السودان وسلاح الجغرافيا.. تخيل نفس هذه الحرب مع دولة جارة
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
التحدي الحقيقي الذي يواجه الشعب السوداني ليس هو التعايش في ظل التناقضات والانقسامات الاجتماعية الموجودة في البلد؛ هذه التنافضات هي بلاشك تحدي ولكنه ثانوي ويُمكن التغلُّب عليه عبر مشروع وطني. ولكن التحدي الأكبر هو تحدي التحرر والسيادة الوطنية للشعب الذي يعيش على هذه الرقعة الواسعة التي تحمل اسم السودان.
هذه الأرض هي بالنسبة للعدو الخارجي عبارة عن موارد يجب استغلالها. مخططات التقسيم التي تستهدف السودان لها ماوراءها؛ فمن الغباء أن نتصور أن هناك من يريد تقسيم السودان لكي يحل لنا مشكلة التعايش والاستقرار.
جزء من المشاكل والازمات التي نعانيها قد يكون حقيقي ولكن هناك أيضاً من يلعب على هذه الازمات من أجل تقسيم بلدنا، لا لكي يحررنا من هذه الأزمات ولكن لكي يسهل عليه السيطرة علينا واستعبادنا.
حقيقة الأمل الوحيد للخلاص من مخططات الهيمنة والاستعباد هو دولة قوية متماسكة.
مساحة السودان الكبيرة وتنوع موارده وإمكانياته المادية والبشرية هذه عوامل قوة الدولة في صراعها من أجل البقاء في عالم لا يرحم الضعفاء.
مخطئ من يتصور أن دويلات صغيرة ضعيفة ستكون هي نهاية المطاف في التفكك والانحلال.
دولة ضعيفة في الوسط يعني أن تكون عرضة للمزيد من التفكك وفقدان المزيد من الأراضي في الشرق،
ستطمع فيك إثيوبيا التي ستكون أقوى منك وسكانها أضعاف سكانك ستحتل أجزاء من أراضيك،
دولة مثل إرتريا على ضعفها ستأخذ نصيبها من الكيكة، ليس هناك ضمان من عدم انفصال الشرق كله.
وستكون أضعف أمام دولة كبيرة وقوية مثل مصر التي هي أيضاً يمكن أن تحتل أجزاء من أراضيك. ويمكن أن يحدث أمر مشابه في الغرب.
نحن لسنا أقوى من دولة مثل أوكرانيا، وهي مهددة بالزوال من الخريطة كدولة.
السودان يستمد وزنه الإقليمي والدولي من إمكانياته الكبيرة من موقعه الاستراتيجي كمدخل لإفريقيا بموانيه وانبساطه وانفتاحه على الداخل الأفريقي وبموارده المتنوعه على امتداد جغرافيا السودان. تفككه إلى دويلات يعني فقدان هذا الوزن الاستراتيجي.
الجيش حالياً يقاتل تمرد مجموعة صغيرة تمردت عليه. داخل حدود السودان، ولكن يمكن تخيل نفس هذه الحرب مع اختلاف بسيط، حرب مع دولة جارة بجيشها وطايراتها ومطاراتها.
تخيل أن حدود دولتك هي ولاية القضارف أو حتى الجزيرة من الشرق وولاية شمال كردفان أو ربما غرب أم درمان والنيل الأبيض حتى. أي دولة بدون أي عمق جغرافي ما الذي سمنع من اجتياحك ومسحك من الخريطة نهائياً؟ النوايا الحسنة؟
الدول تشن الحروب لتوسيع حدودها، ليس لمجرد الطمع التوسعي ولكن أيضاً من أجل الدفاع، من أجل إبقاء الأعداء على أبعد مسافة ممكنة.
توسيع حدود الدولة يعني إبعاد الأعداء من عمقها الاستراتيجي والعكس صحيح. عندما تفقد مساحات جغرافية من دولتك يصبح العدو أقرب أكثر فأكثر.
فالجغرافيا هي أحد أهم الأسلحة في الحرب والدفاع عن الوجود. وهي أيضاً أهم عامل من عوامل القوة.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
ابراهيم هباني
في السودان لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليفهم ما الذي يجعل الاطراف المتحاربة تتفق بسرعة، وما الذي يجعلها تختلف حتى اخر مدى.
يكفي النظر الى ما جرى في هجليج، وما جرى قبله في الفاشر وبابنوسة، ليتضح ان اولويات الحرب لا علاقة لها بحياة الناس، بل بما فوق الارض وتحتها.
في هجليج، انسحب الجيش السوداني الى جنوب السودان، ودخلت قوات الدعم السريع الحقل بلا مقاومة كبيرة، ثم ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليؤمن المنشاة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد بلاده.
ولم يحتج الامر الى جولات تفاوض او بيانات مطولة. اتفاق سريع، وترتيبات واضحة، وهدوء مفاجئ. السبب بسيط: الحقل شريان لبلدين، وله وزن في حسابات دولية تتابع النفط اكثر مما تتابع الحرب.
لكن الصورة تختلف تماما عندما نعود الى الفاشر. المدينة عاشت اكثر من خمسمئة يوم تحت الحصار. 500 يوم من الجوع والانهيار، بلا انسحاب من هذا الطرف او ذاك، وبلا موافقة على مبادرة لتجنيبها الحرب. سقطت الفاشر لانها ليست هجليج. لا تملك بئرا، ولا انبوبا، ولا محطة معالجة. ولذلك بقيت خارج الحسابات.
وبابنوسة قصة اخرى من النوع نفسه. المدينة ظلت لما يقارب 680 يوما بين حصار واشتباكات وانقطاع، ثم سقطت نهائيا.
وخلال ذلك نزح منها ما لا يقل عن 45 الف شخص. ومع ذلك لم تعلن وساطة عاجلة، ولا ترتيبات لحماية المدنيين، ولا ما يشبه العجلة التي رأيناها في هجليج الغنية بالنفط!
بابنوسة، مثل الفاشر، لا تضخ نفطا، ولذلك لم تجد اهتماما كبيرا.
دولة جنوب السودان تحركت في هجليج لانها تعرف ان بقاءها الاقتصادي مرتبط بانبوب يمر عبر السودان.
والصين تراقب لان مصالحها القديمة في القطاع تجعل استقرار الحقول مسألة مهمة.
اما الاطراف السودانية، فاستجابت بسرعة نادرة عندما تعلق الامر بالبرميل، بينما بقيت المدن تنتظر نصيبا من العقل، او نصيبا من الرحمة.
المعادلة واضحة. عندما يهدد النفط، تبرم الترتيبات خلال ساعات. وعندما يهدد الناس، لا يحدث شيء. هجليج اخليت لانها مربحة. الفاشر وبابنوسة تركتا لان كلفتهما بشرية فقط.
والمؤسف ان هذا ليس تحليلا بقدر ما هو وصف مباشر لما حدث. برميل النفط حظي بحماية طارئة، بينما المدن السودانية حظيت بالصمت.
وفي نهاية المشهد، يبقى الشعب السوداني وحيدا، يواجه مصيره بلا وساطة تحميه، وبلا اتفاق ينقذه، وبلا جهة تضع حياته في اولوياتها.
هذه هي الحكاية، بلا تجميل. النفط يوقع له اتفاق سريع. الشعب ينتظر اتفاقا لم يأت بعد.
الوسومإبراهيم هباني