتالي فإن مبدأ العودة ينطبق على كل من غادر الحركة".

فيما يتعلق بقرار اللجنة المركزية بعودة الدكتور ناصر القدوة لحركة فتح ، فإنه كان قد بعث برسالة بهذا الخصوص إلى الرئيس محمود عباس، فيما يلي نصها:

سيادة الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" حفظه الله

رئيس دولة فلسطين،،

تحية الوطن والوفاء …

في ظل هذه المرحلة المفصلية والحاسمة في… pic.twitter.com/jiUHAmNYOm

— حركة فتح (@fatehmediaps) October 5, 2025

تقارب أوسع

أما المحلل السياسي باسم التميمي فينظر إلى عودة القدوة على أنها جاءت في "سياق طبيعي" ولا يرى موانع لأن يلعب أدوارا سياسيا سواء في غزة أو غيرها.

إعلان

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الرئيس عباس سبق وفتح المجال لعودة من غادروا حركة فتح لإعادة لملمة صفوفها والحالة الوطنية الشاملة، وهذا ما حصل مع الدكتور القدوة، وما زال الباب مشرعا أمام الجميع، بمن فيهم فصائل العمل الوطني الفلسطيني التي خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية للانضواء تحت مظلتها.

وأضاف أن عودة القدوة لا تمنعه أو غيره من لعب دور سياسي بتكليف تنظيمي سواء في الضفة أو قطاع غزة أو القدس الشريف وفي كل الملفات الفلسطينية.

وعن إمكانية توليه إدارة غزة تحديدا، قال التميمي إن القدوة "شخصية فتحاوية ووطنية مهمة، وهو ابن قطاع غزة، لكن لا أعتقد أن عودته مرتبطة بهذه المسألة، إنما في السياق الذي تحدثنا عنه،  وذلك لا يمنع أن يكون له دور في المرحلة القادمة في القطاع بتكليف رسمي من حركة فتح وتحت إطار منظمة التحرير وهذا يعزز دور المنظمة في المرحلة القادمة ويساهم في وحدة شقي الوطن".

وبخصوص ترتيب البيت الفصائلي بعد البيت الفتحاوي، توقع المحلل الفلسطيني "تقاربات مع كل الفصائل تحت إطار منظمة التحرير والتزاماتها" مشيرا إلى تصريحات للقيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق تحدث فيها "بإيجابية عالية" عن منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وأنها مسؤولة عن ملف المفاوضات في القضايا التي تتجاوز ما يخص الحركة في قطاع غزة.

وأضاف أنه من السابق لأوانه تقدير الموقف بخصوص عودة دحلان لصفوف حركة فتح، موضحا أن "دعوة الرئيس واضحة لكل من خرجوا أو فصلوا لتصويب أوضاعهم وهذا يشمل الجميع، لكن بشكل فردي كما بادر الدكتور القدوة، ولا يوجد مواقف شخصية في المسألة تجاه شخص محدد".

مقالات مشابهة

  • صحيفة روسية: أميركا تقترب من باكستان وسط برود العلاقات مع الهند
  • هل يتولى ناصر القدوة إدارة غزة بعد عودته لحركة فتح؟
  • صحيفة إسرائيلية: وثيقة مسرّبة تكشف خطة توني بلير لإدارة قطاع غزة
  • تراجع تصنيف الحالة المدراية إلى منخفض مداري
  • لجنة التقييم الدولية للتراث غير المادي بـيونسكو: فوز العناني برئاسة اليونسكو إنجاز كبير لمصر
  • السفير محمد حجازي: فوز الدكتور خالد العناني إنجاز عظيم لمصر وتكريم لمكانتها الدولية
  • سفير الصومال: فوز العناني يعكس مكانة مصر المتميزة على الساحة الدولية
  • عزز مكانة مصر في المنظمات الدولية.. وزير العمل يهنئ خالد العناني
  • انطلاق محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس
  • صحيفة: الحوثيون ينقلون نشاطهم إلى دول أفريقية بما فيها السودان