تونس- في مشهد يعكس هشاشة التوازنات داخل البرلمان، قدّم نواب في تونس مبادرة لتفعيل المحكمة الدستورية. لكن في تطور مفاجئ، قام 5 نواب -من إجمالي 10 هم أصحاب المبادرة- بسحب توقيعاتهم، مما أدى إلى سقوط الاقتراح قبل أن يُعرض حتى على التصويت، وذلك في ظل دعوات أطلقها أنصار الرئيس قيس سعيد إلى مسيرات سلمية، رفضا للمقترح.

ويأتي هذا التحول وسط مناخ سياسي مشحون أعاد إلى الواجهة الجدل حول غياب المحكمة الدستورية، ومدى تأثيره على استقرار النظام السياسي والديمقراطي، خاصة في ظل انفراد السلطة التنفيذية بالمشهد وتراجع دور باقي مؤسسات الدولة تدريجيا.

وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة تراشق حاد، حيث اتُّهم النواب المبادرون بالخيانة وأنهم "أعداء الشعب"، في حين وُجهت اتهامات لأنصار سعيد برفضهم للقانون، في مشهد يعكس انقساما سياسيا واجتماعيا بين فئتين تتنازعان الشرعية.

سخرية واستهجان

في السياق، علق أحد النشطاء السياسيين ساخرا على دعوات العودة إلى دستور 2014، واصفا الخطوة بالعبثية، وكتب في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك ينتقد "نسخة 2014″، في إشارة إلى تصريح سابق للرئيس قيس سعيد.

واعتبر أن العودة إلى "نص تجاوزته الأحداث هو وهم سياسي"، مشددا على أن المحكمة الدستورية يجب أن تُنشأ في إطار جديد يتماشى مع دستور 2022، لا "في ظل قانون فقد شرعيته".

إعلان

في المقابل، رأى ناشطون معارضون أن تنظيم وقفات احتجاجية أشبه بـ"مهرجانات ولاء"، في حين شبّه آخرون الوضع بـ"جمهورية شعبية" تُدار فيها القوانين وفق المزاج العام، لا وفق النصوص الملزمة، مما يعكس هشاشة النظام السياسي.

ووصفت منشورات المعارضة الدعوة للتظاهر بـ"كوميديا سياسية سوداء"، ورأت تسنيم الأبيض أن الولاء للرئيس بات مبررا لقمع الأصوات المطالبة بالعودة إلى الدستور وتفعيل النصوص القانونية المجمّدة، في ظل توظيف الشعارات الوطنية لقمع المعارضين وتكميم الأفواه.

أما الناشط الحقوقي رمزي الغربي، فقال "لا معنى للمحكمة الدستورية ما دام الدستور قد صاغه شخص واحد"، في إشارة للرئيس سعيد.

وتعجب ظافر حبيب في تدوينة ساخرا "المشهد يبدو غريبا، ناخبون يحتجون ضد من منحوهم أصواتهم، فقط لأنهم طالبوا بآلية دستورية لتنظيم الحكم". واعتبر أن تحريك الشارع ضد نواب منتخبين يعكس عمق الأزمة التي يعيشها نظام سعيد.

الرئيس قيس سعيد كان رفض المصادقة على مشروع قانون المحكمة الدستورية المنقح (الجزيرة) قلق دستوري

ويرى جيلاني الهمامي، القيادي في حزب العمال، في تصريح للجزيرة نت، أن النواب الذين تراجعوا عن توقيعاتهم خضعوا لضغوط، مما يطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار البرلماني، معتبرا أن هذا التراجع لا يمس فقط بمصداقية المبادرة، بل يكشف عمق الأزمة الدستورية وتعطيل مؤسسات الرقابة.

وقال إن رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يريد إنشاء المحكمة الدستورية أصلا، ليس فقط لأنه لا يرغب في وجود سلطة قد تُشكّل -ولو نظريا- مصدر إزعاج أو مساءلة له في المستقبل، حتى وإن كان يملك القدرة على تعيين أعضائها، بل لأنه ببساطة لا يرى جدوى من وجودها، ولا يؤمن بأهمية التوازن بين السلطات.

وحسب الهمامي، فإن المعركة التي دارت في السابق حول المحكمة الدستورية كانت معركة نفوذ بين مختلف مراكز القرار، إذ كان كل طرف يسعى إلى ضمان موالاة الأعضاء المزمع انتخابهم. أما اليوم، فإن "سعيد لا يرى في هذه المحكمة أي ضرورة بعد أن احتكر السلطات بيده وغيّب كل آليات الرقابة".

إعلان

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في حديث للجزيرة نت، أن فشل تونس في إرساء المحكمة الدستورية مسؤوليةٌ تتحملها كل الحكومات بعد الثورة، بما في ذلك حكومات الترويكا، بسبب التعقيدات التنظيمية والصراع السياسي حول تركيبة أعضائها.

وأضاف أن غياب المحكمة كان العنوان الأبرز الذي ساهم في الأزمة السياسية، فعجزت مؤسسات الدولة عن حسم النزاعات بين السلطات، مبينا أن هذا الغياب ولّد ضبابية قانونية وسمح بتمرير قرارات مثيرة للجدل دون رقابة دستورية تضمن الحقوق وتضبط صلاحيات الحُكم.

ويرى الجورشي أن الوضع تغير اليوم، فالمحكمة الدستورية المقبلة يُتوقع أن تكون خاضعة لإرادة الحكم الحالي، وتحت إشراف الرئيس سعيد مباشرة. وأكد أن أعضاءها سيكونون بقراره، وهو ما ينفي عنها الاستقلالية والضمانات الدستورية.

سيناريوهات مستقبلية

من جهته، يرجح المحلل السياسي إبراهيم العمري أن تونس تتجه نحو أحد 3 سيناريوهات:

الأول: تفعيل المحكمة الدستورية استجابة لضغوط داخلية وخارجية، مما قد يعيد بعض الثقة بالمسار السياسي، من دون أن يحد فعليا من قبضة الرئيس على النظام، معتبرا أن "سلطة الانقلاب" لن تؤسس للديمقراطية في تونس بدستور كتبه سعيد بمفرده. الثاني: يتمثل في مواصلة تجاهل المحكمة، مما يكرّس حكم الفرد ويزيد من الشكوك لدى الشركاء الدوليين، وهو ما قد يؤثر سلبا على المساعدات المالية والسياسية التي تحتاجها البلاد للخروج من أزمتها الاقتصادية. الثالث: يتمثل في محاولة فرض تعديل دستوري جديد يعيد تشكيل المشهد القانوني والسياسي على مقاس السلطة القائمة، وهو مسار محفوف بالمخاطر داخليا وخارجيا، وقد يضاعف من عزلة تونس سياسيا ويدفع نحو التصعيد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المحکمة الدستوریة قیس سعید

إقرأ أيضاً:

خطوات أمنية محدودة لرفع الضغط السياسي

تتوقع أوساط دبلوماسية أن يعود الخطاب المتعلق بالحرب والضربات العسكرية إلى الواجهة تدريجيًا خلال الأسابيع المقبلة، مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددتها واشنطن بشأن ملف سلاح حزب الله.

وتشير هذه الأوساط إلى أن الهدوء النسبي السائد لن يستمر طويلًا، وأن بعض العواصم تستعد لمرحلة جديدة من الرسائل الاسرائيلية  القاسية، سواء عبر التصعيد الكلامي أو عبر خطوات أمنية محدودة لرفع الضغط السياسي.

وبحسب المصادر نفسها، فإن عودة التهويل ليست بالضرورة مؤشرًا على عمل عسكري وشيك، لكنها خطوة تهدف إلى إعادة تعويم شروط التفاوض قبل الدخول في مرحلة أكثر حساسية داخليًا وإقليميًا. المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة كالاس: إمكانات الاتحاد الأوروبي للضغط على الصين بشأن أوكرانيا محدودة Lebanon 24 كالاس: إمكانات الاتحاد الأوروبي للضغط على الصين بشأن أوكرانيا محدودة 12/12/2025 08:16:29 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 قاسم: يهددون بعدوان أوسع لإرغامنا على الاستسلام وكل هذه التهديدات هي شكل من أشكال الضغط السياسي Lebanon 24 قاسم: يهددون بعدوان أوسع لإرغامنا على الاستسلام وكل هذه التهديدات هي شكل من أشكال الضغط السياسي 12/12/2025 08:16:29 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 شحادة: هدف سلاح حزب الله الضغط السياسي داخل لبنان Lebanon 24 شحادة: هدف سلاح حزب الله الضغط السياسي داخل لبنان 12/12/2025 08:16:29 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان ينتظر رداً أميركياً وإسرائيلياً على طرح التفاوض وتوقعات بتصعيد الضغط السياسي والعسكري Lebanon 24 لبنان ينتظر رداً أميركياً وإسرائيلياً على طرح التفاوض وتوقعات بتصعيد الضغط السياسي والعسكري 12/12/2025 08:16:29 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص رادار لبنان24 حزب الله دبلوماسي واشنطن ماسي ساسي دبلو الهد سابي قد يعجبك أيضاً حركة ديبلوماسية لتجنيب لبنان تداعيات أي توسّع للحرب.. السفير الاميركي: نتفهّم هواجس إسرائيل Lebanon 24 حركة ديبلوماسية لتجنيب لبنان تداعيات أي توسّع للحرب.. السفير الاميركي: نتفهّم هواجس إسرائيل 01:00 | 2025-12-12 12/12/2025 01:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 باسيل: على الحزب الاعتراف انه لم يعد قادرا على حماية لبنان Lebanon 24 باسيل: على الحزب الاعتراف انه لم يعد قادرا على حماية لبنان 00:47 | 2025-12-12 12/12/2025 12:47:42 Lebanon 24 Lebanon 24 عبدالله هنأ ديوان المحاسبة بفوزه بعضوية "الارابوساي" Lebanon 24 عبدالله هنأ ديوان المحاسبة بفوزه بعضوية "الارابوساي" 00:35 | 2025-12-12 12/12/2025 12:35:53 Lebanon 24 Lebanon 24 صباح اليوم.. إليكم حال الطرقات الجبلية Lebanon 24 صباح اليوم.. إليكم حال الطرقات الجبلية 00:03 | 2025-12-12 12/12/2025 12:03:00 Lebanon 24 Lebanon 24 في عكار.. أُصيب برصاصة برأسه عن طريق الخطأ Lebanon 24 في عكار.. أُصيب برصاصة برأسه عن طريق الخطأ 23:49 | 2025-12-11 11/12/2025 11:49:46 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالصورة... شخصٌ واحدٌ فاز بأكبر جائزة "لوتو" في تاريخ لبنان Lebanon 24 بالصورة... شخصٌ واحدٌ فاز بأكبر جائزة "لوتو" في تاريخ لبنان 13:34 | 2025-12-11 11/12/2025 01:34:13 Lebanon 24 Lebanon 24 شقيقة المبدع جورج خباز.. ممثلة لبنانية تتعرض لحادث سير مروّع (فيديو) Lebanon 24 شقيقة المبدع جورج خباز.. ممثلة لبنانية تتعرض لحادث سير مروّع (فيديو) 08:38 | 2025-12-11 11/12/2025 08:38:32 Lebanon 24 Lebanon 24 حالات تسمّم في بلدة لبنانية.. أكثر من 70 مصابا بينهم راهبات Lebanon 24 حالات تسمّم في بلدة لبنانية.. أكثر من 70 مصابا بينهم راهبات 07:14 | 2025-12-11 11/12/2025 07:14:37 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد تعرّضها لحادث سير ونقلها إلى المستشفى... ما هو وضع الممثلة لورا خباز الصحيّ؟ Lebanon 24 بعد تعرّضها لحادث سير ونقلها إلى المستشفى... ما هو وضع الممثلة لورا خباز الصحيّ؟ 11:21 | 2025-12-11 11/12/2025 11:21:06 Lebanon 24 Lebanon 24 مداهمة في الأشرفية… وتوقيف مجموعة داخل منزل مُشتبه به Lebanon 24 مداهمة في الأشرفية… وتوقيف مجموعة داخل منزل مُشتبه به 04:39 | 2025-12-11 11/12/2025 04:39:36 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب "خاص لبنان24" أيضاً في لبنان 01:00 | 2025-12-12 حركة ديبلوماسية لتجنيب لبنان تداعيات أي توسّع للحرب.. السفير الاميركي: نتفهّم هواجس إسرائيل 00:47 | 2025-12-12 باسيل: على الحزب الاعتراف انه لم يعد قادرا على حماية لبنان 00:35 | 2025-12-12 عبدالله هنأ ديوان المحاسبة بفوزه بعضوية "الارابوساي" 00:03 | 2025-12-12 صباح اليوم.. إليكم حال الطرقات الجبلية 23:49 | 2025-12-11 في عكار.. أُصيب برصاصة برأسه عن طريق الخطأ 23:09 | 2025-12-11 بين"حزب الله" وحاكم مصرف لبنان: هواجس متبادلة قيد البحث فيديو هل بدأ العدّ التنازلي لعمل عسكري أميركي ضد فنزويلا؟ Lebanon 24 هل بدأ العدّ التنازلي لعمل عسكري أميركي ضد فنزويلا؟ 10:00 | 2025-12-11 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب ! 05:09 | 2025-12-06 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو) Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو) 04:00 | 2025-12-06 12/12/2025 08:16:29 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • القضاء الأعلى يحدد المدد الدستورية القصوى لتشكيل السلطات الثلاث.. وثيقة
  • النائب محمد رزق: التصعيد بين تايلاند وكمبوديا يهدد استقرار جنوب شرقي آسيا
  • الشبلي لـ«عين ليبيا»: الحوار المهيكل بلا التزامات ويكرس الجمود السياسي
  • تعلن محكمة صنعاء الجديدة أن على المدعى عليه سعيد أحمد الحجاري الحضور إلى المحكمة
  • تعلن محكمة بني مطر أن على المدعى عليه بلال سعيد أحمد الحضور إلى المحكمة
  • تعلن محكمة التعزية الابتدائية بأن على/ معروف سعيد النامس الحضور إلى المحكمة
  • رئيس وزراء العراق: بعثة الأمم المتحدة كانت شريكا حيويا وأسهمت في تثبيت المسارات الدستورية
  • المرزوقي يدعو إلى التظاهر لإسقاط النظام واستعادة دولة القانون في تونس
  • بغداد.. ذئب خلف القضبان منذ شهر وسط غياب الرقابة (صور)
  • خطوات أمنية محدودة لرفع الضغط السياسي