سودانايل:
2025-06-26@08:37:48 GMT

سياحة في مواجع حسين بازرعة !

تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT

قررت يا وطني اغتيالك بالسفر
وحجزت تذكرتي وودعت السنابل والجداول والشجر
وأخذت في جيبي تصاوير الحقول
أخذت امضاء القمر
وأخذت وجه حبيبتي وأخذت رائحة المطر
قلبي عليك وأنت يا وطني تنام على حجر

نزار قباني

بقلم: حسن أبو زينب عمر

(1)
لازال حسين با زرعة الأبرز في ذاكرتنا والأقرب الى وجداننا الجمعي غناء وتجربة إنسانية مثيرة فكل ما فيه يدعو الى التوقف والتأمل والاهتمام فهو ظاهرة متفردة واستثنائية تدع الكثيرون رغم مرور السنوات على رحيله للبحث عن إجابة لعلامة استفهام حائرة ما سر هذا الرجل؟ .

.كيف استمر بهذا الحضور اللافت حتى لدى أجيال لم تعش زمانه أو ترتبط به ؟ الإجابة ان با زرعة هو ساحر الشعر وصانع الأنغام الخالدة الى الأبد وأحد أفذاذ الشعر الغنائي بل هو بكل جدارة واستحقاق أهم الرموز الفنية.
(2)
أشعاره كانت نتاجا لتجارب شخصية ذاتية معظمها تفجرت شلالات من الأسى ودموعا من الحزن ذرفها في صمت على قصص حب لم تنضج على نيران هادئة ولكنه حرص على عدم الإفصاح عنها فقد كان شخصية محافظة حريصة على اسدال ستارا من السرية على خصوصياته لولا شيطان الشعر وأقرب المقربين اليه وهي شقيقته اللذان أخرجاها على الملأ.
(3)
كان الفنان عثمان حسين الذي شكل معه أحد أجمل الثنائيات في تاريخ الأغنية السودانية أكثرهم إدراكا والماما بها وربما كان مستودعا لأسراره سيما وقد ترنم بأشعاره في عدة أغنيات منها (أنا والنجم والمساء وشجن وقصتنا وصدقيني وعشقك حرام ولا تسلني) . ويقول ان الحزن يسكنه في هذه الأغنية
أنا والنجم والمساء ضمنا الوجد والحنين
جف في كأسي الرجاء وبكت فرحة السنين
تحمل الشوق والصبا والخيالات موكبا
في الهوى هاج مدمعي حبها الخالد الألم
كلما لاح بارق من محياها خافق
مات بالهم عاشق
(4)
عشق حسين با زرعة مرتين في حياته، وحينما سأله الاستاذ عمر الجزلي في برنامجه (اسماء في حياتنا) عن قصة حبه تلك فذرف الدموع كثيرا وقال له وهو الحضرمي المحافظ الذي نفى بشدة في لقاء تلفزيوني أنه كان ينتظر الحبيبة حينما قال (هاهنا كان موعدي وهنا كان مقعدي) مشيرا بأن الزوج في المجتمع الحضرمي لا يرى زوجته الا في ليلة الزفاف ورد على الجزلي قائلا: (لا تسلني) وكانت هذه الاغنية خلفية لهذا المشهد الدرامي
لا تسل عني ليالي يا حبيبي لا تسلني
لا تسلها فهي حلم عابر طاف بذهني
لا تسلها كم تعانقنا على رفقة لحني
وقضينا الليل في الأولى حديثا وتمني
وسل الشاطئ لما كنت القاك دواما
ونذيب الليل همسا وعناقا وملاما
انت في عمري ربيع نابه يملأ نفسي
أفلا عدت وعادت قصة الحب لك أمسي
(5)
تقول الروايات ان التجربة الأولى لبازرعة مع الحب كانت في سنكات وكانت مع أحد الفاتنات اللاتي كن يزرن المدينة مع الاسرة لقضاء المصيف ولكن العلاقة لم تتوج في القفص الذهبي فقد اعترض أهله وبالأخص شقيقه على مبدأ الزواج نهائيا فانتهت العلاقة الى لا شيء وان كان أوارها ظل مشتعلا في قلبه أما الثانية فهي التي هام بها وجدا والتياعا وصاغ وطوع فيها القصيد كانت (س) أحد حسناوات بورتسودان حسب اعترافه هو وشهادة شقيقته فقد تعلق بها و اوشك أن يعقد عليها ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن .. تفاصيلها غريبة مثيرة لكن النتائج هي نفسها (تعددت الأسباب والموت واحد) فقد جاء الرفض هذه المرة من أهل الفتاة تحت مبررات فطيرة كانت سائدة في مجتمعات ذلك الزمان وهي ان اهل الفن والشعر والطرب خارج حوش الاستقامة الأخلاقية وفشلت كل الوساطات وانهارت قلعة الحب التي شيدها الشاعر الرقيق فعبر البحر الى جدة في الضفة الأخرى مغاضبا ومتوسدا آلامه ولكن الرابح الأكبر كان المستمع السوداني الذي عانقت أذنيه أغنية ا(لمصير) التحفة التي جعلتها أكثر عذوبة حنجرة الفنان عثمان حسين.
(6)
قـدر ما حاولت اخاصمك وانسي احـزاني وأسايـا
واكتم الغيرة الفي قلبي واطوي جرحي في الحنايا
القـي اثارك في حواسي وظلك يتبعني في خـطايــا
القـي كـل الدنيـا حولي تهاتي بي اسـمـك معايــا
في حـــياتي قبــلك انت عشت قصة حب قـاسيه
لـســه مازالـــت في قــلبي ذكرياته المرة باقــيه
(كان يشير الى فتاة سنكات التي ذهبت قصتها أدراج الريح)
لما هليت في وجودي وقلت بيك سعادتي باقية
لكن انت هدمت أملي بعد عشره نــبيله سامـيه
انـا لو عــارف خــصامــك لي ايامــه بـــتطـول
كــنت مــا ارتددت لحـظه لمي حــار بي الدلـيل
انسي ظلمك وارجي حلمك وانس كل الراح قبيل
اصـلوا حبك فـوق ارادتي حب يجاوز المستحيل
(7)
لم يكتفى الشاعر الملتاع بالمصير بل ألحقها ب(بعد الصبر)
ليه تقول ايامنا راحت وانتهينا
يا حبيبي والله كانت ديك سحابة
لو حصل في العمر مرة وافترقنا
هي غلطة ونحن نتحمل عذابا
اي واحد ليه في تاريخه ماضي
واي ماضي ليه ذكري حب قديمة
وانت عارف لما اخترتك حبيبي
كان في قلبي جرح يندي بالهزيمة
الا انت صرت اغلي حب عندي
وكنت راضي معاي بظروفي الاليمة
وكنت راضي معاي بالشقي
في طفولتي الاليمة
(8)
وتتوالى قصص بكاء بازرعة على اللبن المسكوب والحب الذي عصفت به الرياح فجائت (قصتنا)
ﺑﺎﻟﻤﻌﺰﺓ ﺑﺎﻟﻤﻮﺩﺓ ﺍﻟﺒﻴﻨﺎ ﺑﺃﻏﻠﻰ ﺍﻟﺼﻼﺕ
ﺑﺎﻟﻬﻮﻯ ﺍﻟﻌﺸﻨﺎﻩ ﺑﺃﻋﺼﺎﺑﻨﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﺳﻨﻴﻦ ﻭﻣﺎﺕ
ﺑﺎﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﺸﻔﺘﻮ ﻭﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻜﺘﻤﺘﻮ
ﻭﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﻄﻴﺒﺎﺕ ﺍﺳﺘﺤﻠﻔﻚ ﺃﺗﺮﻙ ﺳﺒﻴﻠﻲ
ﻭﺳﻴﺒﻨﻲ ﻭﺣﺪﻱ ﺃﻗﺎﺳﻲ ﻭﺃﺑﻜﻲ ﻣﺮ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕ
ﺃﻧﺎ ﺑﺣﻨﺎﻧﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﻲ ﺧﺼﻴﺘﻚ ﻭﺣﺒﻴﺘﻚ ﺑﻜﻞ ﺟﻮﺍﺭﺣﻲ
ﻭﻋﻮﺍﻃﻔﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ
ﺃﻧﺎ ﺷﻠﺖ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻚ ﻫﻤﻮﻡ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ
ﻗﺎﺳﻴﺖ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺣﻬﺎ ﻭﻛﻞ ﺿﻴﻘﻬﺎ
ﻟﺴﻌﺎﺩﺗﻚ ﺇﻧﺖ ﻛﻢ ﺿﺤﻴﺖ ﻭﺇﺗﻐﺮﺑﺖ
ﻣﺎ ﺧﻠﻴﺖ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﻱ ﺍﻟﻤﻀﻨﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
(9)
رغم تعاقب السنين ودوران ساعات الزمان كان بازرعة ولازال طاقة إبداعية متدفقة تدخل القلوب دون استئذان بذات الألق الساطع الوهاج فكأنه كبسولة خرافية لا تكترث لعاديات الزمان وصروف الأقدار فقد ظلت جراحه نازفة بعد تلقيه طعنة غدر
جاي تترجاني ..أغفر ليك ذنبك
ما كفاية الشفتو من نارك وحبك انت فاكر تأني
أرجعك لك واعاتبك ..لا يا ناكر دربي أصبح ماهو
دربك ..كنت تحلم بالسعادة هي غير ما أنت فاكر هي في كلمة مودة
هي نبضة مشاعر للقلوب الما ترد لأي طارق
اجتمعنا على الحب في ثوان في طريق مفروش بحبي وحناني
وافترقنا كل واحد في طريقو
أنا ضايع وانت مخدوع بالأماني
كل زادي في ضياعي وقلبي مفتوح للأحبة
(10)
في لقاء ضمن برنامج أسماء في حياتنا سأله عمر الجزلي ما سر الحزن في أغانيك؟
وكانت اجابة بازرعة ان الحزن لا زال يسكنه وقد نمى وترعرع منذ وفاة والده ووالدته وكان السؤال الثاني لماذا اغتربت ومتى كان التفكير في الاغتراب ولماذا طال الغياب وجائت الاجابة التي سلطت الأضواء على الأسباب الحقيقية التي حرص على بقائها في منطقة العتمة فقال .. (لم أكن أفكر في الاغتراب ولكنني تعرضت لتجربة شخصية مريرة خاصة دفعتني للتفكير في الخروج للانفكاك من قبضة الحزن بالحج الى الأراضي المقدسة) وهناك وجد تشجيعا من أبناء شقيقته. فابتعد غاضبا يتجرع كؤوس الحسرة والألم واستقربه المقام في جدة ملتحقا بشركة (باخشب) ..بازرعة يعترف ويقول انه بسبب التجارب المريرة فانه لا يحب حتى السماع لأغانيه القديمة خوفا من نكأ الجراح مشيرا بأن الأحزان أكثر عمقا من الأفراح .. ومع ذلك فانه حينما طال الغياب وتمددت سنوات الغربة وطالت الأشواق وتعالت أمواج الحنين كتب من المنفى يقول:
كل طائر مرتحل عبر البحر قاصد الأهل حملته أشواقي الدفيقة
ليك يا حبيبي للوطن لترابه لشطآنه للدار الوريفة
لكن حنانك لي أو حتى مشاعرك نحوي ما كانت حقيقة
كانت وهم ..كانت دموع ..مسفوحة بأحرف أنيقة

oabuzinap@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

شهداء لقمة العيش.. الحزن يخيم على قرية الترامسة بقنا عقب غرق شابين بأسوان

شهدت قرية الترامسة التابعة لمركز قنا، حالة من الحزن على شابين، لقيا مصرعهما غرقا في ترعة توشكى بمحافظة أسوان، أثناء عودتهما من مهمة عمل مع تاجر فراخ، حيث حاولا تخفيف أجواء الحرارة التي تشهدها البلاد بالنزول إلى الترعة والاستمتاع بالمياه الباردة، إلا أنهما خرجا جثتين هامدتين.

سيارة فراخ

رحلة الشابين بدأت بمرافقة سيارة فراخ لأحد أقاربهما متوجهة إلى أسوان، كعادتهما كل فترة، وأثناء عودتهما شعر الشابان الصديقان، بارتفاع شديد في درجات الحرارة، ما دفعهما إلى النزول إلى ترعة توشكى على الطريق، لتلطيف جسديهما بالمياه، إلا أنهما لم يستطيعا مقاومة تيار المياه، الذى جرفهما إلى أعماق الترعة، لتنتهى رحلة عملهما داخل أعماق المياه.

محافظ قنا يطلق خطة تنموية لتحقيق تكامل عمرانى شاملأول يوليو.. تعليم قنا تعلن فتح باب نقل الطلاب بين المدارسمجازاة المقصرين..وكيل صحة قنا يعتذر لمريض في منزله تعرض لتقصير طبيإصابة أسرة من 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بطريق قنا - سفاجا

بدورها تحولت صفحات رواد مواقع التواصل الاجتماعى بقرية الترامسة "مسقط رأس الشابين"، إلى دفتر عزاء، ينعى الشابين الفقيدين اللذين يتمتعان بأخلاق رفيعة وعلاقات طيبة مع الكثير من أهالى القرية، وكانا مثالين للشباب المكافح الباحث عن فرصة عمل ينفق بها على نفسه وأسرته.

حزن بقرية الترامسة

فيما استعدت القرية لاستقبال جثماني الشابين المتوفيين، عقب إنهاء إجراءات وتصاريح الوفاة، تمهيداً لدفنهما بمقابر الأسرة بالقرية، وسط حالة من الحزن بين الأهالى، فضلاً عن توجه عدد كبير من الأهالى بسياراتهم إلى محافظة أسوان للمشاركة فى إحضار وتشييع جثامين الشابين.

وكانت أجهزة الأمن بمحافظة أسوان، تلقت إخطاراً من غرفة العمليات، يفيد بمصرع شابين غرقاً في مياه ترعة توشكى، أثناء نزولهما للاستحمام هرباً من حرارة الجو القاسية، ما أدى إلى مصرعهما في الحال، وتبين عقب معاينة الجثث مصرع حمادة وحيد أبوالمجد، وعلى أشرف أبوالخير" مقيمان بقرية الترامسة التابعة لمحافظة قنا"، وذلك أثناء عودتهما من أسوان إلى مسقط رأسهما بمحافظة قنا.

طباعة شارك قنا قرية الترامسة محافظة أسوان ترعة توشكى مهمة عمل

مقالات مشابهة

  • شهداء لقمة العيش.. الحزن يخيم على قرية الترامسة بقنا عقب غرق شابين بأسوان
  • وزير الدفاع الأمريكي: ضرباتنا التي استهدفت المواقع النووية بإيران كانت مثالية
  • الزعاق للطلاب: استمتعوا بالأشياء التي تمتلكونها ولو كانت بسيطة..فيديو
  • سياحة الأماكن الخطرة.. حينما تكون المجازفة غاية السفر
  • العرابي: إيران اكتسبت قوة ليست فى نفس الوضع التي كانت إسرائيل تستهين به من قبل العمليات العسكرية
  • أرامل في وطن جاف من يربّت على أكتاف الحزن؟
  • زرداري: كانت لدينا بضع ثوان فقط لنقرر ما إذا كان الصاروخ الذي نشرته الهند نوويا
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • وزير الداخلية السيد أنس خطاب ورئيس جهاز الاستخبارات العامة السيد حسين السلامة، يعقدان جلسة طارئة، للوقوف على آخر مجريات التحقيقات المتعلقة بالتفجير الإرهابي الغادر، الذي وقع يوم أمس في كنيسة القديس مار الياس بدمشق.
  • سياحة جاك السفاح في لندن..ما سر شهرة رجل قتل أكثر من 5 نساء؟