لماذا صار التصحر أزمة تتجاوز البيئة وتمس البشر؟
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
يُعد التصحر واحدا من أخطر التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم، وهو ظاهرة تتسارع بفعل ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن التغير المناخي، إضافة إلى سوء إدارة الكوارث البيئية.
ولا تقتصر آثار التصحر على الجفاف وانخفاض الإنتاجية الزراعية فحسب، بل تمتد لتشمل تدهور النظم البيئية، فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة النزوح البشري، مما يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي لملايين البشر.
وتعريف التصحر ليس موحدا، لكنه يُفهم عادة على أنه تدهور الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة، نتيجة لتغيرات مناخية وضغط بشري مفرط.
وتتسم تلك الأراضي بقلة الأمطار وتقلّبها، ويؤدي استنزاف التربة وتراجع الغطاء النباتي إلى ضعف قدرة الأرض على التجدد.
أرقام تثير القلقتتراوح تقديرات حجم الأراضي المتدهورة عالميا بين 15 و60 مليون كيلومتر مربع، ويعيش نحو ملياري شخص في أراضٍ جافة معرضة للتصحر.
بحسب التقديرات، قد ينزح ما يقرب من 50 مليون شخص بحلول عام 2030 بفعل التصحر وتغير المناخ، لتضرر مصادر رزقهم وانهيار النظم البيئية التي يعتمدون عليها.
ففي آسيا وحدها، سيعيش أكثر من ملياري شخص في ظروف جافة، بينما تُقدّر الأعداد في أفريقيا بنحو مليار شخص في السنوات القادمة.
يعود التصحر إلى أسباب طبيعية وبشرية، يتقدّمها الجفاف المتكرر والمستمر، وهو ظاهرة تتزايد بفعل الاحترار العالمي.
إعلانتؤدي هذه الظروف إلى استنزاف مغذيات التربة، وتمنع نمو النباتات، فتتحول الأراضي إلى مناطق قاحلة. يُضاف إلى ذلك الأنشطة البشرية المدمرة كإزالة الغابات، التحضر السريع، التعدين، وتربية الماشية، والتي تؤدي إلى حلقة مفرغة تُفاقم التدهور وتزيد من انبعاثات الكربون.
أماكن حدوثهتغطي الأراضي الجافة اليوم ما يقرب من 40% من سطح الكرة الأرضية، وتُعدّ آسيا وأفريقيا من أكثر المناطق تضررًا.
ففي آسيا الوسطى، تفاقم التصحر بشكل كبير منذ الثمانينيات، متأثرا بارتفاع درجات الحرارة وتراجع الأنهار الجليدية، خصوصا في مناطق مثل تيان شان شمال غربي الصين.
كما امتد التصحر إلى شمال أوزبكستان وقرغيزستان وجنوب كازاخستان، ما أدى إلى انحسار الأنهار الجليدية، ونقص المياه، وتأثر الزراعة والمجتمعات المحلية.
أما في أفريقيا، فيعاني نحو 45% من مساحة اليابسة من التصحر، وتواجه دول مثل موريتانيا وتنزانيا تدهورا خطِرا في الإنتاج الزراعي، مما يهدد الأمن الغذائي ويدفع القرويين إلى الهجرة، نتيجة دفن المنازل تحت الرمال وتراجع مصادر المياه.
تأثير التصحرتتجلى آثار التصحر في تغير الغطاء النباتي، حيث تحلّ الشجيرات والنباتات الغازية محل النباتات المحلية، مما يؤثر على حيوانات الرعي ويُضعف قدرة المراعي على دعم الحياة البرية.
كذلك يؤدي التصحر إلى استنزاف المياه الجوفية، وزيادة العواصف الترابية التي تؤثر سلبا على صحة الإنسان. وتشير تقارير إلى أن هذه العواصف مسؤولة عن نسبة كبيرة من وفيات أمراض القلب والرئة، خصوصا في مناطق مثل الشرق الأوسط، الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا.
ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية، يُفاقم التصحر من مشكلات الفقر، الهجرة، وتدهور سبل العيش. كما يُضعف الأمن الغذائي ويقلّل تنوع المحاصيل، ويؤثر على البنى التحتية ويزيد من هشاشة المجتمعات.
وفي الدول العربية، يُعدّ التصحر من أبرز التحديات البيئية نظرا لطبيعة المنطقة التي تهيمن عليها الأقاليم الجافة وشبه الجافة. ويُسهم تغير المناخ وسوء إدارة الموارد الطبيعية في تسريع وتيرة تدهور الأراضي، ما ينعكس مباشرة على حياة السكان واقتصادات الدول.
إعلانفالزراعة، التي تشكّل مصدر دخل رئيسي في العديد من الدول العربية مثل سوريا والسودان واليمن وموريتانيا، فهي مهددة بفعل تراجع خصوبة التربة، ونقص المياه، وتقلّص المساحات القابلة للزراعة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وتزايد الاعتماد على الاستيراد لتأمين الغذاء.
ولا يقف الأمر عند حدود الأمن الغذائي، بل يمتد ليشمل ندرة المياه، إذ تؤدي عمليات التعرية وتدهور الأراضي إلى تقلّص تغذية المياه الجوفية وتراجع كفاءتها، في وقت تعاني فيه معظم الدول العربية أصلًا من مستويات حرجة من الشح المائي. كما يتسبب فقدان الغطاء النباتي في زيادة العواصف الرملية، التي تؤثر على صحة الإنسان والبنية التحتية وتعطل سبل النقل والتجارة.
وتدفع هذه الظروف القاسية أعدادا متزايدة من السكان إلى الهجرة من الأرياف نحو المدن أو خارج البلاد، في ظاهرة تُعرف بـ"النزوح البيئي"، ما يُفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من الضغط على الخدمات الأساسية. أما على المستوى الاقتصادي، فتُكبّد الخسائر الناجمة عن التصحر الدول العربية مليارات الدولارات سنويا، سواء من انخفاض الإنتاج أو الحاجة إلى إصلاح الأراضي المتدهورة.
حل المشكلةومع كل هذه التحديات، تُطرح حلول مبتكرة وفعالة لمكافحة التصحر. ففي النيجر، على سبيل المثال، اعتمد المزارعون على تقنية "التجديد الطبيعي المُدار"، والتي تعتمد على إعادة نمو الأشجار المحلية من جذورها تحت الأرض، ما ساعد في تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي.
وفي كينيا وتنزانيا، لجأت المجتمعات إلى حفر خنادق نصف دائرية لتجميع مياه الأمطار والحفاظ على رطوبة النباتات.
وفي الصين، ساهمت تقنيات تثبيت الكثبان الرملية عبر زراعة قش القمح والأرز بنمط رقعة الشطرنج في حماية القرى والبنية التحتية من زحف الرمال، وتحقيق فرص عمل للمجتمعات المحلية. كما أطلقت الصين مشروع "سور الصين الأخضر العظيم" بهدف زراعة 88 مليون فدان من الأشجار لمواجهة التصحر.
إعلانوفي أفريقيا، يجري تنفيذ مشروع "السور الأخضر العظيم" منذ عام 2007، لزراعة الأشجار واستعادة الأراضي في منطقة الساحل، رغم التحديات المتعددة التي واجهها المشروع. يهدف هذا الجهد إلى دعم الزراعة المحلية، تعزيز الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل. وقد شهدت الخطة دفعة كبيرة من المجتمع الدولي لتسريع إنجازها.
وتدعو تقارير الأمم المتحدة إلى نهج عالمي أكثر تنسيقا لمكافحة التصحر، يتضمن تعزيز إدارة المخاطر، واعتماد تقنيات الزراعة المستدامة، والحفاظ على التنوع البيولوجي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدول العربیة الأمن الغذائی
إقرأ أيضاً:
تعداد السكان في السودان ما بعد الحرب: الأهمية الاستراتيجية، التحديات، وآفاق المعالجة
الملخص:
تسلط هذه الورقة الضوء على مسألة بالغة الأهمية تتعلق بواقع السودان في أعقاب الحرب: مسألة السكان. فالتعداد السكاني لا يُعدّ مجرد رقم، بل هو قاعدة أساسية يُبنى عليها التخطيط التنموي، والأمن القومي، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل النزيف الديمغرافي الذي شهده السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، بات من الضروري إعادة النظر في سياساتنا السكانية ومراجعة مؤسساتنا المعنية بهذا الملف الحساس. هذه الورقة تقدم قراءة تحليلية للوضع، وتعرض مقترحات عملية، مسترشدة بتجارب دول مرّت بظروف مشابهة.
1. مدخل عام:في كل دول العالم، يُعتبر التعداد السكاني حجر الزاوية في صناعة القرار. لكنه في الدول الخارجة من النزاع يصبح أداة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. في السودان، ومع الحرب التي طال أمدها، لم يعد السؤال فقط عن عدد السكان، بل: أين هم؟ كم تبقى منهم؟ كيف توزّعوا؟ وهل سيعود اللاجئون؟ هذه التساؤلات لا يمكن تجاهلها، لأنها تمس صميم حاضر الدولة ومستقبلها.
2. السكان والمساحة: قراءة في الأرقام:بعد انفصال جنوب السودان في 2011، أصبحت مساحة السودان تتراوح ما بين 1.73 إلى 1.86 مليون كيلومتر مربع، بانخفاض ملحوظ عن مساحة ما قبل الانفصال. وتشير تقديرات إلى أن عدد السكان يبلغ حوالي 51.7 مليون نسمة. هذا يعني أن الكثافة السكانية تقارب 29 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، وهي كثافة منخفضة مقارنة بدول أخرى.
3. الحرب وآثارها السكانية:منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، فَقَد السودان مئات الآلاف من أبنائه، سواء بالموت أو الهجرة أو اللجوء. مناطق كاملة أُفرغت من سكانها، وأخرى اختنقت بالنزوح. والأخطر من ذلك، أن هناك مئات الآلاف من السودانيين في الخارج لا يُعرف إن كانوا سيعودون. هذه المعضلة الديمغرافية يجب أن تكون في قلب أي مشروع وطني للتعافي.
4. السكان والأمن الوطني:غياب قاعدة بيانات دقيقة عن السكان يضعف قدرة الدولة على إدارة الأمن والخدمات. مناطق حدودية شاسعة فارغة من السكان قد تصبح مرتعًا للتهريب أو التسلل أو الجماعات المعادية. كما أن التفاوت الجهوي في توزيع السكان قد يُستخدم كورقة ضغط سياسي في المستقبل.
5. من المسؤول عن ملف السكان؟قد يظن البعض أن التعداد من اختصاص الجهاز المركزي للإحصاء فقط، لكن الواقع أن ملف السكان أوسع وأعمق. إذ يتقاطع مع وزارات الداخلية، الدفاع، الصحة، التعليم، التنمية الاجتماعية، وحتى الخارجية. لذا يجب أن تتولى جهة سيادية تنسيق هذا الملف، وليكن ذلك من خلال لجنة وطنية عليا.
6. الأمن السكاني: فكرة جديدة بمضامين قديمة:من المقترحات التي تطرحها هذه الورقة إنشاء إدارة متخصصة داخل جهاز الأمن والمخابرات تُعنى بما يمكن تسميته “الأمن السكاني”. الهدف منها ليس رقابة السكان، بل رصد التحولات الديمغرافية من منظور استراتيجي: أين تقل الكثافة؟ من يملأ الفراغ؟ ما أثر اللجوء الجماعي؟ مثل هذه الأسئلة تستحق عقولاً تدرسها في إطار أمني وطني و قومي.
7. لا تنمية دون شراكة دولية:صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) شريك مهم في هذا المجال. يقدم الخبراء، والدعم المالي، ويملك تجربة طويلة مع دول خارجة من النزاعات. التنسيق معه ليس ترفًا بل ضرورة، خاصة إذا أردنا تعدادًا يحظى باعتراف دولي.
8. الزواج والإنجاب: هل هما أولوية؟في ظل النزيف السكاني، نعم. لكن ليس بشكل عشوائي. تشجيع الزواج والإنجاب يجب أن يكون ضمن استراتيجية أوسع، تشمل تحسين فرص التعليم، وتوفير الرعاية الصحية، وتسهيل الحياة الاقتصادية، خاصة في المناطق التي فقدت كثافتها السكانية.
9. دول أخرى سبقتنا.. فلنتعلم منها:
رواندا: أعادت تأهيل الناجين، واستدعت الشتات.
لبنان: راهن على عودة الكفاءات من المهجر.
روسيا: قدمت حوافز مالية وسكنية لتشجيع الإنجاب.
ألمانيا: أعادت تدريب سكان الشرق بعد الوحدة.
كلها تجارب تؤكد أن النهوض السكاني لا يأتي تلقائيًا بل يحتاج إرادة سياسية واستثمار ذكي.
10. الإطار المؤسسي لقضية السكان:في عام 1994، تأسس المجلس القومي للسكان، ويتبع لوزارة الضمان والتنمية الاجتماعية. دوره الرئيسي هو تنفيذ استراتيجية السكان، ومتابعة تنفيذ الخطط، والتنسيق بين الوزارات، ونشر الوعي، وتشجيع البحث العلمي، والتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان. لكن هذا المجلس اليوم شبه غائب. والمطلوب إما تفعيله أو التفكير في إنشاء مفوضية مستقلة تُعنى بهذا الملف الحيوي.
11. توصيات ختامية:
لا تأجيل للتعداد السكاني متى ما توفرت الظروف الأمنية.
لجنة وطنية عليا للسكان برئاسة مجلس الوزراء.
إدارة متخصصة للأمن السكاني داخل جهاز الأمن والمخابرات.
تفعيل المجلس القومي للسكان أو إنشاء مفوضية مستقلة.
تعاون فني ومالي مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
سياسات ذكية لتشجيع الزواج والإنجاب ضمن رؤية شاملة.
كلمة أخيرة:إذا أردنا مستقبلًا آمنًا ومزدهرًا، يجب أن نعرف من نحن، كم نحن، وأين نحن. فالأمم التي لا تحصي أبناءها، لا تستطيع أن تحميهم ولا أن تبني لهم وطنًا.
إعداد:عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
1 يوليو 2025م