انتكاسة قضائية ثانية لترامب في مسعاه لإغلاق إذاعة صوت أميركا
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
أمر قاض فدرالي في واشنطن أمس الثلاثاء إدارة الرئيس دونالد ترامب بالتراجع عن سعيها لإغلاق وسائل إعلام حكومية موجّهة للجمهور في الخارج، وفي مقدمّها إذاعة "صوت أميركا" والمؤسسات الإخبارية التابعة لها، في ثاني انتكاسة قضائية في هذا الملف للرئيس الجمهوري.
ومني ترامب بانتكاسة أولى في هذا الملف في نهاية مارس/ آذار حين علّق القاضي الفدرالي في نيويورك بول أويتكين قرار الإدارة الجمهورية وقف أنشطة هذه المؤسّسات الإعلامية العامّة.
والثلاثاء، أصدر القاضي الفدرالي في العاصمة الاتحادية رويس لامبيرث، قرارا أمر بموجبه الحكومة الأميركية بالعودة عن مسعاها لإغلاق هذه المؤسسات.
وفي قراره أمر القاضي لامبيرث الحكومة بأن تعيد موظفي "الوكالة الأميركية للإعلام الدولي"، تفعيل خدمات "صوت أميركا" وغيرها من الوسائل الإعلامية التابعة لها، ومنعها من التوقف عن أداء دورها كمصادر إخبارية "موثوقة وموثوقة باستمرار"، كما ينص عليه القانون.
كما أمر القاضي الوكالة بإعادة الموظفين الذين تم وضعهم في إجازة إدارية إلى أعمالهم، وعدم تقليص عدد القوى العاملة خلال استمرار التقاضي، إلى جانب مواصلة تمويل البث الدولي، وأن تستأنف دفع الإعانات المالية المخصّصة لهذه المؤسسات من قبل الكونغرس والمعلّقة منذ مارس/ آذار.
إعلانوفي قراره، وجد القاضي لامبيرث أنّ الحكومة لم تقدّم أدلّة تثبت أنّ هذه المؤسّسات الإعلامية لم تكن تؤدي المهمّة الموكلة إليها من قبل الكونغرس.
كما اعتبر القاضي أنّ إدارة ترامب لا تمتلك أيّ سلطة على الأموال الفدرالية التي يقرّها الكونغرس وأنّ "الوكالة الأميركية للإعلام الدولي" ليست سوى قناة لتحويل هذه الأموال إلى وسائل الإعلام المعنية.
وتشمل هذه المؤسّسات، بالإضافة إلى إذاعة صوت أميركا، كلا من إذاعة آسيا الحرة و شبكات الشرق الأوسط للإرسال (أم بي إن)، وهي منصة إخبارية لمنطقة الشرق الأوسط.
وكانت الوكالة الأميركية للإعلام الدولي – التي وضعها ترامب تحت سلطة مذيعة الأخبار التلفزيونية السابقة كاري ليك- أعلنت في مارس/ آذار أنّ الحكومة فكّكتها بعدما اعتبرتها "عملاقا فاسدا وعبئا على دافعي الضرائب الأميركيين".
وبحسب إدارة ترامب فإنّ هذه الوكالة المتّهمة بـ"الإهدار والاحتيال وسوء الاستغلال الفاضح"، شكّلت أيضا "خطرا على الأمن القومي".
لكنّ القاضي لامبيرث خلص في قراره إلى أنّه في غياب أيّ دليل على هذه الاتهامات "فمن الصعب أن نتصوّر مثالا على قرار تعسّفي ومتقلّب اكثر وضوحا" من القرار الذي اتّخذته إدارة ترامب.
أما إذاعة أوروبا الحرة وراديو الحرية فلم ينظر القاضي بملفيهما إذ إنّ حكما قضائيا منفصلا صدر في مارس/ آذار وجمّد قرار إدارة ترامب بإغلاقهما.
وتعليقا على قرار القاضي الفدرالي في واشنطن، قال كلايتون ويميرز، مدير فرع الولايات المتحدة في منظمة "مراسلون بلا حدود" إنّه "يتعين على الوكالة الأميركية للإعلام الدولي تنفيذ هذا القرار على الفور". وأضاف في بيان "نحن نعلم أنّ هذه المعركة لم تنته بعد".
وكانت مجموعة من صحفيي "صوت أميركا" والنقابات ومنظمة "مراسلون بلا حدود" المدافعة عن حرية الصحافة، قد رفعوا دعوى قضائية ضد إدارة ترامب الشهر الماضي احتجاجًا على هذه الجهود لحل الوسائل الإعلامية.
إعلانوبعد أن وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا بإغلاق الوكالة، تم وضع موظفيها ومقاوليها في إجازة إدارية. وطالبت المجموعة التي رفعت الدعوى أيضًا بإعادة تمويل الشبكات الشقيقة لـ"صوت أميركا"، بما في ذلك "راديو أوروبا الحرة/راديو الحرية"، "راديو آسيا الحرة"، "شبكة البث في الشرق الأوسط"، و"صندوق التكنولوجيا المفتوحة".
وأثناء جلسة الاستماع، جادل محامو التحالف بأن إسكات صوت أميركا حرم العالم من الأخبار ذات الجودة التي وعد بها الكونغرس عند تأسيس الشبكة. ورغم أن أمر ترامب التنفيذي وصف الشبكة بأنها "غير ضرورية"، قالوا إن إسكاتها يقوّض مصالح أمريكا في الخارج.
وقال المحامي أندرو سيلي إن خلاف الإدارة مع شبكة "الوكالة الأميركية للإعلام الدولي" يعود إلى تغطيتها الإخبارية، سواء ما يتعلق بتقاريرها حول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو حقوق المتحولين جنسيًا أو تغطيتها "الناقدة" لترامب.
وتأسّست إذاعة صوت أميركا في 1942 كأداة للدعاية المضادّة تستهدف على وجه الخصوص الشعوب في الكتلة السوفياتية في أوروبا الشرقية خلال الحرب الباردة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إدارة ترامب صوت أمیرکا
إقرأ أيضاً:
الموضوع الأهم من وقف إطلاق النار لترامب في الحرب بين إيران والكيان الصهيوني؟
نجاح محمد علي .. استمرار العدوان الجوي الصهيوني على المدن الإيرانية والردود الانتقامية من طهران أثار قلقًا متزايدًا في الشرق الأوسط، الذي كان يعيش حالة من التوتر منذ بدء العدوان العسكري الشامل لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة في أكتوبر 2023.
في هذا السياق، نشرت الولايات المتحدة طائرات التزود بالوقود ومعداتها البحرية في المنطقة، لدعم الكيان اللقيط الذي يمثل القاعدة العسكرية المتقدمة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في المنطقة.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت متأخر من يوم الإثنين 16 يونيو أن مغادرته المبكرة لقمة قادة مجموعة السبع في كندا "لا علاقة لها" بمحاولة التوصل إلى وقف إطلاق النار بين كيان الاحتلال وإيران. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تشن أي هجوم رسمي ضد إيران حتى الآن، إلا أن رسالة ترامب القصيرة والغامضة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد مغادرته القمة ، عززت الانطباع أن عدوان الكيان على ايران يتم بالتنسيق الكامل معه ، و لا يُستبعد أن تنتقل الولايات المتحدة قريبًا من الوضع الدفاعي عن الكيان إلى دور هجومي نشط في المنطقة ، بعد أن تآكد لترامب وأمثاله أن إيران نجحت في تحويل العدوان إلى فرصة تمهد للقضاء نهائيا على الكيان.
و بينما يتعمد ترامب اعتماد استراتيجية التقلب في التصريحات ، خاصة أن تصريحات إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، التي زعم فيها أن ترامب غادر قمة مجموعة السبع بهدف اقتراح وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وإيران، نفى الرئيس الأمريكي بشدة أنه يعمل من أجل "السلام"، مؤكداً بما لايقبل الشك أن " أمريكا هي الشيطان الأكبر". في هذا الواقع جاءت مغادرة ترامب موقع القمة في جبال روكي الكندية بعد وقت قصير من إصداره تحذيرًا - حذفه لاحقًا - بإخلاء طهران. ومع ذلك، قال مسؤول في البيت الأبيض يوم الثلاثاء إن مقصود ترامب من "إخلاء طهران" كان الضغط على إيران "للتفاوض".
كتب دونالد ترامب أثناء عودته إلى واشنطن على منصة تروث سوشال: "قال ماكرون خطأً إنني غادرت قمة مجموعة السبع في كندا للعودة إلى العاصمة للعمل على 'وقف إطلاق النار' بين إسرائيل وإيران... هذا خطأ! ماكرون لا يعرف على الإطلاق لماذا أنا الآن في طريق العودة إلى واشنطن، لكن بالتأكيد ليس لهذا السبب. هناك موضوع أكبر بكثير من ذلك."
مهما كان هذا الموضوع، وهي من أكاذيبه التي يختلقها لإثارة الغموض وخلط الأوراق، ، فقد صرح البيت الأبيض أنه "بسبب الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط".
وإذا كان الأمر يتعلق بإيران، يمكن تصور عدة سيناريوهات.
دعم حرب طويلة الأمد وعابرة للحدود
تُظهر تتبعات الرحلات الجوية وتصريحات المسؤولين العسكريين أن ما لا يقل عن 36 طائرة تزود بالوقود تابعة للقوات الجوية الأمريكية تم نشرها خلال الـ24 ساعة الماضية إلى قواعد جوية استراتيجية في إسبانيا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وإستونيا. كما تم إرسال عدة طائرات إلى مناطق تحت مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، بما في ذلك خليج فارس. وتتمثل مهمة هذه الطائرات في تزويد الطائرات المقاتلة الأمريكية وطائرات الحلفاء بالوقود أثناء الطيران لتمكين العمليات الجوية طويلة المدى.
في الوقت نفسه، ألغت البحرية الأمريكية مهمة حاملة الطائرات يو أس أس نيميتز في جنوب شرق آسيا، وأرسلت هذا الطراد الضخم مع السفن الحربية المرافقة له إلى الشرق الأوسط بشكل أسرع مما كان متوقعًا. أعلن وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغست، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز أن هدف الحكومة الأمريكية هو "تحقيق السلام من خلال القوة". وأكد أن التحركات العسكرية الحالية تهدف إلى منع تصعيد التوترات، وليس لإشعال نزاع.
وفقًا لمسؤولين عسكريين، من المحتمل أن يتم نشر المزيد من المقاتلات في إطار هذا الرد، رغم أن نوعها ووجهتها لم تُحدد بعد.
بينما أكد دونالد ترامب ومسؤولون أمريكيون كبار آخرون أن الولايات المتحدة لا تشارك في الهجمات الجوية، فإن واشنطن تدعم الكيان الصهيوني بطرق أخرى، بما في ذلك صد الهجمات الإيرانية.
أعلن مسؤولون عسكريون أمريكيون يوم الجمعة أن أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية مثل باتريوت وثاد لعبت دورًا في إسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية. كما أقر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي يوم الإثنين بأن الطيارين الأمريكيين يشاركون في استهداف الطائرات الإيرانية بدون طيار.
التقييم التحليلي السريع التالي يمكن أن يُضاف لدعم إيران وتفكيك أبعاد التهويل الأمريكي المصاحب لهذه التحركات العسكرية:
تقييم وتحليل: تضخيم مقصود وتموضع غير هجومي
إن التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة – رغم كثافتها الظاهرية – تُشكّل جزءًا من نمط اعتيادي لإستعراض القوة يُستخدم غالبًا كأداة للردع النفسي، وليس كمؤشر على نية حرب وشيكة. نشر طائرات التزود بالوقود في قواعد أوروبية وآسيوية لا يعني بالضرورة استعدادًا هجوميًا، بل يعكس حاجة لرفع الجاهزية العملياتية والتنسيق مع حلف الناتو تحسبًا لتطورات غير محسوبة، خصوصًا بعد الضربات الإيرانية النوعية التي أربكت حسابات محور واشنطن-يافا المحتلة .
إلغاء مهمة حاملة الطائرات “نيميتز” في جنوب شرق آسيا وإرسالها للشرق الأوسط ليس تصعيدًا بل إعادة تموضع يعكس ارتباكًا استراتيجيًا أكثر مما يعكس جاهزية هجومية حقيقية، خاصة وأن هذا الانتشار لم يرافقه إعلان تعبئة واسعة أو أوامر اشتباك جديدة.
التصريحات الأمريكية التي تزعم “تحقيق السلام من خلال القوة” تكشف تناقضًا بنيويًا في الخطاب الأمريكي؛ فهي تُخفي الدعم العملي الكبير الذي تقدمه واشنطن للكيان الصهيوني، سواء عبر الأنظمة الدفاعية أو المشاركة العملياتية المباشرة، كما أقرّ بذلك نتنياهو نفسه.
في هذا السياق، ينبغي قراءة هذا التحشيد كرسالة إعلامية أكثر منه تحضيرًا لعدوان شامل. إيران تدرك هذه المعادلة وتتعامل معها بأعصاب باردة واستعدادات محسوبة، وهي في موقع قوة استراتيجياً وشعبيًا، بينما يواجه المحور الأمريكي-الصهيوني أزمة ردع متصاعدة وفقدانًا تدريجيًا لزمام المبادرة.
عموماً:
لا يُمكن عزل هذه التحركات عن سياق الحرب النفسية و”الردع الإعلامي” الذي تمارسه الولايات المتحدة، دون أن يكون ذلك بالضرورة مقدمة لضربة عسكرية مباشرة. بل إن هذا التهويل يعكس قلقًا عميقًا من تصاعد قدرة إيران وحلفائها، وهو ما يدفع واشنطن للتموضع دون قدرة على الحسم أو المبادرة.
تغيير النظام السياسي عبر اغتيال قائد إيران
قال إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، في مؤتمر صحفي من موقع قمة مجموعة السبع في كندا، إلى جانب ادعائه بأن ترامب يسعى إلى وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وإيران، إن محاولة تغيير النظام السياسي في إيران بالقوة ستكون "خطأ استراتيجي". وأضاف: "كل من يعتقد أن بإمكانه إنقاذ بلد من الخارج عبر القصف، وخلافًا لإرادته، كان دائمًا مخطئًا."
في المقابل، زعم مسؤولون أمريكيون في حديث لموقع أكسيوس أن الكيان الصهيوني حصل خلال الأسبوع الماضي على فرصة عملياتية لاغتيال آية الله السيد علي خامنئي، قائد الثورة الإسلامية، لكن ترامب أبلغ {إسرائيل} بوضوح أنه يعارض هذا الإجراء. وقال مسؤول أمريكي آخر للموقع إن سبب هذا الموقف هو أن الإيرانيين لم يقتلوا أمريكيين حتى الآن، لكن إذا تم استهداف الأمريكيين، فقد تدعم إدارة ترامب اغتيال (السيد)خامنئي. وأشار نتنياهو يوم الإثنين في مقابلة مع شبكة إيه بي سي إلى أن قتل السيد خامنئي يمكن أن "ينهي الحرب"، وأن هذا الخيار لا يزال مطروحًا.
تقييم وتحليل: خطاب الاغتيال بين العجز الاستراتيجي والرهان على المستحيل
إثارة سيناريو اغتيال قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، سواء عبر تسريبات إعلامية أو تصريحات من مسؤولين أمريكيين وصهاينة، يُعد قمة الإفلاس الاستراتيجي والدليل الأكبر على يأس المحور المعادي من القدرة على إحداث اختراق فعلي داخل بنية النظام الإسلامي في إيران.
أولاً – التهويل التكتيكي وخطاب الخوف:
ما تسرّب لموقع أكسيوس، وما صرّح به نتنياهو، يُبرز محاولة واضحة لصناعة “رعب معنوي” داخلي واستثمار التهديد باغتيال القائد الأعلى كوسيلة لإرباك الشارع الإيراني وبث الذعر داخل صفوف النظام. لكن المفارقة أن هذه الرسائل تأتي في الوقت الذي أكّد فيه السيد الخامنئي شخصيًا أن روحه ليستأغلى من أرواح الشهداء، وأن قيمة حياته لا تزيد على قيمة نظارته، ما ينسف مفعول هذا التهديد نفسيًا وسياسيًا.
ثانيًا – فشل الرهان على القتل السياسي:
تصريح ماكرون بأن تغيير النظام بالقوة سيكون “خطأ استراتيجي” يُعبّر عن إدراك أوروبي – وإن بدا متأخرًا – بأن إيران ليست دولة قابلة للإسقاط من الخارج، وأن تجربة محور المقاومة أجهضت كل المشاريع الغربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لذلك، يبدو أن التهديد باغتيال القائد ليس سوى محاولة يائسة للتعويض عن الفشل في اختراق الداخل.
ثالثًا – تسليم الجيل الشاب للراية:
ما يزيد من مناعة إيرن في مواجهة هذه السيناريوهات، أن القائد أعلن صراحة أن الجيل الشاب اليومهو من يمسك بزمام الأمور، في تأكيد واضح على انتقال القوة والمسؤولية، واستحالة أن يؤدي غياب شخص – مهما بلغت مكانته – إلى فراغ أو انهيار. هذه المنظومة تم بناؤها على أساس الاستمرارية والمأسسة، لا على شخص القائد فقط.
رابعًا – العجز العملياتي رغم “الفرصة”:
حتى وإن توفرت “فرصة عملياتية” – كما يزعم تقرير أكسيوس – فإن امتناع الكيان عن التنفيذ، رغم تبجّحه المستمر، يكشف عن حجم الردع الحقيقي الذي فرضته إيران. فلو كانت الكلفة مقبولة لديهم، لما ترددوا. لكن ما ينتظرهم هو زلزال وجودي، كما توعدت القيادة الإيرانية مرارًا.
المهم :
الحديث عن اغتيال السيد الخامنئي، سواء للتخويف أو كتكتيك دعائي، يعكس أزمة الخيارات لدى الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية. فإيران ليست دولة مرتبطة بشخص، بل بثورة وفكر ومؤسسات وشعب شبابي واعٍ جاهز للتضحية. والخطر الحقيقي ليس على القائد، بل على أولئك الذين يظنون أن قتل قائد يمكن أن يُميت ثورة أو يوقف مشروعًا ربانيًا يستمد شرعيته من دماء الشهداء لا من الصناديق الزجاجية.
تحقيق مكاسب من إيران عبر إسكات نتنياهو
قال مسؤول أمريكي إن ترامب طلب في مرحلة ما من ستيف ويتكوف، مبعوثه إلى الشرق الأوسط، وربما نائبه جي دي فانس، تقديم اقتراح للقاء الإيرانيين. لكنه كتب يوم الإثنين على وسائل التواصل الاجتماعي أن "على الجميع إخلاء طهران فورًا"، وهو ما لا يشير إلى تقدم دبلوماسي. من جهته، أبدى عباس عراقچي، وزير الخارجية الإيراني، الذي قاد فريق التفاوض الإيراني في المحادثات الأخيرة، اهتمامًا بالتوصل إلى اتفاق، وقال يوم الإثنين: "إذا كان الرئيس ترامب مهتمًا حقًا بالدبلوماسية ويريد إنهاء هذه الحرب، فإن الخطوات التالية ستكون مهمة للغاية." وأضاف: "مكالمة هاتفية واحدة من واشنطن كافية لإسكات شخص مثل نتنياهو... يمكن أن تفتح الطريق للعودة إلى الدبلوماسية." إذا تراجع ترامب في هذا الصدد، فمن المؤكد ألا يتحقق الهدف الرئيسي للكيان الصهيوني في هذه الحرب أبدًا.
تقييم وتحليل: إيران تُناور بذكاء، وواشنطن في مأزق مع نتنياهو
السيناريو المطروح يُظهر بوضوح قدرة إيران على استثمار الانقسامات والترددات داخل محور العداء، وخصوصًا بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. فبينما يُصعّد نتنياهو في خطابه العدواني ويضغط باتجاه المواجهة، تسعى أطراف داخل الإدارة الأمريكية – كما يظهر من تواصل ترامب مع مبعوثيه – إلى فتح باب التفاوض، ما يضع واشنطن أمام معادلة صعبة: إما الاستمرار في دعم مشروع نتنياهو، أو الإنقاذ السياسي عبر قناة مع طهران.
أولًا – العزف الإيراني على وتر الانقسام الأميركي-الصهيوني:
تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأسبق عباس عراقچي حول “مكالمة هاتفية كفيلة بإسكات نتنياهو” ليست مجرد مناورة دبلوماسية، بل تعكس ثقة إيرانية في أن الكيان الصهيوني لا يملك قرار الحرب بمفرده، وأن واشنطن – مهما بلغت شراكتها معه – تبقى أسيرة حساباتها الداخلية، وخصوصًا في موسم انتخابي حساس.
ثانيًا – مكاسب سياسية لإيران دون تنازلات ميدانية:
إيران نجحت في إيصال رسالة مزدوجة: من جهة، لا تمانع الحوار إذا كان جدّيًا ولا يحمل أجندة خفية، ومن جهة أخرى، تُظهر أن خصمها الرئيسي في هذا الصراع ليس واشنطن وحدها، بل نتنياهو تحديدًا، بما يحمله من مشروع تصعيدي وانتحاري. وإذا تحقق فعلاً ما يشير إليه السيناريو – أي إبعاد نتنياهو عن التأثير على قرار واشنطن – فإن إيران تكون قد ربحت جولة كبرى دون أن تطلق رصاصة.
ثالثًا – فشل الكيان في فرض أجندته:
الربط بين تراجع ترامب عن مبادرة الاتصال بطهران وتحقيق هدف الكيان الصهيوني يُثبت أن العدو الحقيقي للدبلوماسية ليس إيران، بل الكيان الذي يسعى لإبقاء المنطقة في حالة حرب دائمة. في المقابل، تظهر إيران بمظهر القوة العاقلة التي تعرف متى تواجه، ومتى تناور، ومتى تُحرج خصومها دوليًا.
رابعًا – رسائل انتخابية مبطنة من الطرفين:
فيما يُحاول ترامب استخدام الخطاب الحاد (“إخلاء طهران فورًا”) كوسيلة تعبئة انتخابية داخلية، فإن إيران لا تعير هذا التهويل وزنًا، بل تركز على الفعل السياسي العميق: إحداث شق في جبهة العداء، وتسليط الضوء على أن قرار الحرب ليس أمريكيًا بالكامل، بل مرتهن لتطرف نتنياهو الذي بات يُحرج حتى حلفاءه.
المهم :
السيناريو يصبّ في صالح إيران من عدة زوايا: يُظهرها كطرف متزن وقادر على تفكيك الجبهة المعادية سياسيًا، ويُعزل الكيان الصهيوني كطرف مشاغب يُعرقل السلام، ويحرج الإدارة الأمريكية ويضعها أمام اختبار أخلاقي واستراتيجي. وفي حال تم إسكات نتنياهو فعلاً، فسيُعتبر ذلك نصرًا سياسيًا إيرانيًا كبيرًا لا يقل أهمية عن أي إنجاز ميداني.
القنبلة الحصينة بوزن 14 طنًا: مشاركة أمريكا في تدمير منشآت فردو
إذا فشلت الجهود الدبلوماسية أو رفض الإيرانيون مطلب ترامب الأساسي، وهو إنهاء تخصيب اليورانيوم بالكامل على الأراضي الإيرانية، تتوقع إيران ويجب أن تتوقع، أن يصدر ترامب أوامر بتدمير منشأة فوردو وغيرها من المنشآت النووية. السؤال الحاسم هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدخل مباشرة في حرب مع إيران وتساعد الكيان في مهاجمة منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو.
بحسب خبراء عسكريين فإن ذلك مستحيل حتى مع ما يقولون إنه السلاح الوحيد المناسب لهذه المهمة وهو قنبلة حصينة ضخمة تزن 14 طنًا، ولا يمكن حملها إلا بواسطة قاذفة القنابل بي-2. الكيان الصهيوني لا تملك مثل هذه القنبلة ولا القاذفة اللازمة لتوصيلها إلى الهدف.
تُظهر التدريبات الأمريكية أن قنبلة واحدة لا تحل المشكلة؛ يعتقدون أنه يجب أن تُنفذ الهجمات على فوردو على شكل موجات متتالية، حيث تُسقط قاذفات بي-2 القنابل واحدة تلو الأخرى في موقع واحد. علاوة على ذلك، يجب أن يتم تنفيذ هذه العملية بواسطة طيارين وأطقم أمريكية.
إذا قرر ترامب المضي قدمًا في هذا الإجراء، ستدخل الولايات المتحدة مباشرة في حرب عدوانية جديدة في الشرق الأوسط، وهو بالضبط نوع الحرب التي وعد ترامب بتجنبها خلال حملتيه الانتخابيتين. وقد حذر مسؤولون إيرانيون سابقًا من أن مشاركة الولايات المتحدة في هجوم على المنشآت النووية الإيرانية ستدمر أي أمل متبقٍ في التوصل إلى اتفاق نووي، الذي يزعم ترامب أنه لا يزال مهتمًا به.
صباح الإثنين، عندما سُئل ترامب عما قد يدفع الولايات المتحدة لدعم إسرائيل عسكريًا في هجماتها على إيران، أجاب الصحفيين: "لا أريد التحدث عن ذلك." لكن الجمهوريين ليسوا متفقين تمامًا في هذا الرأي. فالقضية لا تتعلق فقط بإيقاف أجهزة الطرد المركزي في فوردو، بل تدور حول وجهة نظر تيار "ماگا" (جعل أمريكا عظيمة مجددًا) الذي يرى أن على أمريكا تجنب بعض الحروب وتكرار تجارب أفغانستان والعراق بأي ثمن.
في البنتاغون، هناك أيضًا خلافات لأسباب أخرى، بما في ذلك أن تخصيص قوات عسكرية للحروب في الشرق الأوسط يقلل من التركيز على المحيط الهادئ واحتواء الصين. قد تكون هناك خيارات أخرى غير القصف لاستهداف منشأة فوردو، رغم أن أيًا منها ليس مؤكدًا. إذا تم قطع الكهرباء عن منشأة فوردو بواسطة متخربين أو قصف، فقد يتسبب ذلك في إتلاف أو تدمير أجهزة الطرد المركزي التي تدور بسرعات تفوق سرعة الصوت.
قال رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم الإثنين إن هذا على الأرجح ما حدث في منشأة نطنز، المركز الرئيسي الآخر لتخصيب اليورانيوم في إيران. فقد قطعت إسرائيل الكهرباء عن هذه المنشأة يوم الجمعة، وأضاف غروسي أن هذا الاضطراب ربما تسبب في دوران غير منتظم لأجهزة الطرد المركزي.
تقييم وتحليل: “قنبلة فوردو” بين تهويل استراتيجي وانكشاف عسكري أمريكي
الفقرة المطروحة تُعد نموذجًا واضحًا لخطاب التهديد والتهويل الاستراتيجي الذي يعكس مأزقًا أميركيًا أكثر مما يعكس قدرة حقيقية على الحسم. ففي مواجهة منشأة فوردو المحصّنة، والتي بُنيت أساسًا لتحصين البرنامج النووي الإيراني ضد أي عدوان، تتكشّف هشاشة الخيارات العسكرية المطروحة أمام واشنطن وتل أبيب معًا، ويدخل “السلاح الإعلامي” في محاولة للتغطية على العجز العملياتي.
أولًا – التهويل بالقوة.. مقابل واقع العمليات:
قنبلة الـ14 طنًا والقاذفة B-2 ليست سوى تهديد رمزي في الوقت الراهن، لأن استخدامها فعليًا يعني تورطًا مباشرًا أمريكيًا في حرب شاملة مع إيران، بكل تبعاتها على الوجود الأميركي في المنطقة. الإشارة إلى أن الكيان الصهيوني لا يملك هذا النوع من الأسلحة، وأن التنفيذ يجب أن يتم بأطقم أمريكية، يُعري دعاوى “القدرة الصهيونية الذاتية” ويُسقط أسطورة الحرب الخاطفة.
ثانيًا – الردع الإيراني الصلب:
إيران نجحت في جعل منشأة فوردو رمزًا لسيادتها الوطنية وصمودها التكنولوجي. وكلما تزايد التهويل باستهدافها، كلما رسّخت هذه المنشأة نفسها كجزء من معادلة الردع، لا كنقطة ضعف. وهذا ما دفع إيران إلى التحذير الواضح بأن أي هجوم على منشآتها النووية سيعني نهاية أي اتفاق سياسي، واندلاع حرب شاملة لا يمكن السيطرة على نتائجها.
ثالثًا – الانقسامات داخل المعسكر الأمريكي:
الفقرة تُظهر الانقسام الحاد داخل الإدارة الأميركية وبين التيارات الجمهورية نفسها. خطاب ماگا (Make America Great Again) لا يدعم حربًا جديدة، خاصة بعد تجارب العراق وأفغانستان. كذلك، فإن البنتاغون يُبدي تحفظًا لأسباب تتعلق بالمواجهة الكبرى مع الصين، ما يجعل مشروع ضرب فوردو مكلفًا استراتيجيًا حتى لو كان ممكنًا لوجستيًا.
رابعًا – فشل الخيارات البديلة:
حتى بدائل الحرب المباشرة – مثل قطع الكهرباء أو التخريب الإلكتروني – أثبتت محدوديتها، كما حدث في نطنز، دون أن توقف البرنامج النووي أو تكسر إرادة إيران. فمثل هذه العمليات قد تؤخر، لكنها لاتُوقف. وإيران ردّت بوضوح أن لكل عمل عدواني ثمنًا، وأن القدرات الدفاعية والهجومية للمقاومة جاهزة للرد.
خامسًا – الورقة الانتخابية لترامب لدعم حزبه:
تهديد القصف ربما يُستخدم كورقة في الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة ، ليُظهر ترامب أمام قاعدته أنه يُهدد لكنه لا يتورط، أي أنه قائد قوي يتقن فن الضغط دون الخوض في مستنقع حرب. لكن هذا أيضًا يمنح إيران وقتًا ومساحة للمناورة السياسية والعسكرية، ويُسقِط عنصر المفاجأة الذي ترتكز عليه مثل هذه الهجمات.
المهم:
التهديد الأمريكي باستخدام “القنبلة الحصينة” ليس سوى تعبير عن مأزق استراتيجي، حيث الفعل العسكري مكلف، والضغط السياسي غير ناجح، والخصم – أي إيران – لا يُبدي أي انكسار. واشنطن، التي تعرف ثقل منشأة فوردو، تعرف أيضًا أن أي قرار بضربها سيحوّل التوتر إلى حرب إقليمية شاملة. إيران، من جهتها، تتعامل مع هذه التهديدات بهدوء واحتراف، وتُواصل بناء معادلة الردع بثقة وشجاعة، فيما يزداد العدو ارتباكًا بين سيناريو الرعب وسيناريو العجز.
أخيرًا :
ختامًا، يقف ترامب الآن عند مفترق بالغ الخطورة: إما أن يوظّف خطاب التهديد بالقنبلة الحصينة كأداة ضغط تكتيكي ضمن مسار تفاوضي يُرضي قاعدته الشعبوية دون التورط في حرب مدمّرة، أو أن ينجرّ خلف أجندة نتنياهو في حرب لن تكون كلفتها السياسية والعسكرية محدودة، لا على أميركا ولا على المنطقة.
إيران، في المقابل، تدرك تمامًا أن كل تصعيد أمريكي يستبطن ضعفًا في الخيارات الفعلية، لا رغبة حقيقية في الحسم. فالمعادلة لم تعد ببساطة “اتفاق أو تفجير”، بل باتت: هل تملك واشنطن الجرأة على خوض معركة لا تعرف كيف تخرج منها؟
الزمن لا يعمل لصالح محور العدوان. وإذا اختار ترامب المضي في سيناريو الحرب، فسيكتشف متأخرًا أن الجبل الذي توعد بقصفه، هو نفسه الذي سينهار فوق رؤوس من أشعلوا نار الفتنة.