قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إن تنزيل الأحكام الشرعية وتطبيقها على واقع الناس أمر دقيق، لا بد معه من إدراك الواقع، والإحاطة به، من خلال منظومة كاملة من العلوم، وتحرِّي الواقع الاجتماعي والفكري، ومعرفة عالم الأشياء والأشخاص والأحداث والأفكار، وعلاقات تلك العوالم بعضها بالبعض، فمن كان معزولًا عن الواقع، أو لا يتابعه، أو يتابعه بصورة سطحية؛ فإن فهمه للشرع الشريف سيكون في المقابل منقوصًا ومشوَّهًا.


جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن البناء العلمي للأمة يتم ويكتمل بالاستفادة من خبراتها السابقة، بما يناسب حاضرنا وليس بهدم المرحلة المباركة من عمر الحركة المذهبية، التي استطاعت أن تحتوي الجميع، وأن تصبغهم بصبغتها الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة، الآخذة بيدها نحو كل ما هو يسير وسهل بفضل مسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نُقلت لنا عن طريق الصحابة ثم التابعين في انسياب تام وتعاون ملموس.
وشدد فضيلة مفتي الجمهورية على ضرورة مراعاة الوسطية في النقل من التراث الفقهي والإفتائي عند التعامل مع الواقع والمستجدات؛ فيجب أن تتم دون غلو أو تفريط، مضيفًا أنه من العوار أن نستصحب ما كان لما هو كائن الآن وبعقل ليس فاهمًا، وكذلك من الخطأ رفض ما قعَّده المفتون والفقهاء وما تركوه لنا من ثروة فقهية بصورة كلية بدعوى تغيُّر الزمان والمكان، فمن دعا للاستغناء عن هذا التراث الإفتائي جملةً وتفصيلًا فقد ضاع وضيَّع غيره وضل الطريق، فلا بد من الاستفادة من هذا التراث ولكن بعقل منفتح، مشيرًا إلى أنه عند تدريب الطلاب الجديد في مجال الإفتاء ندربهم على قراءة وفهم الفتاوى القديمة من أجل تعلم المنهجية العلمية فقط برغم تغير معتمد وأحكام أغلب الفتاوى القديمة بسبب سياقاتها وأحوالها المختلفة.
وردًّا على سؤال حول مدى انزعاج فضيلته من الهجوم على شخصه وعلى دار الإفتاء المصرية جراء محاربة الأفكار المتطرفة والفتاوى الشاذة قال: لا نأبه لأية حملات مغرضة ولا نلتفت إلا إلى الإنسانية، ونفتخر بوقوفنا في صف الوطن وخدمة الدين والإنسانية؛ فدائمًا الأعمال الجادة والهادفة يتم استهدافها.
واستعرض فضيلة المفتي جانبًا من أولويات الدار في الفترة المقبلة ومنها تعزيز التطور الملحوظ في التحول الرقمي داخل دار الإفتاء المصرية، بما يعين على إيصال رسالتها إلى كل مكان من خلال تطبيقات ووسائل إلكترونية متعددة تسهل البحث ومتابعة ما يتعلق بالشأن الإفتائي، كالتوسع في الخدمات الإفتائية على السوشيال ميديا، وكذلك إتاحة إمكانية الحجز المسبَّق للمواعيد لطالبي الفتوى الشفوية من خلال بوابة الدار الإلكترونية، مؤكدًا أن هذه الخدمة تأتي مواكبةً للتقدم التكنولوجي وللتسهيل على السادة المستفتين الراغبين في زيارة دار الإفتاء المصرية للحصول على الأجوبة الوافية لأسئلتهم، كما تهدُف دار الإفتاء المصرية من هذه الخدمة إلى راحة المستفتين وتقليل أوقات الانتظار والحد من أوقات تكدس السادة الزوار، ومساعدة المستفتي القادم من أماكن بعيدة على الحصول على طلبه من أول زيارة، وكذلك تتيح هذه الخدمة لطالبي الفتوى اختيار الموعد الملائم لهم ولظروفهم الخاصة وتمكنهم من تغيير الموعد أو إلغائه.
كما استعرض فضيلته تفاصيل أحدث النظم التي تطبقها الدار والتي تمكنه شخصيًّا من متابعة وتقييم منظومة الرد على الفتاوى مشيدًا بالدور الذي يقوم به أمناء الفتوى ومشيرًا إلى أنه يقوم بالتوقيع شخصيًّا على بعض الفتاوى كالتي ترسل للجهات والمؤسسات الرسمية.
وأكد فضيلة المفتي على استمرار الدار في الاهتمام بملف الأسرة وقايةً بتقديم المزيد من دورات الإرشاد الزواجي، وعلاجًا بحماية الأسرة من التفكك والضياع بتوضيح الحكم الشرعي المنضبط الذي يحافظ على الأسرة إيمانًا من الدار بأهمية الأسرة المستقرة؛ لأن ترابط المجتمع أساسه ترابط الأسرة، فإن لم تكن الأسرة مترابطة أصيب المجتمع بخلل شديد.
واختتم فضيلة مفتي الجمهورية حواره بالإشارة إلى خطة الدار الماضية إلى التوسع في إنشاء فروع جديدة بالمحافظات؛ تسهيلًا على المواطنين بالمحافظات المختلفة من أجل الفتاوى التي تتطلب حضورًا أمام أمين الفتوى.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية منظومة كاملة مفتي الجمهورية مستقر استفادة المستجدات المتطرفة تدريب الطلاب هيئات الإفتاء في العالم هيئات الإفتاء الأشياء الحصول على الفترة المقبلة الوسطية شوقى علام دار الإفتاء المصریة مفتی الجمهوریة

إقرأ أيضاً:

تخوف إسرائيلي من إدراك إيران لنقاط الضعف الاسرائيلية.. ستستغلها بالحرب المقبلة

مع تزايد التهديدات الإسرائيلية باستئناف العدوان على إيران مجددا، تخرج مزيد من الاستخلاصات عن "الحرب الأولى" معها، وأهمها أن الأخيرة وضعت يدها على نقاط الضعف الإسرائيلية في مواجهة صواريخ أرض-أرض ومنشآتها الأساسية.

وقال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، الجنرال غيورا آيلاند: إن "الاسرائيليين يحيون اليوم مرور شهر على نهاية حرب الـ12 يوما مع إيران، لكنني أفترض أننا في المستقبل سنُسمّيها حرب إيران الأولى، لأن الحرب أو المزيد من الحروب معها باتت سيناريو شبه مؤكد، وإيران لن تستطيع أن تسامح إسرائيل على ما فعلته بها في يونيو 2025، هذا ليس مجرد نزوة من قيادتها الحالية، بل هو شرف وطني تعرض للضرر، ومن وجهة نظرها لا يوجد سوى طريق واحد لإصلاح هذا، وهو من خلال حرب أخرى ستلحق بإسرائيل أضراراً لا تطاق".

وأضاف آيلاند في مقال نشره موقع "واللا" وترجمته "عربي21" أنه "من وجهة نظر إيران، فإننا فتحنا حساباً معهم لن يكون من السهل تسويته، وهذا يلقي ضوءً مختلفاً، وربما حاسماً، على القرار الإسرائيلي بخوض تلك الحرب، في ضوء عدم مسائل أولاها بعد أن تبين أنها اتخذت قرارها حقاً بحيازة القنبلة النووية، وبالتالي فإن تل أبيب لم يكن لديها خيار آخر سوى الهجوم عليها لمنعها من الحصول على سلاح نووي".


وأشار إلى أن "المسألة الثانية تتعلق بالولايات المتحدة، صحيح أنها لم تنضم فعليا للحرب؛ لكنها اكتفت بهجوم واحد على ثلاثة مواقع نووية، ومن غير الواضح تماما ما إذا كانت ستفعل المزيد في الحرب المقبلة مع الإيرانيين الذين إذا أدركوا أنها لن تكون موجودة في اللعبة، فسيكتسبون المزيد من الثقة في مهاجمة إسرائيل".

وأكد أن "المسألة الثالثة تتعلق بما إذا كان الهدف الرئيسي من الحرب تحقق فعلا، وهو إلحاق أضرار جسيمة بالبرنامج النووي الإيراني، ويبدو لي أن لا أحد يعرف كيف يعطي إجابة دقيقة في الوقت الحالي، صحيح أن أداء سلاح الجو كان ممتازاً في الهجوم، وجيداً نسبياً في الدفاع، لكن يجب أن نعرف كيف نفصل بين جودة التنفيذ وحكمة العمل، لأنه بات من الممكن الآن التشكيك في صحة قرار مهاجمة إيران".

وأضاف أن "منافسة غير مسبوقة بدأت الآن بين إيران ودولة إسرائيل، والغرض منها تحسين الأداء، والحصول على تقنيات جديدة، بعد أن توصلت إيران لثلاثة استنتاجات فورية من الحرب: أولاها إطلاق الصواريخ الباليستية الدقيقة يسبب أضرارا هائلة للإسرائيليين، خاصة إذا استهدفت الإطلاقات أهدافا عسكرية عالية الجودة ومواقع البنية التحتية مثل محطات الطاقة أو محطات تحلية المياه أو المستشفيات، وتعتزم إيران زيادة مخزونها الصاروخي بشكل كبير استعدادا للحرب المقبلة، بعد أن أدركت أن نظامها الدفاعي الجوي قد فشل".

وأشار إلى أن "الاستنتاج الثاني يتعلق بعدم تفعيل إيران لقواتها الجوية، لأسباب غير واضحة، مما تسبب في مزيد من الضعف، ولذلك ستبذل كل جهد ممكن لشراء أنظمة دفاع جوي إضافية وجديدة، وربما الحصول على طائرات مقاتلة حديثة تستطيع روسيا توفيرها لهم، أما الاستنتاج الثالث فهو أن نظام الأمن الداخلي الايراني ظهر قابلاً للاختراق بسهولة من قبل العملاء الإسرائيليين".


وأوضح أن "الجانب الذي يخسر الحرب يعمل بشكل أكثر تصميما على تحسين نفسه استعدادا للحملة التالية، وهو ما حصل مع مصر على سبيل المثال، التي تمكنت من تحسين قدراتها العسكرية المتواضعة بشكل كبير في عام 1967، وإنشاء نظام عسكري فعال بحلول عام 1973".

ودعا الكاتب إلى "تحسين القدرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، لأن معدل النجاح في هذا البعد بلغ 85 بالمئة، وهذا أمر جيد، لكنه ليس كافيا، ولن يكون كافيا بشكل خاص إذا أطلقت إيران صواريخ بعدد مضاعف أو ثلاثة أضعاف".

وأشار إلى أنه "من بين الاستنتاجات المباشرة التي يمكن التوصل إليها أن المرافق الأساسية الاستراتيجية يجب أن تتمتع بالقدرة على توفير الدفاع النقطي، بعد أن اعتمدت إسرائيل فقط حتى الآن على أربع طبقات حماية: القبة الحديدية، مقلاع داود، السهم 2، والسهم 3، وحتى لو حصلنا على نظام السهم 4 الأكثر تطورًا في المستقبل، ستظل هناك حاجة لحماية شخصية للمنشآت الحيوية".

مقالات مشابهة

  • بعد فتوى الحشيش لـ سعاد صالح.. ما الجهة المسؤولة قانونا عن إصدار الفتاوى؟
  • الثاني على الجمهورية بالأزهر: أتمنى الالتحاق بإحدى كليات العلوم الشرعية..وهذه رسالتي للإمام الأكبر
  • بعد إثارة الجدل.. دار الإفتاء المصرية تؤكد حرمة مخدر الحشيش
  • كيف تواكب المؤسسات الدينية الذكاء الاصطناعي دون تفريط في الفتوى؟ مفتي الجمهورية يُجيب
  • علي جمعة لـ مفتي القدس بعد اعتقاله: اثبت فإنكم في ثغر الرباط
  • مفتي الجمهورية ناعيا الدكتور مصطفى فياض: كان من كبار علماء عصره
  • مخاوف من اندلاع حرب بين تايلند وكمبوديا وبانكوك تعلن الأحكام العرفية
  • مفتي الجمهورية جال على عون وبري: وحدة اللبنانيين اقوى سلاح
  • عالم بالأوقاف: إدارة الوقت في الإسلام فريضة إيمانية وليست رفاهية دنيوية
  • تخوف إسرائيلي من إدراك إيران لنقاط الضعف الاسرائيلية.. ستستغلها بالحرب المقبلة